الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شخصيات فلسطينيّة تدعو لإطلاق حوار واسع حول متطلبات إجراء الانتخابات

نشر بتاريخ: 05/04/2013 ( آخر تحديث: 05/04/2013 الساعة: 20:15 )
البيرة - غزة - معا - دعا مشاركون في حلقة نقاش حول الانتخابات في الحالة الفلسطينية، اليوم الجمعة، إلى إطلاق حوار واسع في مختلف الأوساط الفلسطينية حول إشكاليّات الدّيمقراطيّة الانتخابيّة في فلسطين، بالاستناد إلى ورقة تقدير موقف حملت هذا العنوان، وأكدت على أهمية إجراء الانتخابات على أن يتم التعامل معها، على مستوى كل من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وضمن مسار المصالحة الوطنية برمته، كأحد مكونات عملية أشمل لإعادة إحياء المشروع الوطني الفلسطيني.

وأكد متحدثون على أهمية إعطاء الأولوية لإعادة بناء التعددية وصياغة برنامج وطني واستراتيجية شاملة مبنية على التوافق وتحشد الشعب الفلسطيني بأكمله، معتبرين أن الانتخابات تكون ذات معنى عندما تخدم مشروعاً وطنياً قائماً، وتفشل عندما ينظر إليها باعتبارها حلاً لأزمة هذا المشروع.

ونوهوا إلى أن الانتخابات ينبغي أن تكون محطة لتتويج عملية استعادة وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الوطنية على مستوى السلطة والمنظمة، استنادا لبرنامج وطني وركائز للمصلحة الوطنية وأسس لتعزيز الشراكة السياسية يجري التوافق عليها وطنيا، مع التحذير من التقليل من تأثير دور الاحتلال على حرية ونزاهة أي انتخابات تشارك فيها مختلف القوى الفلسطينية، بما فيها "حماس"، فضلا عن تأثير أي عملية مصالحة تقوم على منطق المحاصصة وتبقي أوضاع المؤسسات المدنية والأمنية على حالها في الضفة والقطاع على مدى حرية ونزاهة العملية الانتخابية.

وكان المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة – مسارات، نظم حلقة النقاش، اليوم، في مقره بمدينة البيرة، وفي مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، بحضور العشرات من الشخصيات السياسيّة والأكاديميّة والحقوقية، التي شاركت في نقاش ورقة تقدير موقف بعنوان "إشكاليّات الدّيمقراطيّة الانتخابيّة في فلسطين"، أعدها وقدمها معين رباني، وهو باحث متقدّم في مؤسسة الدّراسات الفلسطينيّة، ويساهم في تحرير موقع مجلّة جدليّة، ومستشار سياسات في موقع "الشبكة".

وافتتح الورشة خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، الذي أدار الورشة في البيرة، فيما أدارها في غزة مدير مركز الميزان عصام يونس.

وقال رباني: إن الانتخابات هي عنصر واحد من عناصر الديمقراطية التي تتطلب أيضاً التعددية، والمؤسسات، والحريات. ومنذ وقت غير طويل، أصبح الكثيرون يعتبرون سياسات تعزيز العدالة الاقتصادية الاجتماعية المكون الرئيسي للديمقراطية بدلاً من الانتخابات المعتادة.|211592|

وأوضح أنه "بعد أن سيطرت التنظيمات العسكرية على منظمة التحرير وعلى مؤسساتها على إثر حرب 1967 وحتى عام 1982 على الأقل، فقد تطورت المنظمة إلى جسم وطني بشكل حقيقي، وتمثيلي بشكل حقيقي، وشرعي بشكل حقيقي"، منوها إلى أن "منظمة التحرير كانت في الحقيقة كياناً تعددياً بشكل كبير، ومن هذه الناحية نافست بسهولة ونجاح، ليس فقط منظمات مثل حركة التحرير الوطني الجزائرية، بل أيضاً المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا على سبيل المثال".

وأشار إلى أن هناك عددًا من الجذور والتفسيرات للتعددية الفلسطينية، ومنها ذكريات الصراعات والانقسامات داخل الحركة الوطنية خلال فترة الانتداب، والتي اعتبرت من وجهة نظر قيادة منظمة التحرير أنها أسهمت في إجهاض ثورة 1936- 1939، وفي نهاية المطاف في نكبة 1948؛ وإلى إدراك القيادة أنه سيكون من المستحيل، وبل وقد يكون أمراً انتحارياً، السعي لفرض سيطرة صارمة على شعب موزع في عدة دول، العديد منها إما معادية لمنظمة التحرير أو غير مستعدة لتحمل دور فاعل لها داخل حدودها؛ وإلى المزاج السياسي للقادة الرئيسيين للمنظمة الذين لم يستسيغوا الانضباط السياسي والأساليب المطلوبة لفرضه وآثاره السياسية.

