الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

جيبوتي عضو جديد في "الربيع العربي"

نشر بتاريخ: 27/02/2013 ( آخر تحديث: 28/02/2013 الساعة: 09:11 )
جيبوتي - معا - عامر راشد - ظلت جيبوتي الدولة العضو في جامعة الدول العربية بعيدة عن الانشغال بالقضايا والأزمات العربية، أو التأثر بها، طوال ستة وثلاثين عاماً، هي عمر استقلال هذا البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه والفقير بثرواته وموارده، وغير المؤثر جيوسياسياً.

ولا يكاد يميز جيبوتي سوى الموقع الاستراتيجي الهام على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، والروابط العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

ونادراً ما كانت أحداث جيبوتي، البلد الذي يوصف عادة بـ"المنزوي والهادئ"، تجد لها مكاناً في الأخبار العربية والأفريقية والدولية، لكن احتجاجات اليومين الماضيين على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتطورها إلى صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في ضاحية "ببالا" الأكثر شعبية واكتظاظا في العاصمة، وضعت جيبوتي في دائرة الاهتمام الإعلامي والسياسي، في خضم تكهنات واسعة بركوب الحراك الشعبي المعارض فيها قطار ثورات "الربيع العربي"، لاحت نذرها في كانون الثاني (يناير) 2011 بمظاهرة حاشدة في العاصمة جيبوتي شارك فيها ما يقارب 30 ألف شخص من مؤيدي المعارضة، لكن الحراك خبا لاحقاً ولم يشهد من حينها تحركات تُذكر.

الأجواء المشحونة من جديد بين السلطة وأحزاب المعارضة أخذت بعداً دراماتيكياً بإعلان وزير الداخلية الجيبوتي حسن هوفانيه، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، أن النتائج الأولية أظهرت حصول حزب "الاتحاد من أجل غالبية رئاسية"، الذي ينتمي إليه الرئيس إسماعيل عمر جيلي، على 49 من 65 مقعداً بالبرلمان في الانتخابات التي أجريت قبل يوم واحد من إعلان النتيجة، وهو ما شكك به تحالف "اتحاد الإنقاذ الوطني" المعارض، متهماً الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات، وإعلانها على عجل دون التدقيق في المخالفات التي شابتها.

وتدعي المعارضة أن نتيجة الانتخابات لا تتطابق مع ما حدث في مناطق العاصمة والمناطق الداخلية، ويؤكد مراقبون مستقلون وجاهة ما ذهبت إليه المعارضة من تشكيك في النتائج، فاستطلاعات الرأي أظهرت تأييداً شعبياً كبيراً للمعارضة التي خاضت الانتخابات بائتلاف موحد، وشارك في تجمعاتها الانتخابية تحضيراً للانتخابات حشود وصفتها وسائل الإعلام العالمية بـ"الكبيرة والضخمة".

وجدير بالذكر أنها الانتخابات التشريعية التعددية الأولى في جيبوتي منذ انتخابات عام 2003، التي حاز فيها الائتلاف الحاكم، بزعامة الرئيس إسماعيل عمر جيلي، على كل مقاعد البرلمان، وشابتها شبهات تزوير، لاحقت الرئيس أيضاً في الانتخابات الرئاسية 2011.

وتنذر الخلافات المتصاعدة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة، وانتقال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التشريعية إلى صدامات في الشارع، بزعزعة الاستقرار السياسي الهش في جيبوتي، وإذكاء نعرة قبلية في المجتمع تسببت عام 1990 بحرب أهلية بين القبيلتين، أو القوميتين، الأكبر، قبيلة عفار وقبيلة عيسى، ويعاني المجتمع عموماً من صراع على الهوية بين الاثنيات والقوميات والقبائل المتعددة، من عفر وصوماليين وعرب وأثيوبيين وأقلية أوروبية.

ورغم أن جيبوتي دولة عضو في جامعة الدول العربية إلا أن اللغة الرسمية فيها هي اللغة الفرنسية، ويتحدث الكثير من سكانها اللغة الصومالية السواحلية، الأوسع انتشاراً، وتليها لغة عفار، ومن ثم اللغة العربية المنتشرة بين أوساط خليط من النخب الإثنية.

