الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

فروانة: من 48 حتى 67 الأكثر إجراما بحق الأسرى

نشر بتاريخ: 13/05/2013 ( آخر تحديث: 13/05/2013 الساعة: 09:46 )
غزة- معا - قال االباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، إن الفترة الممتدة من النكبة عام 1948 وحتى هزيمة عام 1967 ، هي فترة غائبة عن تاريخ الحركة الأسيرة ، ومهمشة من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية وتلك التي تُعنى بالأسرى ، ولم تحظَ باهتمام يُذكر سوى ما ندر في التوثيق والدراسات، ولم تُمنح مساحات كافية أو حتى جزئية في وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليها .

واضاف : أنّ بعض المعنيين والمهتمين بقضايا الأسرى اكتفوا ببعض العبارات في إشارة منهم لتلك الفترة، دون التعمق بالجوهر والمضمون، وأنّ الجميع بات يتحدث بإسهاب وتركيز أكبر حول الاعتقالات والشهداء الأسرى منذ سنة 1967، وكأنّ معاناة الأسرى وسجل الاعتقالات وما صاحبها قد بدأت منذ ذلك التاريخ، وهذا خطأ فادح يجب تداركه وتجاوزه .

وأضاف : بأن كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية ومراكز الدراسات والتوثيق ووسائل الإعلام، مطالبة بالعمل الجادّ والحثيث من أجل توثيق تجربة الاعتقال بكافة مراحلها وأشكالها، وما صاحبها من انتهاكات وجرائم، وايلاء الفترة الممتدة من نكبة 1948 وحتى احتلال 1967 الأهمية التي يجب أن تستحقها مع ضرورة كشف الحقائق التي واكبت تلك الفترة والفظائع والجرائم التي اقترفت خلالها بحق المدنيين .

وكشف النقاب عن أنّ الفترة الممتدة من نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وحتى استكمال الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967، كانت " الأكثر إجراماً ووحشية بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب، حيث اتسمت باعتقالات عشوائية واحتجاز جماعي في معسكرات تفتقر للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية ، واعتمدت على التعذيب الجسدي وإلحاق الأذى الجسدي المباشر بالمعتقلين"، في ما شكَّل "الإعدام الجماعي والمباشر للأسرى والمعتقلين" ظاهرة هي أخطر ما اتصفت به تلك الفترة.

وبيّن فروانة في الذكرى الخامسة والستين للنكبة الفلسطينية، أنّ مجمل حالات الاعتقال التي سُجِّلت منذ ذلك التاريخ ولغاية اليوم، قد بلغت أكثر من ( 800 ) ألف حالة اعتقال، وأنّ الاحتلال الإسرائيلي ومنذ سنة 1948 انتهج الاعتقالات سياسة واعتمدها منهجاً وسلوكاً يومياً ثابتاً، ووسيلة لإذلال المواطنين والانتقام منهم وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم وبأسرهم، واستخدم بعضهم في كثير من الأحيان دروعاً بشرية، وتمّ إعدام الكثيرين منهم بشكل فردي وجماعي وبطريقة مباشرة وغير مباشرة، في ما اعتقل أمهات وآباء وزوجات وأشقاء للمساومة والابتزاز والضغط.

وأكد فروانة أنّ تلك الاعتقالات "أضحت ظاهرة يومية، حيث لا يمرّ يوم واحد إلاّ وتُسجّل فيه حالات اعتقال، في ما لم تقتصر على فئة محددة أو شريحة معينة، بل طالت الجميع دون استثناء ذكوراً وإناثاً، أطفالاً وشيوخاً، مرضى وجرحى، وغيرهم".

وبيّن الباحث الفلسطيني بأن معدل الاعتقالات سار بشكل متعرج ، فيما سجل خلال الانتفاضة الشعبية الأولى (كانون الأول/ ديسمبر 1987 ولغاية منتصف 1994) قرابة 210 ألف حالة اعتقال ، ومن ثم تراجعت الاعتقالات بعد توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية منتصف في أيار (مايو) 1994، لتعود للارتفاع بشكل كبير مع بدء انتفاضة الأقصى في أيلول (سبتمبر) 2000، حيث سجل منذ ذلك التاريخ ولغاية اليوم قرابة 78 ألف حالة اعتقال.

وكشف فروانة النقاب عن أنّ الاحتلال زجّ هؤلاء المعتقلين في معسكرات اعتقال وأماكن احتجاز وتوقيف تفتقر للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية ، وأن غالبيتها ورثها عن الانتداب البريطاني والحكم الأردني وتم توسيع بعضها سنة 1970، فيما شيّد لاحقاً عدداً من السجون والمعتقلات بمواصفاته الخاصة، وهذه منتشرة جغرافياً على طول الوطن وعرضه ووصل عددها الإجمالي إلى ما يقارب من عشرين سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، وغالبيتها العظمى تقع الآن في أراضي احتلت سنة 1948، ورغم تعدّدها فهي سجون واحدة من حيث المضمون والأهداف"، وفق توضيحه.

وبيّن فروانة أنّ معدل الاعتقالات "لم يكن ثابتاً كما هو موضّح، وإنما سار بشكل متذبذب، كما أنّ أشكال الاعتقالات هي الأخرى تبدّلت وتغيّرت، وظروف الاحتجاز اختلفت من فترة لأخرى، حتى أنّ أشكال التعذيب طُوِّرت واستحدثت، فسلطات الاحتلال دائمة البحث عن أشكال وأساليب أكثر انتهاكاً لحقوق الأسرى، واستحداث أساليب أكثر ألماً وقسوة وتضييقاً عليهم، وليس العكس، وأن أوضاع الأسرى تسير من سيئ إلى أسوأ"، على حد تأكيده.


