الثلاثاء: 15/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

نظرة مجتمع قاتلة.. المُعلقات متزوجات مع وقف التنفيذ

نشر بتاريخ: 14/05/2013 ( آخر تحديث: 14/05/2013 الساعة: 21:47 )
خان يونس- خاص معا - "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" هذه الآية الكريمة يتجاهلها عدد من الرجال مستغلين حقهم في الولاية وإطلاق سراح الزوجة فتبقي في منتصف الطريق، فلا هي ضمن النساء المتزوجات ولا المطلقات, فيتسببوا بعذابات لا تقتصر على النساء وان كانت اكبر المتضررين بل الأولاد وعائلاتهم.

ففي محاكم قطاع غزة العديد من القصص التي قد تشيب رأس سامعها، وتقف حائرا هل من يمتلك هذه الولاية يستحق أن تبقى في يديه, يعذب بها زوجته ويستغلها لا بعد الحدود لتستمر لعدة سنوات معلقة وتتوقف حياتها عند كلمة واحدة بينما هو يتزوج ويكمل حياته.

ما يؤلم حقيقة عندما تكون أسباب هذا التعليق هو الانتقام وكأن ديننا الحنيف لم يوصِ خيرا بالنساء فأغلب من قابلتهن معا في المحاكم تردد نفس السبب على تعليقهن لعدة سنوات زادت في بعض الأحيان عن 9 سنوات وهو "الانتقام وحرق قلوبنا وإنهاء حياتنا".

وتسرد سنوات تعلقها التسعة "س. ج" والتي لم تتجاوز بعد 33 عاما حيث تزوجت منذ ثلاثة عشر سنة وأنجبت ثلاثة أبناء وعاشت في بيت زوجها أربع سنوات ليحسب باقي سنوات زواجها في بيت عائلتها.

وتقول "كانت مشكلتي مع زوجي انه مدمن ولدية الكثير من التصرفات غير الأخلاقية تسببت في دخوله السجن لعدة أشهر ومن ثم الخروج وتكرر ذلك كثيرا, وعائلتي أسرة ضعيفة ولا تستطيع أن تقف في وجهه, ومع تزايد التصرفات السيئة اضطررت أن اذهب إلى بيت أهلي".

بعد عودتها لمنزل عائلتها أرسلت العديد من الأشخاص لطلب الطلاق منه وحصولها علي حريتها التي سلبت خلال الأربع سنوات لكنها تفاجئت بتعنته وعدم قبوله بتطليقها، فتوجهت إلى محامي لرفع قضية تفريق واستمر بالمماطلة وعدم الحضور إلى المحكمة.

وبكلمات مؤلمة تقول "عبث زوجي بحياتي وحيات أبنائه كثيرا , فهو استغل السلطة التي بيده ولعب بي دون ادني رحمة أو إنسانية بحقي، شعرت كثيرا باني دمية وأنني افتقد إلى الإنسانية ولا يوجد لي أي حقوق , فحال المعلقة أصعب كثيرا من حال المطلقة أو الأرملة".

وتؤكد أنها لن تسامح زوجها وعندما حصلت على ورقت الطلاق بعد أن تم سجنه بتهمة ترويج المخدرات حكم علية القاضي ب3 سنوات فاستطاع المحامي أن يحصل على حكم التفرقة للضرر وبذلك حصلت علي حريتها وتغيرت حياتها.

وتضيف " اليوم اشعر بأنه عادت لي إنسانيتي وحياتي , فرغم التصاق صفة المطلقة بي وهي مشكلة اخرى ولكنها ارحم, حيث استطيع أن اخرج من المنزل وأتابع أمور حياتي وبحث عن عمل لأعيل أبنائي ", وتتمني في ختام حديثها أن يسن قوانين تسهل الحصول علي حرية النساء في غزة .

أما السيدة "هناء. س" ظلمها الرجال كثيرا فعلقت لسبع سنوات وجمع زوجها ووالدها في ذلك , فبعد عودتها مكسورة الضلع من بيت زوجها لبيت عائلتها طلبت من والدها أن يتم تطليقها فهي سئمت التعرض للضرب والاهانة بشكل يومي ولكنه رفض وقال لها "لن يكون لي ابنه مطلقة".

هناء متزوجة منذ ثلاث سنوات وأم لطفلين ذاقت فيه كل صنوف العذاب فالزوج يعاني من العصبية ويعشق ضرب زوجته ويعتبرها جزءا من الحياة الزوجية, فكثيرا ما كنت تذهب إلى مكان عملها ويظهر على جسدها الضرب.

