مركز "شمس" يقعد لقاء حول الأصول الفلسفية لمفهوم حقوق الإنسان
نشر بتاريخ: 15/09/2013 ( آخر تحديث: 15/09/2013 الساعة: 10:59 )
نابلس -معا - عقد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"ورشة عمل بعنوان "الأصول الفلسفية لمفهوم حقوق الإنسان"، في جامعة النجاح الوطنية ، وافتتح الورشة إبراهيم العبد من مركز "شمس"معرفاً بالمركز والمشروع ،وفي بداية اللقاء رحب في الحضور، مبيناً أن الورشة تأتي ضمن نشاطات مشروع: تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والحكم الصالح لدى طلبة الشريعة بدعم وتمويل من مؤسسة المستقبل.
من جانبه تحدث الدكتور علاء مقبول حول السياق التاريخي لحقوق الإنسان وقال أن المسيرة الفكرية والفلسفية لحقوق الإنسان لم تبدأ في غفلة من التاريخ فهناك أصول وأسس سابقة بنت عليها الحضارة الحديثة مفاهيمها عن حقوق الإنسان، كما لا يمكن القول بوجود لحظة محددة بدأت عندها الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان، ولكن في أغلب الظن فان هذه الأصول قد بدأت مع بداية تكوين حياة مشتركة لمجموعات البشر، ومن ثم فان هذه الفكرة ولو بصورتها البدائية هي فكرة قديمة قدم الحياة البشرية ذاتها وتمثل المدينة بأوجه الحياة المختلفة فيها والتي شكلت بدايات ظهور الدول في تاريخ العالم البدايات الأجدر بالبحث من خلالها عن تفاصيل محددة لفكرة حقوق الإنسان، إذ ترتبط قضية حقوق الإنسان بشكل جذري ومباشر بوجود هذا الإنسان نفسه. وعبر القرون الفائتة ومنذ أربعة وعشرين قرناً في الصين على سبيل المثال أسس الفيلسوف (موزى) المدرسة الموهية فلسفة الأخلاق التي أكدت على احترام الآخرين واحترام حقوقهم. ومن الهند انطلق جوتاما سد هارتا بوذا (560-480 ق.م) الذي مثلت الفلسفة الدينية التي نبعت من تعاليمه تحليلاً نسقياً لطبيعة المعاناة وأسبابها وتقدم العديد من الوسائل لقهر هذه المعاناة أو التغلب عليها.
وبين الدكتور مقبول أن حضارة وادي الرافدين وثقت أقدم قانون مدون في تاريخ البشرية المتمثل بـ (شريعة حمرابي) أشهر ملوك بابل حوالي عام ألفين قبل الميلاد، وقد استهلت المدونة بكلام إله الشمس الذي أملى على حمورابي مدونته حيث يقول (أنا حمورابي ملك القانون، واياي وهبني إله الشمس القوانين)، ويبدو أن هذه المدونة تتضمن تجميعا لتقاليد قانونية ترجع إلى عهد أقدم بكثير من العهد الذي وضعت فيه، وقد حرصت شريعة حمورابي على وضع النصوص القانونية التي توفر الحماية القانونية إلى كافة مواطني الشعب البابلي وقد ركزت على أصناف منهم لرفع الحيف والظلم. كما نجد لفكرة حقوق الإنسان أساسا متينا في جوهر الدين الإسلامي، فالبشر المنتشرون في القارات الخمسة أسرة واحدة انبثقت من أصل واحد ينميهم أب واحد وأم واحدة، لإمكان بينهم لتفاضل في أساس الخلقة وابتداء الحياة، وهذا ما أكده الرسول محمد عليه السلام في خطبة الوداع بقوله (أيها الناس، أن ربكم واحد، وان أباكم واحد، كلكم لأدم وادم من تراب، أن أكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لاحمر على أبيض ولا لأبيض على احمر فضل إلا بالتقوى، إلا هل بلغت، اللهم فاشهد).
