زكي: الجلاء التام عن أراضي دولة فلسطين المحتلة مقابل الأمن
نشر بتاريخ: 17/08/2013 ( آخر تحديث: 17/08/2013 الساعة: 23:39 )
بيت لحم- معا - في حوار صريح وشامل مع عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حول الاسئلة المثارة في هذه المرحلة بشأن الاوضاع العربية والفلسطينية وسير المفاوضات الجارية، أوضح الاسباب التي اوجبت العودة اليها في ظل المعارضة الواسعة من بعض الاطراف الفلسطينية والاسرائيلية معا، وشرح بوضوح تام الظروف والمعطيات التي تحكمها، وذلك بخبرة القائد العالم بتفاصيل الامور والضليع في بناء معادلات القوة والنهوض في الظروف الصعبة، والمجافية لكل انجاز او تقدم في العمل الفلسطيني والعربي.
واكد على ضرورة التوحد حول مكتسبات قضيتنا الوطنية وتوظيف كل الجهود المحلية والدولية لانجاز اتفاقية جلاء تليق بحقوق شعبنا وتمكنه من بناء دولته المستقلة على ارضه الفلسطينية، وفتح الافاق لتفكيك وحل كل القضايا العالقة وانهاء الظلم التاريخي الذي وقع على كاهل شعبنا الفلسطيني ، بحكم الاعمال القاهرة والغزو والعدوان الاسرائيلي.
النص الكامل للمقابلة
س : اخ عباس وانت المناضل الوطني المعروف من جيل بناة الثورة الذي عاصر كل تفاصيل القضية الفلسطينية ، ومضى على وجوده ما يزيد عن ربع قرن عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح ، الفصيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وقائد نضالاتها التحررية لاسترداد الشخصية الوطنية الفلسطينية من واقع التشرد والتشتت واللجوء واسترداد الوطن الطبيعي لهذه الشخصية وبناء استقلاله ، فهل لكم ان توضحوا لنا الرؤية الفلسطينية من المفاوضات الجارية والثوابت الوطنية التي تحتكم اليها والافاق والنتائج المترتبة عليها؟
ج : الرؤية الفلسطينية التي تحكم المفاوضات هي الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف ، والتي شرعتها لنا الامم المتحدة في اليوم التالي لاعترافها بفلسطين دولة تحت الاحتلال ، واكدها اعلان المجلس الاعلى لحقوق الانسان المنبثق عن الجمعية العامة للامم المتحدة ، والذي عرف باعلان بروكسل لتشريع حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، وبالتالي فان المفاوضات الجارية الان هي مفاوضات جلاء الاحتلال عن اراضي دولة فلسطين المحتلة التي اعترفت بها الامم المتحدة ، وشرعت لها حق السيادة التامة على وحدتها الاقليمية وحدودها السيادية كما هي واردة في وثيقة طلب الاعتراف بها دولة مستقلة على خط الرابع من حزيران عام 1967 ، وهذا امر مفروغ منه ومقطوع فيه بالارادة الدولية وحصانة الحدود الاقليمية للدول الاعضاء في الامم المتحدة ، لذلك يتم التفاوض الان على جلاء الاحتلال وابطال اثاره واجراءاته على اراضي دولة فلسطين ، وليس اعادة انتشار قواته المحتلة داخل الحدود الاقليمية لهذه الدولة ، ومن ثم ازالة استيطانه الاستعماري عن اراضيها وليس محاصرته او الحد من انتشاره ، اما تامين حق عودة اللاجئين الى ديارهم فقد نص اعلان الامم المتحدة المذكور أعلاه على وجوب تطبيق القرار الدولي رقم 194 بهذا الشان ، وحمل حكومة الاحتلال الاسرائيلي المسؤولية الجزائية عن التاخير في تطبيقه ، وهذا يعني تقديم الاحتلال والقوى الداعمة له الى محكمة الجنايات الدولية التي تعتبر جريمة الاجلاء والترحيل للسكان الاصليين عن ديارهم واملاكهم جريمة حرب ضد الانسانية، وبالتالي علينا ان ندرك تماما اننا في المسافة الاخيرة من مربع استرداد حقوقنا كافة ، وان القيادة الفلسطينية متمسكة بكل اوراق الحق الفلسطيني وثوابت القضية الفلسطينية والقانون الدولي والشرعية الدولية ، التي تم تامين كل مكتسبات نضالنا الوطني في اطارها والتسلح بها بديلا عن النفي والالغاء والتشرد والتشتت والوصاية على فلسطين ، او الانابة عنها في استرداد حقوق شعبها المسلوبة.
