الضفة بين مصالح إسرائيل الأمنية والرد التكنولوجي الأمريكي
نشر بتاريخ: 27/07/2013 ( آخر تحديث: 27/07/2013 الساعة: 18:34 )
بيت لحم - معا - لم تفوت إسرائيل في تاريخها فرصة لابتزاز الدعم الأمريكي ومرحلة استئناف المفاوضات لم تكن استثناء لهذه القاعدة حيث عكفت القيادة العسكرية والأمنية الإسرائيلية فور إعلان "جون كيري" خطته لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على إعداد قائمة طويلة بالمطالب والمتطلبات التي ستقدمها إسرائيل للإدارة الأمريكية كمقابل وثمن لموافقتها على استئناف المفاوضات وذلك حسب تعبير موقع " معاريف" العبري الذي تناول الموضوع اليوم السبت ببعض الإسهاب.
لم تطفأ أضواء الطابق المخصص لقسم التخطيط في بناية القيادة العامة للجيش الإسرائيلي " الكرياه " وبقيت هذا الأسبوع مضاءة بشكل متواصل دليل على جهد كبير وعمل متواصل لإعداد قائمة متعددة السنوات تتلاءم وقرار تقليص الميزانية الأمنية إلا أن داهم إعلان "كيري" الحضور في طابق التخطيط اذ يعني هذا الإعلان وفقا للمنظور العسكري بان الجيش ملزم بتقديم للمستوى السياسي قائمة من المطالب الأمنية يتوجب على القيادة السياسية الإسرائيلية الإصرار على تحقيقها في أي مسار تفاوضي على ان يشارك قسم التخطيط الاستراتيجي والمخابرات التابع للأمن القومي الإسرائيلي في بلورة هذه القائمة.
وفي سبق صحفي ادعاه موقع " معاريف " الالكتروني كشف النقاب عن وجود كراسة مطالب سميكة جدا أعدها قسم التخطيط التابع للجيش إبان حكومة نتنياهو السابقة ويتضمن تفاصيل الاحتياجات الأمنية الاسرائيلية الخاصة والمتعلقة بالضفة الغربية وغور الأردن وكل ما تحتاجه هذه الكراسة حتى تتلاءم وتوقيت إعلان جون كيري بعض التعديلات والإضافات والتجديدات فقط.
ولكن الكراسة الإسرائيلية ليست نهاية المطاف هناك رأي سائد لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بان الولايات المتحدة سبق لها وان ردت على كراسة قسم التخطيط بكراسة أمريكية لا تقل سماكة عن نظيرتها الإسرائيلية تستجيب وترد على جميع القضايا الأمنية التي طرحتها إسرائيل ويبدو أن الإدارة الأمريكية تمتلك وتطرح حلولا تكنولوجية لكل هذه القضايا وصولا إلى المستويات التكتيكية الحقيقية حيث تعرض الولايات المتحدة أفضل واخر تكنولوجيا حصلت عليها الإمبراطورية الأمريكية لأجل حل القضايا الأمنية التي تتذرع بها إسرائيل وهي مستعدة أيضا لاقتراح نشر قوات أمريكية وقوات دولية للحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية في الضفة الغربية حسب تعبير الموقع العبري.
وحتى نفهم الخطة الأمريكية يجب العودة عشرين عاما للوراء وتحديدا إلى أيام اتفاقية اوسلو التي وقعها ياسر عرفات ورابين رغم انف الجيش الإسرائيلي ولم تبدأ المحادثات الأمنية سوى بعد بلورة الاتفاق الذي حدد اتفاقيات مرحلية صنفت أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث أنواع او فئات B, A,C وقضى الاتفاق بإلغاء كافة الاتفاقيات المرحلية فور دخول الاتفاق النهائي حيز التنفيذ ولا زال جزءا من هذه الترتيبات ساري المفعول حتى الان فيما تبخر وانهار الجزء الاخر مع مرور الزمن.
انتهت المحاولة الأولى لبلورة اتفاق نهائي بفشل مدو لتنفجر الانتفاضة الثانية بعد أشهر قليلة فقط من فشل قمة كامب ديفيد بين ياسر عرفات واهود باراك في تموز من عام 2000 حيث اقترح اهود باراك خلال هذه القمة حلا نهائيا يتضمن ترتيبات أمنية تستجيب لمصالح إسرائيل الأمنية لفترة لا تقل عن 20 عاما وبعد 8 سنوات تقريبا حاول اهود اولمرت على هامش ولايته كرئيس للوزراء التوصل الى اتفاق نهائي مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن عبر محادثات مؤتمر " انابوليس" وتركزت المحادثات في قضايا مثل مكانة القدس وتبادل الأراضي بهدف تعديل الحدود وكذلك قضية اللاجئين وتراجعت القضايا الأمنية عن واجهة المفاوضات.
