الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تطورات مصر وفلسطين تؤكد الحاجة لتسوية تاريخية بين التيارات الديمقراطية

نشر بتاريخ: 17/07/2013 ( آخر تحديث: 17/07/2013 الساعة: 18:31 )
رام الله - معا - اعتبرت شخصيات فلسطينية يوم 30 حزيران/ يونيو محطة مهمة في استعادة دور الإرادة الشعبية المصرية بصفتها المصدر الرئيسي لشرعية الحكم، وأكدت ضرورة الحفاظ على يقظة وفاعلية هذه الإرادة على طريق استكمال مهمات الثورة المصرية في بناء نظام ديمقراطي مدني يعزز قيم الحرية والكرامة والتعددية والمشاركة السياسية والسيادة الوطنية، بما يكفل نهوض مصر بدورها الريادي التاريخي في الدفاع عن قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ودعت في الوقت ذاته إلى الاستفادة من دروس التطورات التي تشهدها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، وبخاصة فيما يتعلق بفشل نهج الإقصاء والتفرد في الحكم، وضرورة التوافق على عقد اجتماعي أو دستور يحدد المرجعيات والقواعد التي تحتكم إليها الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعلاقات الوطنية، فضلا عن التوافق على دور ووظيفة العملية الانتخابية بعيدا عن الفهم الضيق للديمقراطية، باعتبارها مجرد صندوق اقتراع أو حكم الأغلبية.

وشددت على عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والمصري، ودور مصر في دعم واحتضان القضية الفلسطينية، وفي رعاية المصالحة الوطنية، والتقاء القيم التي رفعتها الثورة المصرية في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة والسيادة مع جوهر القيم التي يناضل الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيقها، محذرة من عواقب أي تدخل من قبل أي طرف فلسطيني في الشأن المصري دون احترام لخيارات شعب مصر وإرادته الشعبية.

واعتبرت أن الأولوية المطلقة لكافة الفصائل الفلسطينية تتمثل في توحيد الصفوف في معركة التحرر من الاحتلال والعنصرية، وليس تشتيت الجهود من خلال التجند كامتدادت لأجندات خارجية، الأمر الذي يعيد التأكيد على ضرورة فلسطنة الأولويات وأجندات العمل الوطني والخطاب السياسي لدى جميع الفصائل، لاسيما حركة حماس، مع احترام حق السلطات المصرية في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت تورطه بأعمال تخل بالأمن القومي المصري، على قاعدة عدم تحميل حركة حماس أو الشعب الفلسطيني وزر ما يثبت من أفعال وجرائم مدانة، وبما يعمق علاقة المصير المشترك بين الشعبين الفلسطيني والمصري.

كما حذرت من تداعيات انخراط بعض الأصوات الإعلامية في مصر في شن حملة تحريض تحول الشعب الفلسطيني برمته إلى ضحية في سياق الصراع المصري الداخلي، أو تطالب بتشديد الحصار على قطاع غزة، فضلا عن تداعيات الخطاب الرسمي الفلسطيني الذي يعيد استنساخ حملة التشهير المستندة إلى ترويج اتهامات موجهة إلى حركة حماس دون أي براهين أو أدلة. وأشادت بالبيان الصادر عن الشخصيات الثقافية والوطنية المصرية، وبيان المنظمات الحقوقية المصرية، اللذين أدانا خطاب التحريض على العنف والكراهية ضد الشعبين الفلسطيني والسوري في بعض وسائل الإعلام المصرية.

وكان المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية- مسارات نظم جلسة عصف ذهني في مقره بالبيرة، حول التطورات في مصر وتداعياتها على القضية الفلسطينية، بمشاركة مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والنسوية والشبابية.

وافتتح الجلسة هاني المصري، مدير عام المركز، بكلمة قال فيها إن الحدث المصري لا يزال مفتوحا على تطورات يصعب التنبؤ بها، لكنه مع ذلك ينطوي على عدد من الدروس البارزة التي يجدر استخلاصها، وفي مقدمتها قدرة الإرادة الشعبية على التغيير كما ظهر في ثورة الشعب المصري في 25 يناير و30 يونيو.

