نظرة من داخل القصير: دمار وأعلام حزب الله غطت شوارعها
نشر بتاريخ: 10/06/2013 ( آخر تحديث: 11/06/2013 الساعة: 00:56 )
بيت لحم - معا - بقيت شوارع القصيرة خالية من الناس والمارة وفي ضواحي المدينة يمكن مشاهدة سيارات تركها أصحابها محملة بالذخائر والأغذية شاهدة على سرعة انسحاب مقاتلي المعارضة الذين تركوا المدينة دون أن ينظروا خلفهم وهذا بالضبط ما خططه ونفذه مقاتلو حزب الله بالتعاون مع قوات الجيش السوري لاعادة السيطرة على المدينة وبالتالي قطع خطوط الإمداد التي تسمح لقوات المعارضة بالقتال في حمص ودمشق... أنها جولة بين خرائب المدينة التي تحولت رمزا للصراع حسب ما استهلت به مراسلة صحيفة "التايمز البريطانية" المقيمة في العاصمة السورية دمشق الصحيفة "هالة جابر" تقريرها المطول الذي رسم صورة قلمية لمدينة دمرتها الحروب وتعاقبت عليها أقدام الجنود من أطراف الصراع الدامي.
في القصير هناك مكان واحد فقط يمكن أن ترى فيه بشكل واضح ومتناقض علامات العنف الأخيرة ودلائل الحياة الهانئة الوادعة التي سادت المكان في الماضي القريب إنها المدرسة الابتدائية التي تحمل اسم "علي سعدية" حيث يمكنك مشاهدة عبارة كتبها احد الطلاب على الصبورة في احد الصفوف جاء فيها "احب وطني جدا انه وطن جميل" فيما تدلت في صف آخر نصف بقرة متعفنة فاحت رائحتها النتنة وغطت المكان.
استحدثت قوات المعارضة التي سيطرة على المدرسة حتى طردها من قبل الجيش السوري مطبخا يقع بين الصور وكتب الاطفال ويمكن من خلال النافذة مشاهدة بقرتين تنتظران دورهما للذبح تمهيدا لدخول المطبخ المستحدث.. لكن سقوط المدينة جاء في وقت مناسب جدا بالنسبة للبقرتين...
وبالسير خلال الممر بين صفوف المدرسة هناك مخزن صغير مرتبط بملحمة حيث يتم تقطيع اللحم قبل توزيعه على المقاتلين ذلك اللحم الذي ساعدهم على الصمود لاسابيع طويلة فرض خلالها الجيش السوري حصاره على المدينة التي واضب على قصفها بقذائف المدفعية والهاون.
صف آخر حوّله المقاتلون إلى منامة ضمت عشرات المرتبات "الفرشات" فيما تم استخدام الطابق الأرضي"التسوية" كمصلى انتشرت فيه نسخ القرآن الكريم في كل ركن وزاوية لكن يبدو ان صلوات قوات المعارضة الأسبوع الماضي لم يستحب لها العظيم حيث تعرضوا لهجوم الجنود السوريين معززين بمقاتلين من حزب الله الشيعي وتدل بقايا الأغذية والاجبان التي تركها المقاتلين بأنهم تركوا المكان على عجل وبسرعة كبيرة.
|222966|
ويمكن من خلال الدمار الشديد رؤية وملاحظة شراسة المعركة التي استمرت 17 يوما للسيطرة على هذه المدينة الإستراتيجية، حيث انتشر الدمار وساد ساحات وشوارع المدينة وما تبقى من بيوتها وبعد ان اجتزت سلسلة من المتاجر التي طرزها الرصاص دخلت إلى احد الشوارع الضيقة يتبع لما كان يسمى مرة بالمنطقة التجارية المركزية وشاهدت يافطة بخط اليد كتب عليها "مستشفى" محاطة بأكياس الرمل من كافة جوانبها بهدف حماية العيادات العشوائية المليئة بصناديق تحتوي على تجهيزات طبية وساد الظلام الدامس داخلها وأجبرت على الاستعانة بضوء الهاتف الخلوي للحصول على القليل من الضوء فيما عبقت الأجواء برائحة مقترفة ومغيثة وخشيت أن أفكر في مصدرها.