واتهم نتنياهو فور صعوده لمنصب رئاسة الوزراء وفي محادثات مغلقة أجراها مع مقربيه رئيس الوزراء السابق "اولمرت" ببيع مصالح إسرائيل الأمنية خلال مؤتمر " انابولس "ولهذا طلب نتنياهو من الجيش الإسرائيلي الشروع فورا بعمل متكامل على كافة المستويات لتحديد احتياجات ومصالح إسرائيل الأمنية الواجب الاهتمام بها خلال أية مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين على أن يكون رد الجيش الإسرائيلي على طلب نتنياهو ردا كتابيا على شكل كراسة وبدأ العمل الشامل في هذا السياق إبان تولي قائد سلاح الجو الحالي " امير اشل " مسؤولية قسم التخطيط وانتهى العمل بصياغة المصالح الأمنية بشكل مفصل ودقيق للغاية حسب تعبير موقع " معاريف".
حدود وأسئلة:
ورغم العمل الشامل والمتكامل الذي قام به الجيش لا زالت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعيدة جدا عن بلورة موقف واحد وموحد حول القضايا والمصالح الأمنية أو أية قضية أخرى تتعلق بالمفاوضات كما اعتاد الجيش على تقديم للمستوى السياسي تشكيلة واسعة من الحلول المهنية المتعلقة بكل قضية وأمر لكن يبقى موقف المؤسسة الأمنية واضحا وجليا بشكل أساسي ومبدأي.
ومن الطبيعي أن تكون قضية الحدود ومناطق سيادة الدولة الفلسطينية أول القضايا المركزية التي تطرحها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتعتبر حدود الخط الأخضر قضية تكتيكية صغيرة حيث يسير الجدار المحيط بالضفة الغربية بشكل أو باخر تقريبا حسب الخط الأخضر لكن ليس بالضبط حسب الخط الأخضر ولكن التعديلات التي دخلت على مسار الجدار هنا وهناك لن تغير من الحقيقة الطبوغرافية القائلة بان جبال شمال الضفة الغربية " تسيطر جغرافيا على قطاع من الساحل الإسرائيلي يقيم فيه 70% من سكان إسرائيل و يوجد فيه 80% من اقتصادها.
وتعتبر قضية الكتل الاستيطانية في جوهرها قضية سياسية وليست أمنية إذ تكمن الحاجة والمصلحة الأمنية الإسرائيلية الحيوية في منطقة الأغوار وهناك سببا مزدوجا لهذه الأهمية وفقا للموقف الأمني الإسرائيلي: الأول يتمثل بضرورة منع تسرب الأسلحة وخاصة الصواريخ إلى داخل مناطق الدولة الفلسطينية المستقبلية " كما حدث في قطاع غزة " والثاني يتمثل بقلق إسرائيل والجيش الإسرائيلي تحديدا من إمكانية انهيار نظام الحكم الأردني وبالتالي تشكيل جبهة شرقية تمتد من العراق وحتى من إيران وصولا إلى خط النار على طول نهر الأردن ومثل هذه الجبهة كانت قائمة في جميع حروب إسرائيل حتى حرب أكتوبر لذلك يريد الجيش الإسرائيلي الاحتفاظ بقوات قتالية في منطقة الأغوار تكون مستعدة لمواجهة كافة التطورات المتوقعة.
هناك قضية جوهرية تصر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عليها وتتمثل بضرورة سيطرة إسرائيل التامة على المجال الجوي بين النهر والبحر ويرى الجيش الإسرائيلي الاتفاق مع الفلسطينيين بما يختلف تماما عن أي اتفاق مع أية دولة أخرى إذ لا يمكن إدارة نظاميين للسيطرة على المجال الجوي الكائن في المنطقة الصغيرة التي تتقاسمها إسرائيل والفلسطينيين حسب التعبيرات الإسرائيلية حيث تصل الطائرة المقاتلة من ساحل البحر إلى نهر الأردن خلال عشرات الثواني فقط وهذا الأمر ينطبق تماما على مجال الاتصالات والبث اللاسلكي الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية والاتصالات المدنية حيث لا تهتم الموجات الالكترومغناطيسية بالخط الأخضر أو أية حدود وعوائق مصطنعة أخرى لذلك يطالب الجيش الإسرائيلي بالسيطرة التامة والمطلقة على هذا المجال أيضا.