وقال المصري إن أحد أبرز الدروس التي أظهرتها تطورات الأحداث في مصر وفلسطين وتونس وليبيا والعراق، وفي عموم المنطقة العربيّة، يتمثل في عجز اتجاه واحد مهما كبر حجمه عن قيادة الشعب والدولة بمفرده وإقصاء الاتجاهات الأخرى، وأن الديمقراطية تعني، قبل كل شيء، اتفاق الأغلبية والأقلية على مرجعية واحدة تحدد الأسس والأهداف وأشكال العمل الأساسية، وتجسد ما يجمع الشعب عليه أو ما تتفق عليه أغلبية ساحقة على الأقل.

وأضاف أن المخرج للمأزق العام الذي تمر به مصر حاليا يتمثل في التوصل إلى تسوية تاريخية تستهدف مشاركة جميع الاتجاهات الليبرالية والقومية واليسارية والإسلامية، وتضمن المساواة بين المواطنين بغض النظر عن لونهم وجنسهم ودينهم وقوميتهم، وتفصل ما بين الدين والدولة، مؤكدا أن الشرط الحاسم الذي سيجعل هناك إمكانيّة للقول إن الأحداث تسير باتجاه تصويب مسار الثورة المصرية وتحقيق أهدافها وقيمها، هو الإسراع في إنهاء الفترة الانتقالية وضمان أن يكون الحكم ديمقراطيا مدنيا يضمن للجميع المشاركة والمنافسة من دون تكفير أو إقصاء أحد، وليس مقبولا إعادة استنساخ نهج الإسلام السياسي بالتفرد في الحكم عبر إقصاء الاتجاه الإسلامي من المشهد السياسي المصري.

ونوه إلى أن هذا الاستخلاص من الحدث المصري يجدد التأكيد على واحد من أهم الدروس من تجربة الانقسام الداخلي الفلسطيني بعد الانتخابات التشريعية عام 2006، وهو الحاجة الفلسطينية الملحة إلى تسوية تاريخية بين التيارين الوطني الديمقراطي من جهة والإسلامي من جهة أخرى، تقوم على التوافق على "ركائز المصلحة الوطنية العليا" ضمن ميثاق وطني يشكل مرجعيّة للأهداف الجمعية والشراكة السياسية، ويتم الاحتكام إليه لضمان الالتزام بمرتكزات وأهداف المشروع الوطني، وكذلك بقواعد اللعبة الديمقراطية وإدارة الخلافات، لاسيما في ظل الأصوات التي تنادي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية دون اتفاق على كل ذلك، بل وحتى دون تحقيق مصالحة وطنية توحد الفلسطينيين ومؤسساتهم قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع.

وناقش المشاركون في الجلسة تداعيات المأزق المتفجر في مصر، والسيناريوهات المحتملة للخروج منه وتأثيرها على القضية الفلسطينية، والسياسات المطلوبة لحماية وتعزيز العلاقات المصرية الفلسطينية، وآفاق التقدم في ملف المصالحة، ودور التيار الإسلامي في الحياة السياسية الفلسطينية، وأهمية استخلاص هذا التيار، لاسيما حركة حماس، للدروس والعبر حول دور الإسلام السياسي وأهمية تعزيز البعد الفلسطيني الوطني في برامج عمله، بعيدا عن العمل كفرع يخدم في عمله السياسي والجماهيري والتنظيمي والإعلامي تيارت الإسلام السياسي في هذا البلد العربي أو ذاك.

واعتبروا أنه من المبكر تقييم منحى وتداعيات التطورات المتغيرة في مصر، لكنها تقدم عددا من الدروس المهمة، في مقدمتها قوة الجماهير والإرادة الشعبية كمصدر لشرعية النظام السياسي، وسقوط نهج التفرد والإقصاء والاستبداد في الحكم، وضرورة التوافق على قواعد اللعبة الديمقراطية ووظيفة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل إجرائها، وعدم التعامل مع نتائجها كأداة في حسم الصراعات الداخلية وتمكين الأغلبية من الحكم وفق منهج الإقصاء، بل كأحد مكونات العملية الديمقراطية التي تعني أيضا حماية حق الأقلية في المعارضة وفي العمل من أحل الوصول إلى الحكم.

