ذاكرة لا تصدأ: موسم العودة إلى المدارس يُشعل حنين لاجئي الفارعة
نشر بتاريخ: 21/08/2013 ( آخر تحديث: 21/08/2013 الساعة: 16:29 )
جنين - معا - أعاد لاجئون فقدوا ديارهم الحياة إلى مدارس قراهم المدمرة، ورسموا خلال الحلقة الخامسة عشرة من برنامج" ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، صورة لمدارسهم، واستذكروا مناهجهم، ومقاعدهم، ومعلميهم. وقالوا إن عودة الطلاب لمقاعدهم كل عام تُشعل حنينهم لمدارسهم وقراهم المدمرة منذ النكبة.
وروى السبعيني هزاع عبد الرحمن الغول، قصة مدرسة الكفرين، التي تعلم فيها صفه الأول الابتدائي وكيف كانت محاطة بالأشجار، فيما علّم فيها الأستاذان نايف من بلدة يعبد، ونعيم دروزة من نابلس.
يقول: كنا ندرس في الصف الأول اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم، ولا زلت أحفظ الأبيات التي تقول: "أنا المحبوبة السمرا، وأجلى في الفناجين، وعود الهند لي عطر، وذكري شاع في الصين"، وكنا نتشارك 3 و4 طلاب على مقعد واحد، ولم تكن هناك مدارس للبنات، وذات مرة جاء طلاب وطالبات يهود من نفس جيلنا للمدرسة، ولم نسمح لهم بالدخول، ولحقناهم بالحجارة، وطردناهم من البلد.
|234181|
محفوظات لا تُنسى
بينما يسترجع محمد اسعد إسماعيل( أبصر النور في الكفرين المجاورة لحيفا عام 1930)، قصة المدرسة التي كانت تضم أربعة صفوف، كل واحد منها بطول ستة أمتار وبعرض مماثل. يقول: كان عددنا أربعة عشر طالباً، ولا أنسى الأستاذ أبو نزار العكاوي، وعبد الغني من طولكرم، وتعلمنا القراءة والقرآن والحساب، ولا زلت أحفظ جداول الضرب من الصف الأول حتى اليوم، أما في دروس العربية فنشدنا كثيراً، وأحفظ:( للورد عندي محل، لأنه لا يمل، كل الرياحين جند، وهو الأمير الأجل، إن غاب عزوا وباهوا، حتى إذا عاد ذلوا).
يزيد: من كان يريد منا أن يكمل بعد الرابع، يذهب إلى مدارس عكا، وحين يعود بعد الصف السادس، تقام له الاحتفالات والأعراس. ومما لا أنساه ترتيبي في الصف، فقد كنت الأول، ثم بعدي محمد سالم، والثالث محمد عيسى موسى، والرابع محمد الكايد، فمحمد الهويدي وقريبه ذياب، ومحمود علي أبو علي. ولا أذكر أننا تعلمنا اللغة الإنجليزية، ولكن من كان منا يختم الصف السادس، يصبح معلماَ.
|234182|
كتاتيب وصفوف
ويكاد محمد صالح العرجا، الذي أبصر النور في بلدة الفالوجة بين غزة والخليل، يلم بتفاصيل مدرسة، حيث تعلم للصف السادس، قبل أن تقصيه نكبة عام 1948 عن الاستمرار.
يقول: كانت المدرسة كبيرة، وفيها 8 غرف، وهناك مدرسة للبنات، وقبل هذا كنا نذهب في سن الخامسة إلى كُتاب الشيخ عبد الحميد النشاش، الذي كان مُقعدا ويزحف على الأرض، ويمسك بعصاه الطويلة لمعاقبة من لا يحفظ دروسه، وعنده تعلمنا القرآن وبعض الدروس العربية. وبعد عام انتقلنا إلى كُتاب الشيخ جبر النجار، وكان متعلماً أكثر، حيث درسنا التاريخ القديم منذ العصر الحجري، ولم يكن التعليم عند الشيخين إلزامياً، ويتم مقابل أجر عيني.
يوالي: في سن السابعة، انتقلنا لمدرسة الحكومة، كان زينا البنطال القصير والكاكي اللون(صيفاً شتاء)، والقميص الكاكي أيضاً، والجوارب الخضراء، مع حلق الشعر. أما البنات فكن يلبسن الزي الأسود والقبة البيضاء، وأغطية الرأس، ويحملن حقائب من القماش، يصنعنها بأنفسهن.