وبعد رفض والدها تطليقها أعطها شقة في منزلها وقال لها اجلسي باقي عمرك في هذه الشقة واعملي ولا تطالبي بالطلاق نهائيا, فاشتكت للكثير في محاول لإقناع والدها أو زوجها بالحصول على ورقة الطلاق وكانت دائما تفشل ,فالزوج لا يسأل عن زوجته والوالد رافض لتطليق ابنته.

وبعد وفاة والدها استطاعت أن ترفع قضية طلاق بدون معرفة أخوتها عن طريق احد المؤسسات المساندة في المجتمع للنساء، وبعد سنتين حصلت على الطلاق بعد تدخل عدد من وجهاء المنطقة عن أهل الزوج لاجبارة على التطليق.

ولم يستطع زوج "حنان .م" أن يعطي واجباته الزوجية بشكل كامل لزوجته بسبب عجز لديه, فعادت لبيت عائلتها بعد معرفتهم بالأمر ليستمر زواجها ثلاث سنوات وهي تسعى للحصول على ورقة الطلاق فكلما تقدت بطلب الكشف عنه يحضر أوراق تثبت انه لا يعاني من أي مشاكل.

وبعد تدخل العديد من مؤسسات حل النزاعات في قطاع غزة اضطر زوجها أن يرسل لها ورقة الطلاق لتقول "للأسف هناك رجال نزعت من قلوبهم مخافة الله ولا يعرفون معنى الرجولة الحقيقية فلا بد من حل لمثل هذه الأوضاع ولا يترك للرجل مجال للتحكم في زوجته فقط لأنه منح حقا لا يعرف قيمته".

وعرف المحامي محمود وافي التعليق لوكالة معا بأنه نوع من أنواع المضارة، والمضارة محرمة بنص الكتاب والسنة، بقوله تعالى: (و لا تضاروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن..) الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، وعلى ذلك أسس العلماء لقاعدة الفقهية المعروفة: الضرر يزال، ومن ذلك نعرف أن الشريعة حرمت المضارة.

ويضيف "وعلى ذلك أن الإضرار بالمرأة و تعليقها جريمة في حقها، يأثم بها الرجل إثماً عظيماً، لأنه قد يضطر المرأة أن تمارس ما لا ترضاه فتمد يدها للغير طلباً للمساعدة و قد تتنازل بذلك عن شيء من شرفها وعفتها، وقد يعرضها ذلك للانحراف الأخلاقي، وذلك إثم عظيم يتحمل وزره الأول الرجل الذي ربما اختلط في ذهنه عقد النكاح مع الرق والسبي، فيعتقد أن المرأة أمة اشتراها من سوق وأصبحت ملك يمين له يصرفها كيف يشاء".

كما أرجع وافي تأخير إنهاء إجراءات التحاكم في الكثير من قضايا المعلقات إلى تأخير التقاضي مما يتسبب في أضرار مادية ونفسية للمعلقة، مطالبا بأن تكون هناك وقفة من الجهات المعنية لإعادة النظر في ما تواجهه المعلقة من معاناة وضغوط قد تودي بها إلى مشكلات أخرى.

وأضاف" إن العدالة تقتضي إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان، مبيناً بأن يوجد إجراءات متبعة بخصوص هذا الموضوع في محاولة الصلح مع الزوج وتقريب وجهات النظر، وفي حال فشلت كل المحاولات يتم رفع دعوى أمام المحكمة حسب الطرق المعتادة نظاماً، وفي حال عدم معرفة عنوان الزوج أو التهرب من حضور الجلسات يتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ومنها البحث عنه عبر الجهات الرسمية (البحث الجنائي)، وتعميم اسمه أو الإعلان عن حضوره عن طريق نشر ذلك في الصحافة، ويتم بعد ذلك السير في الدعوى غيابياً".

وأوضح وافي أسباب تعليق الزوج لزوجته قائلا "تعليق الزوج لزوجته له عدة أسباب من أهمها: رغبة الزوج في زوجته وحبه لها، ولا يهمة نظرة الزوجة له، فيحاول أن يضغط عليها بتعليقها حتى ترضخ له وترجع. وكذلك محاولة الزوج الحفاظ على رباط الأسرة وعدم تشتيت الأولاد، ولو كان ذلك على حساب سعادة الزوجين".

