تقرير صحفي اسرائيلي :الهجرة الفلسطينية تضاعفت منذ ان شكلت حماس الحكومة
نشر بتاريخ: 08/04/2007 ( آخر تحديث: 08/04/2007 الساعة: 18:18 )
بيت لحم -معا- جاء في تقرير نشره الكاتب الاسرائيلي روني شاكيد في صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية ان نزيف الهجرة الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة متواصل مؤكدا ان اعداد المهاجرين الفلسطينيين تضاعف خلال العام الذي شكلت فيه حركة حماس الحكومة الفلسطينية.
وجاء في التقرير المطول ان عشرة آلاف فلسطيني يهاجرون بالمتوسط من المناطق سنويا في العقد الأخير، بين 10 - 16 ألف فلسطيني هاجروا في عام 2005.
واضاف الكاتب ان عدد هؤلاء المهاجرين ازداد بضعة آلاف في عام 2006 الذي هو "عام حماس"، وربما وصل الى مضاعفة نفسه، هؤلاء أناس استطاعت الحواجز والبطالة والفقر والجدار والضربات العسكرية وأزيز الرصاص ايصالهم الى درجة اليأس لدرجة دفعتهم الى حزم حقائبهم وأغراضهم ومغادرة البلاد.
ونقل الكاتب عن طاقم أبحاث اسرائيلي برئاسة يورام اتينغر، من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية سابقا، قوله "حتى الانتفاضة الأخيرة كان اغلبية المهاجرين من المسيحيين، ولكن بعد اندلاعها اتسعت الدائرة لتشمل المسلمين والمسؤولين الحكوميين والمفكرين والتجار، منذ فوز حماس هناك هجرة لأتباع السلطة الفلسطينية، في عام 2005 قفز عدد المهاجرين الى 16 ألف وفي عام 2006 ازداد هذا الرقم ارتفاعا".
ونقل الكاتب عن مسؤولين في حركة فتح قولهم ان "ضربة الهجرة هي احدى الضربات التي أنزلتها حماس على رأس الشعب الفلسطيني ".
الناطق بلسان حماس يفضل استخدام صياغة اخرى: "آلاف الفلسطينيين ينهون في كل عام دراستهم في الجامعات ويبحثون عن العمل في الدول المجاورة وفي اوروبا حتى يتمكنوا من خدمة الشعب الفلسطيني".
خصوصا الى كندا واستراليا:
وحسب معطيات وزارة الخارجية الفلسطينية فقد تم التقدم بـ 45 ألف طلب للهجرة منذ أواسط 2006 للمثليات الدبلوماسية الاجنبية في المناطق، الدكتور محمد صبح، نائب وزير الخارجية الفلسطيني من حركة فتح يقول" أن اغلبية المهاجرين هم من المثقفين وأصحاب رؤوس الاموال، الدول المستعدة لاستيعاب المهاجرين الفلسطينيين وعلى رأسها كندا واستراليا جاهزة لاستيعاب حملة الماجستير والدكتوراة فقط، ومن يجلب معه 200 ألف دولار على الأقل. "هذه ضربة قاسية ، الضرر البشري والاقتصادي الناجم عن ذلك هائل، وهو يلقي بظلاله الصعبة على المستويين الاجتماعي والسياسي: أصحاب رأس المال يفرون والمثقفون يرحلون والطبقة الوسطى تتقلص وحماس تعزز قوتها".
ويقول الكاتب ان الفلسطينيين تحولوا خلال الاعوام الستة الأخيرة الى مفلسين ، مستوى المساعدات التي يحصلون عليها من الامم المتحدة والمنظمات الدولية هي الأعلى في العالم، أكثر من 1.2 مليون يتلقون ضمان دخل ومخصصات، البطالة اجتازت نسبة 35 في المائة منذ مدة طويلة.
اليأس والاحباط يُدمران كل بذرة طيبة خيّرة، أحد انعكاسات الحالة المزاجية المتكدرة هو ذلك الاعلان الذي صدر عن أكثر من ثلث الفلسطينيين: الانتقال الى مكان يستطيعون العيش فيه بصورة أفضل.
