شركة استشارات اسرائيلية: لم يبق لسوريا ما تخسره في الضربة الأمريكية
نشر بتاريخ: 01/09/2013 ( آخر تحديث: 02/09/2013 الساعة: 09:50 )
بيت لحم- ترجمة معا- بعد أن تقلص الناتج القومي الإجمالي السوري إلى أكثر من النصف وارتفعت البطالة لتلامس نسبة 40% وتسببت أزمة القطاع الزراعي بضائقة الجوع ماذا بقي للسوريين كي يخسروه.
بهذا الملخص الإحصائي والنتائج السريعة استغل مدير قسم الأبحاث في شركة "انفو – فورد للأبحاث الشرق الأوسط" وهي شركة مصنفة إسرائيليا بأنها خاصة ومتخصصة في مجال الاستشارات الاقتصادية وتقديم النصح لرجال الأعمال "دورون فيسكن" في مقالته الطويلة التي تناول فيها الوضع السوري من زاوية اقتصادية – سياسية لم يتطرق لها احد حتى الان قاطعا نتائج مقالته عبر عنوان مختصر "الهجوم الأمريكي لن يؤثر شيئا على الاقتصاد السوري".
عودة للوراء يتضح لنا بان العامل الاقتصادي لعب دورا حاسما وأساسيا في إثارة الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد بداية آذار 2011 حيث انطلقت شرارة الاحداث من المناطق الريفية والقروية الأشد فقرا, تلك المناطق التي تلقت الضربة القوية والقاسمة الناتجة عن سياسات الأسد الاقتصادية ومع هذا فقد غيرت الثورة السورية وجهها وطبيعتها وارتدت رداء الدين والطائفة مع بروز عامل الجهاديين الأخذ بالتعزز والترسخ.
كان الوضع الاقتصادي السوري حين تولى بشار الأسد مقاليد الحكم عام 1999 الاسوأ على الإطلاق وشرع الأسد بمساعدة مستشاريه الاقتصاديين بسياسة اقتصادية أكثر ليبرالية "طبعا قياسا بسياسة ابيه" فصادق على قانون الاستثمار الأجنبي الذي يعج بالحوافز والتسهيلات وقام بخصخصة شركات حكومية "طبعا حولها في الأساس لملكية أشخاص مقربين من السلطة" وفتح النظام البنكي امام المستثمرين من القطاع الخاص ودشن سوقا سوريا للأوراق المالية وخفض الضرائب.
وبدأ الاقتصاد السوري يسجل علامات نمو منذ عام 2002 وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ورغم ان سوريا ليست من الدول الكبرى في مجال إنتاج النفط حيث وصل أقصى إنتاج لها 400 الف برميل يوميا مقابل 10 مليون برميل يوميا هو انتاج السعودية مثلا لكن النفط ساعد سوريا بشار على التقرب من الغرب لذلك شكلت دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا ايطاليا وفرنسا هدفا تصديريا مفضلا بالنسبة للسوريين.
وسجل الاقتصاد السوري في الأعوام 2004-2010 متوسط نمو وصل الى 5% حيث جذب الانفتاح على الاستثمارات وعذرية السوق السوري المستثمرين من دول الخليج التي تمتعت بأسعار نفط عالية وبوفرة مالية كبيرة وتم توجيه غالبية الاستثمارات الخليجية الى القطاع العقاري السوري ما ادى الى موجة ارتفاع أسعار كبيرة لأراضي البناء خاصة في المدينتين المركزيتين دمشق وحلب وبات حلم الشبان السوريين بسقف يجمعهم بعيد المنال واضطر الريفيون الذين هاجروا إلى المدن للاكتفاء بالضواحي الفقيرة على هوامش تلك المدن.
يبدو ان هذا بالضبط هو ما شكل بذور الثورة لان الانتقال من الاقتصاد التقليدي المبني على الزراعة إلى الاقتصاد الحديث المبني على الخدمات تم بسرعة كبيرة.
تمسك الرئيس السابق حافظ الأسد بشعار "خطوة خطوة" بكل ما يتعلق بالإصلاحات الأمر الذي عكس محافظته وحذره الشديد من الانفتاح لكن ابنه "بشار" قرر كسر القواعد بطريقة لا تلائم الاقتصاد السوري.
