يا الله ما اجمل الحرية !. الاسيرة منال غانم.. بوح لمعاناة 50 شهرا خلف ستائر العتمة .. كبلوني بالاصفاد حين جاءني المخاض!
نشر بتاريخ: 13/04/2007 ( آخر تحديث: 13/04/2007 الساعة: 19:06 )
طولكرم - معا - "يا الله ما اجمل الحرية، الله يلعن السجن وسجانيه".... بهذه الكلمات عبرت الاسيرة المحررة منال غانم عن فرحتها بنيل حريتها ، بعد خمسين شهرا من الاعتقال خلف ستائر العتمة .
اعتقلت منال من بيتها في مخيم طولكرم بتاريخ 17/4/2003 وحكم عليها بالسجن مدة 50 شهراً بتهمة مساعدة نشطاء الانتفاضة, وكانت في ذلك الحين حاملاً في شهرها الرابع بتوأم, ووضعت منال مولوديها في احدى المستشفيات الاسرائيلية وسط حراسة مشددة ليعيش احدهما ويفارق الحياة الاخر, اطلقت منال وبإجماع من كافة السجينات عليه اسم "نور".
عاشت منال مع رفيقاتها الاسيرات حياة اسر مليئة بالآلام والاوجاع، وقسوة وجبروت السجان المحتل للأرض والإنسان والكرامة و الحرية، وحرمان الأم من احتضان فلذة كبدها .
128 اسيرة خلف ستائر العتمة .
تركت منال خلفها اكثر من اثني عشر الف اسير فلسطيني، بينهم 128 أسيرة من كافة محافظات الوطن، منهن 62 أسيرة محكومة و63 موقوفة وثلاثة أسيرات محكومات إداريا وبينهن 95 عزباء و21 متزوجة و4 أرامل وواحدة مخطوبة وسبعة مطلقات ويقبع في سجن الرملة 70 أسيرة وفي سجن تلموند 58 أسيرة.
ومن بين الاسيرات .10 أسيرات من محافظة طولكرم (هنّ شفاء القدسي، دعاء الجيوسي، نسرين أبو زينه،أماني قاسم، راوية الشيخ موسى، لينا حدايدة، عبير عودة، أحلام قميز، أسماء حامد)، اضافة الى 6 أسيرات اطلق سراحهن مؤخراً وهنّ (سيما عنبص وتعمل في الوقت الحالي مسؤولة لملف الاسيرات في نادي الاسير بطولكرم، تهاني نصّار، منال غانم والدة الأسير المحرر الطفل نور، رهام الشيخ موسى، أسماء حسين، إسراء أبو خليل).
تجربة اعتقالية مميزة .
وخاضت الحركة النسوية الأسيرة تجربة مميزة، وإن تشابكت في تجربتها مع مجمل التجربة الجماعية للأسرى، لكنها أكثر ألماً ومعاناة، فهي الأم التي أنجبت أطفالها داخل السجن، وحرمت منهم خارجه ، وهي الطالبة التي حرمت من مواصلة حقها في التعليم، وهي المرأة التي تعاني المرض في ظل الإهمال الصحي المتبع في سياسة إدارة السجون، وهي المرأة التي صبرت سنوات طويلة خلف القضبان.
وخلال لقاء خاص لمراسلنا في طولكرم مع الاسيرة المحررة منال غانم التي أفرج عنها بداية الاسبوع الماضي، تبوح الاسيرة المحررة بامور كثيرة تتعلق بحياة الاسيرات داخل السجون، وتكشف مزيدا من المعاناة والإهمال الطبي والمعاملة القاسية البعيدة عن الانسانية وحقوق الأسر.
تقول منال ابراهيم عبد الرحمن غانم "ام ايهاب" التي ولدت بتاريخ 2/11/1975 والالم يعتصر قلبها ان كافة السجينات يعشن ظروفا إعتقالية بعيدة عن الإنسانية، حيث الأمراض المنتشرة، سوء التغذية، اهمال طبي متعمد، تضييق و كبت، عزل انفرادي دون أي ذنب، حرمان من ابسط الحقوق، وفرض غرامات مالية بحجة المخالفة وعدم الإنضباط، وجنود دروز يتقنون الضرب والاهانات، والألفاظ النابية البعيدة عن الأخلاق .