استطلاع الرأي الذي نظمه مركز الابحاث في جامعة بير زيت في عام 2006 أظهر أن 32 % قد عبروا عن رغبتهم بالهجرة من المناطق.
بعد تحليل النتائج تبين أن نسبة الشباب من فئة 20 - 30 سنة هي الأعلى من حيث الرغبة في الهجرة: 44% وفي استطلاع مشابه أجرته جامعة النجاح في نابلس قبل شهرين جاء ان 38 % انهم يريدون الهجرة وفي استطلاع أجراه مركز ابحاث بيت ساحور برئاسة الدكتور نبيل كوكلي تم الحصول على نتيجة مشابهة.
وقال الدكتور احمد حسين، رئيس مركز الابحاث في جامعة النجاح ان "الفلسطينيين غير راضين بالمرة عن وضعهم الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي".
ونقل الكاتب عن اتباع حركة فتح في رام الله قولهم "انه الى جانب المعطيات حول البطالة المتصاعدة والفقر ومعارك الشوارع، هناك قرارات اسلامية تنزل عليهم كذلك ، في قلقيلية مثلا تم الغاء مهرجان فلسطين بحجة انه ليس من اللائق تنظيم حفلات رقص مختلطة للنساء والرجال، وتقليد الثقافة الغربية، كما قررت البلدية التابعة لحماس".
قبل أقل من شهر قررت وزارة التعليم الفلسطينية إتلاف 3 آلاف نسخة من كتاب "قوم يا طير". الكتاب هو أحد الكتب النموذجية من الفلوكلور الفلسطيني، إلا أن حماس اعتقدت أن في هذا الكتاب ثلاثة تلميحات للحب والجنس، ولذلك قررت إتلافه.
محمود درويش، الشاعر الوطني الفلسطيني، نظم في رام الله مظاهرة كبيرة للمثقفين دعت الى عدم اعادة الثقافة الوطنية الى الظلام، ولكن حماس غارقة في شأنها: في السنة الأخيرة تمت اضافة 20 في المائة ساعات دراسية دينية لجهاز التعليم على حساب المواضيع الاخرى وفي كل مدن الضفة والقطاع، باستثناء بيت لحم المسيحية وعدة حوانيت في رام الله، يحظر بيع المشروبات الروحية. مقاهي الانترنت في غزة أُحرقت، وقبل اسبوع تم إشعال النار في مركزين للثقافة والموسيقى هناك.
وادعى الناطق بلسان حماس فوزي برهوم انه ليست هناك علاقة بين الهجرة وفوز حماس وقال : "الناس يتوجهون الى الخارج من اجل الدراسة ومن ثم يعودون، ونحن نؤمن بحق العودة ولذلك لا يهاجر الفلسطينيون بل بالعكس هم يريدون العودة الى بلادهم".
الخجل إختفى:
الهجرة هي كلمة ذات مغزى سلبي بالنسبة للفلسطينيين اذ تعني الرحيل عن الوطن و تُذكرهم بنكبة 1948، الكارثة الكبرى في تاريخ الفلسطينيين. منذ عام 1967 طور الفلسطينيون أسطورة مضادة اسمها "الصمود"، أي التشبث بالارض الذي يلازم أسطورة العودة، "في عام حماس" اختفى الخجل من هذه الظاهرة، الشبان يتحدثون علانية عن رغبتهم بالهجرة، والبحث عن مكان رزق محترم ومستقبل شخصي أفضل.
الهجرة من المناطق ليست ظاهرة جديدة، فالفلسطينيون قد هاجروا الى الدول العربية واوروبا والامريكيتين عبر كل السنين، في الولايات المتحدة يقيم 215 ألف فلسطيني مسلم، حيث تعتبر شيكاغو أكبر تجمع لهم، أما المسيحيون فيتوجهون الى امريكا الجنوبية واللاتينية حيث يعيش 600 ألف فلسطيني، أكثرهم في تشيلي والسلفادور وهندوراس.
قسم من المهاجرين وصلوا الى مواقع عالية في الدول التي حلوا فيها، أنطونيو ساكا (السقا)، رئيس هندوراس هو ابن مهاجرين من بيت لحم. في مقاطعة بليز (هندوراس البريطانية) يعتبر سعيد موسى الفلسطيني رئيسا للوزراء، وفي السلفادور كان هناك رئيس من أصل فلسطيني.