انخفض حجم الاستثمار بالقطاع الزراعي الذي يشكل سلة غذاء الريف السوري ومصدر خبزهم خلال فترة حكم بشار من 16% إلى 9% رغم ان القطاع الزراعي يشكل 20% من الناتج السوري كذلك سجلت الاستثمارات في قطاع الصناعة هي الأخرى انخفاضا كبيرا.
شكلت الفوائد الناتجة عن توجيه الاستثمارات نحو القطاع العقاري الذي لم ينجح بخلق الكثير من فرص العمل في السوق السورية التي يدخلها سنويا " 250 ألف شاب طالب عمل" بالنسبة لنظام الأسد قنبلة مؤقتة حيث وصلت نسبة البطالة قبل الأحداث وفقا للإحصائيات الرسمية إلى 9% فيما أكدت مصادر خاصة تسجيل البطالة قبل الأحداث نسبة الـ 25%.
بطالة هائلة... عجز حاد بالميزانية، ضائقة.. مجاعة
نمت عدم المساواة داخل المجتمع السوري خلال سنوات حكم بشار الأسد بشكل كبير وظهرت طبقة مقربة من النظام تمتعت بجميع خيرات البلد ومارست الفساد متعدد الوجوه الى جانب طبقة تضم غالبية الشعب السوري تئن تحت وطأة الحياة اليومية ومتطلباتها وتعاني من التضخم المالي الرهيب.
أظهرت بحوث جرى تنفيذها قبل 2011 أن 70% من السوريين عملوا بمتوسط اجر لا يزيد عن 275 دولار شهريا فيما يصل متوسط مصروف الأسرة السورية العادية إلى 650 دولار شهريا.
تم تخريب البنية التحتية الاقتصادية في أرجاء سوريا منذ اندلاع الأحداث قبل عامين ونصف وبمفهوم اخر فقد عادت سوريا إلى الخلف عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن مع ملاحظة صعوبة إحصاء الأضرار بشكل كامل وشامل لكن من الواضح الحاجة لسنوات طويلة ومساعدات دولية سخية حتى تتمكن سوريا من الوقوف على قدميها مرة أخرى على فرض بأنها ستنجح بالحفاظ على كيانها كدولة موحدة ولم تتفكك لمجموعة دولة صغيرة متنافرة ومتصارعة على أساس طائفي كما تبدو الأوضاع حاليا "شمال شرق سورية هناك الأكراد الذين شرعوا فعلا بتأسيس كيانهم على قطاع من الأرض السورية رغم تواجد عناصر القاعدة في تلك المناطق".
قدر الاقتصادي السوري "عبدالله دردري " وهو نائب رئيس حكومة سابق قبل عدة أشهر حجم الضرر الاقتصادي الذي أصاب سوريا في أول سنتين من الأحداث بـ 80 مليار دولار وتعاني سوريا من انخفاض حاد باحتياطيات العملة الأجنبية الامر الذي انعكس وتجلى بعجز كبير في الميزانية وعجز تجاري حاد وزادت الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية مثل تقييد الاتجار بالعملات الأجنبية وطباعة المزيد من العملة المحلية من معاناة المواطن السوري وزادت وضع السكان سوءا على سوء.
وصل الناتج القومي السوري في مرحلة ما إلى 60 مليار دولار لكنه انخفض خلال الأحداث بنسبة 50% فيما تلامس البطالة نسبة 40% وحتى نفهم حجم الكارثة يكفي أن ننظر إلى حلب بصفتها العاصمة الاقتصادية والصناعية لنرى بأنها في وسط جحيم المعارك منذ أكثر من عام وتفيد التقارير إلى إغلاق أكثر من 20 ألف مصنع صغير كانت تعمل في مجالات صناعة الأحذية والملابس وحتى لو استمرت هذه المصانع في العمل فان شبكات توزيع منتجاتها وشبكات النقل انهارت بشكل تام وشامل تقريبا.
كذلك تقلص إنتاج القطاع الزراعي الذي عانى الجفاف وتراجع نسبة الاستثمارات قبل عام 2011 لأكثر من النصف ما الحق ضررا بليغا بمصدر عيش 8 ملايين سوري عملوا في هذا القطاع أو اعتاشوا من الزراعة إضافة إلى أزمة غذائية ونقصا بالمواد الغذائية وبالتالي الجوع .