س : هل التمسك بالحق والتسلح بالقانون الدولي وتوظيف كل الجهود وتركيزها في اطاره يكفي لانتزاع هذ ا الحق واسترداده الى اصحابه الشرعيين ، ام ان الامر يقتضي استخدام وسائل اخرى ؟
ج : معكرتنا مع الاحتلال هي معركة حق ومعركة قوة الحق في التاريخ ، وليس حق القوة في نفي التاريخ وابطاله ، وبالتالي فإن الثبات على الحق والصمود في وجه القوة القاهرة ، هو القاعدة الطبيعية التي تستقيم عليها ثوابت التاريخ نفسه ، وينتفي على اساسها الطارئ والمغتصب للطبيعة والحياة معا ، ولايضاح هذه الحقيقة والوصول الى حد اليقين في معرفتها ، والايمان بها لا بد من الكشف على كل المظاهر العدوانية للصراع العربي الاسرائيلي وفقا للابعاد الحقيقية التي تاسس عليها هذا الصراع ، واجراء اختبارات موضوعية للفشل او النجاح الذي تحقق في سياقها ، ومن ثم الوصول الى النتائج التي تقرر موقع كل طرف من اطرافه على قاعدة الحياة الطبيعية والسلوك الطبيعي باتجاه الاخرين ، وليس سلوك القهر والعدوان والاغتصاب لحقوقهم بالقوة والاكراه المسلح.
لقد افشلت قوة الحق الفلسطيني اضخم مشروع استعماري عدواني في تاريخ البشرية ، واخضعته لقواعد الحق والانصاف والعدالة الدولية في بناء الحياة الطبيعية لشعوب المنطقة، رغم اسلحة الدمار الشامل التي يملكها هذا المشروع ، ورغم النظريات التعبوية التفوقية التي تاسس عليها ، ولا زالت هي المحرك لشهوة عدوانه على الاخرين.
س-كيف يمكن ان تحقق المفاوضات تقدما في ظل الاستيطان الذي يغزو الارض الفلسطينية؟
ج-اسرائيل بدات عام 1948 مستوطنة وتوسعت ،وبالتالي لدينا موقف مدعم بقرارات دولية ان كل الاستيطان غير شرعي خاصة ما بعد الاعتراف المتبادل والاقرار دوليا بحدود الرابع من حزيران حدودا للدولة الفلسطينية مع الالتزام بقرارات الشرعية الدولية حول قضايا الحل النهائي كاللاجئين والحدود والقدس والمياه والامن والسيادة وغيرها.
ومن هنا علينا الاستعداد للمواجهة مع الاستيطان وان نحصن جبهتنا الداخلية لاننا امام احتلال يسعى الى اللعب على عامل الوقت لفرض سياسة الامر الواقع على الارض وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية.
ان اعلان اسرائيل عن بناء 980 وحدة استيطانية في مستوطنة جيلو ضمن قرار الحكومة الاسرائيلية بناء 1200 وحدة استيطانية وقبلها 800 خلال فترة اسبوع واحد يكشف حقيقة نوايا حكومة ليس لديها مشروع سلام بل تعمل على تكريس الاستيطان وتغيير معالم الارض وتهويد القدس الامر الذي يتطلب قراءة دقيقة لما حصل في عملية الاستيطان والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر ووضع الخطط الكفيلة باخراجهم كما خرج ذوو الاقدام السوداء الذين رفضتهم فرنسا قبل غيرها وسيرفض المستوطنون في فلسطين حتى من الاسرائيليين انفسهم لانهم سيفتحون ابواب الشر لاحقا على اسرائيل لانهم السبب في تدمير عملية السلام.