ويقول الكاتب ان صعود حماس حول حياة الفلسطينيين المسيحيين الى أكثر صعوبة، وفي السنة الأخيرة هاجر عدة آلاف من عائلات جديدة من بيت لحم ورام الله ، في السبعينيات، سنوات الاندفاعة الكبرى للنفط، غادر عشرات آلاف الرجال الضفة وغزة الى دول الخليج، حيث كانوا هناك يحصلون على رواتب بخمسة أو ستة أضعاف مما كانوا يحصلون عليه في المناطق، نصفهم غادر من دون أبناء العائلة واعتاد القدوم كل بضعة اشهر ليترك من ورائه امرأته حاملا ويعود الى عمله، البعض الآخر غادر مع أبناء العائلة واستقر في الكويت وقطر والسعودية أو البحرين. في عام 1991 بعد غزو الكويت، طُرد الفلسطينيون من هناك انتقاما لدعمهم لصدام، وعاد 25 ألف منهم الى المناطق.
وادى اتفاق اوسلو الى تغيير الاتجاه حيث أعاد الى المناطق أتباع م.ت.ف وقوات الأمن بكافة أنواعها وبعض رجال الاعمال أصحاب رؤوس الاموال ، حسب التقديرات المختلفة دخل الى المناطق حينئذ 15 - 20 ألف شخص من بينهم 12 ألف شرطي، مع أبناء عائلاتهم الامر الذي أوصل عدد "عائدي اوسلو" الى أكثر من 100 ألف نسمة.
ولكن حلم السلام في اوسلو سرعان ما تبدد، وفي عام 1997 تصاعدت الهجرة السلبية من المناطق نحو الخارج، وتعاظم هذا الميل بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في ايلول 2000 ليشمل رجال الاعمال بصورة أساسية، الذين أصيبوا بخيبة الأمل وفروا من المكان.
مركز ابحاث ديمغرافي نرويجي في رام الله يدعي أن الهجرة الفلسطينية وصلت بين ايلول 2000 وكانون الاول 2002 الى 100 ألف شخص، خصوصا من الطبقة الوسطى وموظفي السلطة والمسيحيين.
و يضيف الكاتب "في الموجة الثانية غادر كل من يمتلك جنسية اجنبية، وعددهم يُقدر بـ 40 ألف، من بينهم بضعة آلاف فلسطيني من حملة الجنسية الامريكية، أحدهم هو وزير الخارجية الدكتور زياد أبو عمرو، الذي حصل على الجنسية من زواجه من امرأة امريكية".
في هذه الموجة برز ايضا أتباع "فتح تونس" الذين عادوا الى تونس أو انتقلوا الى الاردن ومصر اما في الموجة الثالثة المتزامنة مع عام حماس غادر بالأساس الشبان المثقفون وأصحاب رؤوس الاموال من النخبة الاجتماعية والفكرية.
و يضيف الكاتب ان"عام حماس" ولد دافعا لهجرة رأس المال من المناطق، نصار نصار، من كبار تجار الحجر في الضفة القاطن في بيت لحم، يعتبر أحد كبار تجار حجر البناء في العالم و كان يُشغل مئات الموظفين في مصانعه جنوبي الضفة، وبجانب مخيم الدهيشة ، كانوا يشترون الحجر الخليلي الابيض منه حتى في الولايات المتحدة، وفي السنة الأخيرة نقل مركز نشاطه الى الاردن حيث استثمر ملايين الدولارات في مصانع حجرية جديدة.
غسان الشكعة، رئيس بلدية نابلس سابقا، وعضو اللجنة التنفيذية في م.ت.ف حتى اليوم، نقل معظم تجارته التي يعمل بها مئات الاشخاص الى الاردن لانه مل الحواجز ولم يعد يتحمل معارك الشوارع.
أحد أصحاب مصانع النسيج الكبرى في معبر كارني الذي كان يخيط الشراشف وغيرها من الأقمشة لمصنع "كيتان" الاسرائيلي، وملابس العمل لمصانع كثيرة في اسرائيل، نقل جزءا كبيرا من مصنعه الى مصر حيث لم يعد يتحمل بقاء بضاعته التي تكلف الملايين عند الحواجز المغلقة في كل مرة.
