عندما تتجسد المعاناة في إنسان- من يتيم إلى جريح وأخيرا مريض
نشر بتاريخ: 23/03/2013 ( آخر تحديث: 23/03/2013 الساعة: 20:28 )
غزة - معا - رجلٌ شابٌ في الثالثة والثلاثين من عمره اخترقت جسده 7 رصاصات لكل منها قصة وحكاية ترويها أثار أصرت على الاحتفاظ بذكرياتها في ذلك الجسد, عاش يتما في معهد للأيتام, أب لستة أطفال أكبرهم فتاة تبلغ من العمر أربع عشرة عاما وأصغرهم لم تتجاوز العام.
شعبان خليل مليحة من سكان مخيم جباليا تبلغ مساحة منزله40 متر، منزل بهذه المساحة أطلق العنان لمخيلتك لتتصور شكله وكيف لأسرة تتكون من ثمانية أفراد أن تعيش فيه.
شعبان يروي فصول من حياةٍ عاشها ما بين فقدان تمرد ونقص.
|209061|
طفولة قضاها في معهد الأمل للأيتام في مدينة غزة، ولا يرجع السبب في ذلك لعدم وجود أهل له ولكن شاء هؤلاء الأهل أن يضعوه هناك, توفيت والدته بعد إبصار عينيه لنور الحياة بأسبوعين فقط, ووالده لحق بزوجته بعد ما يقارب العام والنصف ليقرر الأخ الأكبر له أنه لا مكان لأخيه الرضيع إلا "الأمل".
ويطرق لنا باب الذكريات الذي لم يغب عن ذهنه يوم ليقول: "أذكر أنني كنت مشاغبا متمردا لا اكف عن افتعال المشاكل مع الأولاد في سني لا أعلم لماذا ولكنني لم أكن مرتاحا نفسيا فألجأ لتفريغ ما بداخلي بأفعال وتصرفات مزعجة على أشخاص لا علاقة لهم بالأمر"، ويتابع "نعم أنا من فقد الحنان والأمن في طفولته وحرم من الأسرة، فأيقنت أن سبب تصرفاتي في الصغر كان مؤلما، حتى اليوم".
|209060|
وعند بلوغ السن القانوني للخروج من المعهد خرج شعبان من نعمة إلى جحيم كما يصفها, لم يكن متقبلا للحياة الجديدة, حياة عليه البدء فيها بمفرده ليؤسس ويكون مستقبله ولكن في ظل غياب مرشد وموجه لا يكتمل النصاب، ليسرد فصلا جديدا ويقول : "كنت جاهلاً أود التخلص من الحياة وكانت الانتفاضة الأولى مشتعلة في ذلك الوقت، لذلك كانت الملاذ الوحيد لتفريغ كرهي ونقمي على الحياة برشق الحجارة على جنود الاحتلال الإسرائيلي، وهنا خُطت قصتي مع الرصاصات السبع".
هذه الحالة لم تلازم شعبان المصاب كثيرا لأنه بدأ فعليا التفكير بالمستقبل وبناء حياة أفضل بولوجه عملا يحيا من ورائه، وهكذا عمل خياطا بأجر زهيد إلى أن صار صاحب صنعة كما يقال، وشيئا فشيئا انضمرت حالته النفسية السيئة لتتحول إلى الشعور بالتحسن والاستقرار، متخذا قرار الارتباط بشريكة حياته، ويؤكد مليحة أنه وبالرغم من تخلي أخوته عنه في طفولته إلا أنهم احتفظوا بحقه من ميراث والده ووالدته وان كان بالجزء البسيط.
|209059|
وتشاء الأقدار أن يتعرف على سمر التي لا تختلف ظروفها عن ظروفه، فهي يتيمة عاشت في أسرة بسيطة، ومع الاستقرار النسبي الذي عاشه مليحة إلأ أن اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 وتوقف المصانع عن العمل وتراجع الأحوال الاقتصادية في القطاع، قضي على ما بناه هذا الرجل.
عندما تجلس من مليحة ما عليك إلا الإنصات، تعلم أن هناك من الألم ما لا يطاق، وتتعرف على المعاني الأخرى لكمله الصبر، فها هو يتحدث عن تحمل الظلم والقسوة والقهر وخيط من أمل استطاع التسلل بين أضاده ويسطع بريقه في حياة شعبان ليكون آخرها التحاقه بصفوف المقاومة حيث يقول: "تعرفت في احد المساجد على مجموعة من الشباب ومع مرور الوقت أصبحت من المقاومين والمرابطين وفي تلك الفترة شعرت بأنني إنسان ذا كيان يحمل هدفا يسعى لتحقيقه وكنت سعيدا بذلك، إلا أن ذلك لم يستمر كثيرا لان مجموعة من الشباب أيضا كانت السبب في إبعادي عن هذا الطريق "رفقاء سوء" ولك أن تتخيل ما يمكن أن يفعله هؤلاء، أما عن آخر ما أهدتني الحياة إياه هو كهرباء في المخ، ما زلت أتعالج لها لدى طبيب نفسي آملا الرجوع للطريق الذي اكتشف ذاتي فيه.