الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"كنا نكتم أنفاسنا" عند فتح قبر عرفات..

نشر بتاريخ: 27/12/2012 ( آخر تحديث: 28/12/2012 الساعة: 13:35 )
رام الله- معا - عاد باتريك مانجان (62 عاماً)، مدير مركز الطب الشرعي الجامعي في لوزان، من رام الله بعد ظهر الأربعاء ويروي لنا كيف قام بعملية تشريح جثمان ياسر عرفات في أجواء عاطفية.

*قمت هذا الأسبوع بتشريح جثمان ياسر عرفات. ما هو الشعور عندما تكون في قلب حدث تاريخي بهذه القوة؟

- كانت من بين إحدى العمليات الأكثر عاطفية في حياتي المهنية. لا يزال يوجد تراب من القدس على حذائي. سأحتفظ به كالآثار. كانت لحظات عصيبة. لقد شاهدت ياسر عرفات فقط على شاشة التلفزيون العديد من المرات وفجأة وجدت أمامي جسده. لقد اندهشت من درجة الاحتراف التي استقبلنا بها الفلسطينيون، خلال مهمّة الاستطلاع التي قمنا بها قبل ثلاثة أسابيع، كان لديّ بعض التحفظات.

*ماهي؟

- عندما رأيت كمية الرمال والباطون التي كان يجب تحريكها للتمكّن من الوصول إلى قبر ياسر عرفات، قلت لنفسي أنه لن يكون من السهل أن يصمد لمدة ثلاثة أسابيع بين زيارتنا الأولى وبين 26 نوفمبر، التاريخ الذي حددته السلطات القضائية الفرنسية. لكن كان كل شيء جاهزاً.

*وبعد ذلك كيف بدت الأمور؟

- طلبت العمل في مكانٍ آخر من مكان الضريح؛ لكن السلطة الفلسطينية لم تكن ترحّب بفكرة نقل جثمان ياسر عرفات، وأتفهم موقفهم، ولذلك فقد خصّصوا لنا مختبراً للطب الشرعي أقاموه في مسجد مجاور لم يكن قد بدأ استعماله بعد وكان مزوّداً بالماء والإضاءة وحتى بمرفق للتصوير الإشعاعي.

*لكن مع ذلك قمتم بتحريك الجثمان؟

- لا على الإطلاق. كان المختبر مرفقاً ولم يتم تحريك الجثمان، العينات فقط هي التي تم نقلها.

*كيف كان حال الجثمان؟

- كانت لحظات اكتشاف الجثمان الأكثر إثارة. كتم الجميع أنفاسه عندما تمّ فتح القبر وكانت الأجواء ثقيلة خاصة بالنسبة للذين عرفوا ياسر عرفات شخصياً فقد كانوا متأثرين جداً.

يقع القبر على عمق أربعة أمتار تحت أرض الضريح ومساحة الحفرة ثمانية أمتار في عشرة أمتار، وتمّ بناء سلّم صغير للنزول. كان العلماء في الأسفل والمسئولون كانوا يراقبون من فوق.

*كيف كان جثمان ياسر عرفات؟

- لقد تلقينا تعليمات صارمة بعدم الكشف عن أية تفاصيل للحفاظ على كرامته، ولم يتم السماح لنا بأخذ الصور سوى صورة واحدة التقطها المصوّر الرسمي، وسيتم وضعها في الملف "ملف التحقيق"؛ ولذلك لم يُسمح لنا بأخذ لا هواتفنا ولا الأقراص ولا حتى أجهزة الكمبيوتر.

*ماذا كانت انطباعاتك؟

- أودّ أن أقول أنّ الجثمان، المدفون منذ ثماني سنوات، في حالة طبيعية للغاية طبقاً لما نراه عادةً.

*إذاً فهو لا يزال يمكن فحصه من الناحية العلمية؟

- نعم. لقد تفاجأت؛ لأنه لم يكن بتلك الحالة التي تمّ ذكرها لي.

*ماذا تعني؟

- جثمان ياسر عرفات ملفوف بأكفان. قيل لي أنه تمّ وضع قليلاً من تراب القدس في القبر قبل أن يُغلق، فتخيّلت أنّ الكمية هي عبارة عن اثنين أو ثلاث بالات؛ لكن اتضح لي أنّ كمية التراب هي أكثر من ما كنت أعتقد، وقد أعطى ذلك مظهر طيني وكان كل شيء رطب بما يكفي على عكس ما كنت أتوقع وهو أن يكون جاف.

*هل جعل ذلك العمل أكثر تعقيداً؟

- لا، لقد استطعنا أخذ جميع العينات التي أردناها وعددها 60 عينة، تمّ وضعها في قوارير صغيرة كل واحدة تتسع لثلاثين ميللتر وكل فريق لديه الآن 20 عينة مماثلة.

وبناءً على البروتوكول الذي وضعناه، فقد تمّ أخذ ثلاثة أنواع من العينات: الأولى لتحديد هوية الجثمان، والثانية للتأكد من احتمال وجود كمية مشبوهة من البولونيوم 210، والثالثة لإجراء تحقيقات لها علاقة بالسموم.

