الثلاثاء: 01/10/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية

وزارة الاسرى تسلط الضوء على مفكرة الشهيد الاسير زهير لبادة

نشر بتاريخ: 18/02/2013 ( آخر تحديث: 18/02/2013 الساعة: 12:45 )
رام الله- معا- سلطت وزارة الأسرى الضوء على ما كتبه الشهيد الاسير زهير رشيد لبادة 48 عاما سكان نابلس الذي قضى سنوات طويلة داخل سجون الاحتلال، وبدأت تجربة لبادة مع السجون في وقت مبكر بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، فاعتقل عام 1988، وتوالت بعد ذلك الاعتقالات تباعا، فاعتقل المرة الثانية أواخر عام 1991، وتم إبعاده إلى مرج الزهور ضمن 415 قياديا فلسطينيا.

اعتقل الاحتلال لبادة في المرة الأخيرة عام 2008، وأمضى 30 شهرا في الاعتقال الإداري، وأفرج عنه عام 2010 وأمضى تلك الفترة في مستشفى الرملة، وأعاد الاحتلال اعتقاله في 7/12/2011، وكان حينها مريضا طريح الفراش وحول إلى الاعتقال الإداري بموجب ملف سري وتدهورت حالته الصحية بشكل كبير مما اضطر سلطات الاحتلال إلى الإفراج عنه وهو في حالة غيبوبة ، حيث نقل إلى غرفة العناية المركزة في المستشفى الوطني بنابلس، وبعد أسبوع من الإفراج عنه، وبتاريخ 26/5/2012 سقط شهيدا.

ترك الشهيد لبادة وراءه مفكرة هامة طبعت في كتاب بعنوان ( آهات من سجن الرملة) سجل فيها خلال وجوده في مستشفى سجن الرملة رحلة الآلام والعذابات التي يعاني منها الأسرى المرضى بسبب سياسة الإهمال الطبي.

رحلة العذابات داخل الصندوق الحديدي:
كتب الشهيد عن عذاب البوسطة التي يتكبدها الأسرى المرضى خلال نقلهم في حافلة حديدية تسمى البوسطة للعلاج أو إجراء الفحوصات في مستشفى الرملة، قائلا: كانت البوسطة عبارة عن شاحنة تحمل صندوق حديدي به مقاعد على طوله في أربعة صفوف كل اثنين متقابلين ، وكان يزج فيها أسرى أمنيين وجنائيين في تكتل آدمي منهك أضناه المقعد الحديدي وسنده الحديدي وطول السفر في جو خانق من سجن إلى آخر إلى مراكز التوقيف حتى المستشفى، فالبوسطة كانت جمل المحامل، بحيث يبقى الاسير المريض يوما كاملا في تلك الرحلة المرهقة.

ويقول ما يزيد الطين بله المرضى وأصحاب الآلام كوجع الظهر والرجلين والبواسير التي لا ترحم، وكان سائقوا البوسطة يتعمدون استخدام الفرملة بعد سرعة أو الانعطاف مع السرعة حيث تتكدس الكتلة البشرية المثقلة بالعذاب في مقدمة الصندوق (البوسطة) أو في إحدى زواياه بسبب هذه الانعطافات الحادة.

يصف لبادة جو البوسطة بالخانق، برائحة البشر والعرق والأحذية، ويمنع الأسرى قضاء الحاجة أو شرب الماء، ويسمعون الاستفزازات المذلة من أفراد قوات نحشون المسؤولة عن نقل الأسرى في هذه البوسطة المغلقة.

المستشفى ... المسلخ
يصف الاسير لبادة مستشفى الرملة بالمسلخ ويقول: يدخل المريض إلى هذا المستشفى كالشاة الداخلة إلى المسلخ ، فهدف هذا المستشفى ليس العلاج وإنما إطالة عمر الاسير وليس علاجه حتى يضمن اولئك الجلادين إطالة فترة المرض ، كثنائي بغيض لا يعرفه إلا من ذاق سواد لياليه ووحشية أيامه.

وقال ابتدعت إدارة مصلحة السجون قسم كلية صناعية في ذلك المستشفى حتى لا يفكر احد أن هناك فسحة أمل بالإفراج حتى لو كان الثمن أقسى الأمراض تعذيبا.

لقد رأيت في هذا المستشفى من يجمعون السجن الطويل والشلل والأمراض والاغتراب ، فلا زيارة ولا كتاب، وكل آت أسوأ، وكل نهار عذاب، وكل ليل سهر وألم وشوق وحلم مزعج حتى السحر، أما الحضيض فهو ذلك الذي جمع كل أبواب العذاب في الدنيا وينتظر المجهول المعلوم .

لا خصوصية للمريض، حتى في الزيارة نجد ذلك الشبك والزجاج المتحالفين ضد أشواقنا وعواطفنا مما يمنعنا حتى من التواصل الإنساني بشكل لائق مع زوارنا من زوجاتنا وأمهاتنا وأطفالنا.