وبين أن الثغرة الرئيسية في هذه التعددية الفلسطينية هو نظام الكوتا الذي من خلاله وُزّعت المناصب في المنظمة ومؤسساتها بين الأعضاء على أساس قوتهم النسبية. فالتنظيمات الأقوى مثل "فتح"، أو تلك التي تتمتع بدعم خارجي قوي مثل "الصاعقة"، حصلت على حصص غير متناسبة من المناصب، ومع ذلك فقد كان هناك مكان للمستقلين غير المرتبطين بأحد، كما كان هناك ضمان للتمثيل الجغرافي. فكان المجلس الوطني الفلسطيني التجسيد الأقصى لنظام الكوتا.

وقال رباني: إن نظام الكوتا فيه العديد من الثغرات، ليس أقلها تشجيع نظام الحماية والمحسوبية، وطول فترة البقاء في المنصب للوصوليين الذين يفتقرون إلى المؤهلات المهنية والالتزام السياسي. ولكن، إذا كانت الديمقراطية هي المعيار، فإن منظمة التحرير ستنجح إذا قورنت بنظيراتها في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

غير أنه أكد "تراجع المواصفات التي من المفترض أن تصونها وتعززها الديمقراطية، مثل التمثيل، وسيادة المؤسسات، وتجديد القيادة، والانتقال السلمي للسلطة، والعمل السياسي الموحد، بعد البدء بالانتخابات في إطار اتفاقية أوسلو في العام 1993 وإقامة السلطة الفلسطينية. وهذا بالطبع يعود إلى طبيعة أوسلو والسلطة الفلسطينية أكثر مما يعود إلى الانتخابات بحد ذاتها".

وتابع: مع ذلك، هناك حاجة لفحص ما إذا كانت الانتخابات الفلسطينية، خصوصاً الانتخابات الحرة والنزيهة منها، قد عززت، أو قوضت، في المحصلة، الديمقراطية الفلسطينية، وحقوق وحريات المواطنين، والكفاح في سبيل تقرير المصر للفلسطينيين. السؤال هنا ببساطة، هل عززت الانتخابات الفلسطينية المشروع الوطني أم أعاقته؟ وهذا بدوره يثير سؤالاً أوسع، ليس حول ما إذا كان الفلسطينيون جاهزين للديمقراطية، بل هل الانتخابات الديمقراطية التنافسية هي أداة مناسبة للفلسطينيين للتغلب على أزمات معينة تواجههم في هذه المرحلة من تاريخهم.

وأضاف رباني: توجد عدة ملاحظات مهمة فيما يتعلق بتداعيات الانتخابات الفلسطينية منذ عام 1996، خصوصًا أنها أقيمت ضمن إطار اتفاقات أوسلو، وفي ظل تفتت الحركة الوطنية الفلسطينية؛ فهي لم تؤد إلى تعزيز شرعية المنتَخَبين، وأفضل مثال على ذلك ياسر عرفات، الذي لم تقارب مكانته بعد أن انتخب رئيساً للسلطة الفلسطينية المستويات التي تمتع بها كزعيم توافقي غير منتخب لمنظمة التحرير قبل أوسلو. وبالمثل، فقد تراجعت شرعية "حماس"، خصوصاً شرعيتها الإقليمية والدولية، بعد فوزها في عام 2006 في انتخابات المجلس التشريعي. ويبدو أن هذا يشير إلى أنه في ظل الاستعمار يأتي التفويض الشعبي أولاً، وقبل كل شيء، من القدرة على تطوير المشروع الوطني وليس من صندوق الاقتراع.

ونوه إلى أن هذه الانتخابات "لم تؤد أيضًا إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية وإنجاز المصالحة. فقد كانت انتخابات عام 1996، في الحقيقة، التعبير المؤسسي عن أقصى درجات التشرذم التي أصابت الفلسطينيين منذ عام 1948، أي تقسيم الفلسطينيين إلى مجموعة تعيش في المناطق الفلسطينية المحتلة، لها الحق في التصويت أو تعمل في البرلمان، ومجموعة أخرى هي كل الفلسطينيين الآخرين. وبالإضافة إلى إخضاع منظمة التحرير الفلسطينية للسلطة الفلسطينية، فقد حُرم غالبية الفلسطينيين؛ أولئك الذين يعيشون في إسرائيل وفي الشتات، عملياً من حق الانتخاب، ويتجلى ذلك أكثر في انتخابات عام 2006 التي رسخت الانقسام الجغرافي السياسي داخل الأراضي المحتلة". وأضاف "هذه الانتخابات لم تؤد إلى تشجيع مؤسسات أكثر تمثيلية أو مشاركة شعبية أكبر في العملية السياسية ؛ وإلى تشجيع تجديد القيادة".