ويضيف "وأكثر الأسباب هي جلب الضرر للزوجة، حتى تفتدي نفسها وتدفع له مقابل الطلاق عوضاً، أو تسقط حقوقها التي في ذمته من حقوق مستحقة كالنفقة ومؤخر الصداق ونحوه. وأيضاً الطمع في دخل الزوجة من راتب أو إرث أو نصيب من ريع وقف ونحو ذلك، حتى لا ينقطع عنه هذا الدخل الذي يأتيه بغير مجهود".

ودرج في المحاكم الشرعية الفلسطينية في غزة وفق وافي الإصلاح بين الطرفين، والقيام بمحاولات لرفع الظلم الواقع على المرأة وخاصة إنها تحتاج لأدلة لإثبات دعواها وتقديم بيناتها.

ودعا المشرع الفلسطيني لإيجاد حل ناجع وسريع لمثل هؤلاء النسوة وإفراد نصوص قانونية واضحة لهن, وعدم ترك الحبل على الغارب للرجل للتسلط بالحقوق الممنوحة له، فتطليق المرأة أولى من بقائها بوضع لا مسمى له، وذلك إفساحا لها لتعيش حياتها ومستقبلها والبدء من جديد سواء بالزواج بآخر أو بالقيام بتفرغها بتربية أبنائها.

ويشدد في ختام حديثة انه يجب تسهيل إجراءات التقاضي للمرأة والعمل على تقليل الوقت الذي تبت به المحكمة بهذه القضايا وذلك حفاظا على النسيج المجتمعي.

المشاكل النفسية والمجتمعية

أما عن المشاكل النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها المعلقة يقول لوكالة معا سمير المقادمة أخصائي نفسي في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات "ينجم عن التعليق الكثير من المشاكل والمتاعب على صعيد المرأة, فقد يحدث رفض لها من قبل أهلها أو رفض أولادها، فيقبل بعض الأهل بناتهم لكن بشرط أن ترمي فلذات كبدها لزوجها الظالم, وذلك إما لعدم قدرة أهلها على الإنفاق على الأطفال، وإما لعدم انتسابهم إليهم".

ويبين أن المعلقة تعيش الخوف من الغد وعدم الثقة بالآخرين وتنعكس هذه النفسية على الأبناء, فيسيطر عليها التوتر, فتتولد لديها الرغبة بالانتقام من المجتمع الظالم الذي يرى القشة في عين المرأة، ولا يرى الجمل في عين الرجل , ناهيك عن وجود رغبات أخرى للمرأة كالانتقام من زوجها الظالم, يمكن أن يصل الأمر إلى السقوط والتمرد على الواقع ولا مسؤولية وغير المبالاة بتصرفاتها.

ولا ينكر المقادمة إلى أن المعلقة تخضع لرقابة خاصة تختلف عن المطلقة والأرملة كذلك, فيكثر حولها الأسئلة والايجابيات حتى من قبل الجيران والعائلة فينعكس سلبا علي المحيط الذي تعيشه.

ويضيف كما يحدث في بعض الأحيان الانتقام من الأبناء من قبل عائلة الزوجة أو من الزوجة نفسها لتبدأ رحلة الضياع للام والأبناء فتهمل الأبناء وتخلق جيل خارج عن القانون مما يتسبب في أجناحهم للجريمة.

أما على صعيد المجتمع فيؤكد المقادمة إذا كان نصف المجتمع يتعرض للقهر والحرمان من الحياة السليمة المماثلة فما الجيل الذي سينشأ بعد أن تشبع بالمعاناة والذهاب للمحاكم ,فبالمحصلة بلا شك أبناء غير سويين نفسيا ومجتمع مفكك يسوده الحقد والضغينة، وقد يؤدي طول فترة الإجراءات وتعنت الزوج لمشاكل عائلية قد يضطر أحد أفراد المرأة للاعتداء على الزوج لإجباره على تطليقها. بالإضافة لتكدس أروقة المحاكم بالقضايا وعدم الثقة بالعدالة.

ويدعو في الختام إلى وجوب تعزيز النفسي للزوجة المعلقة من قبل العائلة والمجتمع عن طريق المؤسسات وكذلك إعادة بناء وتشكيل المجتمع في تقبل هذه الزوجة وأنبائها والضغط علي الطرف المتسلط لتوصل إلى حل في اقرب فرصة وعدم السمح للزوج بالمماطلة, كما يجب أن تتدخل لجنه الإصلاح لتقريب وجهات النظر أما بالوفاق أو الانفصال بكل هدوء للحفاظ علي نسيج المجتمع.