الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فياض: الوفاء لقضية الأسرى يستدعي الإسراع في إنهاء الانقسام

نشر بتاريخ: 11/12/2012 ( آخر تحديث: 11/12/2012 الساعة: 16:46 )
رام الله- معا - اعتبر رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض أن قبول دولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة يعزز من المكانة القانونية لأسرانا، حيث أن ذلك يفتح الباب لتكون فلسطين واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف، بكل ما يترتب على ذلك كله من حقوق، في مقدمتها حق الأسرى في الحرية، كما حق شعبنا في الخلاص من الاحتلال، وتقرير مصيره، وتجسيد سيادته في كنف دولة مستقلة وكاملة السيادة على كامل أرضنا المحتلة منذ عام 1967، وعاصمتها القدس.

وقال: "يشكلُ هذا القرار ثمرة هامة وذات مغزى لنضال شعبنا المتواصل منذ عقود من أجل نيل حقه الطبيعي في تقرير المصير، وانتصاراً لإرادته في إنجاز كافة حقوقه الوطنية، كما أنه يشكل انتصاراً من شعوب العالم لهذه الحقوق، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967".

وشدد فياض على أن دولة فلسطين المحتلة، وهي تتطلع إلى يوم حرية شعبها، تدعو القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، وخاصةً الأمم المتحدة، والمؤسسات الحقوقية، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى تحمل مسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك الفوري والجاد لوضع حد للمعاناة الإنسانية التي يعيشُها أسرانا في سجون ومعتقلات الاحتلال، وإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ووقف كافة الممارسات غير الشرعية تجاه الأسرى، بما في ذلك إنقاذ حياة الأسرى المضربين عن الطعام، وعلى رأسهم أيمن الشراونة وسامر العيساوي، مُحملاً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن حياتهما داعياً المجتمع الدولي بكافة قواه المؤثرة للتدخل للإفراج الفوري عنهما.

جاء ذلك في كلمة رئيس الوزراء في المؤتمـر الدولي للتضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذي عُقد صباح اليوم في العاصمة العراقية بغداد.

شكّر فياض الرئيس العراقي السيد جلال طالباني، والحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق على استضافة ورعاية هذا المؤتمر الدولي الهام.

كما توجه بالشكر للأمين العام للجامعة العربية السيد نبيل العربي على القرار بالدعوة إلى تنظيم المؤتمر من أجل تسليط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، واعتبر فياض انعقاد المؤتمر حدثاً هاماً ونوعياً لتأكيد التضامن مع شعبنا وأسرى الحرية، في وقت يسير فيه أبناءُ شعبنا وسلطته الوطنية بثبات، نحو الحرية التي يسعى شعبنا لنيلها في وطنٍ له، كحق طبيعي كباقي شعوب الأرض.

وأشاد فياض بالمشاركة العربية والدولية في أعمال هذا المؤتمر، وقال: "تُمثل هذه المشاركة وقفة تضامن إلى جانب أسرى شعبنا وحقهم في الحرية، وهي تحمل دلالات كبيرة، تتجاوز البعد الإنساني، وحتى القانوني، رغم ما لذلك من أهمية، لتعبر عن وقفة الضمير الإنساني الذي تمثله مؤسسات حقوق الإنسان، وكافة القوى المحبة للعدل والسلام مع أسرى الحرية، وما تشكله قضيتهم من حالة إجماع وطني في ضمير كل فلسطينية وفلسطيني".

وأكد رئيس الوزراء في كلمته على أن الصمود الأسطوري الذي يسجله أسرى الحرية رغم كل الظروف اللانسانية إنما يعكس إرادة شعبنا وصموده وتشبثه بأرضه، داعياً إلى إطلاق سراحهم جميعاً وبصورةٍ فورية، وخاصةً الأطفال والمرضى والأسيرات والأسرى القدامى وأعضاء المجلس التشريعي، كمقدمة لإطلاق سراح جميع الأسرى ودون تمييز أو شروط. مؤكداً على أن إطلاق سراحهم هو الشرط والاختبار الحقيقي لمدى جدية إسرائيل في التوصل إلى حل دائم وعادل للصراع. واعتبر أن النجاح في تحقيق أهدافنا، مُعتبراً أن الوفاء لقضية الأسرى، وبما يشمل النجاح في حشد الدعم الدولي المطلوب لها، يتطلب الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا، الأمر ويستدعي الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وبما يستنهضُ طاقات شعبنا في معركة التحرر الوطني والبناء الديموقراطي التي قدم الأسرى حريتهم قرباناً لها.