الهجرة الفلسطينية ليست هجرة كلاسيكية، غالبية المهاجرين لا يبيعون أملاكهم، حتى المسيحيين الذين يغادرون بيت لحم مدركين بأنهم لن يعودوا لكنهم لا يبيعون منازلهم، هناك حتى ظاهرة عكسية: الكثير من المهاجرين يعودون بعد عدة سنوات للزيارة ليبنوا بيتا يستخدمونه في العطل وكبوصلة تأمين في حالة اضطرارهم للعودة ، في قرية ترمس عيا مثلا، بين رام الله ومستوطنة شيلا، هناك عشرات المنازل الفاخرة التي بناها المهاجرون الفلسطينيون القاطنون في الولايات المتحدة.
الى أين يهاجر الفلسطينيون؟
قائمة الأهداف المحتملة تقلصت جدا في السنة الأخيرة، اغلبية دول اوروبا لا تمنح تأشيرات هجرة لهم، الولايات المتحدة حدت من قبولها للمهاجرين الفلسطينيين بعد أحداث ايلول أما الى جنوب امريكا ووسطها فلا يسافر إلا المسيحيون.
مصر من ناحيتها تعقد عملية اصدار التأشيرات لهم، وفي الاردن يخشون جدا من الهجرة الفلسطينية، لذلك فرضوا قيودا صعبة حتى على الزوار الفلسطينيين، وهم يطالبونهم بكفالات مالية لضمان عودتهم ، دول الخليج تفضل في السنوات الأخيرة الهنود والباكستانيين والسريلانكيين لانهم أقل أجرا وأقل إلزاما من الناحية السياسية وأقل إثارة للمخاوف ، كندا واستراليا، الدولتان المشجعتان على الهجرة، تضعان شروطا مثل الشهادة الجامعية ورأس المال لقبول المهاجرين، وقد تحولتا الى هدف مفضل للفلسطينيين القادرين على تلبية هذه الشروط حيث يطلب 2400 شخص الهجرة الى كندا كل عام ، أما استراليا فقد استقلبت 2000 طلب، السويد، الدانمارك، النرويج وبريطانيا بدرجة معينة، تستوعب مئات قليلة من الفلسطينيين الذين يطلبون اللجوء السياسي مدعين أنهم لاجئون سياسيون ولكن - ولشدة المفاجأة اسرائيل هي هدف الهجرة الفلسطينية الأكثر جاذبية و هنا ايضا ليست هناك أرقام دقيقة، ولكن سجلات الداخلية الاسرائيلية تُقدر أن 105 آلاف فلسطيني قد نقلوا خلال الـ 15 سنة الأخيرة مكان سكنهم الى الجانب الغربي من الخط الاخضر، وأن العدد الشامل لهم منذ 1967 يزيد على ربع مليون، الأعداد عالية بصورة خاصة في النقب، خصوصا هجرة النساء غير القانونية حيث يسود هناك تعدد الزوجات، المثال الشهير: شقيقتي اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني تحملان اليوم الجنسية الاسرائيلية وتحصلان على مخصصات التأمين الوطني.
قبل خمسة اشهر، نظم في رام الله مؤتمر من اجل التصدي لظاهرة الهجرة، بين المشاركين كان احمد حنون، الباحث البارز في مركز الدراسات "شامل"الذي قال : "ليست هناك ظاهرة واسعة اليوم ربما، ولكن هناك رد فعل متراكم الاستعدادية المتزايدة للهجرة، خصوصا في صفوف الشبان، هي ظاهرة خطيرة وعلينا أن نتصدى لها، وإلا فمن الذي سيبقى هنا هذا الوضع الصعب سيتحول الى حالة أكثر تطرفا".
سألته من الذي يتحمل مسؤولية اتساع ظاهرة الهجرة، فأجاب "الاحتلال يتسبب بالهجرة القسرية وغير الطوعية هذه هجرة تعتبر جزءا من مخطط الترانسفير الحياة في المناطق تحولت الى جهنم والناس يشعرون أن الهجرة هي الحل الوحيد لوضعهم البائس".