وحين نصل الى التفاصيل نكتشف عددا لا نهائيا من القضايا والمطالب الأمنية مثل كيف تسيطر إسرائيل على ما يجري في المعابر الحدودية ؟ أية وسائل مراقبة وتجسس تمتلكها داخل الأراضي الفلسطينية مقابل الجبهة الشرقية ؟ ماذا سيحدث في حال مطاردة ساخنة ضد خلية نفذت عملية " إرهابية" في إسرائيل وفرت باتجاه الدولة الفلسطينية؟ هل يتوجب على الجيش وقف المطاردة؟ هل يحق للرئيس الفلسطيني امتلاك طائرات خاصة به؟ هل سيسمح لقوات الأمن الفلسطينية بحمل اسم ولقب " جيش" أو الاكتفاء بلق بـ شرطة فقط ؟ هل سيمتلك الأمن الفلسطيني ناقلات جند مدرعة ووسائل أخرى لمواجهة الإخلال بالنظام العام ؟ وكيف لهذه الوسائل أن تؤثر وتهدد بنسبة ما الأمن الإسرائيلي؟ كم من الوقت سيستمر نظام تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح إذا كانت فعلا مجردة؟ والاهم من كل ذلك ما هي الإجراءات والوسائل الأمنية التي يحق لإسرائيل اتخاذها في حال خرق الدولة الفلسطينية للاتفاقيات الموقعة؟
بوغي يعلون الشكاك
يبدو أن المستوى السياسي الإسرائيلي يشارك المستوى العسكري في تشاؤمه وسقف التطلعات المتدني فيما يتعلق بنتائج المفاوضات ويقف على رأس المتشككين العسكريين وزير الجيش بوغي يعلون الذي وصف قبل عقد من الزمان تقريبا أثناء توليه منصب رئيس الأركان اتفاقيات أوسلو بحصان طروادة الذي نجح ياسر عرفات بإدخاله إلى المناطق الفلسطينية بهدف شن الحرب على إسرائيل وبعد ان خلع ملابسه العسكرية وقبل دخوله المعترك السياسي ركز واشرف " يعلون " على عملية غير رسمية لصياغة المصالح والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية تلك العملية التي اشرف عليها الجنرال "عوزي اراد " رئيس قسم التخطيط في الجيش ورئيس طاقم المفاوضات الأمنية مع الفلسطينيين أثناء محادثات اتفاقية أوسلو وكذلك الجنرال غيورا ايلند من مجلس الامن القومي والعقيد اودي ديكل صياغة تمت عبر مركز " شالوم" بالقدس.
وكتب يعلون في مقدمة الوثيقة " طوال سيرتي العسكرية بما في ذلك فترة عملية اوسلو اهتممت كضابط في الجيش بمعالجة " الإرهاب " الفلسطيني والإسلامي المتطرف ووصلت الى قناعة نتيجة تراكم التجارب الشخصية العديدة والكبيرة بأنه من الأفضل لنا أن نواجه الإخطار الأمنية وان نتزود بنظام دفاعي جيد بدلا من الاستسلام للأحلام ".
والغريب ان شكوك يعلون لم تخبو مع مرور الزمن بل العكس هو ما حدث حيث أعرب عن تقديره بصفته وزيرا للجيش خلال نقاشات داخلية بأنه لا يوجد ادني فرصة حقيقة للتوصل إلى اتفاق بين نتنياهو وأبو مازن الذي رفض العروض التي قدمها اولمرت أثناء مؤتمر انابوليس.
المهم ان هذه المطالب والاحتياجات والمخاوف الأمنية تترجم من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى سلسلة طويلة ولا نهائية من المطالب المتعلقة بالتزود بأسلحة ومنظومات قتالية جديدة وطبعا الكثير من الأموال ولكن المخاوف تبقى حقيقية إذ قال رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال افيف كوخافي خلال حفل تخريج دورة ضباط استخبارات جرى هذا الأسبوع ان إسرائيل تخشى من سيطرة الإسلام المتطرف على سوريا بعد انهيار نظام الأسد إضافة إلى أسوأ أحلام المؤسسة الأمنية والمتمثل بانهيار الحكم الهاشمي في الأردن الأمر الذي سيحول الجبهة الشرقية إلى فكرة ممكنة وواقعية أكثر من أي وقت مضى وترى المؤسسة الأمنية بما يحدث في سوريا ومصر وغزة امرأ يمكنه ان يتكرر في الأردن ما يعني ويثبت صحة مبدأ التمسك بالمصالح الأمنية وعدم التنازل عنها.
