هيومن رايتس تطالب اسرائيل بالحد من استخدام الفسفور الأبيض
نشر بتاريخ: 19/05/2013 ( آخر تحديث: 19/05/2013 الساعة: 12:55 )
القدس - معا - قالت منظمة "هيومن رايتس وتش" المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، اليوم إن على إسرائيل أن تُعزز ما أعلنت عنه من تقليل استخدام ذخائر الفسفور الأبيض لأغراض عسكرية عن طريق حظر كافة أشكال استخدامه على هيئة مقذوفات فسفور أبيض مُتفجرة جواً فوق المناطق المأهولة بالسكان، دون استثناء. كما حثت هيومن رايتس ووتش كافة الدول على تحريم استخدام الفسفور الأبيض كسلاح محرق.
نظرت المحكمة العليا الإسرائيلية يوم 13 مايو/آيار 2013، في دعوى مقدمة من منظمات حقوق إنسان ومُنظمات مجتمع مدني إسرائيلية تُطالب فيها بفرض حظر على استخدام الجيش الإسرائيلي لذخائر مُعينة من الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان. وفي أثناء نظر الدعوى، اقترح النائب العام الإسرائيلي "حظر استخدام الفسفور الأبيض في المناطق التي تحتوي على مُنشآت في الوقت الراهن، ولكن باستثنائين اثنين محدودين تم تقديمهما للقضاة" في جلسة استماع منفصلة دون حضور المُدعين، حيث لم تسمح المحكمة بحضور مقدمي الدعوى ومحاميهم لمراجعة الاستثناءات المُقترحة، وذلك لأسباب أمنية لم يتم الكشف عنها.
قالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "من الجيد أن يقرر الجيش الإسرائيلي أخيراً تقليل استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، التي تصيب بلا تمييز حين يتم إطلاقها من الجو على مناطق مدنية، ولكن هذه الذخائر قاتلة وعلى إسرائيل ألا تؤخر فرض الحظر على استخدامها غير المشروع، وألا تتهرب عن طريق وضع حدود زمنية غامضة، واستثناءات سرية".
اقترحت الحكومة الإسرائيلية على المحكمة إمكانية تغيير الجيش لطريقة استخدامه للفسفور الأبيض بشكل طوعي، وليس لأن الممارسات الحالية تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو قوانين الحرب.
وذكر الجيش الإسرائيلي يوم 2 مايو/آيار، أنه سوف "يقلل بشكل كبير من استخدامه لقذائف الدخان التي تحتوي على الفسفور الأبيض خلال العمليات العدائية في المناطق المدنية". لكن الجيش قال إنه إلى حين تطويره ذخائر بديلة، فإن استخدامه الفسفور الأبيض بهدف إخفاء تحركات القوات الإسرائيلية أثناء العمليات العدائية، "ربما يكون متوقعا في العمليات العسكرية القادمة إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك".
يخلق الفسفور الأبيض سحابة كثيفة من الدخان الأبيض، ويشتعل بمجرد التفاعل مع الأكسجين، وهو يُعتبر سلاحاً محرقاً أكثر منه ذخيرة كيميائية، ولا تحظر المعاهدات الدولية استخدامه.
ورغم ذلك فإن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض المُتفجر جواً، فوق المناطق المأهولة بالسكان الذي يُؤدي لنشر شظايا مُشتعلة من المادة السامة عبر مناطق واسعة، يُشكل انتهاكاً لقوانين الحرب التي تحظر الهجمات التي لا يمكنها التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بحسب هيومن رايتس ووتش.
خلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في 2008-2009، استخدمت القوات الإسرائيلية بصفة متكررة الفسفور الأبيض المتفجر جواً في قذائف المدفعية عيار 155 ملم في مناطق مأهولة بالسكان. وكل قذيفة متفجرة جواً ينبعث منها 116 شظية محترقة مغمسة بالفسفور الأبيض على مساحة يبلغ نصف قطرها 125 متراً، من نقطة الانفجار، حسب زاوية الهجوم وظروفه. لقد حققت هيومن رايتس ووتش في 6 حالات، تسببت فيها هجمات الفسفور الأبيض في قتل 12 مدنياً، من بينهم 3 نساء و7 أطفال، بالإضافة لإصابة العشرات بحروق أو اختناقات نتيجة استنشاق الدخان. كما دمرت هجمات الفسفور الأبيض مُنشآت مدنية، من بينها مدرسة، ومتجرا، ومخزن مساعدات إنسانية ومستشفى، حسبما قالت هيومن رايتس ووتش.
كشفت تحقيقات هيومن رايتس ووتش في حالتين إنه لم يكن لدى القوات الإسرائيلية مبرراً لاستخدام الفسفور الأبيض كحاجب للرؤية لأن القوات الإسرائيلية لم تكن تشن هجوماً برياً في المناطق التي استهدفتها الهجمات. وفي حالات أخرى، استخدمت القوات الإسرائيلية الفسفور الأبيض المُتفجر جواً على أطراف مناطق مأهولة بالسكان، ربما كحاجب للرؤية لإخفاء تحركات القوات، لكن كميات كبيرة من الفسفور الأبيض سقطت لمسافة مئات الأمتار داخل مناطق مأهولة بالسكان.