س-ماذا بخصوص ملف الاسرى؟
ج-قضية الاسرى هي هم كل فلسطيني وفلسطينية ،والافراج عن الاسرى القدامى في اطار قائمة من 104 اسرى ذات قيمة كبيرة لان أولئك الابطال لم تشملهم صفقات سابقة ،ونحن استطعنا كسر الفيتو الاسرائيلي ضد الاسرى من القدس ومن اراضي 48 ولدينا موقف ثابت نرفض من خلاله اي استثناء لهم باعتبارهم اسرى حرية ينتمون الى شرعية البندقية الفلسطينية.
كما اننا نرفض اي ابعاد لاي اسير من اسرانا وهذه بداية لفتح الباب امام اطلاق سراح كل الاسرى من سجون الاحتلال بعيدا عن المعايير الاسرائيلية الظالمة وفي مقدمتهم الاخ مروان البرغوثي واحمد سعدات امين عام الجبهة الشعبية وكافة نواب الشعب في الاسر الاسرائيلي والقيادات من مختلف الفصائل والانتماءات.
س : كيف لنا ان نقرر ان الحق الفلسطيني افشل اضخم مشروع استعماري عدواني على المنطقة ونحن ما زلنا واقعين تحت الاحتلال، وما زال شعبنا مشردا في مخيمات الشتات، الا تعتقد ان هذا الفشل مازال نظريا حتى الان ، وان الاحتلال والعدوان على الشعب الفلسطيني هو سيد الموقف ، وان مشروع العدوان هو في قمة نجاحه وفرض شروطه على المنطقة جميعها ، وليس العكس من ذلك؟
ج: في الكشف عن مظاهر العدوان لمشروع الاحتلال الاسرائيلي الذي اطالب الجميع باجرائه لا بد من التوقف عند الابعاد التالية لهذا المشروه ، من اجل معرفة الفشل الذي مني به ، وليس التمسك بالاحكام السطحية التي يشيعها غير الدارسين للحقائق والمعطيات العملية عن هذا المشروع ، وهذه الابعاد هي:
1 : البعد المحلي لمشروع العدوان الاسرائيلي على فلسطين والذي كان يقتضي اقتلاع الشعب الفلسطيني واجلائه وترحيله بالقوة والاكراه المسلح ، واقامة الة عدوان مكانه وتهويد فلسطين ارضا وشعبا وعلاقات انتاجية وثقافية واقتصادية ، ونفي والغاء وجود الشعب الفلسطيني من التاريخ ، وعدم الاعتراف باي كيانية سياسية فلسطينية ،بل واكثر من ذلك حين ادعوا ان فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض،وذهبوا الى اعلان مواقفه بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية التي نعتوها بالارهاب خاصة مع تفجر الانتفاضة الكبرى التي صنعت البطولة واحتلت ادمغة العالم واجبرت اسرائيل على الجلوس على طاولة التفاوض رغم انها في اقوى تحالف في قيادة العالم، فاين هم الان من كل ذلك ؟ وما هي المظاهر الاساسية للصراع الدائر داخل فلسطين او عليها ؟ وهل تم فعلا نفي والغاء وجود الشعب الفلسطيني من التاريخ ؟ ام ان الشعب الفلسطيني صمد في وجه العدوان وتمكن من استرداد شخصيته الوطنية كاملة ، واجبر العالم على الاعتراف بها ، وتشريع حقوقها اسوة بكل الشعوب الحية والاصيلة في التاريخ ، لذلك لا بد وأن نقتنع بان صمود الشعب الفلسطيني لاسترداد شخصيته الوطنية قد افشل تماما البعد المحلي لنشاط مشروع العدوان على ارضه وحقوقه ، وابطل كل الابعاد المحلية لهذا المشروع ونقل اخطار الوجود الى شخصية المعتدي والغاصب لحقوقه وفرض عليه الانكفاء عن عدوانه والانخراط في مسارات استرضاء الضحية وفتح الافاق لارجاع حقوقها.
2 : البعد المتعلق بوظيفة اله العدوان خارج حدود فلسطين والذي كان
يقتضي ممارسة الحرب ضد الامة العربية كل عشر سنوات مرة ، فاين هم من هذه الحرب بعد انكسارهم في بيروت عام 1982 ؟ الم تُفشل الثورة الفلسطينية بتلاحمها مع المقاومة اللبنانية الدور الوظيفي لالتهم العدوانية خارج حدود فلسطين ؟ وتقضي بذلك على التوسعية العسكرية واحتلال اراضي الغير بالقوة والاكراه.