ولم يكن القطاع السياحي بأفضل حال حيث سجل هذا القطاع قبل الأحداث تطورا هاما وساهم بنسبة 5% من الناتج القومي السوري لكنه انهار تماما بفعل الأحداث وانهارت معه أكثر من 300 ألف فرصة عمل .
كل ما ذكر يقودنا إلى تقديرات سوداء وكئيبة تقول بأنه وفي حال استمرت الحرب بالوتيرة الحالية فان نسبة البطالة ستقفز إلى 60% حتى عام 2015 كما سترتفع نسبة الفقراء الذين يعيشون بـ 1.25 دولار في اليوم وستصل إلى 50% مقابل 12% نهاية 2010.
مصلحة روسيا في الحفاظ على نظام الأسد
لا شك بان الأسد نجح حتى اللحظة بالنجاة بنظامه وبنفسه بفضل حلفائه مثل روسيا والصين اللواتي منحنه المظلة السياسية وإيران التي قدمت له المساعدة العسكرية والمالية إضافة لمساعدات وتبرعات يتلقاها من دول مثل العراق وفنزويلا وحليفته لبنان.
يرتبط الدعم الروسي غير المشروط بمصالح اقتصادية متعددة ومتشعبة اذ تقدر قيمة المصالح الاقتصادية الروسية في سوريا بـ 20 مليار دولار إضافة لمبيعات الأسلحة ولا يتسع المقالة لذكر كافة الاستثمارات الروسية في سوريا لكن يكفي ذكر شركة النفط الروسية "تات نفط" وشركة سيوز نفط العاملتان في مشروع كبير للتنقيب عن الغاز والنفط قبل اندلاع المعارك وهناك شركات روسية عملاقة أخرى مثل " غاز بورم" التي استثمرت في مشاريع سورية عديدة كما سبق لشركة " روسك اتوم " أن أعلنت عام 2010 نيتها بناء المفاعل النووي السوري الأول الخاص بإنتاج الطاقة الكهربائية .
وتتجاوز المصالح الروسية في سوريا حدود قطاع الطاقة حيث وقعت شركة "طوبولوف" على سبيل المثال في أيلول 2011 اتفاقا لبناء ثلاث طائرات ركاب لصالح شركة الطيران السوري فيما انهمكت شركة بناء روسية أخرى بإقامة مجمع فنادق في مدينة اللاذقية الساحلية وبدا المشروع عام 2010.
ويخشى الروس فقدان هذه المشاريع في حال سقط النظام السوري خاصة في ظل التجربة التي عاشها الروس بعد سقوط القذافي حيث تجاهل النظام الجديد كل الاتفاقيات التجارية الموقعة مع روسيا.
ومن ناحيته يقوم الدعم الصيني على اعتبارات إستراتيجية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط يبدو العامل الاقتصادي فيه اقل مما هو في الحالة الروسية لكن هذا العامل يبقى موجودا أيضا في الحالة الصينية حيث شكلت الصين حتى اندلاع الأحداث اكبر شريك تجاري لسوريا ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى مليار دولار سنويا كما استثمر الصينيون خلال السنوات الماضية كثيرا في قطاع النفط واشترت الصين النفط السوري وواصلت هذا الشراء حتى العام الماضي في خطوة تشير الى الدعم الصيني للنظام أكثر منه حاجة لكميات النفط القليلة.
وتخشى إيران أيضا من سقوط نظام الأسد ورغم تشديد الكثيرين على أهمية سوريا الجيو- سياسية بالنسبة لإيران هناك أهمية اقتصادية أيضا حيث استثمرت إيران منذ ثورة الخميني أموالا طائلة في الأسواق السورية بدأت تأتي أوكلها قبيل اندلاع الإحداث.
تقليديا وجهت الاستثمارات الإيرانية نحو البنية التحتية وقطاع المواصلات العامة ووقع الطرقات أشهر عديدة فقط قبل اندلاع الإحداث اتفاقا بقيمة 10 مليار دولار لإقامة خط أنابيب مشترك لنقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى سواحل سوريا عبر العراق.