الأحد: 29/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجيش الإسرائيلي.. قوة التوراة العسكرية

نشر بتاريخ: 06/04/2013 ( آخر تحديث: 08/04/2013 الساعة: 09:33 )
بيت لحم- معا - يواجه الجيش الإسرائيلي كما المجتمع في إسرائيل ما يمكن تسميته أزمة الهوية الدينية، ولهذه الغاية انشأ مؤسسات عسكرية تعنى بالشؤون الدينية أهمها "الحاخامية العسكرية" وهي المسؤولة عن الشؤون الدينية للجنود وتعمل على ربطهم بالشريعة والهوية اليهودية إلى جانب دورها في مجال تهويد الجنود "الغرباء" وتشريع انتمائهم للديانة اليهودية.

ما المقصود بالتهويد:

تقسم الشريعة اليهودية البشر إلى قسمين: "اليهود" والغرباء "غويم" واليهودي وفقا للشريعة ينال هذه الصفة من خلال انتماء والدته للديانة اليهودية فمن ولد لام يهودية فهو يهودي بالجينات أما غير ذلك فهم من الغرباء، وهنا يأتي دور التهويد أي جعل الغريب يهوديا بعد أن يخضع لإجراءات التهويد التي تحددها الشريعة وأهمها التزامه التام بالفرائض الدينية واحترام قدسية السبت اليهودي.

من هو اليهودي وفقا للشريعة؟

وفقا لقانون "العودة" الإسرائيلي الذي أقر عام 1950 يحق لكل يهودي الهجرة لإسرائيل الأمر الذي أثار سؤالا خلافيا كبيرا "من هو يهودي؟" وصولا إلى أزمة ائتلافية كبرى عام 1958 حول هذه المسألة أجبرت "بن غوريون" على استفتاء من اسماهم حينها "حكماء إسرائيل" في الداخل والعالم حتى يستوضح موقفهم من هذه القضية الحساسة، وأوصى غالبيتهم بضرورة بقاء الأمر على حاله وفقا لتعريف الشريعة اليهودية "لليهودي" الأمر الذي تبناه "بن غوريون" وبناء عليه اصدر توجيهاته لسجل السكان الإسرائيلي بتسجيل اليهودي وفقا للتعريف "كل من ولد لام يهودية ولم يعتنق دينا آخر أو من تهوّد وفقا للأصول الشرعية اليهودية" وبقيت هذه التوجيهات سرية ولم تعرض على الحكومة أو الكنيست لإقرارها تجنبا لازمة كبيرة.

عام 1970 وبعد قرار محكمة العدل العليا تقرر تعديل هذه التوجيهات، وإضافة ما يعرف بفقرة "ب" التي تقول "اليهودي من وُلد لام يهودية ولم يعتنق دينا آخر ومن تهود"، دون أن يشير التعديل إلى نوع التهود.

عام 2002 أقرت المحكمة العليا في إسرائيل ضرورة الاعتراف بالتهويد وفقا لطريقة التيار الإصلاحي وبناء عليه أقيمت ما سمى بلجنة "نئمان" لبحث إمكانية التوصل إلى حل وسط.

هناك نوعان من اليهود وفقا للتيارات الدينية:

1- يهودي الجينات أي الذي اكتسب يهوديته من خلال انتماء أمه لهذه الديانة وهذا لا خلاف عليه تقريبا.

2- المتهودون: وهم الأشخاص الذين يكتسبون هذه الصفة بعد خضوعهم لبرنامج التهويد الديني وحتى بعد استكمالهم لإجراءات التهود لا يمنحون صفة "يهودي" بل صفة "متهود ومتهودة".

أهم انواع التهود؟
|211745|
1- التهود الاجتماعي: أي يمكن لشخص ما أن يعتبر نفسه يهوديا ويعيش حياة اليهود ويلتزم بالشريعة وفرائضها لكن المؤسسة الدينية اليهودية لا تعترف شرعا بيهوديتهم وهذا المصطلح وجد أساسا للتعامل مع المهاجرين الروس لدمجهم مع المجتمع العادي.

2- التهويد العسكري والرسمي: وهو موضوع خلاف كبير بين المؤسسة الرسمية "المدنية" الدينية "التي لا تعترف شرعا بالتهويد الرسمي "تصدى للأمر في حينه ارئيل شارون حيث أقام عام 2004 نظام تهويد يتبع لمكتب رئاسة الوزراء ونتيجة لهذا القرار جرى إقامة محاكم خاصة بالتهويد وكذلك أقام اللواء" اليعازر شتيرن" نظام التهويد العسكري.