غرفتان في الطابق الأرضي تم تقسيمها إلى أقسام مختلفة احتوت على أسرّة معدنية على طول جدرانها والى جانب كل سرير عامود معدني يستخدم في نقل السوائل فيما دلت اليافطات على الأبواب على نوعية العلاجات والتخصصات فنهاك يافطة تقول "غرفة العظام" وأخرى "قسم النساء" فواصلت طريقي وصولا إلى "التسوية" لاكتشف مصدر الرائحة المقرفة حيث وجدت في غرفة استخدمت كغرفة عمليات وبيت مواد التخدير وأنابيب الأوكسجين ودلو مليء بالدماء فهربت مسرعه نحو الطريق لاستنشق الهواء النقي.. فالتقيت بأصحاب ثلاثة حوانيت فقال لي احدهم بان اسمه "يوسف" دون أن يذكر اسم العائلة وابلغني بأنه عاد إلى القصير مع أبنائه الأربعة حتى يتفقد ممتلكاته وما حل بها مقدرا خسائره بمئات ألاف الدولارات.
ويوسف البالغ من العمر 50 عاما احد أبناء الأقلية المسيحية المصنفة بالحليفة للنخبة العلوية التي خرج من رحمها الرئيس الأسد وكانت هذه الأقلية هدفا لهجمات المعارضة السنية في أكثر من مناسبة حسب قول الصحيفة معدة التقرير.
"أطلقوا علينا صفة الكفار الواجب قتلهم وحين رفضنا أن نترك المدينة شرعوا بعمليات القتل والاختطاف لإجبارنا على ترك المدينة لقد كانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات في شوارع المدينة وتكررت هذه الأعمال يوميا وكانت أيام الجمعة الاسوء من بين الأيام.. قال يوسف الذي فقد أربعة من أبناء عائلته الكبيرة يبلغون من العمر 23-27 عاما وتم خطف شقيقه وهددوا بقتله اذا لم يتم دفع الفدية وهي عبارة عن مفاتيح محلات المجوهرات التي نمتلكها لكنني رفضت وانتقلت في النهاية للعيش بمدينة طرطوس وهي مدينة علوية مركزية تقع على الساحل السوري.
هل تنوي العودة إلى القصير؟ أن أعود؟! لن أعود مطلقا للعيش هنا كيف يمكنني أن أعود بعد كل ما جرى؟ قال يوسف.
الكثير من سكان القصير على قناعة تامة بأن مقاتلي حزب الله هم من حققوا النصر للجيش السوري.
وصف قائد حزب الله بزيه العسكرية بينما كان يحتسي الشاي ويدخن سيجارته وظيفة الحزب في عملية القصير قائلا " انضم حزب الله للقتال لأنه يرى بمدينة القصير مدينة حاسمة على طريق تحقيق النظام السوري للنصر إضافة إلى هدف الدفاع عن الشيعة وحمايتهم من خطر المتطرفين السنة الذين تسللوا الى المدينة مع قوات المعارضة".
وأضاف قائد حزب الله " ساعد الحزب في التخطيط للهجوم بكل التفاصيل لدرجة تحديد مكان مرابض المدفعية، كما انه أرسل قدامى مقاتليه الذين تخرجوا من رحم الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى التحرير لتولي قيادة الجنود والمقاتلين الجدد أثناء تقدمهم داخل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة فواجه جنود حزب الله البالغ عددهم 1000 مقاتل بداية الأمر صعوبات كبيرة وغير متوقعة ففقدوا في احد الأيام الأولى للمعركة 30 مقاتلا حينها توصلوا إلى قناعة بان قوات المعارضة تعلم ومطلعة على تكتيكاتهم واعدوا دفاعاتهم بما يتناسب مع ذلك الحال بما في ذلك حفر الأنفاق وإقامة المتاريس وتفخيخ الأبنية والمنازل، ونشر العبوات الجانبية على الطرقات والشوارع ما ذكر بعض المقاتلين بمعلومات سبق لهم أن نقلوها لمقاتلين من حماس أثناء تدريبات مشتركة في سوريا ولبنان فاحتاروا هل حماس تدعم حاليا المتمردين؟! ودربتهم على كيفية مواجهة مقاتلي حزب الله.
قدّر قادة الحزب الميدانيين بأنهم يواجهون حوالي 4000 مقاتل معارض معززين بمقاتلين قدموا من كافة أنحاء سوريا، فيما غادر 90% من سكان القصير المدينة، فقسّم حزب الله المدينة إلى قطاعات عملانية ورسموا خرائط حددت مصادر إطلاق النار المركزية والأساسية وبعدها انتقلوا للقتال من مسافات قريبة جدا بدلا من ابقاء مواقعهم تحت رحمة نيران مدافع الهاون وحين قطعت خطوط امداد قوات المعارضة تدهورت حالتهم المعنوية وانهارت سريعا فانسحبوا من المدينة بسرعة ودون تنظيم مستغلين الأنفاق والسيارات التي بحوزتهم" قال قائد حزب الله.
