الخميس: 03/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

موقف الفاتيكان من مسار الجدار في كريمزان يثير علامة استفهام

نشر بتاريخ: 30/04/2013 ( آخر تحديث: 02/05/2013 الساعة: 16:52 )
بيت لحم - خاص معا - كتبت شارلوت ألفرد- بعد معركة قانونية استمرت سبع سنوات، رفضت لجنة قضائية إسرائيلية خاصة استئنافا قدمه أصحاب أراض فلسطينيين وراهبات كاثوليكيات هذا الأسبوع ضد مسار جدار الفصل الذي تقيمه إسرائيل فوق أراضيهم في منطقة دير كريمزان في بيت جالا.

وبناءً على الحكم الذي أصدرته لجنة الاستئناف الأربعاء الماضي، سيصبح الوادي الذي يطل عليه دير كريمزان شمالي مدينة بيت لحم خلف جدار الفصل الذي تقيمه إسرائيل.

مسار الجدار في المقطع المذكور يخترق أراض تعود ملكيتها للفاتيكان، وهذا يثير علامة استفهام كبيرة حول موقف هيئة الكهنوت الكاثوليكية من القضية.

يشار إلى أن مقطع الجدار في هذه المنطقة سيعزل 58 فلسطينيا من مدينة بيت جالا ذات الأغلبية المسيحية عن أراضيهم وحقولهم، ما دفعهم إلى رفع دعوى قضائية ضد مسار الجدار عام 2006.

وقد سعى كلا الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) إلى إثبات أن الكنيسة تقف في صفهم، وقد ساعد في ذلك التضارب الذي اعترى موقف الكنيسة، فالكنيسة الكاثوليكية في الضفة الغربية ساندت الدعوى، في حين ظل موقف الدير مبهما، أما الفاتيكان فالتزم الصمت.

غير أن الفاتيكان هو العنصر الأساسي في القضية باعتباره المالك الفعلي للأرض. بدورهم أكد مسئولون إسرائيليون أن الفاتيكان وافق منذ البداية على مسار الجدار والذي من شأنه أن يضع دير كريمزان وهيئة رهبان السالزيان على الجانب الإسرائيلي من جدار الفصل. لكن الفاتيكان أنكر أن تكون الكنيسة قد عقدت أي صفقات مع الجانب الإسرائيلي بخصوص مسار الجدار.

وفي مرحلة متأخرة أدلت الراهبات بدلوهن في القضية مشيرات إلى أن الجانب الإسرائيلي أخطأ في تفسير موقفهن من مسار الجدار، وعليه تبنت لجنة الاستئناف حلا وسطا عندما أصدرت قرارها الأربعاء. فالقرار يبقي هيئة رهبان السالزيان والمدرسة التابعة لها التي يؤمها طلاب فلسطينيون في الجانب الفلسطيني من الجدار، غير أنها ستكون محاطة بالجدار من ثلاث جهات، مما سيضطر الراهبات إلى العبور خلال بوابة تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية لدى مرورهن إلى الدير، وهذا ما ترفضه الراهبات.

ولدى وصول الدعوى التي رفعتها الراهبات إلى مراحلها الختامية تدخل الرهبان وأعربوا عن مساندتهم للدعوى. ولكن في نهاية المطاف أصر ممثلو الادعاء الإسرائيلي على أن السلطات الكنسية الكاثوليكية العليا لم تمارس أي ضغوط لإبعاد مسار الجدار عن أراضي الكنيسة.

وقد كانت إسرائيل في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية قد بدأت بالتخطيط لبناء جدار حول الضفة الغربية، وكلفت الكولونيل داني تيرزا من قيادة الجيش الإسرائيلي بالتفاوض مع مسئولي الكنيسة بشأن مسار الجدار.

يؤكد تيرزا انه حصل على موافقة واضحة من الفاتيكان قبل إعداد الخرائط الخاصة بمسار الجدار عبر وادي كريمزان، مشيرا إلى أنه في عام 2003 التقى القاصد الرسولي للفاتيكان في إسرائيل وفلسطين وقتئذ بيترو سامبي وناقش معه عدة قضايا تتعلق بأملاك الكنيسة ومن ضمنها مسار الجدار. ويؤكد الكولونيل تيرزا أن القاصد الرسولي شخصيا طلب من الإسرائيليين أن تكون أملاك الفاتيكان في الجانب الإسرائيلي من الجدار.

