الصراع بين اليهود المتدينيين والعلمانيين من الاقتصاد إلى شرطة "الحشمة"
نشر بتاريخ: 18/02/2013 ( آخر تحديث: 20/02/2013 الساعة: 10:41 )
بيت لحم- معا - "شرطة الحشمة" مصطلح ليس بالجديد في أوساط المتدينيين اليهود وان كان عملها رسميا يعتبر غير شرعي ومخالف للقانون.
ويسعى المتدينون من خلال "شرطة الحشمة" إلى فرض أرائهم الدينية ومسلكياتهم التي يعتقدون بصحتها دينيا ووجوب إتباعها مثل إجبار النساء على ارتداء لباس محتشم ومنع السيارات من السير على الطرق خلال أيام السبت ولو كلف الامر رجمها بالحجارة ، وكذلك التصرفات التي عجت بها الصحف الإسرائيلية على فترات طويلة حيث تناقلت أنباء مهاجمة السيارات أيام السبت على الطريق رقم "1" المار قرب أحياء المتدينيين بمدينة القدس وإجبار أفراد "شرطة الحشمة" النساء على اتخاذ جانب الطريق الأيسر ممرا لهن فيما خصص الجانب الأيمن للرجال كما حدث سابقا في حي "مئة شعاريم " بالقدس الا ان الشرطة تدخلت أكثر من مرة لمنع هذا الأمر ووصولا الى محاولة المتدينيين فصل النساء عن الرجال داخل المواصلات العامة وإجبارهن على الجلوس في المقاعد الخلفية للحافلات فيما تخصص المقاعد الأمامية للرجال دون غيرهم.
مدينة " بيت شيمش " الواقعة غربي القدس شهدت خلال الأشهر الستة الماضية مواجهات عنيفة بين جمهور المتدينيين والعلمانيين على خلفية محاولة المتدينيين فصل المواصلات العامة ابتدأ من فصل محطات الانتظار وتخصيص بعضها للنساء دون الرجال والعكس صحيح وصولا إلى فصل مقاعد الجلوس داخل الحافلات نفسها الأمر الذي اثأر حفيظة العلمانيين ووصل الأمر حد الاشتباك والتشابك بالأيدي والحجارة وتدخل الشرطة أكثر من مرة للفصل بين الجانبيين.
وتشير تقارير صحفية إسرائيلية عديدة إلى وجود أحياء كاملة يسكنها المتدينين داخل " بيت شيمش" مثل حي " رمات بيت شيمش " لا يستطيع العلمانيين أو غير المتدينيين دخولها وان حدث ذلك قد يتعرضون للضرب والعنف كما حدث مع سيدة من مدينة تل ابيب وصلت قبل أكثر من شهرين الى " رمات بيت " شيمش " لقضاء بعض الحاجيات ويبدو ان لباسها لم يعجب المتدينيين فتعرضت لهجوم عنيف استدعى تدخل الشرطة لإنقاذها.
وصل الصراع بين المتدينيين وغير المتدينيين حد وسم مدنا كاملا بصفة متدينة او غير متدينة كما هو الحال مع مدينة القدس الغربية والمستوطنات اليهودية في القدس الشرقية المحتلة من جهة ومدينة تل ابيب من جهة أخرى حيث يصف الإعلام الإسرائيلية القدس بالمدينة المتزمتة حيث أشارت معطيات الإحصاء المركزي إلى تراجع عدد سكان القدس العلمانيين لصالح سيل المتدينيين المتدفق على المدينة فيما تعتبر تل أبيب قلعة العلمانيين لذلك سجل الإحصاء المركزي خلال العقد الماضي ارتفاع عدد العلمانيين الذين يقيمون في تل أبيب وتحديدا ارتفاع عدد العلمانيين الذين تركوا القدس وقرروا السكن في تل أبيب للهرب من "جحيم" المتدينيين اليهود وتصرفاتهم ومحاولاتهم فرض شريعتهم على غيرهم ولو استدعى الأمر استخدام القوة بأنواعها وإشكالها المختلفة.
المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لم تكن يوما بعيدة عن هذا الصراع فهناك من توسم بالمستوطنات العلمانية مثل مستوطنة " افرات" جنوب بيت لحم مثلا حيث غالبية سكانها من اليهود الأمريكيين والغربيين عموما وهناك مستوطنات توصف بمدن " متدينة متزمتة " مثل مستوطنة كريات أربع في الخليل والبؤرة الاستيطانية في قلب مدينة الخليل التي يقيم فيها عتاة المتطرفين "بيتار عليت" غرب بيت لحم التي كانت يوم امس الأحد، مسرحا لعملية اعتقال نفذتها الشرطة الإسرائيلية بعد عملية تحقيق سرية تنكر خلالها أفرادا من الشرطة واندمجوا في صفوف ما يعرف داخل المستوطنة بـ " شرطة الحشمة".