وقال الدكتور مقبول أن مفهوم حقوق الإنسان لم يظهر في العصر الحديث. وإنما منذ العصور القديمة ففي تلك العصور شهدت مشروعية الرق بل حق الاسترقاق، والتعصب الإثني والديني والمذهبي ودونية المرأة، والنظرة الاستصغارية للطفل… الخ. ورغم أن معظم الديانات، وخاصة الديانات السماوية قد خطت خطوة في تحرير الإنسان من قيود النظرة البدائية وطورت شعوره النوعي بالتميز والكرامة، وجعلت الناس، مبدئيا، ونظريا، كائنات متماثلة، فإن تحول الحريات والحقوق الفردية والجماعية من دائرة الأخلاق إلى دائرة القانون لم يتم إلا ابتداء من القرن السابع عشر الميلادي. وبالتالي فإن العصور القديمة كانت تترى بالدعوات الأخلاقية إلى المساواة والأخوة والحفاظ على كرامة الإنسان وما على ذلك من الأخلاقيات الجميلة سواء في النصوص الدينية أو في التراث الأدبي للشعوب، ولكن الواقع المعاش كان حافلاً بضروب الاستعباد والتمييز، والاستصغار. فحتى القانون المدني الذي هو ابتكار روماني أصيل لم يعرف مفهوما مماثلا لمفهوم حقوق الإنسان.
وقال إن ما يسمى بالحقوق كحريات هي في النهاية حرية الممارسة السياسية، وحرية الممارسة الاقتصادية، وحرية الممارسة الثقافية وحرية الممارسة الفكرية. وهذه الحريات ليست حريات مطلقة، بل إن المبادئ والإعلانات والعهود الدولية والقوانين المحلية تضبطها، وتحدد شروط ومجالات وحدود تطبيقها بل إن حقوق الإنسان هي ضبط للحريات المطلقة للإنسان في الحالة المفترضة: حالة الطبيعة، لأنه إذا كانت الحرية حقا طبيعيا مطلقا للإنسان في الحالة الطبيعية كما تقول بذلك مدرسة الحب الطبيعي، فإن هذه الحرية متدورة للموت والاقتتال وهو ما يتطلب ضبطها في الحالة الاجتماعية للخروج بها من حالة أو إمكانية الحرب والاقتتال إلى حالة الاتفاق والسلام الاجتماعي. ولعل هذا هو المعنى الذي تقهم في إطاره قولة هيجل “بأن فكرة الحرية لا توجد بالفعل إلا في واقع الدولة".إن حقوق الإنسان، من حيث هي في جوهرها حريات يتم ضمانها أخلاقيا وتشريعيا، هي ضبط وتقنين لهذه الحريات في إطار تنظيم مجتمعي قائم، بتحويلها من مثال أخلاقي إلى واقع تشريعي ملموس.
وأوضح الدكتور مقبول على أن أولى إعلانات حقوق الإنسان نصت على وجود حقوق طبيعية للناس، أي حقوقا سابقة على وجود المجتمع والسلطة بحيث لا ينسخها ولا يلغيها أي نظام لأنها حقوق طبيعية بمعنيين: فهي من جهة مسجلة في طبيعة الأشياء، وهي من جهة أخرى مدونة في طبيعة الإنسان نفسها ومرتبطة بها. إنها حقوق جبلية راسخة في الطبيعة الإنسانية. فالفصل الأول من إعلان الحقوق فرجينيا (سنة 1776) ينص على أن “كل الناس خلقوا بالتساوي أحرارا ومستقلين. إن لهم حقوقا أكيدة، أساسية وطبيعية، لا يمكنهم، بأي عقد، التفريط فيها، وهي حق الاستمتاع بالحياة والحرية، مع وسائل الحصول على واجتياز ممتلكات والبحث عن كيفية الحصول على السعادة والأمن”.
وفي نهاية الورشة أوصى المشاركون بضرورة إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في مناهج التربية والتعليم والتعليم والعالي. وضرورة قيام منظمات المجتمع المدني بدورها لجهة تعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان.الاستفادة من خبرات وتجارب المنظمات الدولية والإقليمية في نشر ثقافة وتعليم حقوق الإنسان.وضرورة عقد المزيد من الأنشطة اللامنهجية لطلبة الجامعات .