لقد فشلت هذه الوظيفة تماما ، ومثلما شكل عدوانهم اداة ضغظ على الامة العربية لابقائها تحت الهيمنة والنفوذ الاستعماري ، فقد تطورت هذه الامة في مواجهتهم واحباط عدوانهم وافشاله ، وستفشل قريبا كل توابع هذا الدور وادواته المحلية التي اخذت على مسؤوليتها القيام بالمهمة بعد افشال الوظيفة الاسرائيلية في هذا الشان ، سيما قوى الاسلام السياسي وسلالاته الارهابية الفالتة من عقالها ، التي حلت مكان الالة الحربية الاسرائيلية في تدمير مقدرات الامة العربية وتفتيت جيوشها وقوتها القادرة على ردع العدوان.
3: البعد الدولي لوظيفة الة العدوان خارج حدود الوطن العربي والتي كانت تقتضي ضرب حركات التحرر في اسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية ، ودعم الانظمة الرجعية والعنصرية في بلدانها ، فاين هم من هذه الوظيفة الان ؟ واين هي حركات التحرر المستهدفة من عدوانهم ؟ الم تنتصر شعوب هذه القارات على عدوانهم ؟ ان مشروعهم قد انتهى دوره سيما في عصر العولمة ، وشرعياتها الشعبية الديمقراطية واندفاع الملايين الى الشوارع من اجل تغيير احوالهم ، ورفع الظلم والاضطهاد الواقع عليهم ، ولم يبق امامهم سوى الخضوع للارادة الدولية ، والتكيف مع النظم والافكار الانسانية المتولدة عن المرحلة التاريخية التي تعيشها البشرية جمعاء الذي لا بد من احترامه ، وهذه هي بداية الاحتواء العالمي لهذا العدوان ، والركوب في قطاره لخنق الاحتلال وتصفية آثاره على الارض الفلسطينية.
س: هل ثمة ما يمنع الاسرائيليين من احتواء فشلهم في الابعاد التي ذكرتها ، ومن ثم تحويل مكاسبهم في مرحلة العدوان الى مكاسب دائمة في مرحلة السلام ، ويتم بعد ذلك تصفية القضية الفلسطينية وانهاء الصراع لصالحهم دون جلاء الاحتلال؟
ج: لو كانوا قادرين على احتواء الفشل الذي ذكرته لما اخذوا بالاسباب الأخرى ، سيما وان الفشل هو في اركان الوجود للعدوان ، وفي المبنى الاساسي للدور الذي وجدوا من اجله ، هذا فضلا على ان الكينونة الفلسطينية قد اتمت بناء نفسها وبناء دورها في التاريخ ، واصبحت جزءا لا يتجزأ من الاسرة الدولية ، والمنتظم الدولي ولها ما للاخرين من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات ، وقد اشغلوا كل اّلتهم الحربية وكل اعلامهم وامكانياتهم في تدمير الكينونة الفلسطينية بعد تعطيل دورهم العدواني على الامة العربية ولم يتمكنوا ، وها هم ومنذ بيروت وحتى اليوم يصبون حممهم البركانية علينا دون فائدة ، فنحن نتقدم وهم يتراجعون وينبذون ويعزلون محليا ودوليا وليس امامهم من مخرج غير ارجاع الحقوق الى اصحابها الشرعيين ، والانكفاء عن عدوانهم الى الابد.