وشدد فياض على أن المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، وخاصة في القدس من جرّاء الاحتلال وإرهاب مستوطنيه، تستصرخ ضمائر كل أحرار العالم، للوقوف مع شعب فلسطين وحقه الطبيعي في الحياة والحرية والكرامة، ووقف ما يتعرض له من ظلم وطغيان، وتمكينه من الخلاص من هذا الاحتلال ومعاناته، بما يتطلبه ذلك أيضاً من ضرورة حشد الدعم الدولي للوقوف مع حق أسرانا في الحرية، والإقرار بحقوقهم ومكانتهم التي تؤكدها كافة المعاهدات والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى اتفاقية لاهاي، واتفاقية مناهضة التعذيب.

وأكد على أن الجهد المبذول لحشد الدعم المطلوب يمثل جزءاً هاماً من إستراتيجية عمل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات دولة فلسطين مع المجتمع الدولي من أجل إلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبقرارات الشرعية الدولية. وقال: "لم يعد بإمكان إسرائيل الاستمرار في القفز عن قواعد القانون الدولي وعن المكانة القانونية للأرض الفلسطينية كأرض محتلة، ولا الاستمرار في انتهاك المكانة القانونية للأسرى الفلسطينيين. فقد أكدت فتوى لاهاي انطباق اتفاقية جنيف على الأرض الفلسطينية المحتلة، وبما يعني مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال، الأمر الذي يشمل الأسرى الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها"،

واستعرض فياض في كلمته واقع الحركة الأسيرة في فلسطين، مؤكداً على أن هناك 4600 أسيراً ما يزالوا يقبعون في سجون الاحتلال ، منهم مئة وأحد عشر معتقلاً منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وأقلهم مضى على اعتقاله ما يزيد عن 19 عاما. وبعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في سجون الاحتلال. هذا بالإضافة إلى الأطفال دون سن الثامنة عشر، والمرضى، حيث العديد منهم في حالة خطيرة، ويعانون من أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض الصعبة والمزمنة، ولا يتلقون العلاج المناسب. وأشار إلى أن استشهاد أكثر من 200 أسير بعد الاعتقال داخل السجون والمعتقلات بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب أو القتل العمد، أو نتيجة استخدام الضرب المبرح أو الرصاص الحي، يؤكد ضرورة العمل على كشف أسباب وفاتهم، وإلزام إسرائيل بوضع حد لممارساتها القمعية واللاإنسانية ضد الأسرى، بما في ذلك السماح للجان طبية دولية مختصة ومحايدة لتولي مسئولية تقديم العلاج الفوري المناسب للمرضى منهم، وهنا فإنني أؤكد على ضرورة تفعيل قرارات الجامعة العربية، بتشكيل فريق مختص لتحديد المكانة القانونية للأسرى في المؤسسات الدولية، واستصدار قرارات دولية بتشكيل لجان تقصى حقائق، بما في ذلك تعيين مبعوث أممي لمتابعة قضية الأسرى في كافة المحافل.

وأشار رئيس الوزراء أنه لا يكاد يخلو بيت على أرض دولة فلسطين المحتلة لم يتعرض أحد أفراده للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات الاحتلال الطويلة والقاسية، حيث أن ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني وعربي تم اعتقالهم منذ عام 1967، منهم ما يقارب ثلاثة عشر ألف أسيرة، وحوالي 25 ألف طفل في انتهاك واضح لاتفاقية حماية الطفولة، مؤكداً على أن الاعتقالات شملت أبناء وبنات شعبنا من كافة مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى أبناء شعبنا من أراضي 1948. وما يزال آلاف الأسرى حتى اليوم يقبعون في سجون الاحتلال، موزعين على أكثر من 23 سجنا ومعتقلا ومركز تحقيق وتوقيف، ويعيشون ظروفا قاسية جداً. ومعظم هذه السجون والمعتقلات تقع داخل إسرائيل، واعتبر أن هذا الأمر يشكلُ بحد ذاته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. وقال: "لا ينبغي أن يغيب عن بال أحد أن لكل واحد منهم قصته الإنسانية.

