مؤسسة الأميرة بسمة تعطي افقا جديدا لعلاج اضطرابات طيف التوحد
نشر بتاريخ: 19/03/2013 ( آخر تحديث: 19/03/2013 الساعة: 11:03 )
رام الله- معا - أصدر مشروع "إصلاح وتطوير القطاع الصحي الفلسطيني" التابع لوزارة الصحة والممول من الـ "USAID" تقريرا حول "اضطرابات التوحد" لدى مؤسسة الاميرة بسمة للاولاد المعاقين في القدس.
واوضح التقرير ان حالات اضطرابات التوحد (Autism) التي يتم تحويلها إلى مؤسسة الأميرة بسمة للأطفال المعاقين في القدس ازدادت بنسبة كبيرة وصلت إلى 6-8 حالات شهريا، حيث يتم تحويل هذه الحالات إما من قبل المراكز الأخرى الشريكة مع المؤسسة أو من خلال البرنامج الميداني الذي تقوم به المؤسسة، حيث يتنقل أخصائيو مؤسسة الأميرة بسمة إلى كافة المحافظات في الضفة الغربية لتشخيص وتحويل الحالات المرضية التي يصعب علاجها محليا إلى المقر الرئيسي في القدس.
فمن خلال منحة مقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عبر مشروعها لإصلاح وتطوير القطاع الصحي الفلسطيني، إستطاعت مؤسسة الأميرة بسمة أن توفر خدماتها في كافة أرجاء الضفة الغربية عن طريق البرنامج الميداني، وأن تتحول إلى مركز تحويلي لعلاج العديد من الإعاقات بافتتاح قسم علاج مرضى التوحد، وهو المركز الرئيسي في الأراضي الفلسطينية الذي يعالج مثل هكذا اضطرابات.
حسب التقرير لا توجد أرقام دقيقة لمرضى التوحد في الأراضي الفلسطينية، ولكن بحسب السيدة بسمة أبو عيشة، أخصائية العلاج الوظيفي ومنسقة برنامج التوحد في المؤسسة، فإن طفلا من كل 88 طفلا مصابا بالتوحد، وهي نفس النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية.
من المعروف أيضا أن نسبة الإصابة بالمرض بين الذكور أعلى منها بين الإناث بنسبة 4 إلى 1. لا يمكننا حصر هذا المرض لعدة عوامل منها أن الأهل يجهلون كيفية إصابة طفلهم بالمرض وبالتالي لا يتم تشخيصه، والأخطر من هذا أن بعض الأسر تساهم في تدهور حالة أبنائهم من خلال إخفاء إصابتهم بالتوحد وعدم إرسالهم لمراكز العلاج نظرا لخجل الأسر الاجتماعي من وجود طفل مصاب بالتوحد في أوساطها، وبالتالي إخفائه عن المجتمع. من المهم هنا أن تنتبه الأسرة إلى العلامات المبكرة للتوحد لكي تبادر إلى استشارة الطبيب المختص.
أكتشف التوحد في الأربعينيات من القرن الماضي، ولكن الحديث عنه في الأراضي الفلسطينية لم يبدأ إلا منذ ثلاث سنوات فقط، كما توضح السيدة بسمة، التي تقول: "التوحد اضطراب نمائي يصيب الأطفال ويشخص في السنة الثالثة من العمر. يعاني أطفال التوحد من قصور في التواصل الاجتماعي والتواصل بشكل عام، وقصور في اللعب الرمزي واللعب مع الآخرين، أي يميل الطفل إلى العزلة والتوحد. يتأثر الأطفال الذين يعانون من التوحد بطرق مختلفة عن بعضهم، فالبعض تظهر عليه أعراض خفيفة ويستطيع العيش بشكل مستقل، بينما يكون المرض أشد عند البعض الآخر، وفي هذه الحالة يحتاج مريض التوحد إلى الدعم المستمر طيلة حياته."
ثمة أنواع مختلفة من التوحد، وتختلف أعراضه من طفل إلى آخر، ولهذا السبب يقال بوجود اضطرابات "طيف التوحد". من أعراض هذا المرض خلل في تواصل الطفل مع من حوله وبالتالي تأخره في الكلام، والميل إلى تكرار نفس الكلمات، وضعف التفاعل الاجتماعي، والميل لتكرار نفس التصرفات ونفس الاهتمامات، مثل إجراء حركات هز لليدين.