س : ماذا لو تمخض الجبل وولد فأرا كما يقول المثل الدارج ؟ وافضت المفاوضات الى وجود محمية إسرائيلية في الضفة الغربية الى جانب محمية قطاع غزه التي تحكمها حركة حماس بقوة الامر الواقع ؟ او انتهى الامر الى توسيع صلاحيات السلطة الوطنية لتشمل المزيد من السكان دون جلاء الاحتلال وتصفية اثاره؟
ج: مع احترامي لغباء الاحتلال في موضوع المحميات فان محمية سعد حداد وانطون لحد قد انتجت صواريخ ما بعد حيفا ، وكذلك محمية قطاع غزة التي انتجت صواريخ ما بعد مدينة القدس ، اما محمية صحراء سيناء وكف يد الدولة المركزية المصرية عن تصريف شؤونها فقد انتجت الارهاب المعولم ، الذي يهدد الامن القومي للطرفين على حد سواء ، لذلك نقول للجميع ان عصر المحميات الاسرائيلية قد ولى بلا رجعه ، ولا بديل عن الجلاء التام مقابل الامن التام لكل شعوب المنطقة ، وقد دفع الجميع ثمنا باهظا نتيجة لانجراره خلف غباء الاحتلال في هذا الشأن ، ولا اعتقد ان اي عاقل يقبل ان تكون بلاده محمية امنية للغير، فان هذا التفكير قد انتهى من ثقافة المنطقة ولم يعد هو الاطار الموضوعي لبناء التصورات حول الامن والسلام فيها .
س: بمناسة الحديث عن صحراء سيناء ، ودور الدولة المركزية المصرية في بسط سيطرتها على وحدتها الاقليمية ، هل ثمة دور اخر لمصر خارج حدودها الاقليميه خلال هذه المرحلة ؟ ام انها ستنشغل طويلا في اوضاعها الداخلية؟
ج: مصر والسعودية ركيزتا المرحلة الجديده في النهوض العربي ، واعادة بناء الدور في اطار تكتلات العصر الذي فقدته الامة العربية منذ عقود ، وقد مكنت تجربتهما على هذا الصعيد من خوض حرب اكتوبر المجيدة ، واعمار مدن القنال الذي دفع المغفور له الملك فيصل شهيد القدس ثمنا لها ، لهذا نعتقد جازمين ان نهوض مصر يعني نهوض كل الكبار في بلادنا العربية ونهاية عبث الصغار في الامن القومي العربي ، وفي المقدمة منه والاساس امن القضية الفلسطينية التي يتوحد عليها الوجدان العربي ، وتبنى على اساس دعمها واسنادها المواقف والتصرفات الوطنية السليمة ، وبالتالي لن تكون فلسطين وحيدة في مفاوضات الجلاء ، وستكون معها قوة امتها العربية من المحيط الى الخليج ، انطلاقا من وحدة الموقف المصري السعودي من حولها ، حيث ستغير هذه الوحدة وجه المنطقة بالاتجاه الافضل ، وتعيد الهرم الى قاعدته الطبيعية في العلاقات العربية الداخلية ، وانهاء الخلافات العالقة التي سببها التدخل الخارجي في شؤون الوطن العربي ، وتمكن من انشاء كتلة اقتصادية اجتماعية سياسية عسكرية تعيد للامة العربية دورها في تكتلات العصر والنظام الدولي الجديد ، والذي يتولد الان بعيدا عن هيمنة القطب الواحد وسياساته الاحادية حيال كل القضايا الدولية في العالم وليس فقط قضايا الشرق الاوسط ، ومحورها الاساس القضية الفلسطينية.
س: الا ترى أن اعباء النهوض اكبر من قدرة مصر والسعودية على حمله في هذه المرحلة وخاصة بعد تدمير العراق وليبيا واشغال اليمن وتونس في صراعات داخلية لا طائل منها ، ووضع سوريا على سكة التقسيم والحرب الاهلية التي تدور رحاها منذ ما يزيد عن العامين والنصف ، الى جانب اخطار التدخل الفرنسي في مالي ، وارتداده على الاوضاع الداخلية للجزائر والدول العربية في الشمال الافريقي على حد سواء؟
ج: نهوض مصر أنقذ سوريا من مخطط التقسيم والحرب الاهلية ، وافشل مشروع الفوضى الخلاقة ، وكشف نوايا ادواته الفاعلة واخطارها على البلاد العربية ، سيما الاسلام السياسي الذي هو القوة الاميريكية الناعمة لاخضاع الشعوب وتطويعها لخدمة اطماعها في ثرواتها القومية ، حيث لم يتم استخدام هذا الاسلام عبر تاريخه الطويل في غير الصالح الاميريكي والصالح الاستعماري الغربي على وجه الاطلاق ، وبالتالي فقد فشلت هذه القوة في اخضاع شعوبنا لمخططاتها العدوانية ، ويجري الان ازاحتها عن مشهد النهوض العربي والتعامل معها بصفاتها الحقيقية كشبيه للاستبداد السابق الذي كان يحكم البلاد العربية قبل هذه المرحلة ، وكسب سوريا في معادلة القوة العربية الناهضة بدلا من خسارتها بما يعزز الصالح العربي بشكل عام.
