الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

محمد صبحة ومعتصم سماره في عامهما الـ13 في سجون الاحتلال

نشر بتاريخ: 07/05/2013 ( آخر تحديث: 07/05/2013 الساعة: 10:46 )
بقلم: فؤاد الخفش

آآآآه ما أطول ليل السجون وما أشد بردها وأحرق شمسها وما أقسى ليلها وأطول شهورها وسنينها، على من عاش الأسر وكابد حياة السجون !!! وما أسرعها على من يجلس خارجها حين تمر ذكرى أسير وحبيب زاد بقاؤه بالسجن عن العقد !!!

الذكرى تمر على الناس بأشكال مختلفة ، الصديق تمر عليه ذكرى مرور السنين على صديقه بالأسر بنوع من الأسى اللحظي ويتحدث إلى نفسه أو إلى من يعرف الأسير أن صديقه له عشر سنين بالسجون فيستغرب الآخر ويبدي التعجب ويتحدث عن سرعة مرور السنين .

العائلة تمر عليها الذكرى بمرارة وألم وتختلف الحالة ما بين الأم والأب والزوجة والشقيقات والأشقاء فلكلٍ منهم شعور مختلف وألم تتركه الذكرى يختلف وذكريات تزيد هنا وتنقص هناك ولكن الأمر الذي لا شك فيه واحد أن الأسى والضيق هو سيد الموقف بغض النظر عن حجمه وشكله .

خبر دخول الأخوين معتصم سمارة ومحمد صبحة عامهما ال13 في سجون الاحتلال كان له في قلبي وقع خاص ولا تعود الحكاية إلى أيام الدراسة والفترة الجامعية التي جمعتني بالأخوين الشابين الحبيبين لقلوب كل من التقاهما ، ولكن إلى الست شهور المتواصلة التي أمضيتها معهما في عام 2011 .

لم تتغير معالم الرجلين رغم كل هذه السنين ولم تفتر همتهما رغم ما لقيا من أصناف وألوان العذاب ، ولم تخبُ همتهما رغم الإضرابات ورغم كل من أفرج عنه وهما ما زالا رهيني المحبسين ، بل على العكس مع كل يوم كانت همتهما تزداد وقوتها تكبر وعطاؤهما يزداد .

التوأم محمد ومعتصم نوع خاص من الصداقة والعلاقة ، وانسجام لا يمكن وصفه ، علاقة أمتن من أن تصورها كلمات ، وصداقة أعمق من أن توصف ، وانسجام قل نظيره ، تشابه في كل توارد أفكار في كل الأمور إخلاص ما بعده إخلاص .

علاقة قديمة مع أول أيام الانتفاضة الأولى ، محمد يتوجه على حمار يضع على ظهره أعلاماً وطساسات للكتابة على الجدران يقطع المسافات ويجتاز الحواجز ليصل معتصم في بلدة سفارين ليكتب على الجدران عاشت الانتفاضة ونموت وتحيا فلسطين ، يربطون لدوريات الاحتلال يضربون جيب (الصرصور) ويواجهون جيب ( العزيزة) ويرفعون العلم على أعمدة الكهرباء .

تزداد العلاقة ويؤسر الشابان مرة تلو مرة وتمر الأيام وينضمان لجامعة النجاح وتبدأ الملحمة ويقودان الكتلة ويمران بها أصعب الدروب ويعتقلان مرة أخرى لسنين طويلة تجاوزت الثلاثة سنوات في سجن الجنيد ويمضيان المدة برفقة السادة الشهداء في زنزانة واحدة تلتحم الأرواح وتزداد الأواصر وتبقى الابتسامة سيدة الموقف .

تتفجر الانتفاضة الثانية ويقرر البطلان خوض غمارها وقيادة رحاها وترك العمل النقابي لأن فلسطين تريد منهم الكثير فعملا سوياً واعتقلا سوياً في كمين نصب لهما أثناء ذهابهما لتنفيذ عملية بطولية لم تكن الأولى بصحبة رفيق دربهما المحرر حسام البسطامي .

خاضا التحقيق سوياً وخرجا منه منصورين رغم كل الجراح والآلام وحُكما ب خمسة عشر عاماً وبدأت معهما رحلة جديدة كان بطلاها القائدين الأسيرين ، وكان أهم ملامحها الحب الكبير الذي استطاع محمد ومعتصم زرعه في قلب كل من التقاهم ، فما إن يُذكر محمد إلا ويقال معتصم وما إن يتم الحديث عن معتصم إلا ويبتسم القلب لمحمد ، روح ما بعدها روح وانسجام يتمناه كل قلب .

الأجمل من كل هذا ومع كل هذا هو المستوى العالي والراقي الذي وصل له الأخوان الشقيقان (المستوى الثقافي) العالي سعة الاطلاع المعرفة العلم اللغة العبرية الكتابة الإبداعية المحاضرات الجلسات الفكرية النقاشات التحليلية ، موسوعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى وصل لها الرفيقان .

الحديث عنهما لا ينتهي والمغامرات معهما لها في قلبي انطباع خاص ولن أنسى محاولات (الشرير) معتصم الإيقاع بيني وبين الحبيب محمد حين كان يقول لي أن محمد يستغلك ومعينك (منظر) وما كنت أقوله لمعتصم أني لا أخشى على مستقبلك من شيء سوى من محمد الذي لن يتركك تتزوج وتعيش حياتك .

أيام مرت وذكريات حفرت بالقلب والوجدان وقصص لكل منها حكاية تلك نرويها عن أسرانا ولكنها ليست كباقي القصص فهي من لحم ودم ، من معاناة وألم ، من دماء سالت على الجدران ، لا نتحدث بها للتسلية ولكنها تاريخ يؤرخ ويسجل لذلك الجيل الذي قلت عنه أنه يتربى على سير الرجال ، لهم أكتب وعن هؤلاء أسجل شهاداتي فتقبل مني محمد ومعتصم هذه الكلمات بحب وود.