الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التمريض في الرعاية الصحية الأولية هو مقياس الجودة

نشر بتاريخ: 09/12/2012 ( آخر تحديث: 09/12/2012 الساعة: 09:59 )
رام الله- معا- تعتبر مهنة التمريض من أهم المهن في القطاع الصحي، وتمثل إحدى أهم المهن الاستراتيجية والرئيسية في نظم الرعاية الصحية. تشير منظمة الصحة العالمية إلى الأهمية الكبيرة التي توليها لمهنة التمريض والقبالة، كونها تسهم إسهاما فعالا في الارتقاء بصحة الإنسان أو استعادة عافيته عند المرض، وعليه فإن الممرض/الممرضة حجر الزاوية في جودةالخدمة الصحية سواء في المستشفى أو في عيادات الرعاية الصحية الأولية.

جاء مؤتمر التمريض في الرعاية الصحية الأولية الذي عقد في رام الله في أيلول الماضي ليعزز أهمية هذا القطاع ويلقي الضوء على أسمى المهن التي ابتكرها الإنسان.

وأكد وزير الصحة خلال كلمته في افتتاح المؤتمر على أن التمريض "لم يعد جزءا مكملا في العملية الصحية، بل له أدوار علمية وبحثية هامة."هذا ولا تقتصر الرعاية الصحية على تقديم الخدمة العلاجية، بل تشمل تقديم خدمة وقائية مثل التثقيف والتوعية الصحية من خلال إعطاء الإرشادات والنصائح التوعوية حول مسببات الأمراض وكيفية الوقاية منها.

وتمارس سميرة قباجة مهنة التمريض منذ 25 عاما في قرية ترقوميا غرب الخليل، حيث التحقت بكلية ابن سينا للتمريض والقبالة في رام الله مباشرة بعد استكمال التوجيهي، وبعد تخرجها من الكلية أصبحت ممرضة في عيادة الرعاية الأولية في البلدة. عندما تدخل قسم الأمومة والطفولة في عيادة ترقوميا، تستقبلك سميرة بابتسامتها البشوشة والحنونة لتشعر الأم بالطمأنينة ويشعر الطفل بالحنان. لا تبخل سميرة بالرد على أي سؤال من الأمهات اللواتي جئن من القرية أوالقرى المجاورة لمراجعة الطبيب، وتقديم المشورة عند الاستفسار، فهذه الممرضة الكفؤة التي تعرف نساء البلدة كما لو كنا أسرتها تشعر بالفخر والسعادة عندما تقوم باستقبال المراجعات وتسجيلهن وتقديم النصيحة لهن.
|197239|
وفي الطرف الشمالي الغربي للضفة الغربية، حيث تقع قرية كفر ثلث في محافظة قلقيلية، تستقبلنا زهر شواهنة بابتسامة عريضة تفرح القلب وتشعرنا، رغم أننا لسنا من المراجعين، بالراحة والسعادة وكأننا نعرفها منذ زمن. تحدثت زهر لنا بإسهاب حول المهنة التي زاولتها منذ أكثر من 21 سنة، عندما تخرجت كذلك من كلية ابن سينا للتمريض والقبالة في رام الله والتحقت للعمل في عيادة قريتها منذ ذلك الحين. تقول السيدة زهر أنها تشعر وكأنها ملكة في عملها، يستشيرها الجميع في العديد من الأمور الصحية وغيرها. تشعر زهر بالاحترام والتقدير، فهذه المهنة، رغم العبء الثقيل، أهم ما فيها هو تقديم خدمة إنسانية لجيرانها وأهلها وأبناء قريتها والعزب المجاورة.

تواجه سميرة قباجة وزهر شواهنة نفس التحديات والصعوبات في عملهما؛ فضغط العمل الشديد وتنوعه من رعاية أمومة وطفولة إلى تطعيم وإرشادات ومراجعات وعمل ملفات للطبيب وإدخال جميع البيانات في السجلات وغيرها من الأمور الإدارية، يأخذ جميع طاقاتهما. هذا بالإضافة إلى الأعباء الأسرية حيث ترعى سميرة وزهر عائلتيهما المكونة من 6أبناء وبنات لكل منهما.