إن علينا التشبث بنهوض العملاق الاقتصادي السعودي الخليجي، الى جانب نهوض العملاق الاجتماعي العسكري الثقافي المصري ، الذي هو محور الوجود العربي في الشرق ، واصل وحدة الامة العربية وسلامة اقطارها، وبالتالي ستشهد الاشهر القليلة القادمة تغييرات عميقة في بنية المشهد العربي بصورة عامة وتغيرات عميقة ايضا في العلاقات العربية العربية والعلاقات العربية مع الجوار وخاصة بعد سقوط مشروع العثمنة التركي الاخواني وافشال حروبه المذهبية والطائفية ، وانحياز المشروع الايراني لقواعد حسن الجوار ، وانخراطه في كتلة بريكس التي تقودها الصين الشعبية وروسيا الاتحادية ذات المصالح الحيوية في البلاد العربية.
س: ان التفاؤل الذي تبديه حيال المرحلة القادمة يدفعنا الى السؤال التقليدي في هذا الشأن ، الا وهو ماذا علينا كفلسطينيين أن نعمل كي نكون مؤثرين في هذه المرحلة ، وجديرين بدعم امتنا العربية والعالم وقادرين عبر هذا الدعم على انجاز اتفاقية جلاء عن اراضي دولتنا المحتلة وتأمين حق اللاجئين في العودة الى ديارهم؟
ج : علينا ان ندرك اولا اهمية المحافظة على مكتسبات قضيتنا الوطنية كافة ، وأن لا نحيد في هذه المرحلة عن التساوق والتماثل مع الشرعية الدولية التي شرعت لنا الحق في الحرية وتقرير المصير ، وأن نغلق كل منافذ الدخول الى جبهتنا الداخلية او محاولات تحميلها المزيد من الضعف والارباك إن لم نكن قادرين على استرداد وحدتنا الوطنية عبر الجهود المبذولة من الجميع لاستردادها ، وان نصطف خلف قيادتنا الوطنية التي برهنت عبر مسيرتنا التحررية الطويلة انها جديره بقيادة شعبنا الفلسطيني والتمسك بحقوقه ، وأن نستنفر كل قوتنا وامكانياتنا لتوضيح مطالبنا في مفاوضات الجلاء للرأي العام الداخلي والخارجي ، وبالتالي علينا الانتقال بكل ادوات نضالنا ومهماتنا الى مربع الضغط الدائم والمستمر لانجاز الجلاء وانتزاع استقلالنا ، وأن نكون جديرين بهذه المهمات الوطنية المقدسة.
ومن هنا علينا طرق ابواب الامم المتحدة من اجل نيل العضوية الكاملة لفلسطين بدلا من دولة بصفة مراقب والذهاب الى مؤسسات ووكالات المنظمة الدولية وهيئاتها لاستكمال العضوية فيها بالتوازي مع بذل جهود استثنائية لمواجهة الحملات الصهيونية الظالمة والحد من سيطرتها على الراي العام خاصة في الولايات المتحدة الاميركية.
كما اننا امام مهمة يجب ان تقود الى الارتقاء بوضع البعثات الدبلوماسية الفلسطينية بما يتماثل مع عدالة قضيتنا وعراقة شعبنا في الكفاح من اجل السيادة والاستقلال.
اما على الصعيد الداخلي وتحديدا منظمة التحرير فاننا مطالبون اكثر من أي وقت مضى بتفعيلها كجبهة وطنية قوية والتناوب في فعاليات المقاومة الشعبية بما في ذلك لفت انظار العالم للجهد الفلسطيني الميداني الذي اربك الاحتلال الاسرائيلي.
كما ان المطلوب الان هو قطع الطريق على دعاة القسمة في الجغرافيا والسياسة والانتظام بقانون مرحلة التحرر الوطني كاولوية وطنية.