وتضيف منال" أي أسيرة تعاني من آلام او صداع، وتذهب الى العيادة لملاقات الطبيب، يعطيها حقنة او نوع من الحبوب، لتعود خاملة لا تدرك ما حولها، يصيبها تشنج عصبي، اضافة الى ساعات النوم الطويلة، حتى تغدو غير قادرة على ممارسة أي نشاط، وتفقد التركيز، عدا عن الأمراض الجلدية الصعبة و التي تسبب الآلام الشديدة التي لا علاج لها ".
وتتابع بالقول " في الكثير من الاحيان يقوم السجانون برش غرف الاسيرات بالغاز الذي يوتر الأعصاب ويسبب اختناقات وتظهر في الجسم بقع لونها بني ".
وتضيف " معظم الاسيرات كبيرات السن اما الصغيرات، فقد فقدن معظم اسنانهن بالكامل، لظروف غير معروفة، وهن بحاجة ماسة لتركيب اسنان جديدة، مثل الاسيرة سناء عمرو ولطيفة أبو ذراع، إلا ان إدارة السجن تطلب مبالغ طائلة، لا تقدر الاسيرة على توفيرها، ولا حتى اهلها خارج السجن".
الاغلال اكثر ايلاما من الام المخاض .
وعن ساعة المخاض التي مرت بها منال في سجن تلموند، تقول "ان السجانين أخرجوها الى مستشفى كفار سابا مكبلة الأيدي والأرجل، رغم طلبها بأن لا تقيّد من شدة تعبها و آلامها، إلا ان السجانين رفضوا وتعاملوا معها بقسوة".
وتتابع بالقول "وعندما وصلت المستشفى، طلب مني التوقيع على ورقة كتب عليها باللغة العبرية التي لا اجيد قراءتها، عبارات تقضي بإعطائي حقنه منومة حتى اضع مولودي دون آلام".
وقالت انها رفضت الطلب واوضحت للطبيب انها تلد بشكل طبيعي كما في السابق مع ابنائها خارج السجن، مضيفةً انها وفور ولادتها توفي احد التوءمين و بقي نور على قيد الحياة، إلا ان السجانين لم يجعلوها ترى مولودها ونقلوه الى الحضانة، وأصروا عليها ان تغادر المستشفى في ذات اليوم ولوحدها دون ابنها نور، إلا انها رفضت وطالبت بالعودة برفقة وليدها حتى تتمكن من رضاعته و العناية به، وكان لها ما طلبت .
وتضيف منال والدموع تومض في عينيها " عند وصولي الى السجن، ودخولي الغرفة التي أحتجز فيها، علت زغاريد السجينات وتكبيراتهن، وإنهلن بقوة تجاهي يتقاتلن من التي ستحمل نور، ومن التي ستلبسة وتصنع له الطعام وتقوم بتنظيفة وووو....، وخاصة الاسيرات المتزوجات والمحرومات من فلذات اكبادهن، فقد كان المشهد مؤلما و محزنا، لا تستطيع العين تحمله، وفوراً اطلقن الاسيرات تسمية المولود الجديد " نور " علهن يرينه في القريب العاجل.
نور يقلد السجان !
وعن تسلسل حياة الطفل نور داخل السجن، توضح منال انه كان يحب جميع الاسيرات، وانه كان دوماً يذهب الى كافة الغرف و الاقسام، ومرة يتناول الطعام معي، ومرة أخرى يطلب مني ان يتناوله مع الاسيرة الفلانية، ومع الايام، اصبح نور هو من يوقض الاسيرات من نومهن ليقول" يلا يا صبايا ... سفيرا " ومرة اخرا يقول " يا بنات .... سوراديم " ويقوم بعدهن وذكر اسمائهن، لقد تأثر بالبيئة المحيطة به، وما يقوم به السجان خلال العدد وغيره.
وعن قرار فصل نور عنها، اوضحت منال ان القرار كان مفاجئا ودون سابق إنذار، وانها طلبت منهم ان يمددوا وجوده معها لمدة ستة اشهر اضافية، فوافقوا، لكنها فوجئت بعد شهرين انهم سيقوموا بفصلة.
واضافت " في اليوم التالي، حيث حضر زوجي و اولادي من مخيم طولكرم، وسمحت إدارة السجن لنا بزيارة خاصة، لكي يتأقلم نور مع والده و اخوته، ومن ثم يعود معهم الى طولكرم، عندها، عدت وحدي الى غرفتي، وكانت اللحظات المؤلمة و العصيبة، حيث الدموع والعويل يصاحباني، وعند وصولي الى غرفتي سمعت بكاء كافة الفتيات، كلهن يبكين فراق نور، بل ان عددا منهن اصابهن تشنج عصبي ولم يقدرن على فراقة.