ويميل طفل التوحد إلى اللعب الإنفرادي وعدم الاهتمام للأطفال حوله، وصعوبة التواصل البصري بالعينين مع الآخرين. ومن التصرفات الأخرى التي تظهر على المصابين بهذا المرض محدودية كلام الطفل بعدة كلمات أو عبارات متكررة، وتجنب الاحتكاك الجسدي مع من حوله، ونادرا ما يلعب أطفال التوحد الألعاب المثيرة والتخيلية وتنتابهم نوبات من الغضب الطويل أو الضحك أو البكاء. وعموما، يعتمد الأطباء في تشخيصهم على الأهل الذين هم أول من يشك في وجود مشكلة في تطور الطفل.
إستطاعت مؤسسة الأميرة بسمة أن تفتتح قسما خاصا متطورا لعلاج مرضى التوحد، يحتوي على غرفة حسية (Snoezelen) مجهزة بأجهزة مرئية وسمعية لمساعدة أطفال التوحد على التركيز والراحة، يديرها طاقم متخصص في التعامل مع حالات اضطراب التوحد. أفتتح صف التوحد في المدرسة التابعة لمدرسة الأميرة بسمة في خريف عام 2011، وقبل ذلك خضع المشرفون على الصف لدورات تدريبية لمدة عام على كيفية التواصل البديل مع أطفال التوحد، والطرق العلاجية، إذ أن لكل طفل خصوصيته وله خطة علاجية منفردة.
نظم الصف حسب الأنظمة العالمية باستعمال برنامج عالمي وبرنامج فردي لكل طفل. تقول السيدة بسمة أبو عيشة: "إعتمدنا في هذا الصف نظام التواصل بتبادل الصورة، والمكون من ست مراحل: مرحلة التبادل، والتنمية التلقائية، وتمييز الصور، وتكوين الجمل، والتفاعل عند سؤال "ماذا تريد؟"، والمرحلة الأصعب والأخيرة وهي التجاوب والردود التلقائية." وتستطرد السيدة أبو عيشة: "نهدف في هذا البرنامج التأهيلي لمرضى التوحد لأن نوصل الأطفال إلى أكبر قدر من التواصل الاجتماعي والاستقلالية في الأمور الحياتية اليومية، وهذا أقصى ما نستطيع عمله."
أما دور الأهل فهو أساسي ورئيسي في علاج اضطرابات التوحد. لا يمكن أن يتم تحويل حالة للعلاج دون أحد الوالدين أو الأقارب ممن يعيشون مع الطفل باستمرار. يتم إدخال الأطفال إلى العلاج لفترة ثلاثة أسابيع يتم خلالها العمل ما بين الأخصائيين والأهل والطفل، وتقدم مؤسسة الأميرة بسمة في هذه الأثناء التدريب اللازم للأمهات عبر برنامج تمكين الأمهات. يساعد هذا البرنامج الأمهات على فهم حالة أبنائهن وتعلم الطريقة الصحيحة للتواصل معهم.
تقول السيدة (ش) أم الطفل (ر) إبن الثلاث سنوات بعد ثلاثة أسابيع من العلاج في مقر المركز في القدس أنها تحمد الله على أنها استطاعت أن تصل إلى مؤسسة الأميرة بسمة لعلاج طفلها الذي تم تحويله من إحدى المحافظات في الضفة الغربية عبر البرنامج الميداني الذي تنفذه المؤسسة. وتستطرد قائلة والسعادة في عينيها: "منذ أن ساءت حالة ابننا لم نكن نستطيع التواصل معه بتاتا، وكان هذا يؤلمنا جدا، يؤلم جميع المحيطين به. وخلال وجودي هنا في المؤسسة استطعت التحدث مع ابني لأول مرة، أصبح يتواصل معي وأتواصل معه. لقد أعطاني وجودي في مؤسسة الأميرة بسمه الأمل والتفاؤل في رؤية ابني يعود للاندماج مع من حوله."
ستعود السيدة (ش) إلى بيتها ومعها التدريب اللازم للتواصل والتخاطب مع ابنها الأصغر بين أربعة أخوة وأخوات. قدمت لها مؤسسة الأميرة بسمة يد العون والدعم النفسي والتدريب اللازم لتتواصل مع ابنها وتخرجه من عزلته. وهي الآن قادرة على تعليم بقية أفراد أسرتها كيفية التخاطب مع (ر). وتختتم قائلة أنه لولا وصول أخصائيو مؤسسة الأميرة بسمة لمنطقتها لما استطاعت أن تصل بابنها إلى هذه المرحلة من التقدم في العلاج، والدعم الكبير الذي لاقته خلال فترة مكوثها مع ابنها في مقر المؤسسة. وتعبر عن شعورها قائلة أن ابنها "أصبح إنسانا جديدا".