الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دليل التصدي للارهاب - بقلم - بسام ابو شريف

نشر بتاريخ: 09/08/2005 ( آخر تحديث: 09/08/2005 الساعة: 20:12 )
معا - القمة العربية عقدت بشكل طارئ في شرم الشيخ للبحث في موضوع واحد وهو الأرهاب وكيفية مواجهته رغم أن جدول الأعمال الذي أعلنت عنه الجامعة العربية يتضمن موضوعين أخرين هما " الوضع في العراق " والانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة .
وموضوع الارهاب لا يشغل بال الحكومة المصرية والحكومات العربية الأخرى فقط بـــل يشغل بال دول الغرب جميعها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .
اذ ان الضربات التي ما زالت مستمرة ضد اهداف في الغرب تدل دلالة واضحة على أن كافة الاجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول الغرب لم تتمكن من وضع حد للنشاطات الارهابية .
لا بل تصاعدت وتيرته نتيجة سوء تقدير هذه الدول ظهر من خلال الاجراءات التي مست بالحريات وبالديمقراطية وجعلت الشرق يشعر بان الغرب يتصرف ضده بشكل كبير والى حد ما عنصري . وأعني بالشرق هنا , بلدانا وجاليات كبيرة تنتمي من خلالها لدول الغرب ولكل فرد من افرادها كامل الحقوق والواجبات كأي مواطن أخر في تلك البلدان كالولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا وايطاليا وغيرها.
محاولة التصدي للخطأ حملت الكثير من الأخطاء التي صبت على النار زيتا ومكنت المتطرفين من تنظيم المزيد من الشباب الأوروبي والامريكي بعد ان تعرضوا لظلم كبير وقاس من خلال الأجراءات والقوانين التي وضعت بعد الحادي عشر من سبتمبر ( تفجيرات نيو يورك ) .
فالمشكلة قائمة اذا ، ولن تجد كل هذه الدول حلولا ما لم تعالج الجوهر تبدأ بمعرفته ..... أي معرفة جوهر المشكلة الذي دفع المتطرفين للخروج علنا ومكنهم من انشاء تنظيماتهم وشد وتنظيم مجموعات كثيرة من الشباب للقيام بهذه الأعمال.
وجوهرة المشكلة يكمن في التراكم الطويل المدى للظلم والأستعمار والأستغلال الذي مارسته دول الغرب التي أصبحت غنبة بفعل عمليات العدوان لذي مارسته على مدى عقود طويلة في افريقيا والشرق عامة والشرق الأوسط خاصة.
وبسبب ذلك تراكم الحقد وتراكم الشعور بضرورة التخلص من الأستغلال النهب وكمحصلة أضافية تراكم الحقد ضد الأنظمة التي ما وظفها الغرب لتحكم تسهيلا لعمليات النهب وغيرها.
وبطبيعة الحال تتبوأ اسرائيل مركز الصدارة في لائحة عوامل خلق التطرف ضد الغرب لان الغرب أقام اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني الذي شرد من ارضه وظلم ظلما فادحا لا مثيل له اذ استبدل القرار الدولي بمنح الشعب الفلسطيني استقلاله بعد فترة قصيرة من انتداب انجلترا " لتتهيأ فلسطين للاستقلال قام الغرب بتنفيذ وعد بلفور البريطاني بأقامة دولة لليهود على أرض فلسطين .
ولأن الغرب لم يحرك ساكنا ولم يتخذ موقفا من المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المسلحة في عدة بلدان وقرى فلسطينية ، بهدف تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على مدنهم وقراهم كما جرى في كفر قاسم وقبية ودير ياسين وصفد وغيرها.
ولان الغرب استمر في دعم التوسع الاسرائيلي وايد ارهاب دولة اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية . وسكت على جرائم ضد الانسانية ارتكبتها اسرائيل . واستمر بتزويد اسرائيل باحدث الأسلحة . واستخدم باستمرار مقياسين في التعامل عندما تصل الأمور لجرائم اسرائيل الفادحة المفضوحة ، والتي استمر الغرب في تبريرها والسكوت عليها وكيل اتهم لمن يدافع عن حقه وعنالشرعية الدولية .