ودعوا حركتي فتح وحماس إلى استخلاص العبرة الأهم التي تؤكد استحالة انفراد أي منهما بالحكم سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وضرورة الانخراط في حوار وطني شامل يفضي للتوصل إلى تسوية تاريخية تقوم على التوافق على "ركائز المصلحة الوطنية العليا" والأهداف المشتركة والبرنامج الوطني وأسس الشراكة السياسية بين التيارين الوطني الديمقراطي والإسلامي، كأساس لتحقيق المصالحة الوطنية.

وأكدوا أنه بالرغم من انشغال مصر في أوضاعها الداخلية، إلا أن التطورات في مصر وغيرها من البلدان العربية، فضلا عن الهجمة الإسرائيلية المتواصلة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية عبر مخططات التوسع الاستيطاني والتهويد، وعلى النقب عبر خطة "برافر" للتهجير القسري ومصارة الأراضي، والجهود الأميركية لاستئناف المفاوضات على قاعدة حلول تصفية للقضية الفلسطينية، إنما تشكل دافعا وفرصة لتحقيق تقدم في ملف المصالحة، الأمر الذي يستدعي من حركتي فتح وحماس وسائر الفصائل والفعاليات المجتمعية الفلسطينية تكثيف جهودها لإعادة مد جسور الحوار الشامل بين القوى الوطنية والإسلامية وسائر مكونات المجتمع الفلسطيني بما يعيد مراجعة التجربة السابقة منذ بدء الانقسام ويفتح الأفق نحو تحقيق المصالحة.

وبحث المشاركون تداعيات خطاب التحريض على الكراهية والعنف ضد الشعب الفلسطيني في بعض وسائل الإعلام المصرية، بالاستناد إلى ترويج اتهامات دون أدلة ضمن حملة تشهير موجهة إلى حركة حماس بسبب علاقتها بحركة الإخوان المسلمين، وتحميلها مسؤولية أفعال قد يثبت أن مرتكبيها في مصر هم أفراد أو جماعات فلسطينية، وسماع صدى هذه الحملة في الخطاب الرسمي الفلسطيني بطريقة تسيء لصورة الشعب الفلسطيني عموما، وتستدعي مزيدا من الإجراءات ضد حركة حماس ككل، أو قطاع غزة المحاصر من دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات، وتمس بحرية حركة الفلسطينيين عموما داخل مصر وعبر معابرها البرية والجوية.

وأكدوا الحاجة إلى تدخل على أعلى المستويات لوقف حالة الانفلات في هذا الخطاب وترشيده بما يحافظ على المصلحة الوطنية من جهة، ويعزز العلاقات التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والمصري من جهة أخرى.

وأشاد المشاركون بمواقف القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية والمنظمات الحقوقية في مصر التي بادرت لإعادة التأكيد على دور مصر التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية ورفض الصورة السلبية للشعب الفلسطيني وموقفه الداعم لخيارات الشعب المصري كما روجت لها بعض وسائل الإعلام المصرية.

ودعوا إلى الاستجابة لما ورد في بيان الشخصيات الوطنية والثقافية المصرية الذي ناشد جميع الفصائل الفلسطينية "إنجاز المصالحة وتوحيد الصفوف والتأكيد على عدم انفراد أى فصيل بالسلطة أو المساهمة في تقسيم البلاد، حماية لمصالح الشعب الفلسطينى وتوحيد صورته ومعاملاته مع الشعوب الأخرى، وتحقيق هذه الصورة الموحدة على الأرض المصرية دون محاولات التفرد التى أثارت الشكوك والصراعات".

كما طرح المشاركون عددا من الاقتراحات لمتابعة تداعيات التطورات في مصر وكيفية التعاطي معها فلسطينيا، وفي مقدمتها تنظيم جلسات أخرى لمناقشة هذا الموضوع وبلورة أبرز الدروس المستخلصة، واقتراح تصورات وخطوات وآليات ضمن السياسات الفلسطينية المطلوب تبنيها في ضوء المتغيرات في مصر والمنطقة عموما، وذلك بمشاركة شخصيات سياسية وأكاديمية وفعاليات مجتمعية من الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرهما من التجمعات الفلسطينية.