الانسحاب الاسرائيلي من غزة وشمال الضفة نصر للمشروع الوطني
نشر بتاريخ: 12/08/2005 ( آخر تحديث: 12/08/2005 الساعة: 12:06 )
بقلم عصام الحلبي - لبنان
مخطئ من يعتقد ان الانسحاب الاسرائيلي من غزة والضفة الغربية بمحض ارادة الحكومة الاسرائلية او مكرمة أمريكية, وفي هذا السياق لابد من الاشارة الى عنصرية الفكر والاعتقاد الاسرائيلي الصهيوني المبني على الاستيطان والاحتلال والاستعمار , ومدلولاته واضحة في الادبيات الاسرائلية ومنها الشعار المكتوب في قاعة البرلمان الاسرائيلي " الكنيست " ومفاده - حدود اسرائيل من الفرات الى النيل- وكما عبر احد قادة اسرائيل عندما سئل عن حدود اسرائيل مجيبا - بان حدود اسرائيل حيث تصل قدم الجندي الاسرائيلي - .
هذا الفكر الاسرائيلي العنصري الصهيوني , أساسه الاحتلال والاستيطان , ووسيلته الى ذلك الحروب المدمرة , والمجازر البشعة والسلوك العنصري , والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجبر قادة هذا الكيان الاسرائيلي الصهيوني العنصري على التنازل المؤلم , كما يدعي قادته او لماذا هذا التراجع عن الحلم الاسرائيلي باقامة دولة حدودها من الفرات الى النيل او التخلي عن عنصر اساسي من مكونات الايدلوجية الاسرائيلية المبنية على الاستيطان في" ارض الميعاد " حسب ادعائهم , لابد الذي دفعهم الى هذا كله عوامل اقوى منهم .
وفي كل ما يحدث من انتصار لمشروعنا الوطني وتراجع للمشروع الاسرائيلي الصهيوني لشعبنا الفلسطيني بكافة قواه وفصائله الوطنية والاسلامية ولقيادتنا التاريخية وعلى رأسها الرئيس الرمز ياسر عرفات ولسلطتنا الوطنية الفضل في هذا النصر حيث خاض شعبنا وقواه وفصائله النضال العسكري المقاوم والانتفاضي والسياسي الوطني في وجه المشروع الاستيطاني الصهيوني منذ لحظاته الاولى.
فالمقاومة الشعبية والسياسية الوطنية انطلقت منذ بدايات الغزو الاستيطاني الصهيوني لارض فلسطين يضاف اليها المقاومة العسكرية والجهادية رغم تواضع امكانياتها التي اعتمدت على الذات , وعلى الارادة الصلبة والعزيمة التي لاتلين والايمان بعدالة القضية مستندة الى بعد شعبي عربي وعالمي حر , استمر هذا النضال الوطني بكافة اشكاله الى ان انطلق مارد الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام " 1965" والتي حولت النضال الوطني الفلسطيني وبكافة اشكاله الى اوسع ابوابه على المستوى الفلسطيني والعربي والعالمي , وحملت القضية الفلسطينية الى المنابر العالمية والى الامم المتحدة وما زال ماثلا امامنا مشهد دخول رمز فلسطين الرئيس الشهيد ياسر عرفات مرتديا بزته العسكرية ومتشقا مسدسه وبيده غصن زيتون , مخاطبا العالم من اعلى منابره بالقول :
جئتكم ببندقية الثائر بيد وبغصن زيتون باليد الاخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي , وتتالت المفاصل النضالية لشعبنا وقواه وفصائله وكانت الانتفاضة الكبرى ثم انتفاضة الاقصى والاستقلال واللتان شكلتا ايضا عاملا ضاغطا على المؤسسة العسكرية والفكر ولمجتمع الاسرائيلي واحدثت فيه تحولات ملحوظة باتجاه التخلي القصري عن مشروعه الصهيوني الشمولي, وبرز جدل كبير داخل المؤسسات العسكرية والامنية والفكرية والاستراتيجية الاسرائيلية , وبرز سؤال ملح هل يمكن جمع الامن والاحتلال في الضفة الغربية وغزة المحتلتين , اخذ هذا الجدل في الاتساع وبرزت الهوة بين معسكرات عدة داخل اسرائيل منها من يؤيد طرد او ابادة الفلسطينين للتخلص منهم ومن تبعاتهم وعلى كافى الاصعدة ومنهم من ينادي باعطاء الفلسطينين دولة قابلة للحياة وتركهم يديرون شؤونهم بأنفسهم بعيدا عن اسرائيل , ومنهم من نادى بالحاق الضفة الغربية بالاردن وغزة للادارة المصرية , ولكن هذا ما يفكر فيه ويتمناه الاسرائليون وقد اصموا الاذان عن الصوت الفلسطيني الذي ناضل من اجل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
من هنا بدأت المؤسسة العسكرية والامنية ومؤسسات التخطيط الاستراتيجية الاسرائلية بالتراجع عن مخططاتها لكي يتسنى لها اطالة عمر اسرائيل كدولة وخاصة في السنوات الاخيرةالتي تلت اتفاق اوسلو , حيث شكل بداية اضمحلال الاحتلال والكيان الاسرائيلي باتجاه التلاشي الكلي والزوال.
بالاضافة الى عدم نجاح المشروع الامريكي في افغانستان والعراق وفشل الادارة الامريكية في التطويع الكلي للعديد من الدول في المنطقة كايران.
هذه العوامل مجتمعة فرضت على الادارة الامريكية والكيان الاسرائيلي تراجعا ملحوظا في مشروعها في المنطقة على المستوى الامريكي وتراجعا ايدلوجيا فكريا على المستوى الاسرائيلي بغية كسب الوقت لاطالة عمر اسرائيل والتي اصبحت في مأزق وجودي نتيجة ماتعانيه من تنوع ثقافي وفكري وايدلوجي مما جعل التماهي فيما بين هذا التنوع المجتمعي صعبا , ومن هنا اعتمد الاسرائليون وبشكل دائم على مقولة الخطر الداهم من الاخر لكي يجعلوا من المجتمع الاسرائيلي بكافة فئاته موحدا باتجاه العدو والخطر على اقل تعديل .
الانسحاب الاسرائيلي من غزة والضفة الغربية مهما تكن أسبابه ودواعيه هو نصر للمشروع الوطني الفلسطيني الرامي الى قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وازالة المستوطنات وعودة اللاجئيين الى فلسطين حيث قراهم وبلداتهم وهو بداية تحقيق الحلم الفلسطيني الكبير ولا ضير في أن يأتي تدريجيا دونما انتقاص .