ويعتبر هذا النسق والسياسة الواضحة من هجمات عشوائية بالفسفور الأبيض، والتي وثقتها هيومن رايتس ووتش عام 2009، في تقريرها "أمطار النار"، يُعتبر غير قانوني، ويوفر دليلاً على جرائم حرب. ولقد اعترف الجيش الإسرائيلي باستخدام الفسفور الأبيض بعد أن أنكر في البداية، لكنه برأ ساحة قواته من أي انتهاكات لقوانين الحرب عن طريق تحقيقات شابتها عيوب جسيمة.
وفي عام 2011، قام 117 فرد إسرائيلي، ومنظمات حقوق إنسان، ومنظمات مجتمع مدني أخرى برفع دعوى أمام المحكمة العليا تُطالب الجيش الإسرائيلي "بحظر الاستخدام... في المناطق المأهولة بالسكان" بالنسبة لذخائر الفسفور الأبيض المُتفجرة جواً. قالت مُذكرة الدعوى إن هذه الأسلحة تُسبب أضراراً "عديمة التمييز ولا يمكن التحكم بنتائجها" ضد المدنيين، وإن هناك بدائل أخرى مُتاحة من الذخائر الأقل ضرراً.
لكن الحكومة الإسرائيلية ردت على الدعوى بقولها إن استخدام الجيش للفسفور الأبيض في المناطق المدنية لا ينتهك قوانين الحرب. ويتمثل الموقف الإسرائيلي، كما أكده بيان الجيش في 2 مايو/آيار، في أن "القانون الدولي الذي يحكم النزاع المًسلح لا يحتوي على نص يحظر استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المدنية لأغراض التمويه، سواء كان ذلك في منطقة مدنية أوغيرها،" وأن استخدام الجيش الإسرائيلي "لقذائف الدخان التي تحتوي على الفسفور الأبيض في أغراض التمويه" إنما "تجري وفقاً لمتطلبات القانون الدولي".
قالت هيومن رايتس ووتش إن البيان أخفق في الاعتراف بأن قذائف المدفعية الثقيلة التي تحتوي على الفسفور الأبيض المتفجر جواً فوق المناطق المأهولة بالسكان قد سبب أضراراً للمدنيين وللأهداف المدنية بشكل عشوائي عديم التمييز.
كما صرح مكتب الناطق باسم الجيش في 2 مايو/آيار بأن إسرائيل كانت تعمل على تطوير "نوع جديد من قذائف الدخان التي لا تحتوي على الفسفور الأبيض" للتمويه على تحركات القوات. كما أضاف التصريح أن "استخدام وتخزين قذائف الدخان الحالية سوف يستمر حسب ما تقتضي الضرورة" لحين توافر البديل. وأفادت النيويورك تايمز في تقرير لها يوم 26 أبريل/نسيان أن الجيش الإسرائيلي "وضع خطة لوقف استخدام القذائف التي تحتوي على الفسفور الأبيض في غضون عام تقريبا". كما جاء في تصريح المتحدث العسكري يوم 2 مايو/آيار أنه"ليس هناك موعد مُحدد لإنهاء هذه العملية في الوقت الراهن".
وفي جلسة المحكمة بتايخ 13 مايو/آيار، طالب المدعون من جديد، وعلى رأسهم منظمة ييش غفول، المحكمة بقبول تقرير صادر عام 2012 من منظمتي "فورينسك أركيتكشر" و"سيتو ستوديوز"، ومقرهما في المملكة المتحدة، واعتباره دليلاً. يُظهر التقرير، اعتماداً على نماذج مُحاكاة على الحاسب الآلي، أن مقذوفات إم 825 المنفجرة جواً تنشر شظايا من الفسفور الأبيض فوق منطقة بيضاوية الشكل بمساحة 28.400 متر مربع، وأن القذائف في المناطق المدنية " تهدد السكان من المدنيين بالموت أو بالإصابة، كما تتعرض البيئة والمُنشآت المدنية لخطر التدمير أوالتلف أوالتلوث عن طريق مواد سامة وقابلة للاشتعال. ولا يُمكن للقوات التي تطلق هذه المقذوفات أن تسيطر على الأخطار الناجمة عنها أوتتحكم بها".
أنكر الجيش الإسرائيلي في أول الأمر استخدامه للفسفور الأبيض في قطاع غزة، أثناء "عملية الرصاص المصبوب" حيث أدلى المتحدث باسم الجيش بتصريح لـ سي إن إن يوم 7 يناير/كانون الثاني 2009، قال فيه إنه "لم يتم استخدام الفسفور الأبيض على الإطلاق". وبعد 6 أيام، قدم الجنرال غابي أشكينازي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، تأكيداً مماثلاً للبرلمان الإسرائيلي، الكنيست. لكن الجيش الإسرائيلي غير موقفه بعد ذلك، واعترف أنه استخدم الفسفور الأبيض أثناء العمليات في قطاع غزة، لكنه أكد على أن استخدامه كان وفق مقتضيات القانون الدولي.