وتصنف جيبوتي عالمياً في أدنى درجات سلم خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم، وتخلف البنية التحتية، وانتشار الفقر، إذ يبلغ متوسط الأعمار 43 سنة، ومعدل الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة أكثر من 10%، ووفقاً للإحصاءات المتوفرة فإنه في العام 2010، ظهرت على نحو 42.9% من الأطفال في منطقة أوبوك شمال البلاد علامات الهزال. وفي العام 2006، احتلت جيبوتي المرتبة الثانية عالمياً من حيث انتشار الهزال بين الأطفال دون سن الخامسة حيث بلغت النسبة 21%.

وتبلغ نسبة الأمية ما يقارب 33%، وتتجاوز نسبة التسرب من المدارس في المرحلتين الابتدائية والإعدادية غالبية النسب في بلدان العالم. ومن إجمالي عدد السكان البالغ ما يقارب 900 ألف نسمة، يعيش أكثر من 200 ألف تحت خط الفقر العالمي بمعدل دولار وربع الدولار للشخص في اليوم. وطبقاً لتوقعات شبكة نظم الإنذار المبكر من المجاعة خلال الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) 2012 وحتى آذار (مارس) 2013، فإن الأسر في المنطقة الحدودية الرعوية جنوب شرق البلاد بالكاد تستطيع تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية من خلال الاستنزاف المتسارع للأصول التي تؤمن لهم سبل العيش واعتماد استراتيجيات تكيف غير مستدامة مثل بيع الفحم، فيما تشمل المناطق الأكثر تضرراً من المجاعة أوبوك في الشمال ودخيل وببالا.

ويرزح مواطنو جيبوتي تحت وطأة اقتصاد متداع، يحذر المراقبون من أن الحكومة عاجزة عن مواجهة تحدياته ومشاكله، ويلفت بعضهم إلى أن التخوفات الأكبر لدى الكثيرين هي أن تواجه جيبوتي أزمات جديدة؛ ليست اقتصادية فحسب، بل ستكون إنسانية بالدرجة الأولى؛ تعيد للأذهان حال البلاد هناك مع موجة الجفاف المدمرة التي ضربتها ما بين عامي 2010-2011.

وقدّر مكتب برنامج الغذاء العالمي في جيبوتي عدد المتضررين بموجة الجفاف، التي تجتاح البلاد في الوقت الحالي، بنحو 300 ألف نسمة، من بينهم 91 ألفاً من المهاجرين واللاجئين الذين قدموا من الدول المجاورة، خصوصاً الصومال وإثيوبيا.

وأضاف المكتب في تقرير صادر عنه: هناك تداعيات تعمق الأزمة الإنسانية في جيبوتي، نجمت عن الانقطاع المستمر للأمطار لسنوات عديدة، والارتفاع الهائل لأسعار المؤن الغذائية الأساسية، وضعف القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من المجتمع، وتدفق اللاجئين الفارين من الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية في بلدانهم، فضلاً عن ضآلة المعونات المقدمة من الجهات المختلفة مما لا يتناسب وحجم الأزمة، في حين تزداد حاجة هؤلاء المنكوبين بشكل يومي إلى الغذاء والماء بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية.

وفي هذا السياق؛ تعدُّ المساعدات الاقتصادية المقدمة لجيبوتي من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الغربية ضئيلة جداً، رغم أنه يوجد على أراضيها مقر القيادة الأفريقية التابعة للقوات المسلحة الأميركية وقاعدة كامب لمونييه ‏(en)‏ أكبر معسكر أميركي بالقارة الأفريقية، وتحتفظ فرنسا - الدولة المستعمرة لجيبوتي سابقاً- بقاعدة عسكرية كبيرة منذ استقلال جيبوتي عنها عام 1977، كما تحظى بريطانيا وألمانيا بوجود عسكري منتظم على الأراضي الجيبوتية.

عوامل كثيرة، وعوامل أخرى من الصعب عرضها في عجالة، تدعو كلها إلى توقع التحاق جيبوتي بـ"الربيع العربي"، لكن الموانع ستكون كبيرة جداً، في بلد تستبيح أرضه القوات الأميركية والفرنسية والأوروبية الغربية، وتجتاحه المجاعة، ويعتمد على المساعدات الخارجية، بما سيمكّن المانحين من اللعب في معدة الحراك الشعبي الجيبوتي، وقبل كل هذا وذاك معضلة الانقسامات الإثنية والقومية والقبلية داخل المجتمع، والتي يمكن لنظام الحكم أن يستثمرها في صالحه.