هناك العديد من التيارات الدينية اليهودية المعنية بهذا الشأن أهمها:

1- التيار الارثوذكسي: وهو تيار يهودي محافظ جدا ويلتزم بنصوص الشريعة اليهودية كما وردت في السلف، أي كما تطورت حتى بداية عصر الحداثة ولا يعترف هذا التيار بالتطورات الاجتماعية أو أية تطورات أخرى في مجال تغيير الشريعة ونصوصها كما وردت.

2- التيار الإصلاحي والتيار المحافظ: وهما يتمسكان بنصوص الشريعة مع اعترافهما بضرورة التغيير وفقا للتطورات الاجتماعية وغيرها من التطورات.

3-التيار الغربي "اشكنازي": ظهر في النصف الأول من القرن التاسع عشر ويعبر عن الجالية أو الطائفة الغربية الحديثة "ويعرف نفسه كتيار ارثوذكسي معتدل مع وجه إصلاحي.

وهناك الكثير من التيارات اليهودية الأخرى التي تراوحت وجهات نظرها بين التطرف المفرط إلى الاعتدال المفرط والسماح للشاذين جنسيا بالانتماء للطوائف اليهودية المتدينة.

وتتصارع هذه التيارات فيما بينها على مسؤولية وحصرية صلاحية "تهويد الغرباء" لما لهذه الصلاحية من قدرة وإمكانية تأثير كبيرة على المجتمع الإسرائيلي والحكومة والدولة الإسرائيلية، فتجد الكثير من هذه التيارات لا تعترف بتهويد التيار الآخر وتشكلك في صحة يهودية من يتخرج منها.

الجيش الإسرائيلي لم يكن بعيدا عن هذه الصراعات خاصة وانه منح نفسه صلاحية "تهويد" الجنود "الغرباء أو المشكوك في يهوديتهم ما أثار حفيظة الكثير من التيارات اليهودية سابقة الذكر والتي رفض غالبيتها الاعتراف بالتهويد داخل الجيش، لأسباب وحجج عديدة أهمها "السرعة" التي يعتمدها الجيش في مجال التهويد وعدم التشدد في تنفيذ متطلبات الالتزام الشرعي وغيرها من الأمور.

وتفاقمت هذه الأزمة في المجتمع الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي مع بداية الهجرات اليهودية الكبرى التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي حيث وصل إلى إسرائيل إعداد غفيرة منهم يتجاوز عددهم المليون وفقا لبعض المصادر فيما تقلل مصادر أخرى العدد إلى النصف.

من وجهة نظر العديد من التيارات الدينية اليهودية المؤثرة الكثير ممن هاجروا من دول الاتحاد السوفييتي السابق ليسوا يهودا وانتحلوا هذه الصفة فقط من اجل الهجرة إلى إسرائيل فيما لا زالوا يتمسكون بدياناتهم الأصلية خاصة المسيحية.

ولمعرفة عمق هذه الأزمة نلقي نظرة على التقسيمات الدينية الإسرائيلية حسب الارقام الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عام 2005:

76.1% من سكان إسرائيل يهود، 2.1% مسيحيون، 16.2% مسلمون، 1.6% دروز، 3.9% وصفهم مكتب الإحصاء بـ الآخرون وناقصو الدين وهم المهاجرون من دول الاتحاد السوفييتي السابق.

هذه الأزمة فرضت نفسها على السياسة والمجتمع الإسرائيلي بقوة شديدة، لدرجة أن رئيس الوكالة اليهودية "نتان شيرانسكي" الذي يعتبر من الشخصيات المركزية الفاعلة لبلورة حل وسط يتيح الاعتراف بيهودية أبناء الجاليات اليهودية في العالم الراغبين بالهجرة استنادا لقانون العودة، طالب ولا زال بمنح الوكالة الصلاحية الحصرية لتحديد يهودية من هاجروا إلى إسرائيل الأمر الذي أثار غضب المؤسسة الدينية اليهودية في إسرائيل التي رأت في الأمر محاولة لإغراق إسرائيل بغير اليهود.