هذه هي الحقيقة ان اراد السيد بلير ان يعرفها . خاصة ان انجلترا مسؤولة مسؤولية مباشرة وكبيرة عن الظلم الذي انزل بالشعب الفلسطيني ودعمت اسرائيل باستمرار كي تستمر في عدوانها على الشعب الفلسطيني والعرب بعد ان خانتهم خيانة لا مثيل لها في التاريخ عندما انقلبت انجلترا ضد العرب الذين قاتلوا معها لانهاء الحكم التركي ، ولم تفي بوعودها التي قطعتها على نفسها باستقلال بلاد العرب ووحدة اراضيها.
نتجدث عن جوهر المسألة التي سببت نمو التطرف الذي يجند ويعبئ للقيم بأعمال وصلت الى حد الأجرام البشع و المدان . ليس هذا فحسب بل ان الغرب مسؤول ايضا عن خلط الحابل بالنابل اي في هذا الاطار ان الغرب الذي سبب نمو التطرف لم يفرق بين الكفاح العادل والمحق للشعوب الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وبين الأعمال الارهابية البشعة .
وأهم دليل على هذا دعم الغرب للارهاب الاسرائيلي البشع المسلط ضد الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الأحتلال ( وهذه المقاومة حق مشروع له ) . لا بل ذهب الغرب الى حد وصف الكفاح العادل والمشروع للشعب الفلسطيني بالارهاب !!وتمادى الغرب واسرائيل في هذا الى حدود الانفجار عندما هاجمت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة واعادت احتلال المناطق التي تم تسليمها للسلطة الفلسطينية بناء على اتفاق وقع في البيت الأبيض .
وقامت تلك القوات بدك مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله وأطبقت عليه الحصار الخانق على مرأى ومسمع من العالم دون ان يحرك احدا ساكنا لوقف هذه الحرب الارهابية الاسرائيلية .
وراحت الاجهزة الاسرائيلية والغربية تكيل لياسر عرفات القاب الارهاب
ياسر عرفات هو العملاق والرمز الوطني الذي امتلك الجرأة والرؤية السليمة والحكمة والقدرة لاقناع الفلسطينيين بالموافقة على مساومة تاريخية من اجل احلال السلام ووقف سفك الدماء.
فقد شجعت الفلسطينيين على عدم التخلي عن شاراتهم السابقة بتحرير فلسطين من النهر الى البحر " واقنعهم بالقبول بحل الدولتين على ارض فلسطين والاعتراف باسرائيل ضمن حدود الرابع من حزيران على ان تقام دوله فلسطينية مستقلة على الضفة الغربية وقطاع غزة .
كان ياسر عرفات بطل السلام وداعية وقف سفك الدماء فيما اتخذ شامير موقفا معاديا للسلام ورافعا رايات التوسع والعدوان .
وبعد توقيع اتفاق واشنطن , راحت اسرائيل تماطل وفي تنفيذ التزامها مما احدث شرخا في الثقة التي بدأت تنمو بين الاطراف .
وتبين للجميع وعلى رأسهم ياسر عرفات ان اسرائيل ليست جادة في تطبيق الاتفاق كما انها ليست جادة في التوصل الى سلام يقدم على اساس حل الدولتين .
وان كل ما تريده هو ان تتحول السلطة الفلسطينية الى جهاز امن يخضع لاوامرها لضرب اي تحرك شعبيى ضد الاحتلال .
لقد قتلوا صاحب المبادرة لاقامة سلام في الشرق الاوسط.
واحدث هذا هزة عميقة في كل الأوساط فالمؤيدين للسلام اصيبو بضربة اذ تبين ان اسرائيل لا تريد السلام وان الولايات المتحدة ( الشريك في التوقيع على الاتفاق ) لا يحرك ساكنا ولا تحترم تعهداتها.
اما المعرضون للسلام فقد رأوا فيما جرى دعما لمقولاتهم " ها هو القائد ياسر عرفات الذي يدو للسلام محاصر وها هي اسرائيل تدك مرة اخرى مدن وقرى ومخيمات الفلسطينيين .
وساد منطق يقول :
اذا كان هذا مصير داعية السلام والقائد الذي بادر لاحدث التغيير الاستراتيجي في الشرق الاوسط ولاقامة السلام مع اسرائيل فكيف يكون الامر بالنسبة للأخرين .