وقال رباني: الملاحظة الأوسع فيما يتعلق بالأزمة التي تمر بها الحركة الوطنية الفلسطينية هي أن انتخابات السلطة الفلسطينية جاءت على حساب التعددية الفلسطينية، وعلى حساب آفاق بناء ديمقراطية نابضة بالحياة، قائمة على الحقوق الوطنية والفردية الأساسية. لكنه من المؤكد أن الانتخابات الفلسطينية يمكن، في ظل ظروف سليمة، أن تسهم في تعزيز الديمقراطية والحقوق الفلسطينية، ومثال ذلك انتخابات المجالس البلدية في الضفة الغربية عام 1976، مع أنها كانت ذات طبيعة محلية محضة وأقيمت في ظل شروط الاحتلال العسكري والتدخلات الإسرائيلية ومحاولات التخريب المستمرة. الدرس المستفاد هنا هو أنه عند الحديث عن الانتخابات، فإن السياق هو كل شيء: هل هي فعل مقاومة ضد الاحتلال تقوم به حركة وطنية حية هي جزء من مشروع وطني ديناميكي، أم هي عملية تحويل لهذه الحركة وذلك المشروع وافراغه من مضمونه؟

وشدد على "أولوية إعادة بناء التعددية وصياغة برنامج وطني وإستراتيجية وطنية مبنية على التوافق وتحشد الشعب الفلسطيني بأكمله. والانتخابات، على الأقل في الوقت الحالي، تبدو كعقبة في طريق هذه العملية. وتوضح التجربة أن الانتخابات تكون ذات معنى عندما تخدم مشروعاً وطنياً قائماً، وتفشل عندما ينظر إليها باعتبارها حلاً لأزمة هذا المشروع".

وأردف: هذا ينطبق على المطالبة بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني كسبيل لإحياء منظمة التحرير الفلسطينية. إن من المشكوك فيه إمكانية إجراء هذه الانتخابات، ولكن حتى ولو كان ذلك ممكناً، فإن من الضروري إحياء منظمة التحرير حتى يكون لهذه الانتخابات معنى. وطالب بضرورة الإجماع والاتفاق بين الأطراف الرئيسية على الحركة الوطنية والمشروع الوطني والبرنامج الوطني، وحينها نستطيع أن نقترع على من هو المؤهل لقيادة هذا المشروع وتنفيذ هذا البرنامج.

وقال: بما أن المقارنات مع جنوب إفريقيا أصبحت أمرا دارجاً بين الفلسطينيين، فإنه مما يستحق أن نتذكره أن نظام الأبارتهايد- الفصل العنصري قد استسلم قبل الانتخابات وليس بعدها، وأن نلسون مانديلا قد انتخب رئيساً لدولة كان قد تم التفاوض والاتفاق مسبقاً على دستورها ومؤسساتها. وفي الواقع فإنه من المفيد هنا المقارنة مع مصر وتونس، فالأخيرة سارعت إلى صندوق الانتخاب قبل تحقيق التوافق على معالم تغيير النظام وشكل الدستور الجديد. وكانت النتيجة التي لا تثير الدهشة هي حدوث تغيير غير كاف في النظام القائم، ومحاولة الفائزين في الانتخابات فرض نظام سيطرة جديد، وتصاعد الصراع الداخلي.

وخلص رباني إلى أن "الانتخابات الفلسطينية ليست كالانتخابات التي تجرى في البرازيل أو السويد، وما لم تُجرَ كفعل مقاومة على يد حركة وطنية ديناميكية بأجندة سياسية واضحة، فإنها، في أحسن الأحوال لن تحقق شيئاً، لا للحركة الوطنية ولا لأجندتها. وفي ظل الانقسام الحالي، فإنها لن تحقق شيئاً إلا إذا تم التوافق على أسس للمصالحة وتطبيقها. إن الترويج للانتخابات لن يكون له معنى إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق بين القوى المتنافسة بشأن ما تدور أو لا تدور حوله هذه الانتخابات".

وفي مداخلاتهم، أكد المشاركون على أهمية توفير متطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة لتمكين الفلسطينيين في الوطن والشتات من اختيار ممثليهم، على أن لا يتم التعامل مع الانتخابات بصفتها وصفة سحرية لحل أزمة الحركة الوطنية، بل محطة في سياق إعادة إحياء المشروع الوطني ومنظمة التحرير. وقدمت اقتراحات تدعو إلى إعادة وضع مجمل مسار المصالحة في هذا السياق، ودراسة إمكانية تعديل قانون الانتخابات سواء على مستوى انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي، أو المجلس الوطني.

ونوهوا إلى أهمية الموضوع الذي تتناوله الورقة، لاسيما من حيث إعطاء الأولوية للتوافق على طبيعة وأهداف الحركة الوطنية، والبرنامج السياسي الوطني، وطبيعة ودور المؤسسات اللازمة، وأسس الشراكة السياسية بين مختلف الأطياف الفلسطينية، بحيث تأتي الانتخابات تتويجا لهذه العملية، مع ضمان توفر متطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، لاسيما في شروط الواقع الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني الذي يخضع له الفلسطينيون. وبناء على اقتراح قدم خلال النقاش، اتفق المشاركون على تطوير ورقة الموقف بناء على الاقتراحات والتصورات التي قدمت خلال النقاش، وطرحها لأوسع حوار عبر أشكال مختلفة، وبخاصة من خلال الموقع الإلكتروني لمركز مسارات.