ووفقا للتقارير الإسرائيلية نجحت الشرطة باعتقال اثنين من قادة "شرطة الحشمة " احدهم يشغل منصب مدير قسم الشبيبة في بلدية المستوطنة.
تتهم الشرطة المعتقلين بتنفيذ عمليات اعتقال غير شرعية واعتداءات عنيفة ضد أشخاص تسربوا من المدارس الدينية أو قاموا بسلوك لا يتناسب والشريعة اليهودية.
ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مستوطنين داخل "بيتار عليت" قولهم "على الاقل 10 أشخاص عملوا ضمن شرطة الحشمة "، وحين كانوا يلاحظون وجود أشخاص لا يرتدون ملابس محتشمة ويتصرفون بطريقة تنافي الشرع اليهودي كانوا " يعالجونهم " فورا وكان أفراد " شرطة الحشمة " يتجولون داخل الحافلات ليتأكدوا من وجود فصل تام بين الرجال والنساء وكل من يجدونه مخالفا لقاعدة الفصل كان يحظى هو الأخر " بعلاج " خاص من قبلهم ".
وقال شاهد أخر من داخل المستوطنة واصفا طريقة عمل شرطة " الحشمة "،"لم يقوموا دائما بتحذير الأشخاص بل كانوا يهاجمونهم فورا ويتصرفون بعنف شديد معهم وفي إحدى المرات اعتقوا فتى واحتجزوه داخل شقة وانهالوا عليه بالضرب المبرح حتى يعلموه درسا ويعود ليتصرف وفقا لشريعتهم الخاصة".
ورغم تحرك الشرطة الإسرائيلية المتأخر والخجول ضد "شرطة الحشمة" إلا أن هذا التحرك لاقى استحسانا لدى أطراف علمانية عديدة دعت الشرطة إلى استكمال التحقيق في هذه القضية حتى النهاية والوقوف على مدى مسؤولية ودور رئيس بلدية المستوطنة وكبار الحاخامات فيها والإجابة على السؤال المتعلق بحجم تورطهم في تشكيل وعمليات "شرطة الحشمة".
هذا شكل من أشكال الصراع المستشري بين اليهود المتدينيين وغير المتدينيين وهناك شكلا أخر وأوسع يتمثل في الصراع العام على هوية الدولة حيث يحاول المتدينيين فرض سيطرتهم على الحياة العامة عبر استغلالهم لقوتهم السياسية وحاجة الأحزاب الأخرى لهم لتشكيل الحكومات المتعاقبة ما منح اليهود المتدينيين بمختلف طوائفهم امتيازات اقتصادية واجتماعية كثيرة جدا على حساب اليهود العلمانيين الذي يؤدون الخدمة العسكرية ويخرجون للعمل اليومي ويندمجون في الحياة الاقتصادية ويشكلون الجزء الأعظم من قوة العمل الإسرائيلية خلافا للمتدينيين الذين يعيشون على حاسب دافع الضرائب الإسرائيلي دون أن يكلفوا انفسهم مشقة الخروج للعمل أو أداء الخدمة العسكرية أو تقديم أي شيئ "للدولة" سوى الصلاة والحفاظ على التوراة حسب قولهم.
ومن هنا يمكن فهم الأزمة الائتلافية الحالية وصعوبة تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد على خلفية مطالبة أحزاب علمانية مثل حزب " يش عتيد " وحتى حزب "إسرائيل بيتنا" بضرورة فرض الخدمة العسكرية على المتدينيين وتقليص المخصصات المالية التي يتلقونها لإجبارهم على العمل والإنتاج الأمر الذي ترفضه الأحزاب الدينية لدرجة تهديد الزعيم الروحي لحركة شاس " عوفاديا يوسف " بحرب أهلية في حال فرض التجنيد الإجباري على طلبة المدارس الدينية.
وفي أخر هذه العجالة يمكن القول بان غالبية العلمانيين باتوا ينظرون لجمهور المتدينيين كأجسام طفيلية تعيش وتقتات على عرقهم دون أن يعملوا أو ينتجوا شيئا ما قلص حجم القوة العاملة الإسرائيلية بسبب ارتفاع نسبة المواليد لدى المتدينيين، وبالتالي ارتفاع أعداد من يعيش ويعتاش على عرق العلمانيين وضرائبهم الأخذ عددهم بالتراجع لصالح ازدياد أعداد المتدينيين.