وأوضح عبد الناصر فروانة أنّ بعض المراحل اعتمدت على الاعتقالات والتعذيب، فيما اعتمدت مراحل أخرى على التصفية والإعدام بشكل فردي أو جماعي، ولهذا اختلفت معدلات الاعتقالات من فترة لأخرى.

واعتبر فروانة أن ّالفترة التي أعقبت النكبة سنة 1948 ولغاية سنة 1967 كانت الأسوأ والأكثر إجراماً ووحشية حيث اتسمت بالاعتقالات الجماعية والعشوائية واحتجاز في معسكرات أعدت خصيصاً لذلك، فيما نُقل نفر قليل منهم إلى بعض السجون التي ورثها الاحتلال عن الانتداب البريطاني وأن معظم الأسرى الذين احتجزوا في معسكرات الاعتقال هم من السكان المدنيين .

وأشار فروانة إلى أن تلك المرحلة تميزت بالاعتماد على التعذيب الجسدي بهدف إلحاق الأذى المباشر والمتعمد بصحة المعتقلين، والاعتماد على الطرد والتهجير والإبعاد الجماعي للأسرى والمعتقلين، والإعدام الجماعي لمجموعات كبيرة من المواطنين بعد اعتقالهم والسيطرة عليهم، وإعدام بعض المواطنين الناجين من المجازر والهاربين من مسارح المذابح، بعد توقيفهم واحتجازهم لدقائق أو ساعات .

وعلاوة على ذلك فقد تم آنذاك دفن أسرى ومواطنين جرحى وعزّل وهم أحياء في حفر صغيرة وكبيرة بعضها حفر خصيصاً لهذا الغرض .
علاوة على ظاهرة "الإعدام الجماعي والمباشر للأسرى والمعتقلين، فقوات الاحتلال وعصاباته المختلفة متعددة الأسماء كانت تتلذذ في تلك الفترة بإعدام الأسرى"، على حد تعبيره.

وأكد فروانة أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت سياسة قتل الأسرى الفلسطينيين والعرب منذ النكبة ولم تتخلَ عنها، بل هي مستمرة في انتهاجها حتى يومنا هذا، والفرق بأشكال الإعدام وطرقه وأساليبه .

فعقب النكبة اعتمدت تلك السلطات الإعدام الجماعي المباشر ، وبعد سنة 1967 اعتمدت الإعدام الفردي المباشر وأعدمت العشرات من الأسرى بعد اعتقالهم وإلقاء القبض عليهم، وكذلك الإعدام الجماعي غير المباشر من خلال منظومة من الإجراءات والقوانين وقائمة من الانتهاكات تتبعها داخل سجونها ومعتقلاتها بهدف قتل الأسرى معنوياً ونفسياً وان أمكن جسدياً، أو توريثهم أمراضاً خطيرة ومزمنة تبقى تلازمهم لما بعد التحرر وتكون سبباً بوفاتهم"، طبقاً لتوثيقه.

واستحضر فروانة بعض الشهادات والوثائق التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، ضارباً مثلاً مجموعة الصور التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية خلال سنة 2009، والتي أظهرت قوات إسرائيلية وهي تعدم أسيراً فلسطينياً مقيّد اليدين على يد العصابات الصهيونية رميا بالرصاص، ما دفع الكاتب الإسرائيلي جدعون مرون للكتابة على صفحات صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ليؤكد أنّ سياسة إعدام الأسرى هي سياسة قديمة.
وقال فروانة "هذه هي المرة الأولى، أغلب الظن، التي تُنشر فيها سلسلة صور تقشعر لها الأبدان لإعدام عربي على أيدي إسرائيليين، وتوثق لحظات أخيرة لحياة هذا الأسير".

وأشار فروانة إلى الفيلم الوثائقي الذي أثار جزئية يصعب تكذيبها وكشف كيفية إعدام جماعي لجنود مصريين، بعد أسرهم والسيطرة عليهم وتجريدهم من سلاحهم، خلال حرب 1956.

وذكّر فروانة بالصحفي الإسرائيلي أوري بلاو، وتصريحاته لصحيفة "كول هعير" سنة 2003، التي أكد فيها قيام مركز "الشاباك" (المخابرات الداخلية) الإسرائيلي في منطقة نابلس، بقتل اثنين من "المطلوبين" الفلسطينيين لسلطات الاحتلال، رغم أنّ المهمة التي أوكلت للجيش الإسرائيلي هي الاعتقال فقط.

كما أشار فروانة إلى أنّ صحيفة "هآرتس" العبرية نشرت يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 تقريراً عن قيام الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على جريحين فلسطينيين في قرية اليامون قضاء جنين، وهما سليم أبو الهيجا ومحمود أبو حسن، حيث تم إعدامهما في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وهما جريحان عديما الحيلة، كما أوردت الصحيفة.

وناشد فروانة كافة المؤسسات والأفراد المعنيين بالأسرى وحقوق الإنسان بضرورة الاهتمام بتوثيق تلك المرحلة والتركيز على جرائم التعذيب وعمليات قتل الأسرى الجماعية والفردية منذ سنة 1948 ولغاية اليوم، باعتبارها جرائم حرب وفقاً لكافة القوانين والمواثيق الدولية، والاستفادة من الفيلم الوثائقي والصور والتقارير إلي نشرتها وبثتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالإضافة إلى الشهادات الفلسطينية، والاستناد إليها في ملاحقة مقترفي تلك الجرائم وصولاً إلى محاسبتهم ووضع حدّ لها.