وبالنسبة للجيش ظهرت هذه الأزمة بقوة خاصة في ظل عدم اعتراف المؤسسة الدينية الرسمية بتهويد الجيش لدرجة أن التمييز وصل إلى المقابر وفي حالات كثيرة رفض الحاخامات اليهود دفن الجنود من أصول روسية وإثيوبية في مقابر الجنود اليهود وافرزوا لهم قبورا خاصة بهم تجاور تلك المخصصة لليهود داخل المقابر العسكرية الأمر الذي أثار غضب وسخط عائلات الجنود القتلى.

وفي محاولة من الجيش الإسرائيلي للرد على ادعاءات المؤسسة الدينية بعدم استكمال الجنود لبرنامج التهويد العسكري استحدث رئيس الأركان الإسرائيلي السابق "غابي اشكنازي" برنامجا أطلق عليه اسم "نتيف" وهو برنامج تهويد سريع، الهدف منه ضمان إنهاء الجنود لبرنامج التهويد إثناء خدمتهم العسكرية مع منح جنود الاحتياط ممن لم يستكملوا برنامج التهويد إمكانية الانضمام لهذا البرنامج وحتى الان تم ضمن هذا البرنامج تهويد 3870 جنديا وضابطا.

وبررت الأركان الإسرائيلية استحداث هذا البرنامج المخصص أساسا للجنود المهاجرين "الروس" بضرورة العمل على تعزيز هويتهم اليهودية إضافة إلى خضوعهم خلالها لعملية التهويد.

والى جانب هذا البرنامج دشن الجيش الإسرائيلي برنامج تهويد آخر ينتسب إليه الجنود بعد الانتهاء من برنامج "نتيف" ويستمر ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع بمرافقة ومتابعة الحاخام الأكبر للجيش ومركز الدراسات اليهودية وذلك لاستكمال إجراءات التهويد.

وتشير إحصاءات لجنة الهجرة والاستيعاب التابعة للكنيست أن 800 جندي انهوا إجراءات التهويد ضمن برنامج "نتيف" خلال عام 2010 وبهذا بلغ عدد الجنود المتهودين ضمن هذا البرنامج 5000 جندي 65% منهم من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي و 12.5% من أصول إثيوبية والنسبة الباقية من بقية بلدان العالم.

ووفق معطيات اللجنة المذكورة فإن 17000 جندي خضعوا لبرنامج التهويد العسكري "نتيف" أنهى 5000 فقط منهم البرنامج.

ولمعرفة مدى عمق الأزمة داخل الجيش تشير معطيات اللجنة إلى أن جنديا واحدا من بين كل 5 جنود هو مهاجر جديد بينهم 65% قدموا من دول الاتحاد السوفييتي، 12.5 قدموا من إثيوبيا، والبقة قدموا من مختلف دول العالم.

ورغم إجراءات الجيش المذكورة لا زال التهويد العسكري موضوع خلاف شديد بين التيارات الدينية اليهودية، الرئيس الروحي لحركة "شاس" عوفاديا يوسف "أفتى الشهر الماضي بصحة التهويد العسكري الأمر الذي اثأر موجهة هائلة من الانتقاد وصولا إلى تخطيط مظاهرة كبرى ضد هذه الفتوى الأمر الذي اجبره يوم الأربعاء 23 شباط الماضي على التراجع عن فتواه وأعادة الأمور إلى سابق عهدها.

والفكرة من وراء إقامة نظام التهويد الرسمي هو أن 30% من المهاجرين الذي قدموا استنادا على قانون العودة هم ليسوا يهودا وفقا للشريعة اليهودية لأنهم منحدرون من أب يهودي فقط وأن الوكالة اليهودية استجلبتهم لاعتبارات ديموغرافية وزيادة تعداد اليهود في "الدولة" فقط.

الحاخام "شاؤول بارفر" مدير معهد "عتيم" يوضح المشكلة بالقول "فقط حين وصلوا إلى هنا فهموا بأنهم لن يستطيعوا الزواج لان الحاخامية لا تقبل وصف الأب اليهودي" ومن هنا أهمية التهويد الرسمي والعسكري.

رئيس حركة يسرائيل بيتنا "افيغدور ليبرمان" قدم اقتراحا لمشروع قانون يعتبر التهويد العسكري قانونيا ويجري بحث هذا القانون حاليا في إطار لجنة "القانون" التابعة للكنيست.