طوباس: ندوة لمناسبة ذكرى "الثلاثاء الحمراء" وهبة البراق
نشر بتاريخ: 15/06/2013 ( آخر تحديث: 15/06/2013 الساعة: 20:50 )
طوباس - معا - نظمت وزارتا الإعلام والثقافة في محافظة طوباس، اليوم، ندوة لمناسبة الذكرى الـ83 للشهداء: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، الذين أعدمهم الاحتلال البريطاني في سجن القلعة بعكا، والتي عرفت بـــ"الثلاثاء الحمراء".
وأعاد رئيس قسم التاريخ بجامعة النجاح الوطنية د. أمين أبو بكر، عجلة الزمن إلى الوراء، مستعرضاً أسباب هبة البراق المباشرة وغير المباشرة، والظروف التي سادت فلسطين قبلها، وحكاية إعدام الشهداء الثلاثة، مستعيناً بسجلات المحاكم الشرعية، والروايات الشفوية، والرحلات، والمقابلات ، والمصادر الرسمية وغير الرسمية.
وقال، خلال الندوة التي عقدت في مقر وزارة الثقافة بطوباس: إن صفد التي انحدر منها الشهيد حجازي، كانت تتبع إدارياً لعكا، فيما اختار الاحتلال سجن القلعة فيها، الذي أسسه أحمد باشا الجزار، لما كان له من حضور مرعب، وما تردده حوله من أن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، واحتجز فيه المواطنين الذين انخرطوا في ثورة البراق، وجمعهم من مناطق فلسطين المختلفة، وأصدر بحقهم أحكاماً قاسياً وصلت إلى الإعدام أو السجن المؤبد.
ورسم أبو بكر صورة للأحوال في فلسطين التي سبقت الانتداب البريطاني بين عامي 1917و1918، وما عاناه الناس من حالة حرب، وانتشار أسراب الجراد، والمجاعة، والتجنيد الإجباري، إذ تراجع سكان القدس من 110 آلاف إلى 50 ألف، في وقت وصل عدد الضحايا في بلاد الشام مليون ونصف.
وتابع: في عام 1921 نفذت أكبر صفقة بيع أراض لليهود في فلسطين، عقدها اقطاعي لبناني، بنحو 90 ألف دونم، وبثمن بخس، وتحديداً في سهل مرج ابن عامر وعكا، تلتها صفقات أخرى في المنطقة الممتدة بين حيفا وطبريا، أعقب ذلك عمليات تهجير عام 1929 للمواطنين الفلسطينيين( نحو 7000 عائلة) من 25 قرية كخنيفس والغوارنة وياجور والشيخ بريك والحارثية وجباتا، وأقيمت وقتها مخيمات في حيفا ودرعا بسوريا، وتحول سكانها لاحقاً لأحد أبرز المساهمين في ثورة عز الدين القسام.
وأضاف أبو بكر، إن هبة البراق كانت النواة لثورة عام 1936، وبخاصة من أن اليهود الذين كانوا يطالبون من الدولة العثمانية السماح بزيارة حائط البراق، أخذوا يطالبون بأمور سيادية كبلدية القدس، واخذوا يشنون هجمات ضد الفلسطينيين، كما حدث في أبو كبير بيافا وصفد والقدس.
وأستعرض وثائق عن الشهداء والمعتقلين والمنفيين خلال هبة البراق، وأخرى تتبعت واقع الصراع على الأرض بين المواطنين واليهود، والمحاكمات التي جرت، وكانت تتكرر في بعض الأحيان 15 مرة، إلا أن سلطات الانتداب لم تفعل شيئاً، وشاعت مقولة عن الفلسطينيين( ليس لنا محام إلا الله)، للتدليل على انحياز البريطانيين للحركة الصهيونية.
وكان فؤاد حسن حجازي (مواليد عام 1904) أول الشهداء الثلاثة الذين أعدمتهم سلطات الانتداب في سجن عكا عقب ثورة البراق وأصغرهم سنا. وقد لد في صفد وتلقى فيها دراسته الابتدائية ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت. وعرف منذ صغره بشجاعته وجرأته وحبه لوطنه.