فهم ليسوا مجرد أرقام كما تسعى إسرائيل إلى تحويلهم، بل إنهم بشر طبيعيون لهم أحلامهم وتطلعاتهم الإنسانية للعيش مع عائلاتهم، والمساهمة في تقدم ورقي مجتمعهم. لهم آباء وأمهات وأزواج وأبناء وبنات وإخوة وأخوات، ولهم أيضاً ذكريات جميلة عن سهول وجبال ووديان بلادنا". وأكد على أن ما سجلته ذاكرة الأسرى، من إنتاج ثقافي وأدبي وإنساني رفيع وثَّق تجربتهم ومعاناتهم، لم يكن معزولاً عن أحلامهم الجميلة ليس فقط بالحرية، بل وبذكريات أجمل عاشها كلّ منهم مع أحبته، وتطلعات مشروعة لدى كل منهم للمشاركة في بناء مستقبل أفضل لعائلاتهم ولكل أبناء شعبنا في كنف دولتنا المستقلة التي عبدّوا طريقها مع رفاقهم شهداء الحركة الأسيرة، وكل الشهداء، وعلى رأسهم الرئيس الخالد أبو عمار، والذين قدموا أرواحهم في سبيل حرية الوطن واستقلاله. لهم جميعا منّا الإجلال والوفاء.

وشدد فياض على أن شعبنا وأسراه سيظلوا صامدين ومتمسكين بالسلام العادل والدائم الذي يضمن السيادة الكاملة على أرض دولتنا، ويمكن شعبنا من بناء مستقبله فيها، ويؤمّن حلاً عادلاً لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194. مؤكداً على أن شعبنا بقيادة الرئيس محمود عباس ما زال يحمل غصن الزيتون الذي رفعه الرئيس أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974، ويؤكد تمسكه بحقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون انتقاص، وقال: "كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش إن أيدينا الجريحة ما زالت قادرة على حمل غصن الزيتون اليابس، من بين أنقاض الأشجار التي يغتالها الاحتلال، إذا بلغ الإسرائيليون سن الرشد، واعترفوا بحقوقنا الوطنية المشروعة، كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبحق تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس. إذ لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد". وأضيف: لا سلام مع الاستيطان ولا سلام بين سجين وسجَّان".

وأعرب رئيس الوزراء في ختام كلمته عن أمله في أن يخرج المؤتمر بتوجهاتٍ وقراراتٍ تُعجل يوم حرية أسرانا، وقال: " مؤتمركم اليوم ترسيخ للتضامن مع شعبنا الفلسطيني الأسير، وخاصة مع أسرى الحرية في سجون الاحتلال".



وهذا النص الكامل لكلمة رئيس الوزراء:

اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالتحية والتقدير الكبيرين لفخامة الرئيس جلال طالباني، رئيس جمهورية العراق ورئيس القمة العربية، وإلى دولة الأخ نور المالكي والحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق على استضافة ورعاية هذا المؤتمر الدولي الهام، وأن أتوجه أيضاً بالشكر لمعالي الأمين العام للجامعة العربية على القرار بالدعوة إلى تنظيمه من أجل تسليط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي. كما أتوجه إلى جميع الوفود العربية والدولية بالشكر والتقدير باسم شعبنا الفلسطيني، وباسم الأخ الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، على مشاركتكم في هذا المؤتمر. فهذه المشاركة تمثل بالنسبة لنا وقفة تضامن إلى جانب أسرى شعبنا وحقهم في الحرية، وهي تحمل دلالات كبيرة، تتجاوز البعد الإنساني، وحتى القانوني، رغم ما لذلك من أهمية، لتعبر عن وقفة الضمير الإنساني الذي تمثله مؤسسات حقوق الانسان، وكافة القوى المحبة للعدل والسلام مع أسرى الحرية، وما تشكله قضيتهم من حالة اجماع وطني في ضمير كل فلسطينية وفلسطيني.