*هل لمست جسد ياسر عرفات؟

- لا لم أقم بذلك، وبناءً على اتفاق متبادل بين جميع العلماء الحاضرين، تركنا للطبيب الشرعي الفلسطيني ممارسة جميع العمليات الجراحية احتراماً للجثمان.

*ما هي الأجزاء التي تمّ أخذ العينات منها من جسد ياسر عرفات؟

- قطعنا وعداً للسلطة الفلسطينية بأن تبقى تفاصيل ذلك سرّية.

*كم كان عددكم حول الجثمان؟

- كان عدد السويسريين ستة فقط وعدد الفرنسيين كبير جداً، بالإضافة إلى ثلاثة قضاة وكاتب عدل فرنسي وضبّاط شرطة وطبيب شرعي فرنسي واختصاصي سموم. العلماء الروس كان عددهم ثلاثة وكذلك عدد الفلسطينيين.

*كل هذا العدد للعمل على مساحة ثمانية أمتار في عشرة أمتار. ألم يكن ذلك العدد كبير؟

- في بعض الأحيان، وبالرغم من البروتوكول الصارم، كان هناك ارتجال.

كان في الواقع العدد كبير؛ لكن الجميع بذل أقصى جهده لاحترام القبر.

*هل أخذتم معكم معدّاتكم الخاصة؟

- نعم، حوالي 60 كيلو موزّعة على 6 حقائب. كان الانتظار طويل في الجانب الإسرائيلي من المعبر بين عمّان والقدس؛ لكن هذا أمر يعتبر عادي بالنسبة للذين يمرّون من هناك. لقد كنا الوحيدين الذين أحضروا هذه الكمية الكبيرة من المعدّات وهو ما فاجأ الفِرَقْ الأخرى. مركز جامعة الطب الشرعي الروماندي "Romand" يعتبر من الأفضل عالمياً.

*هل شعرت بهذه الهيبة؟

- لقد نلنا على ثقة عالية من جانب الفلسطينيين بدرجة أنهم كانوا يتوجّهون لأخذ النصائح، وبعد ذلك يقولون: " سنفعل كما قال السويسريين"، الأمر الذي خلق بعض من التوترات الصغيرة والعابرة مع الخبراء الفرنسيين.

*والآن، ماذا ستفعلون بهذه العينات؟

- وصلت العينات إلى سويسرا نهاية هذا الأسبوع وسنبدأ بالعمل يوم الاثنين. إنّ جهاز أمن المركز الطبي الجامعي هو المكلّف بالعمل على تأمين سلامة الجميع بما في ذلك سلامة العينات التي سيتم الاحتفاظ بها في مكانٍ خاص.

سيستغرق الوصول إلى نتيجة من ثلاثة إلى أربعة أشهر من العمل. حتى الآن لم تبدأ أي عملية تحليل، وسينقل كل فريق نتائجه إلى مفوّضه وهي السلطة الفلسطينية بالنسبة للروس ولنا، والقضاء الفرنسي بالنسبة للفريق الفرنسي، ولن أستغرب أن يتم الطلب من السويسريين أن يقوموا بإجراء خلاصة شاملة، على أن نكون قد توصلنا جميعنا إلى نفس النتيجة.

*وإذا كنتم قد أخطأتم بخصوص الاشتباه بوجود البولونيوم 210؟ ألن يكون ذلك مُهين لكم؟

- لا، لقد كنا دائماً واضحين. لم ندّعي أبداً أنّ هناك تسمّماً، فقط لاحظنا عناصر غير طبيعية تتطلب تحرّيات إضافية. سنستمر في هذا الخط الواضح.

"من الذي سيدفع تكاليف هذه العملية؟"

*من سيدفع جميع التكاليف؟

- هذا سؤال طرحه العضو كلود ألان فوابليه "Claude alain Voiblet" رئيس حزب الشعب (فرع فود) يوم 20 نوفمبر على مجلس الدولة لكانتون فاود.

دارسي كريستن، المتحدّث باسم المركز الجامعي والذي كان أيضاً ضمن الفريق الذي كان في رام الله والذي يتفهم أسئلة الرجل السياسي، وكان واضح جداً إذ جاوبه "لقد استغرق الإعداد لهذه أربعة أشهر، ولم يترك شيئاً للصدفة ووضعنا تقديرات قَبِلَتْها السلطة الفلسطينية. إذاً كل التكاليف سيدفعها الفلسطينيين".

*ما هو حجم هذا المبلغ؟

- هذا رقم لا أستطيع أن أكشف عنه؛ لكن سيتم إصدار الفاتورة طبقاً لنظام التأمين الطبي TarMed.

*هل مجلس الدولة مستعد على اتخاذ خطوات إضافية لتأمين موقع المستشفى؟

- إنّ جهاز أمن المركز الطبي يعمل على سلامة الجميع.
_____________________________________________________
*المصدر: جريد لو ماتان ديمانش le Matin Dimanche

* أجرى بالمقابلة: ستيفان بيرني