سيما .. وكالة انباء وقمرا فضائيا يزودنا بالاخبار .
وعن حياة الاسيرات اليومية في سجن تلموند، تقول منال، ان الاسيرة المحررة سيما عنبص كانت من اشد الاسيرات متابعة للأخبار، والبرامج عبر التلفاز، اضافة الى متابعة البرامج الدينية والثقافية من خلال المذياع، حيث تقوم بتدوين ما تسمعه على الورق، وتقوم بعد ذلك عرضة علينا في جلسات كنا ننظمها داخل الغرفة، مشيرةً الى ان اهم القنوات التي كانت تتابع هي الجزيرة و العربية و فلسطين اضافة الى قنوات اذاعية مختلفة.
للحيطان اذان !
وعن كيفية معرفة اخبار الحركة الاسيرة والتعليمات الصادر منها للسجون، توضح منال ان سجن هدريم المركزي للرجال لا يبعد عن نافذة سجن تلموند مسافة 15 مترا، حيث كان الشبان المتواجدون هناك يخبرونا بما لديهم عن طريق الكلام، ونحن بدورنا كنا نلتزم بكافة القرارات الصادرة منهم وننفذها في كافة الغرف.
نور لا يتقبلني!
وتشكو منال من عدم قبول ابنها له بعد مغادرتها السجن وتتابع بالقول " ابني نور اليوم لا يقبل بي، ولا يأتي الي عندما اطلب منه ذلك، ولا يقبل الخروج معي، مع انه عندما استقبلني على الحاجز الاسرائيلي ساعة الافراج عني انساب علي وقبلني بحرارة، إلا انه اليوم يفعل عكس ذلك، وهذا سببه سنوات الاعتقال والحرمان الطويلة .
وعن الشئ الذي فاجأها ساعة وصولها لطولكرم، تقول منال انا لم تتوقع العددالهائل من المواطنين و الصحفيين الذي انتظروها على الحاجز الاسرائيلي، بل انها كانت تعتقد ان اهلها و اقاربها فقط هم الذي سيستقبلونها، معبرةً عن فرحتها الشديدة لهذا الموقف من اهالي المحافظة و الاعلام، متمنية هذه اللحظات لكافة الاسيرات و الاسرى.
رئيس الوزراء فاجأني وافرحني بمكالمته .
وتضيف منال" من المفاجأت ايضاً انه و بعد وصولي الى بيتي بساعة واحدة، اتصل بي رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية " أبو العبد "، لم اعرف ماذا اقول، فقد كانت اول كلماته لي " الله يعطيكي العافية يا بنتي"، وقام بالإشادة بي، ووصفني بالمناضلة التي تستحق كل الإحترام والتقدير، قائلاً لي ان اطلب ما اريد وانه سيعمل على توفيره بإذن الله، مؤكدةً انها كانت مكالمة مباركة وطيبة من رئيس الوزراء، حيث شعرت بالسعادة و الإرتياح لهذا الإهتمام من المستوى القيادي ".
اريد ان اعيش مع اسرتي حياة كريمة .
وحول ما تريده منال في حياتها المستقبلية،قالت انها ترغب من الرئيس ورئيس الوزراء بتفريغها على إحدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية وان يتاح لها ايضا التفرغ للاعتناء بابنائها التي حرمت منهم اربع سنوات؟؟، كما ناشدت رئيس الوزراء بالإعتناء بطفلها الصغير نور، من تعليم وغير ذلك، لعدم قدرتها و زوجها توفير كافة متطلبات الحياة في هذه الظروف الصعبة، وان يحفظ الله الوطن واهله.
وناشدت منال آسرى الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، والقيادة الفلسطينية من حكومة و رئاسة، ان يضعوا نصب اعينهم كافة الاسيرات في أي صفقة تبادل كحق اولوية الى جانب القدامى والاشبال و المرضى، مؤكدةً انها تشعر بما يشعرون داخل الأسر.
الشكر للجميع .
وفي ختام اللقاء، قدّمت الاسيرة المحررة منال غانم الشكر الى كافة من وقف الى جانبها و هنأها بخروجها من السجن، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية، ومكت الرئيس، وحركتي حماس و فتح في طولكرم، الى جانب كافة التنظيمات الفلسطينية وابناء المحافظة.