تعتبر العيادة الصحية في كفر ثلث من المستوى الثاني، حيث يحضر الطبيب مرتين في الأسبوع لمعاينة وعلاجالمرضى، وفي هذين اليومين يزور العيادة ما يقارب الـ 300 مريض ومريضة، أما في الأيام الاخرى فتستقبل زهر شواهنة المراجعين لأمور أخرى منها متابعة أمراض الطفولة والتطعيم ورعاية الحوامل، كما يقوم بأمور إدارية كثيرة. أكثر ما يسعد الممرضة زهر هو العناية بالأم والطفل، إذ تتمنى لو أنها تمضي اليوم بكامله معهم، ولكن زهر تعتني كذلك بالأمور الإدارية والسجلات وفتح الملفات بسبب نقص الكادر في العيادة. أمادورها الأهم، كما تقول، فهو تقديم الاستشارة والتثقيف الصحي للأمهات، والتي تراعي فيه أن تصل المعلومة صحيحة إلى الأم لكي تحافظ على صحة طفلها، وبالتالي تساهم في رفع مستوى الصحة في قريتها.

ومن خبرتها الطويلة في المجال الصحي في البلدة، تشعر الممرضة زهر بالفخر بأن نساء وأمهات البلدة لديهن وعي صحي عالٍ نتيجة العديد من النشرات التثقيفية والكتيبات والبرامج والمحاضرات التي تقوم بتقديمها وزارة الصحة. والأهم من ذلك هو الزيادة في نسبة التعليم في المجتمع والحد من الزواج المبكر واستمكال المرأة لتعليمها حتى بعد الزواج.

تتفق الممرضة سميرة بأن الوعي الصحي في المجتمع أفضل بكثير من ذي قبل وتقول أن العديد من السيدات في الوقت الحاضر يعرفن أهمية الفحوصات التي يجبإجراؤها، وأهمية الوقاية من الأمراض، وخاصة الحوامل والأمهات. يرجع ذلك، كما تقول الممرضة سميرة، إلى الجهد الذي تبذله الممرضات في التأكيد على المراجعات من خلال التثقيف الصحي الذي يقمن به. ومن ضمن التثقيف الصحي الذي تقوم به الممرضة الزيارات المنزلية للأمهات، رغم أنها تقلصت عن ذي قبل بسبب الضغط الشديد في العمل داخل العيادة.

وفي هذا الإطار، تثمن الممرضة زهر في كفر ثلث دور المنسقات المجتمعيات ضمن مشروع المجتمع البطل الذي تنفذه وزارة الصحة مع مشروع إصلاح وتطوير القطاع الصحي، والذي يسعى إلى إشراك المجتمع المحلي في تقرير السياسات الصحية في مجتمعهم. لقد أدى ذلك إلى رفع مستوى الوعي بالخدمات التي تقدمها العيادة، وأدى إلى تقوية الشراكة والروابط المباشرة ما بين العيادة والمجتمع، ومعرفة المواطن للخدمات المتوفرة في عيادته، ومن ثم حرصه الشديد على أن يساهم في تطوير عيادته إلى الأفضل.

تشعر الممرضتان سميرة وزهر بالفخر كونهما ممرضتان في عيادات ومراكز الأمومة في بلدتيهما. تشعران بأهمية دورهن وقيمته الإنسانية العظيمة، ومدى الاحترام والتقدير الشديدين من المجتمع. تشعران بالفخر بأن التمريض هو العنصر الأساسي لإنجاح أية سياسات صحية على المستوى الوطني، وأنهما جزء هام منهذا النجاح. ومن هنا كان لا بد لهما من المطالبة بالاهتمام فيقطاع التمريض، هذا القطاع الحيوي، والعمل على الاستمرار في رفع مستوى الكادر الأكاديمي والتأهيلي لمواكبة المعايير العالمية.

إن دور الممرضة لا يقتصر على الخدمات العلاجية، بل لها أيضا دور هام في تقديم الخدمات الوقائية، فهي المعلمة والمثقفة، وهي المكمل لدور الأسرة في المستشفى والعيادة، وهي المصدر الذي يزود المريض بالثقة، وهي القائد والباحث الذي يقوم بجمع المعلومات في سبيل الرقي بالخدمة الصحية.