ويضيف الكولونيل الذي تقاعد عام 2007 أنه سافر إلى مدينة الفاتيكان لمناقشة خرائط مسار الجدار بالتفصيل مع نائب وزير خارجية الفاتيكان. وعلى حد تعبير تيرزا فقد أبدى الفاتيكان "سرورا" وموافقة على "المسار المحدد" للجدار في منطقة كريمزان.

غير أنه اعترف أن إدارة السالزيان في كريمزان أعربت عن بعض القلق إزاء مسار الجدار في حينه.

بدوره رفض وفد الفاتيكان إلى القدس وفلسطين التعليق بالإيجاب أو بالنفي على أقوال الكولونيل تيرزا، وعلى كل ما يتعلق بقضية كريمزان والجدار، وردا على سؤال "معا" اكتفى أحد أعضاء الوفد الذي آثر عدم الكشف عن هويته بالقول: "موقفنا الذي أبديناه منذ البداية يبقى على حاله، وليس لدينا ما نقوله بهذا الخصوص."

ممثل الفاتيكان في المنطقة أصدر بيانا حول القضية عام 2012 نفى فيه أن يكون أي طرف يمثل الكنيسة قد وقع على أي اتفاقية مع إسرائيل بخصوص الجدار "من قريب أو بعيد". وعليه، كما يضيف البيان الصادر عن المطارنة الكاثوليك، فإن الكنيسة "تدعو بشدة دولة إسرائيل إلى التراجع عن خطتها لعزل وادي كريمزان عن بيت لحم."

قبل عام 2012 كانت الكنيسة أقل تعاونا، ونادرا ما كانت الراهبات أو الرهبان يتحدثون في المحافل العامة أو يصدرون بيانات. أما جماعة السالزيان فقالوا إن أحدا لم يتوجهم إليهم بالسؤال في أي جهة من الجدار يفضلون البقاء.

"السالزيان لا تتدخل في القضايا أو القرارات المتعلقة بترسيم الحدود بين الدولتين،" على حد تعبير بيان صدر إدارة السالزيان عام 2009.

وأضاف البيان ذاته إننا "لا ننوي أن نتطرق إلى الموضوع (الجدار) لأننا لا نعترف بشرعيته،" في إشارة إلى قرار محكمة العدل الدولية عام 2004 والذي قضى بعدم شرعية الجدار.

وتعقيبا على ذلك قال ناشط فلسطيني مسيحي في حديث لوكالة "معا" "إنهم يعتمدون القانون الدولي كمرجعية، ويعارضون الجدار من حيث المبدأ، لكن هذا لا يكفي."

يكمن الغموض الذي يكتنف القضية في موقف الفاتيكان الذي يعارض الجدار من ناحية، لكنه في الوقت ذاته يصر على التدخل في وتبني مواقف سياسية من القضايا الإقليمية والملكيات كالتدخل في مسار الجدار.

الكنيسة غير معنية بالانحياز إلى أي طرف، لكن الفاتيكان يملك أراض شاسعة ويجري مفاوضات طويلة الأمد مع إسرائيل حول وضع ممتلكاته. وفي الوقت ذاته يحاول الفاتيكان أن يساند أتباعه الفلسطينيين الذين يشكلون جزءا من الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة الذي بدأ يتضاءل تدريجيا.

في عام 2010 حرجت الراهبات من الدير مؤيدات للدعوى التي قدمها الفلسطينيون، وأوضحن أنه حدث تحريف من قبل الجيش الإسرائيلي لمطالبهن. يقول محامي الراهبات "إن المدرسة التي تديرها الراهبات ويؤمها أطفال فلسطينيون قد تصبح ساحة قتال بكل بساطة."

وفي العام التالي (2011) بدأ رهبان من الكاثوليك ومعهم نشطاء بتنظيم تظاهرة أسبوعية في منطقة تطل على كريمزان تعبيرا عن اعتراضهم على الجدار. وجهت الدعوة مرارا لرهبان السالزيان للانضمام إلى التظاهرة غير أنهم رفضوا، كما يقول أحد النشطاء.

مكتب الرئيس الفلسطيني بدوره استدعى مبعوث الفاتيكان في تشرين الثاني عام 2011، كما بعث وزير الخارجية الفلسطينية برسالة إلى نظيره في الفاتيكان مطالبا بالمساندة في القضية.