وانعدمت الثقة وضاعت مصداقية الولايات المتحدة .
فقد استمع الجميع لما قاله الرئيس بوش عندما طالب اسرائيل بالانسحاب : " اعني ما أقول . لكن الاحتلال استمر واقتنع الجميع بانه " لايعني ما يقول " .
وسبب موقف الادارة الامريكية المؤيد لاسرائيل وارهابها المنظم , اتساع رقعة الارض الخصبة للتطرف والمتطرفين , وأصاب معسكر السلام بضربات جعلته يتراجع نحو الصمت .
ولم تحصر هذه النتائج نفسها بالساحة الفلسطينية بل عمت كل دول الشرق وشعوبها التي شعرت بالاذلال والقهر امام الخداع الذي مارسته اسرائيل والغرب تجاه الفلسطينيين وشعوب الشرق .
القائد ياسر عرفات رحمه الله لم يكن زعيما فلسطينيا فحسب بل كان رمزا عالميا من رموز التحرر وحق الشعوب في تقرير المصير .
كان عملاقا عالميا ولذا فان نتائج محاصرته وقتله عمت الدنيا وبشكل خاص شعوب الشرق مما افرز مزيدا من الشعور بالقهر الذي فرخ ويفرخ التطرف مما زاد طين الحقد بلة ، وجعل المتطرفين يجدون في ذلك مادة دسمة للتعبئة والتحريض وتجنيد الشباب المعبأ للقيام باعمال اجرامية ، مما افقد الغرب كليا ثقة الجماهير العربية وانهى ما تبقى من مصداقية دول الغرب في الشرق هذه العوامل هي اهم العوامل التي تذكي نار التطرف ولاشك ان وصف الغرب مقاومة الاحتلال الأسرائيلي بالارهاب هي الفتنة التي قصمت ظهر البعير . وتعمقت اعداد كبيرة من شباب الشرق ( وبعض شباب الغرب ) بعدم الثقة بحكومات الغرب التي طعنتهم مرة تلو الأخرى وان لا أمل في ان تستخدم هذه الدول مقياسا واحدا للتعامل مع الحق والحرية والاستقلال وان كل ما يتشدق به الغرب حول الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان على اسوار اسرائيل . ينتهي
ومن الضرورة ان يستوعب الغرب ان الاضطهاد والحرمان الذي يشعر به فقراء العالم فهو في حقيقة الأمر مضاعف بسبب ممارسات الأنظمة التي تحكمهم وهي في أغلب الحالات انظمة مرتبطة الى حد بعيد بالغرب
فالشعوب تخضع لحرمان وقهر خارجي وداخلي مكملات لبعضها البعض.
وهي ترى ان ثرواتها تنتهب من قبل الغرب ومن قبل الحكام المرتبطين بالغرب وفي الوقت نفسه تشعر بالعجز امام غياب الديمقراطية في بلدانها ( وهي السبيل للتغيير ) وامام ضعفها .
والانظمة تملك وسائل الضرب بالحديد والنار وتتخذ القرارات التي تحرم الانسان من حقوقه الاساسية وحقه بالحرية اختيار الدمقراطية . بينما الغرب وهو عراب تلك الأنظمة المرتبطة به , تملك الالة العسكرية والتقنية التي استخدمت , وتستخدم لقهر الشعوب ان هي ثارت أو سعت للتغيير والتطوير.
من القهر والعجز تحولت ارض الشرق الى تربة خصبة لنمو التطرف الأعمى الذي عبر عن نفسه باشكال مداته ذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء ولذلك تقول ان استخدام مزيد من القوة العسكرية أو القمعية او الأثنين معا , سوف نضجع النار ولن نخمدها .
واستيعاب حيوي لما تقدم هو شرط ضروري ومقدمه لا غنى منها للتوصل الى الوصفة اللازمة لاطفاء واخماد حريق التطرف الاعمى.
وسنحاول الأستناد لتلك الحقائق لتشير الى الخطوط العريضة للوصفة
المطلوبة لمعالجة هذا الوضع المتفاقم.
الاغلبية العظمى من الفلسطينيين والعراقيين والعرب يرغبون في اقامة علاقات وثيقة مع الغرب مبنية على اسس سليمة .
الاحترام المتبادل ومساندة الحق والشرعية الدولية والتنمية والازدهار استنادا للمصالح المتبادلة .
