العيادة المتنقلة للعمل الصحي في الأغوار عمل متفان في دعم صمود السكان
نشر بتاريخ: 09/01/2013 ( آخر تحديث: 09/01/2013 الساعة: 13:52 )
رام الله - معا - تعمل العيادة المتنقلة التابعة لمؤسسة لجان العمل الصحي في منطقة الأغوار إنطلاقاً من مستوصف الشفاء التابع للمؤسسة في طوباس على مدار الأسبوع وتصل للمواطنين في القرى والتجمعات المختلفة والمضارب البدوية بشكل دوري ومنتظم لتقديم العلاجات والخدمات الطبية والتثقيفية والتوعوية المختلفة التي تطال جميع الشرائح والفئات من نساء وأطفال ورجال بهدف تدعيم صمودهم وبقائهم على أراضيهم المستهدفة بالحصار والاستيطان والتي باتت ساحةً للمناورات العسكرية الإسائيلية المتكررة.
وعن بداية الفكرة قال الدكتور بسام شعبان مدير مستوصف الشفاء إن الفكرة تولدت منذ سنوات وتخدم ثمانية تجمعات سكنية في المنطقة وهي المالح وكردلا وفروش بيت دجن ويرزا وسلحب وإبزيق وعين شبلي والراس الأحمر. وهي مناطق وتجمعات فلسطينية معزولة ومحاصرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ومحاطة بالمستوطنات والحواجز العسكرية الإسرائيلية.
وأضاف: إن العيادة المتنقلة نفذت في العام الأخير لوحده 9877 زيارة لهذه التجمعات وقدمت خدماتها لأكثر من 5000 مواطن يعيشون في ظروف صعبة وخشنة وتنقصهم كل مقومات الحياة الأساسية ومن هذا المنطلق واظبت العمل الصحي للوصول إليهم مهما كانت المخاطر والظروف بهدف تثبيتهم فوق أرضهم التي يسلبهم إياها الاحتلال يوماً بعد أخر بما في ذلك مواردها الطبيعية من مياه وأراض خصبة لصالح الاستيطان فباتت الأراضي الزراعية التابعة لهم تتقلص بشكل مطرد كما ضاقت عليهم المراعي التي يرعون فيها أغنامهم ولم يعد بمقدورهم حتى تسويق منتجاتهم الزراعية والحيوانية بسبب الحواجز العسكرية التي غالباً ما تغلق أمامهم ما رفع نسب الفقر بينهم وهو ما أنعكس على واقعهم الصحي.
وأشار شعبان إلى أن طواقم العيادة المتنقلة البلسم والمداوي لجراح وآلام هؤلاء باتت تلاحظ عليهم أمراضاً تتعلق بفقر الدم بسبب سوء التغذية الناجم عن الفقر وبعض الأمراض الجلدية بسبب تلويث المستوطنات بنفاياتها المختلفة لمصادر المياه في تلك المناطق.
ويعاني سكان الأغوار الشمالية هذه الأيام من سياسة ترحيل بدأت سلطات الاحتلال بانتهاجها ضدهم وتتمثل بإخلائهم عنوةً من بيوتهم بحجة إجراء تدريبات عسكرية فيها والتي كان أخرها في واد المالح حيث أجبر الفلسطينيون هناك على المبيت في العراء وإتخذوا من عربات جراراتهم الزراعية مأوىً لهم في محيط منطقة المناورات العسكرية وأبوا الإنبتعاد عنها حتى لا يمنعهم الاحتلال من العودة إليها.
العيادة المتنقلة التابعة للعمل الصحي وصلت إليهم طيلة نهار المناورات لتقديم العلاجات لهم حتى في العراء وعن ذلك قالت الدكتورة عبير جاد الله طبيبة العيادة المتنقلة إن ليلة قضاها هؤلاء السكان في العراء وفي فصل الشتاء بلا شك أثرت على صحتهم وهو ما لاحظناه فعلاً فمعظم الأطفال والنساء يعانون من الإنفلونزا والرشح والحوامل يعانين من الإعياء الشديد.
وقالت كذلك نحن نتابع عدة حوامل في بيوتهن داخل مضارب البدو المخلاة ومنهم من هن على وشك الولادة وهذا أمر خطر في ظل منع الحركة في المنطقة وإغلاقها بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة ما يعني أنهن سيلدن في العراء وهذا يشكل خطراً حقيقياً عليهن وعلى صحة المواليد.
وحول ملاحظاتها على سكان المنطقة أكدت أنهم يعانون من أمراض فقر الدم بسبب سوء التغذية والأمراض الجلدية وإلتهابات المسالك البولية والرشح وهي أمراض بحاجة لمتابعات خاصة مشيرةً إلى أن طاقم العيادة المتنقلة يحضر لمنطقة واد المالح يومين في الأسبوع.
وأعربت عن خشيتها من خطر أخر يتهدد سكان المناطق التي تكون مسرحاً للمناورات العسكرية كهذه الأخيرة في واد المالح فعدا عن حالة الرعب التي تصيبهم جراء القصف الذي تشارك فيه الدبابات والطائرات العامودية وطائرات إف 16 والقطاعات العسكرية المختلفة فهنالك خطر أكبر محدق بهم ويتمثل في مخلفات القذائف والأسلحة التي يتركها جنود الاحتلال وراءهم والتي خلفت العديد من الجرحى والشهداء.