ينعقد هذا المؤتمر بعد أيام من قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب، حيث يشكل هذا القرار ثمرة هامة وذات مغزى لنضال شعبنا المتواصل منذ عقود من اجل نيل حقه الطبيعي في تقرير المصير، وانتصاراً لإرادته في إنجاز كافة حقوقه الوطنية، كما أنه يشكل انتصاراً من شعوب العالم لهذه الحقوق، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967.

الاخوات والاخوة،

لا يكاد يخلو بيت على أرض دولة فلسطين المحتلة لم يتعرض أحد أفراده للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات الاحتلال الطويلة والقاسية، حيث أن ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني وعربي تم اعتقالهم منذ عام 1967، منهم ما يقارب ثلاثة عشر ألف أسيرة، وحوالي 25 ألف طفل في انتهاك واضح لاتفاقية حماية الطفولة، الأمر الذي يجسد وحدة المعاناة في حكاية كفاح شعبنا، ويظهر في نفس الوقت الإرادة الجماعية لشعبنا في رفضه للاحتلال وإصراره على نيل الحرية والاستقلال.

نعم، أيها السيدات والسادة، إن مشاركتكم في هذا المؤتمر تشكل بالنسبة لنا حدثاً هاماً ونوعياً لتأكيد التضامن مع شعبنا وأسرى الحرية، في وقت نسير فيه بثبات، نحو الحرية بمعناها الواسع... الحرية التي يسعى شعبنا لنيلها في وطن له، كحق طبيعي كباقي شعوب الأرض.

واسمحوا لي أيضا، أن أتوجه من على هذا المنبر إلى كل أسرانا القابعين في سجون الاحتلال، إلى الأطفال منهم والمرضى، والمضربين عن الطعام وإلى الإداريين والمحكومين والموقوفين وأسرى الدوريات، وفي القلب منهم جميعا أسرى القدس المحتلة، وفي مختلف السجون، في عسقلان والنقب، وفي نفحة وبئر السبع، وعوفر ومجدو وسالم وهداريم وجلبوع وتلموند، وفي الرملة والجلمة والمسكوبية وبيتاح تكفا وشطة والدامون وحوارة وعصيون وكل مراكز التحقيق والتوقيف التي تصادر حرية أسرى الحرية، لأقول لهم جميعاً "لستم وحدكم. فشعبكم يقف موحدا خلف قضيتكم، ولستم وحدكم في معركتكم من أجل الحرية".

السيدات والسادة،

إن المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس لا بل وخاصة في القدس، من جراء الاحتلال وإرهاب مستوطنيه، تستصرخ ضمائر كل أحرار العالم، للوقوف مع شعب فلسطين وحقه الطبيعي في الحياة والحرية والكرامة، ووقف ما يتعرض له من ظلم وطغيان، وتمكينه من الخلاص من هذا الاحتلال ومعاناته، بما يتطلبه ذلك أيضاً من ضرورة حشد الدعم الدولي للوقوف مع حق أسرانا في الحرية، والإقرار بحقوقهم ومكانتهم التي تؤكدها كافة المعاهدات والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى اتفاقية لاهاي، واتفاقية مناهضة التعذيب. ويمثل الجهد المبذول لحشد الدعم المطلوب جزءاً هاماً من إستراتيجية عمل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات دولة فلسطين مع المجتمع الدولي من أجل إلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبقرارات الشرعية الدولية. فلم يعد بإمكان إسرائيل الاستمرار في القفز عن قواعد القانون الدولي وعن المكانة القانونية للأرض الفلسطينية كأرض محتلة، ولا الاستمرار في انتهاك المكانة القانونية للأسرى الفلسطينيين. فقد أكدت فتوى لاهاي انطباق اتفاقية جنيف على الأرض الفلسطينية المحتلة، وبما يعني مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال، الأمر الذي يشمل الأسرى الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها. كما أن قبول دولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة يعزز من المكانة القانونية لأسرانا، حيث أن ذلك يفتح الباب لتكون فلسطين واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف، بكل ما يترتب على ذلك كله من حقوق، في مقدمتها حق الأسرى في الحرية، كما حق شعبنا في الخلاص من الاحتلال، وتقرير مصيره، وتجسيد سيادته في كنف دولة مستقلة وكاملة السيادة على كامل أرضنا المحتلة منذ عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