ووفق العرجا، فقد كان ترتيب الصفوف يبدأ بالأول الابتدائي حتى السابع، ثم الأول والثاني والثالث الثانوي( أو مترك لندن)، ومن كان يجتازه يصبح عميداً ومسؤولاً عن الكليات، كحال قدري طوقان.
|234183|
معلمون ونشيد صباحي
يقص: من أساتذتنا سامي وزهدي أبو سفيان من غزة، وأكرم رزق، ورمضان حنفي من تل الترمس المجاورة، والشيخ على حنفي من غزة، والبقية من أبناء بلدتنا، بينما درّسنا الدين أحمد العقيلاني. وفي الطابور الصباحي، كان يختار الأساتذة سبعة أو ثمانية طلاب لنشيد العلم، فيرددون: "علمي يا علمي، يا علم العرب أشرقي، وأخفقي في الأفق الأزرق ، يا علم، يا نسيج الأمهات في الليالي الحالكات، لبنيهن الإباء، كيف لا نفديك ، كل خيط فيك، قطرة من دمعهن، خفقة من صدرهن، قبلة من ثغرهن، يا علم، سر إلى المجد بنا، وابني من الوطن، قد حلفنا للفناء، حلفة ترضيك، إننا نسقيك، من دماء الشهداء، من جراح الكبرياء، دمت للمجد سماء، يا علم"
ووفق العرجا، فقد كان مناهج الإنجليزية دسماً، ويبدأ من الصف الخامس، بكتاب اسمه( مورس )، ثم كتاب القراءة وكتاب مساند يضم المصطلحات والتراكيب الواردة في النص، ومن الدروس: حكاية الفراعنة، والأهم أننا كنا لا نتكلم في الصف إلا بالإنجليزية، وكان أستاذنا حسني محمد السعافين، بزيه وشماغه الأحمر وعصاه يدخل الرعب إلى قلوبنا، ويطلب منا أن نحفظ الدرس مثل أسمائنا.
يضيف: من القصص التي لا أنساها في المدرسة، كيف أننا وخلال حصة التعليم الزراعي، شاهدنا أفعى كبيرة، وكان جسمه مغطى بالزعانف، وهي أول مرة أرى فيها أفعى بهذا الحجم، وبقيت مرعوباً منها فترة طويلة، رغم أن الشبان ألأكبر مني قتلوها بالفؤوس.
|234184|
حكايات نسوية
وتسرد وطفة حسني ذويقان( المولودة بعد النكبة)، حكاية المدرسة قبل نكسة عام 1967، حين كانت تذهب إلى مدرسة المخيم المكونة من ست غرف أرضية، وتمتد الدراسة على فترات: الأولى من الصباح حتى العاشرة، ثم فسحة لتناول كأس من الحليب وحبة من زيت السمك، بعدها دراسة حتى الثانية عشرة، ثم استراحة غداء في البيت لساعة، فعودة للمدرسة حتى الثالثة.
تقول: كنا نتعلم العربية والحساب، ولم نأخذ الإنجليزية إلا بعد الصف الخامس، وكانت من تغيب عن الصف لأي سبب، تُحرم الاستراحة والغداء لثلاثة أيام، ومنعنا من صبغ أيدينا بالحناء حتى في أفراح إخوتنا وأقاربنا. وخشيت علينا عائلتنا بعد النكبة من الذهاب إلى المدرسة، وبخاصة أن إكمال التعليم كان يجب أن يكون في نابلس.
وتقص السبعينة زهية محمد عليان، المولودة في أم الزينات، قصة ضياع صفها الأول، فقد سكنت مع عائلتها في نخيم الجلزون، وكانت المدرسة باردة جداً، دون وسائل تدفئة، فرفضت الذهاب، وبقيت في الخيمة، ولم تدرس غير 15 يوم، وتستطيع اليوم فقط أن تكتب اسمها.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن "ذاكرة لا تصدأ" بعد خمسة عشر شهرًا على انطلاقه، سيشهد تغيرات في الشكل، وسيوفر فرصة للالتقاء بين الأجيال التي عانت مرارة النكبة والأجيال الشابة، وسينتقل لمواقع جغرافية في الوطن وفي الشتات، عبر استخدام قنوات التواصل التفاعلية، وسيطلق صفحة إلكترونية خاصة لهذا الغرض.
فيما ذكرت مسؤولة العلاقات العامة في اللجنة الشعبية ليلى سعيد، أن الذاكرة الشفهية تمنح الرواة الذين عاصروا جرحها فرصة للبوح، وتشعر الأحفاد بضرورة التعرف على تفاصيل الحياة الدقيقة في القرى المدمرة، بمدارسها ومزارعها ومهنها وأفراحها.