وقال لبادة : إن مشاكل الأسرى المرضى مع الأطباء والإدارة دائما مستعرة، حيث طالبنا بوقف سياسة الإهمال الطبي والتسويف والمماطلة في العلاج، ووقف استخدام المسكنات لكل الأمراض، كذلك طالبنا بالسماح لأسرى غزة بالاتصال بذويهم الذين لم يزورونهم منذ سنوات طويلة.

لقد واجهنا مشاكل مع الأكل، حيث يعطوننا طعاما أعده السجناء الجنائيين وهو طعام سيء مما يضطرنا أن نأكل على حسابنا .

التفتيش العاري ... واستخدام الكلاب
يتحدث لبادة في مفكرته عن سياسة التفتيش للمرضى في المستشفى، ومحاولات إذلال المرضى والمعاقين من خلال إجبارهم على خلع ملا بسهم وتفتيشهم عراه، ويقول عندما طلبوا منه أن يخلع كافة ملابسه: انتابني شعور أن كرامة الأمة والشعب والقوم كلها في سروالي الداخلي فكيف أفرط بها ، إنها ما تبقى، لقد كنت جاهزا بل مسرورا للدفاع عن تلك الكرامة.

وقال لبادة، لقد ادخلوا الكلاب إلى قسم المرضى في التفتيش، ولدينا مصاحف وسجاد للصلاة، مما اضطره إلى الاعتراض صارخا، انتم لا تعرفون من هؤلاء المرضى والمقعدين والمصابين في سجن تسمونه مستشفى، ولا تراعون حرمة المرضى ولا المستشفى الذي تدعونه، انتم لا تعرفون ماذا يواجه هؤلاء المرضى ولم يرف لهم رمش.

وكانت قوات خاصة قد قلبت غرف المرضى رأسا على عقب، فكل ملابسنا وكل حوائجنا الصغيرة تكدست وسط الغرفة، حتى حبات الحلوى التي حفظناها لصغارنا يوم الزيارة الموعود داسوها بأقدامهم بعد أن فتحوها ليتأكدوا من خلوها بالممنوعات.

إعدام نبته:
يتحدث زهير لبادة عن قدرته على تهريب شتلة نبات زينة منزلية إلى داخل المستشفى، وقيامه بزراعتها بعد أن جميع حبات تراب من البصل الذي كان في المطبخ، وزرعها في وعاء صغير ، وراهن الجميع على موتها، ولكنها سرعان ما نمت وبثت جذورها وكبرت أوراقها الجميلة، وكانت خير سلوة له لعدة أسابيع حتى أتت الأيدي الحاقدة فصادرتها وأعدمتها.

يقول زهير لبادة انه في إحدى النقاشات مع مدير السجن اقترح عليه السماح للأسرى بإدخال ولو نبتة زينة لكل واحد منهم، فكان رده أن هدف السجون ليس للترفيه وإنما للعقوبة، وليست السجون فنادق خمس نجوم، فقلت له أصبح البعد عن الزهور عقوبة في زمن الاحتلال، والبعد عن اللون الأخضر عقوبة، والبعد عن وردتي الحمراء عقوبة.

تلك الزهرة التي ظللت وفيا لها، و اشرب قهوة الصبح على شباكها حتى جاء ذلك الصباح الأسود عندما انتشلوها واعدموهها، وكأن تلك الادارة اللعينة وجدت غير المناسب وجود هذا المنظر الرائع ولو خلف الجدران المعزولة .. لقد اقتلعوها من قلبي قبل أن يقتلعوها من الارض ولكن جذورها عميقة في صدري.

حلم قبل الموت:
يقول الشهيد لبادة: تمنيت أن اطمئن على أمي فإذا بي احلم أني على باب بيتها واقبل يديها، واطمئن عليها وحارس أحلامي خارجا يرجوني أن لا اتاخر ، وأنا لا أعطيه وعيي بل أبقى تحت سيطرة نفسي ووعيها، وأناور ذلك الحارس وأصارعه وأحيانا أخادعه ، فقد تسللت إلى حديقة أبي ولثمت يديه ، ضمني وطفرت دموعه على شاربيه، تركته يغمغم والحارس يتبعني ، بحثت عن شتلات ومزروعات أبي، عن ثماره الطيبة، وبدأت أقطف والحارس يتبعني، فقلت له أن من الأسرى من لم يذقه منذ خمسة وعشرين عاما، وهذا زعتر بلادي ويمنع دخوله إلى السجن، ويمنع قطافه حراس الطبيعة، ولكني سوف احمله معي رغما عن أنف الحارس هدية من أحلامي الجديدة وأقنعت حارس أحلامي باني سوف أخفيه تحت برشي بمجرد وصولنا بعد الحلم.

وفي حلم آخر استطعت ضم ولدي الصغير وشمه ولمه، وقد صرت استطيع استحضار أحلامي، واحدد بمن سأحلم، وأحلم به وأبثه أشواقي وشجوني، ولكن الحارس اللئيم جاء بخبر ذميم ، ابلغني بوجود لجنة حراس جديدة متخصصة في وأد الأحلام الكبيرة.