السيـدات والسـادة،

لقد شملت الاعتقالات أبناء وبنات شعبنا من كافة مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى أبناء شعبنا من أراضي 1948. وما يزال آلاف الأسرى حتى اليوم يقبعون في سجون الاحتلال، موزعين على أكثر من 23 سجنا ومعتقلا ومركز تحقيق وتوقيف، ويعيشون ظروفا قاسية جداً. ومعظم هذه السجون والمعتقلات تقع داخل إسرائيل، الأمر الذي يشكل بحد ذاته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. وما لا ينبغي أن يغيب عن بال أحد أن لكل واحد منهم قصته الإنسانية. فهم ليسوا مجرد أرقام كما تسعى إسرائيل إلى تحويلهم، بل إنهم بشر طبيعيون لهم أحلامهم وتطلعاتهم الإنسانية للعيش مع عائلاتهم، والمساهمة في تقدم ورقي مجتمعهم. لهم آباء وأمهات وأزواج وأبناء وبنات وإخوة وأخوات، ولهم أيضاً ذكريات جميلة عن سهول وجبال ووديان بلادنا. ولعلني أجزم أن ما سجلته ذاكرة الأسرى، من إنتاج ثقافي وأدبي وإنساني رفيع وثَّق تجربتهم ومعاناتهم، لم يكن معزولا عن أحلامهم الجميلة ليس فقط بالحرية، بل وبذكريات أجمل عاشها كلّ منهم مع أحبته، وتطلعات مشروعة لدى كل منهم للمشاركة في بناء مستقبل أفضل لعائلاتهم ولكل أبناء شعبنا في كنف دولتنا المستقلة التي عبدّوا طريقها مع رفاقهم شهداء الحركة الأسيرة، وكل الشهداء، وعلى رأسهم الرئيس الخالد أبو عمار، والذين قدموا أرواحهم في سبيل حرية الوطن واستقلاله. لهم جميعا منّا الإجلال والوفاء.

السيـدات والسـادة،

ما زال يقبع في سجون الاحتلال 4600 أسيراً، منهم مئة وأحد عشر معتقلاً منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وأقلهم مضى على اعتقاله ما يزيد عن 19 عاما. وبعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في سجون الاحتلال. هذا بالإضافة إلى الأطفال دون سن الثامنة عشر، والمرضى، حيث العديد منهم في حالة خطيرة، ويعانون من أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض الصعبة والمزمنة، ولا يتلقون العلاج المناسب.

إن استشهاد أكثر من 200 أسير بعد الاعتقال داخل السجون والمعتقلات بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب أو القتل العمد، أو نتيجة استخدام الضرب المبرح أو الرصاص الحي، يؤكد ضرورة العمل على كشف أسباب وفاتهم، وإلزام إسرائيل بوضع حد لممارساتها القمعية واللاإنسانية ضد الأسرى، بما في ذلك السماح للجان طبية دولية مختصة ومحايدة لتولي مسئولية تقديم العلاج الفوري المناسب للمرضى منهم. وهنا فإنني أؤكد على ضرورة تفعيل قرارات الجامعة العربية، بتشكيل فريق مختص لتحديد المكانة القانونية للأسرى في المؤسسات الدولية، واستصدار قرارات دولية بتشكيل لجان تقصى حقائق، بما في ذلك تعيين مبعوث أممي لمتابعة قضية الأسرى في كافة المحافل.