أما محمد خليل جمجوم (ولد عام1902) فكان يتقدم المظاهرات التي تقوم في أرجاء مدينة الخليل احتجاجا على شراء أراضي العرب أو اغتصابها. وحينما أبلغهم الجلاد موعد تنفيذ الحكم بدأ محمد جمجوم ورفيقاه بإنشاد نشيد: "يا ظلام السجن خيم"، ثم استقبلوا زائريهم قبل إعدامهم بساعة وأخذوا بتعزيتهم وتشجيعهم وهم وقوف بملابس السجن الحمراء. وفي الساعة التاسعة من اليوم نفسه، نفذ حكم الإعدام شنقا به، وكان ثاني القافلة الثلاثية رغم أنه كان مقررا أن يكون ثالثهما، فقد حطم قيده وزاحم رفيقه عطا الزير على الدور الثاني.
بينما أبصر عطا أحمد الزير، النور عام(1895) في مدينة الخليل، وألم بالقراءة والكتابة، وكان يقرض الشعر أحيانا، وعمل في عدة مهن يدوية، واشتغل في الزراعة، وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية،واشترك في المظاهرات التي شهدتها الخليل احتجاجا على هجرة اليهود إليها وإلى فلسطين.
وفي ثورة البراق عام 1929 هب الزير مع غيره من سكان الخليل مدافعا عن أهله ووطنه، و يوم الثلاثاء 17/ 6/ 1930 الموعد الذي حدد لتنفيذ حكم الإعدام استقبل الشهداء زائريهم بملابس الإعدام الحمراء قبل ذلك بساعة. ثم طلب الحناء ليخضب بها يديه على عادة أهل الخليل في أعراسهم وأفراحهم، وقد طلب زميله ورفيقه محمد جمجوم أن يُشنق قبله، وفاز بأمنيته.
وعندما قاده جلاده إلى منصة الإعدام طلب أن تفك قيوده لأنه لا يخشى الموت، فرفض طلبه، وعندها حطم عطا الزير السلاسل بقوة عضلاته، وتقدم نحو المشنقة رافع رأسه مبتسما.
ومما كتبه في رسالته بلهجة فلاحية قبل يوم واحد من رحيله: "زغردي يما لو خبر موتي أجاك زغردي، لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي، أنا يما عن هالوطن ما بتفترق بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ، لا تزعلي لو تندهي وينو عطا كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس، وجدْ لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود، يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود هدي شباب الوطن بتثور، كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد والشمس لما تهل لازم يزول الليل، يا معود فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون، طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان، هدي وصية شاب جرب الحرمان اسمي عطا وأهل العطا كثار والجود لأرض الوطن واجب على الثوار جبال الوطن بتئن ولرجالها، بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ، راجع أنا يما وحامل بشارَةْ، عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ، لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه، وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه، راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه، حتى نضوي الوطن ويعودوا أحرارُه."
من جانبه، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن ذكرى جمجوم وحجازي والزير، تتقاطع مع رسالة الوزارة في التعبير عن المحطات الوطنية، التي تؤكد الثمن الباهظ الذي دفعه شعبنا في مسيرته نحو الحرية.
وأشار إلى أن الوزارة والاتحاد العام للمرأة سيطلقان في القريب برنامج" كواكب لا تغيب"، الذي سيعيد بناء حكاية شهداء الحرية في طوباس، ويكرم أمهاتهم، في رسالة تفيض بالمعاني.
بدوره قال مدير "الثقافة" في طوباس عبد السلام العابد، إن إحياء المناسبات الوطنية يقدم محاولة حافلة بالدلالات، ويُعرّف بالتاريخ النضالي لشعبنا، وينقل الحكاية للجيل الجديد، ويعيد استذكار الأبطال. واستعار العابد أبياتًا من أشعار المبدع نوح إبراهيم، التي نظمها في رثاء الشهداء، وهي ذاتها التي تكاد لا تنسى من كل لسان، وغنتها فرقة العاشقين.
فيما استعاد نسيم جودة حكاية جدة الحاج سليم جودة، الذي شارك في تشييع والده مصطفى في عكا، بالتزامن مع جنازة الشهداء حجازي وجمجوم والزير. وقال: سبق أن نفت سلطات الانتداب جدي مصطفى وأبناء عائلته من نابلس إلى عكا وصفد؛ لانخراطهم في العمل الوطني، وتوفي في الفترة نفسها من حزيران عام 1930، دون أن يُسمح لعائلته بنقل جثمانه إلى بلده، كحال الشهداء في ذلك الوقت.
وحضر الندوة ممثلو عدة مؤسسات رسمية وأهلية ومعلمون متقاعدون ومهتمون بالحركة الثقافية في طوباس.