أما رد دير السالزيان فلم يختلف عما جاء في البيانات التي أصدرها من قبل والتي أنكر فيها وجود أي صفقات مع إسرائيل تتعلق بالجدار. غير أنهم وبعد مرور شهرين أصدروا بيانا جديدا تضمن وللمرة الأولى تأييدا واضحا للموقف الفلسطيني من القضية. وفي عام 2012 أدلى الرهبان بشاهدتهم والتي جاءت مناصرة للدعوى التي قدمتها الراهبات وأصحاب الأراضي الفلسطينيين.

تغيير الرهبان لموقفهم من القضية مثير للجدل، وفي هذا الصدد تقول محامية الراهبات منال أبو سني إن شهادة الرهبان كانت دليلا على أن ادعاء الجيش الإسرائيلي بموافقة الكنيسة على مسار الجدار كان كاذبا.

أما محامي الرهبان نهاد رشيد فقال "إنهم لم يكونوا معنيين بتقديم أي معلومات للصحافيين." وكذلك الحال بالنسبة للمحامي الذي يمثل الفلسطينيين والذي لم يرغب بالانجرار إلى مناقشة التغيير في موقف الكنيسة. "لدينا العديد من المشاكل مع الكنيسة منذ سنين عديدة... ولا أريد أن أقول أكثر من هذا."

السلطات الإسرائيلية بدورها تقول إن الكنيسة تتعرض لضغوطات من قبل السلطة الفلسطينية، في حين يقول رهبان السالزيان إنهم كانوا يحاولون عدم التدخل، لكنهم واجهوا ضغوطات من الحكومة الإسرائيلية وضعتهم في مأزق.

نشطاء محليون وصفوا التظاهرات الأسبوعية أخجلت الفاتيكان ودفعت إدارته إلى اتخاذ موقف واضح وموحد. "يعيش الرهبان في عالم مختلف كليا يتابعون شؤونهم الخاصة، وكانوا يعتقدون أن القضية (الجدار) ستمر ببساطة،" هكذا قال أخد نشطاء حقوق الإنسان المطلعين على القضية في حديث لوكالة "معا".

بدورها قالت ناطقة باسم جمعية سانت إيف الكاثوليكية لحقوق الإنسان في القدس التي تمثل راهبات السالزيان إن تدخل الكنيسة أخيرا أزعج الإسرائيليين. "اعتقدوا أنهم بكل بساطة يأخذون أراض يملكها 58 فلسطينيا و ست راهبات مسنات،" على حد تعبيرها.

أما المحامون الفلسطينيون فيستعدون لتقديم استئناف ضد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية.

ورغم تدخل الرهبان والراهبات الذي جاء متأخرا، إلاّ أن إسرائيل تصر على أن الفاتيكان لم يكترث لبناء جدار الفصل فوق أراضيه.

المدعي العام الإسرائيلي أكد خلال جلسة المحكمة عام 2012 أن وزارتي الخارجية والجيش غير قلقات على مصير العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان بسبب موضوع الجدار في كريمزان، وبالتالي لا مانع لديهم من المضي قدما في العمل.

وأضاف خلال جلسة عقدت في شباط الماضي أنه لو كان الفاتيكان معنيا بالقضية لشارك في الدعوى. وردا على ذلك قال المحامون الفلسطينيون إن الفاتيكان كدولة لم يكن ليشارك في إجراءات قضائية إسرائيلية للتعبير عن موقفه.

وفي السياق ذاته قال حنا عميرة عضو اللجنة الرئاسية الفلسطينية للشؤون المسيحية إن الفاتيكان ناقش الموضوع مع إسرائيل دون التوصل إلى موقف مشترك. ومع انتخاب بابا جديد للفاتيكان يسعى كل من الجانبين إلى تعزيز موقفه.

الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس سيزور البابا فرانسيس في الأيام القليلة القادمة، ومن المتوقع أن يناقش معه قضية الجدار. أما النشطاء الفلسطينيون ومؤيدوهم من الكاثوليك فتجمعوا مجددا يوم الجمعة عند وادي كريمزان للاحتجاج على قرار لجنة الاستئناف الإسرائيلية.

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث قال لوكالة "معا" "إن الكنيسة مالك مهم للأراضي وتتمتع بنفوذ كبير، وبالتالي قد يكون لها تأثير كبير إذا تبنت قضيتنا."

واضاف شعث: "إذا أراد الفاتيكان إسماع كلمته فسوف تجد من يسمعها، وهذا يتوقف على مدى رغبته بمساندة قضيتنا علانية."