إن دولة فلسطين المحتلة، وهي تتطلع إلى يوم حرية شعبها، فإنها تدعو القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، والمؤسسات الحقوقية، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى تحمل مسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك الفوري والجاد لوضع حد لهذه المعاناة الإنسانية، وإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ووقف كافة الممارسات غير الشرعية تجاه الأسرى، بما في ذلك إنقاذ حياة الأسرى المضربين عن الطعام، وعلى رأسهم أيمن الشراونة وسامر العيساوي. وهنا فإنني أحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن حياتهما، وأدعو المجتمع الدولي بكافة قواه المؤثرة للتدخل للافراج الفوري عنهما.

السيـدات والسـادة

إن الصمود الأسطوري الذي يسجله أسرى الحرية رغم كل هذه الظروف اللانسانية إنما يعكس إرادة شعبنا وصموده وتشبثه بأرضه. وفي هذه المناسبة، ومن هذا المنبر، فإنني أتقدم لهم جميعا بالتحية، وأدعو إلى إطلاق سراحهم جميعا وبصورة فورية، وخاصة الأطفال والمرضى والأسيرات والأسرى القدامى وأعضاء المجلس التشريعي، كمقدمة لإطلاق سراح جميع الأسرى ودون تمييز أو شروط. وهنا فإنني أؤكد على موقفنا الثابت بأن إطلاق سراحهم هو الشرط والاختبار الحقيقي لمدى جدية إسرائيل في التوصل إلى حل دائم وعادل للصراع. كما إن النجاح في تحقيق أهدافنا، ومن منطلق الوفاء لقضية الأسرى، وبما يشمل النجاح في حشد الدعم الدولي المطلوب لها، يتطلب منا جميعاً الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا، الأمر الذي يستدعي الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، واستنهاض طاقات شعبنا في معركة التحرر الوطني والبناء الديموقراطي التي قدم الأسرى حريتهم قرباناً لها.

السـيدات والسـادة،

نتقدم يومياً ونراكم الانجاز تلو الآخر لتعميق وترسيخ ركائز ومقومات دولة فلسطين المستقلة، وعلى قاعدة التكامل والمشاركة بين مؤسسات السلطة الوطنية ومكونات المجتمع، وفي إطار المسؤولية الشاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا لشعبنا ومؤسساته الرسمية والشعبية. وهذا حق لشعبنا، بل واجب عليه أيضا لإرساء دعائم الحكم الرشيد.

السـيدات والسـادة،

لقد قدم شعبنا تنازلاً تاريخياً ومؤلماً في مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، تمثل في قبوله بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية. وعلى العالم أن يدرك أنه لا مجال لمزيد من التنازلات. وسيظل شعبنا وأسراه صامدين ومتمسكين بالسلام العادل والدائم الذي يضمن السيادة الكاملة على أرض دولتنا، ويمكن شعبنا من بناء مستقبله فيها، ويؤمّن حلاً عادلاً لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194. وما زال شعبنا بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يحمل غصن الزيتون الذي رفعه الرئيس أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974، ويؤكد تمسكه بحقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون انتقاص.

كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش "إن أيدينا الجريحة ما زالت قادرة على حمل غصن الزيتون اليابس، من بين أنقاض الأشجار التي يغتالها الاحتلال، إذا بلغ الإسرائيليون سن الرشد، واعترفوا بحقوقنا الوطنية المشروعة، كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبحق تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس. إذ لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد". وأضيف: لا سلام مع الاستيطان ولا سلام بين سجين وسجَّان.

السيـدات والسـادة

في الختام، أجدد لكم شكري وتقديري على المشاركة في هذا المؤتمر الدولي الهام، متمنياً بأن يخرج بتوجهات وقرارات تعجل يوم حرية أسرانا. وأتوجه إلى أسرى الحرية بأن يوم الحرية قريب، وأن حريتكم وكرامتكم هي جزء لا يتجزأ من حرية الوطن والشعب وكرامته. في مؤتمركم اليوم ترسيخ للتضامن مع شعبنا الفلسطيني الاسير، وخاصة مع أسرى الحرية في سجون الاحتلال.

المجد للشهداء، والحرية للأسرى

عاش العراق وعشتم وعاشت فلسطين

والسلام عليكم