رد تكنولوجي
ولدت الخطة الأمريكية الشاملة الهادفة إلى الاستجابة لمصالح ومتطلبات إسرائيل الأمنية الكامنة في أي اتفاق مع الفلسطينيين أثناء زيارة لنائب رئيس الأركان الأمريكي السابق الاسرائيل حيث اطلع على كراسة الاحتياجات والمصالح الأمنية الإسرائيلية التي أعدها قسم التخطيط التابع للجيش الإسرائيلي.
يميل الطرف الأمريكي حاليا إلى عدم قبول الموقف " غير الرسمي" الذي يطرحه نتنياهو في هذه المرحلة والقائل بان الترتيبات التي ستضمن مصالح إسرائيل الأمنية يجب أن تستمر لفترة 40 عاما على الأقل ولا يتم إلغاءها قبل أن تثبت الوقائع على ارض إمكانية الاعتماد والوثوق بالدولة الفلسطينية.
يمكن الافتراض بان الكثير من الحلول التكنولوجية التي يعرضها الأمريكان تعتمد على الأقمار الصناعية الأكثر تطورا وتقدما التي تستخدمها حاليا فقط الولايات المتحدة دون أي طرف أو جهة أخرى في العالم ويمكن لهذا الأقمار ان تعطي إنذارا وتحذيرا فوريا حول أي تحريك مهما كان صغيرا للقوات العسكرية من الشرق باتجاه إسرائيل إضافة إلى استعداد أمريكا تزويد إسرائيل بوسائل استخبارية أرضية على أمل أن ترضي إسرائيل وتكفي احتياجاتها الأمنية.
لكن المؤسسة الأمنية لم تبد اهتماما باقتراح نشر قوات دولية على المعابر الحدودية ومنطقة الأغوار حتى وان تشكلت هذه القوات بشكل كامل من قوات أمريكية لان التجربة وفقا للادعاء الإسرائيلي أثبتت عدم إمكانية الاعتماد على مثل هذه القوات حيث شكلت قوات الأمم المتحدة في سوريا ولبنان مثلا مصدرا للإزعاج كما انهارت قوة المراقبين الدوليين التي تم نشرها على معابر غزة عام 2005 بسرعة سيطرة حماس على الأرض
الحرب والسلام
هذا امر قد يحدث في كل لحظة ومن شبه المؤكد بان مفاوضات السلام المقرر أن تبدأ مع الفلسطينيين ستقرب موعد المواجهة القادمة التي ستكون إسرائيل طرفا فيها " يمكن ان نفهم الاستعداد الكبير الذي أبداه نتنياهو فيما يتعلق بالعودة للمفاوضات رغبة منه للتفرغ الى حل القضية الكبرى التي تواجهها إسرائيل والمتمثلة بمنع تحول إيران لقوة نووية تلك المهمة التي يرى فيها نتنياهو رسالته الشخصية ومهمته التي اجتباه الله لها ".
ويعتبر نتنياهو الضغوط الأمريكية الهادفة لاستئناف المفاوضات تبذيرا غير ضروري للطاقة والجهد خاصة وان الموضوع الإيراني سيعود خلال الأشهر القادمة إلى واجهة الإحداث وبالتالي فان إجراء مفاوضات عقيمة لا تقود لأي مكان قد تنهي الضغط الأمريكي.
لهذا يتضح بان نتنياهو تلقى بشكل مؤكد بعض الضمانات الأمريكية المتعلقة بالموضوع الإيراني مقابل موافقته على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين .
قال الدكتور " اليكس مينتس" من كبار محاضري مدرسة السلطة والحكم ورئيس معهد السياسات الإستراتيجية في مركز "هرتسيليا" الأسبوع الماضي " يبدو أن قرارا أمريكيا "بإطلاق الحبل " على طريق حل الموضوع الإيراني قد نضج بشرط ترك إسرائيل معالجة القضية وحدها دون تورط أمريكي مباشر بالقتال ".
وأضاف الدكتور " مينتس " : لقد اقتنع الطرف الأمريكي بضرورة مواجهة التهديد النووي الإيراني لكنهم يفضلون أن تتولى إسرائيل مهمة الهجوم رغم إن إسرائيل كانت تأمل بان تقوم الولايات المتحدة بمعالجة الموضوع لكن يبدو وبكل بساطة بأنهم " الأمريكان " سيسمحون لنا بالقيام بالمهمة بتوقيت مريح لهم ".
ومع ذلك هناك سيناريو يأخذه الجيش الإسرائيلي بالحسبان ويتمثل بارتفاع منسوب الإحباط الفلسطينيين في حال فشلت المفاوضات ما قد يدفع الأوضاع نحو انتفاضة ثالثة لكن الجيش الإسرائيلي يستعد هذه الأيام لخوض الجنب الأمني من المفاوضات المتوقعة.