وعادت المراسلة إلى تقريرها قائلة "دخلت يوم الجمعة الماضية احد الإنفاق حتى افهم كيف صمدت قوات المعارضة كل هذه الفترة أمام الجيش السوري وحزب الله المتفوقان عليها بالأعداد والأسلحة".
في حديقة احد المنازل في ضاحية "ضبعه" كان ثقبا رمم بواسطة الطين الجاف وتحت مدخل النفق كان سلم "درج" رطب لا يتعدى ارتفاعه المتر الواحد يقود الى النفق الرئيسي واصطفت على طول مسافة النفق المرتبات "فرشات" والبطانيات لتسهيل مهمة الزحف على اليدين والقدمين على ضوء المصابيح التي تعمل بالبطاريات فتقدمت داخل النفق مسافة 30 مترا يساعدني احد الجنود الموالين للأسد الذي زحف أمامي فيما زحف جنديا آخر خلفي وفي نهاية المقطع يظهر أمامك ثقبا يمكنك من خلاله القفز داخل غرفة استخدمت للنوم وتحتوي فراشات وأغطية يبلغ ارتفاع الغرفة مترا ونصف تقريبا وفيها تلفاز موصول بالكوابل وأضواء كهربائية، فيما يمكن الوصول عبر ثقب آخر إلى سلم "درج" يقودك خارج النفق إلى الشارع مباشرة... وهذا ما يفسر الصعوبة التي واجهها الجيش السوري ومقاتلي حزب الله أكثر من مرة في إيجاد المتمردين وكيف نجح هؤلاء بتجنب القصف عبر الاختباء تحت الأرض.
استخدمت قوات المعارضة الأنفاق الكبيرة لنقل الإمدادات وإخلاء الجرحى ووجد في ضاحية "الصالحية" دليل آخر أو مؤشر يوضح كيف انهزم المعارضون سريعا حيث وجدت قافلة من 200 سيارة تركها المعارضون على احد الطرق التي تجتاز حقل زيتون وتراكمت اكوام الدراجات النارية والملابس تحت أشجار الزيتون، فيما كان جزء من السيارات محملا بالذخائر والأغذية والأدوية وبعض المتعلقات الشخصية، وهي ليست من النوع التي يتركها الشخص خلفه في حالة الهرب إلا إذا اجبر على ذلك فيما يعتقد جنود الجيش السوري أن ركاب قافلة السيارات احتموا من غارة جوية وبعدها اعتقدوا بأنه من الأفضل لهم الهرب سيرا على الأقدام عبر الحقول أو الاختباء بالإنفاق.
وفي كل الأحوال، كان لاعادة السيطرة على القصير الكثير من التبعات حيث فقد المتمردون خطوط إمدادهم التي سمحت لهم بمواصلة القتال في حمص ودمشق، فيما نجحت الحكومة السورية بإيجاد منصة تمكنها من الانطلاق والاستمرار بالهجوم شمالا فيما يعتقد حزب الله بأنه نجح في صد المتطرفين السنة الذين هددوا باجتياز الحدود نحو لبنان ومع ذلك سبب تدخل الحزب في معركة القصير برفع وتيرة التهديدات من جانب المتمردين الذين توعدوا بمهاجمته داخل لبنان حيث أطلقوا نهاية الأسبوع الماضي اكثر من 18 قذيفة باتجاه مواقع في منطقة بعلبك شرق لبنان ومعقل حزب الله الأمر الذي اعتبره محللون بداية انزلاق البنان إلى دائرة الإحداث وبداية تسرب الحرب الدائرة في سوريا إلى لبنان.
وأخيرا بالنسبة للناس البسطاء بمدينة القصير المعركة عبارة عن سلسلة من المآسي الشخصية لسكان المدينة الذين كانوا مرة من المرات يعدون الـ 30 الفا ولم يبق منهم حاليا أكثر من 3 ألاف.
فيما انشغل المهندسون باخلاء المنازل المفخخة نظرت سمر سمعان ابنة الـ 45 عاما بنظرات تائهة نحو الدمار الهائل وخرائب بيتها وسلسلة المتاجر التي تمتلكها عائلتها فيما اشتغل ابنيها وابنتيها بالبحث بن الانقاض لكنهم لم يجدوا ما يمكنهم انقاذه سوى بعض المخدات "الوسائد" ولعبة "دبدوب".