لكن ممارسات الغرب والسلطوية في التعامل جعل الشعوب لا تثق يالغرب وتشك في نواياه وتعتبره بعد احتلال العراق عدوا .
ولنضرب مثالا على ذلك : في العراق معظم الذين عارضوا النظام العراقي السابق يعارضون ويقاومون بالكلمة او البندقية احتلال العراق ويطالبون برحيل قوات التحالف الغازية .
وكل الشعب العراقي بغض النظر عما يقوله هذا المسؤول المؤقت أو ذاك ويرى في الاحتلال وما سبقه من حصار وعملية نهب منهجية لثرواته . كما يرون ان القوات العسكرية العراقية وقوى الامن التي جندت بعد الاحتلال ادوات تسخر لخدمة قوات الاحتلال .
فلماذا يصر الغرب على الاستمرار في احتلال العراق . جواب العراقيين واضح : للاستمرار في نهب ثرواته وربما لتقسيم العراق !!.
وهذا لا يؤجج المشاعر العراقية فقط بل يؤجج الشعوب في الشرق بأسره .
والمثال الواضح الأخر هو تعامل الغرب مع اسرائيل بمقياس خاص بدعم عدوانها ولا يستخدم ادوات النفوذ الكبيرة لاقناع اسرائيل بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة . لا بل ترى شعوب المنطقة ان الغرب يسخر منها بتشجيع اسرائيل على الاستمرار في سياستها العدوانية القمعية العنصرية في المنطقة ويتنازل الغرب عما يدعيه من حرص على تطبيق قرارات الأمم المتحدة عندما يتعلق ذلك بالانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967.
لقد مضى على ذلك القرار 38 عاما دون ان ترى شعوب المنطقة حركة واحدة يقوم بها الغرب بالطلب الحازم من اسرائيل تطبيق القرار 242.
موقف الغرب هذا وممارساته في المنطقة احبطت تمنيات الشعوب باقامة مثل تلك العلاقات التي تحدثنا عنها : علاقات المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل .
والنتيجة الحتمية كانت وما زالت ان ترى شعوب المنطقة في الغرب عدوا ينهب ثرواتها ولا يأبه لحقوقها ويساند ويسلح المعتدي عليها .
هذه هي التربة الخصبة لنمو التطرف والارهاب نتيجة ضعف وعجز الشعوب المحكومة بالسلاسل عن مواجهتها القهر والظلم الذي تتعرض له . اذا البداية تكمن هنا عندما ترى شعوب الشرق ان الغرب صادق فيما يقول ( يجب ان يلمس ذلك عمليا ) ستبدأ الامور في اخذ مجراها الطبيعي والمنطقي .
وهذا يعني :
ان يحترم الغرب المبادئ التي يتكلم عنها : الحرية ــ الديمقراطية ــ حقوق الانسان . والاحترام والالتزام بهذه المبادئ يعني عمليا ان يستهدي الغرب بها عندما يتعامل مع الشعوب الأخرى .
لقد دفع الامريكيون ثمنا باهظا للتخلص من الاحتلال البريطاني وساعدتهم فرنسا على مقاومة الاحتلال البريطاني واهدت الامريكيون تمثال الحرية المنصوب في نيويورك تعبيرا عن دعم الحرية وحق تقرير المصير وتجد الان ان السياسة الامريكية لا تنسجم مع هذا التاريخ البطولي من مقاومة الاحتلال .
ونرى ان القلائل في الولايات المتحدة يتذكرون ان مقاومي القوات البريطانية من الامريكيين كانوا ينعتون بالارهابيين في الخطاب السياسي البريطاني . تماما كما ينعت الغرب مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الاسرائيلي الان بالارهاب.
المقياس يجب الا يتحول الى مقاييس حسب مصالح مراكز الضعط في الولايات المتحدة . كبح الارهاب يطلب كمقدمة ضرورية ان يعلن الغرب مجددا وان يمارس ذلك عمليا التزامه بمبدأ حق المصير والاحترام المتبادل بين الشعوب واقامة العلاقات مع الدول والشعوب على اساس االمصالح المتبادلة والنفع المتبادل وليس كما يجري الان اي دول تنهب ثروات الشعوب الاخرى .
بسام ابو شريف