فتح الجيش تحقيقاً "على مستوى القيادة"، أجراه عقيد واستند إلى مقابلات اقتصرت على أفراد الجيش الإسرائيلي حول الادعاءات باستخدام الفسفور الأبيض غير القانوني "من منظور عام" لكنه لم يفحص وقائع مُحددة. كما جرى تحقيق قيادي آخر بشأن قصف الجيش الإسرائيلي لمعسكر تابع للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2009 باستخدام ذخائر من الفسفور الأبيض ومواد شديدة الانفجار. أحال الجيش اثنين من كبار الضباط إلى التأديب لأنهما "أمرا بإطلاق القذائف المتفجرة" في الواقعة، لكن الجيش الإسرائيلي لم يقم بإحالة أي شخص إلى التأديب بسبب استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، ولم يقم بإجراء أي تحقيق جنائي، ولم يُصدر أي لوائح اتهام.
توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن استخدام الجيش الإسرائيلي غير المشروع للفسفور الأبيض خلال 2008-2009 في غزة، لم يكن بالمصادفة أو بشكل عارض، إذ تكرر مرات عدة في مواقع مُختلفة، حيث قام الجيش بقصف الذخائر المنفجرة جواً في مناطق مأهولة بالسكان حتى الأيام الأخيرة لعمليته العسكرية.
كما ذكر تقرير طبي أعدته وزارة الصحة الإسرائيلية أثناء العدوان على غزة أن "الفسفور الأبيض يمكن أن يسبب إصابات خطيرة ووفيات إذا لامس الجلد أو تم استنشاقه أو بلعه "كما أن الحروق في أقل من 10% من الجسد يمكن أن تتسبب في تلف عضوي قاتل.
وفضلا عن استخدامه لعمل ستار من الدخان، استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض من أجل تحديد أو إضاءة أهداف عسكرية ليلاً. وأفاد موقع جريدة معاريف الإسرائيلية يوم 25 أبريل/نيسان، أن ضابطا كبيرا رفض ذكر اسمه، " يقود واحدة من الوحدات الأساسية من القوات البرية التي أطلقت الفسفور الأبيض في الماضي"، قال إن القوات الإسرائيلية كان لديها مُعدات رؤية ليلية، ولم يكن هناك حاجة إلى استخدام الفسفور الأبيض لتحديد أهداف عسكرية أثناء الليل.
استخدمت إسرائيل الفسفور الأبيض في لبنان عام 1982 وعام 2006، ولكن حسب ما استطاعت هيومن رايتس ووتش تحديده فإن عدوان 2008-2009 كان المرة الأولى والوحيدة التي تستخدم فيها إسرائيل الفسفور الأبيض في قطاع غزة. وأثناء التحقيقات التي قامت بها هيومن رايتس ووتش في قطاع غزة، استطاعت التعرف على عشرات العبوات الفارغة لمقذوفات الفسفور الأبيض من طراز إم 825 إيه 1، والتي تم إنتاجها في الولايات المتحدة الأمريكية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن التحقيقات التي قامت بها إسرائيل في مزاعم جرائم الحرب بعد العمليات العدائية في 2008-2009 على قطاع غزة لم تتطابق مع المعايير الدولية. حيث لم يُقدم الجيش سوى 4 جنود وضباط فقط للمحاكمة جنائية، صدر حكم ضد أحدهم بالسجن لمدة 7 شهور ونصف، وصدر حكم ضد آخر بالسجن لمدة 45 يوماً. كما أن قيادة حماس في قطاع غزة، فشلت في إجراء أي تحقيقات بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها قواتها.
وذخائر الفسفور الأبيض مصممة بشكل عام لتعمل كسب من الدخان لحجب الرؤية وإضاءة الأهداف، لكنها تلحق تأثيرات ضارة بالبشر، بصرف النظر عن الغرض المقصود من استخدامها.
ولقد عملت هيومن رايتس ووتش، وما زالت تعمل على تعزيز البروتوكول الثالث في اتفاقية عام 1980 بشأن الأسلحة التقليدية عن طريق حث الدول المُوقعة على توسيع نطاق التعريف ليشمل مُعظم الذخائر المحرقة التي تنطوي على مشكلات، مثل الفسفور الأبيض، وتعمل هيومن رايتس ووتش كذلك على حظر استخدام كافة الأسلحة المُحرقة في المناطق المدنية، في أثناء عملها من أجل حظر شامل.
لقد وقعت إسرائيل على اتفاقية الأسلحة التقليدية، لكنها لم تصادق على البروتوكول الخاص بالأسلحة المُحرقة.
قالت سارة ليا ويتسن: "يمكن لحظر استخدام الفسفور الأبيض كسلاح مُحرق، أن يُوقف المُعاناة التي يسببها هذا السلاح الرهيب في المستقبل، ولكن المُلاحقات القضائية وحدها هي التي سوف تُحقق العدالة لضحايا استخدامه غير المشروع في الماضي".