وفي هذا الإطار أشارت إلى تعرض الطفلة نجية دراغمة 12 عاماً والتي أصيبت بقدمها بجراح نتيجة إنفجار جسم من مخلفات الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي وكانت الصدفة إلى جانبها ما أنقذ حياتها إذ تصادف مرور العيادة المتنقلة من المكان لحظة إصابتها فجرى تقديم العلاجات والإسعافات الأولية لها قبل نقلها لمستوصف الشفاء فجرى إنقاذ حياتها.
ويتفق مع تخوف الدكتورة جاد الله رئيس مجلس المالح والمضارب البدوية في الأغوار عارف دراغمة إذ قال أن المناورات العسكرية في المنطقة ليست إلا سياسة احتلالية للضغط على السكان للرحيل عن منطقتهم لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي يبتعد عن معسكراته الكثيرة في الأغوار وعن المستوطنات في تنفيذ مناوراته ليجريها بين بيوت السكان وعلى مراعيهم وأراضيهم الزراعية.
وأضاف إن منطقة المالح تضم 13 خربةً وتجمعاً بدوياً دمرت مع العام 1967 ولا يسمح حتى اليوم لمن بقوا فيها بالبناء أو التوسع فيما يسمح للمستوطنات بالتوسع والبناء إلى جانب الإستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة ومصادر المياه وينابيعها والمراعي حيث أن 70% من المناطق الرعوية لم يعد بمقدور الرعاة وصولها كونها صودرت لصالح الاستيطان والمعسكرات.
وأكد أن وجود 450 عائلة في منطقة المالح رغم كل هذه المعيقات والمنغصات على ثلثي مساحة الأغوار هو تثبيت لهويتها الفلسطينية الوطنية في مواجهة تهويدها مشدداً على أن على الجميع دعم صمود سكان الأغوار التي تفتقر لكل الخدمات وعلى رأسها الصحية والتي تحاول العيادة المتنقلة التابعة للعمل الصحي توفير ما يمكن منها لتبقى سلة الغذاء الفلسطينية بيد أهلها.
الشاب أحمد عيد أحد مصابي الألغام الإسرائيلية فقد أصابع يده أثناء رعيه لأغنامه في محيط المالح يتذكر ذلك اليوم المشؤوم في حياته ويقول: أنا أعيش هنا منذ ولدت وكذلك أبائي وأجدادي وكنت في يوم أرعى الغنم وكان الجيش الإسرائيلي أنهى تدريباته في المنطقة فوجدت جسماً لا أعرف ما هو في طريق المواشي فذهبت لإبعاده من أمامها فإنفجر بين يدي ما أدى لبتر أصابع يدي اليمنى جميعها وهذا سبب لي الأذى الكثير وغير من مسار حياتي حيث لم أعد أستطيع القيام بالكثير من الأعمال.
أما خالد زواهرة فيؤكد أنه وبالرغم من خشيته جراء تكرار التدريبات العسكرية من إجباره وأسرته على الرحيل عن المكان أنه لن يرحل مهما كلفه الأمر. ويضيف نحن نعيش هنا منذ عقود والاحتلال يضايقنا منذ اليوم الأول لاحتلال الضفة الغربية فخلال سبعة أشهر على سبيل المثال أجبرنا على إخلاء بيوتنا أربع مرات بموجب إنذارات يوزعها الجيش الإسرائيلي علينا بحجة نيته إجراء تمرينات عسكرية بالذخيرة الحية ويمهلنا أربع وعشرين ساعة للرحيل. وأبدى تخوفه من إبقاء جيش الاحتلال لمخلفات عسكرية وراءه قائلاً أولادي وأسرتي في خطر حقيقي.
وفيما يخص العيادة المتنقلة تحدثت رامية صوافطة العاملة ضمن طاقم العيادة وقالت نحن نعمل في هذه المنطقة منذ تسع سنوات ونحن عندما ذهبنا لبيوت السكان الذين نتابعهم باستمرار فوجئنا بأنهم غير موجودين فيها فبحثنا عنهم لنجدهم في حقل مكشوف والجيش والدبابات في محيطهم فقدمنا لهم العلاجات اللازمة لا سيما وأنهم أصيبوا بأمراض الشتاء بعد ليلة برد قارس ناموها في العراء.
وعن الصعوبات التي تعترض طاقم العيادة المتنقلة أوضحت أن سيارة الإسعاف الخاصة بهم والمخصصة للعيادة المتنقلة غالباً ما تتعرض للتعويق من قبل جمود حاجزي تياسير والحمرا اللذين يفصلان المنطقة عن مدينتي طوباس ونابلس رغم حملها للشارة الدولية التي تدل عليها، كما يقوم الجنود في بعض الأوقات بتفتشيها بدقة والعبث بمحتوياتها وهو ما يؤدي لتلف بعض الأدوية والمطاعيم خاصةً في فصل الصيف الذي تكون فيه حرارة المنطقة مرتفعة.
سكان المنطقة من جهتهم وجهوا الشكر والعرفان لمؤسسة لجان العمل الصحي على جهودها في خدمتهم ومداواة آلامهم وجراحهم ودعمها لصمودهم على أرضهم متمنين عليها زيادة عدد الزيارات إلى تجمعاتهم.