فؤاد الرازم أسطورة هزت عروش الغطرسة الصهيونية يوما واليوم تهز مشاعر البشرية
نشر بتاريخ: 21/08/2005 ( آخر تحديث: 21/08/2005 الساعة: 16:39 )
معا- في أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين أبصر النور الشاب فؤاد قاسم عرفات الرازم يوم 9/12/1957، مفعم بحب فلسطين عاش فؤاد، عشقها حتى الثمالة و أراد أن يقدم لها مهرا يليق بقدسية ترابها و رحيق هوائها، فما أن أنهى تعليمه في كلية أصول الدين في بيت حنينا حتى هب فؤاد الرازم أو فواز كما اعتاد من يحفون به مناداته ملبيا نداء فلسطين المتواصل على مر الأجيال للفداء و ململما أنينها و جراحها بقلب حنون .
اعتاد فؤاد أن يؤدي صلاته في الأقصى الشريف و رغم حداثة سنه أصر على أداء فريضة الحج و لم يمض على عودته إلا أيام قليلة عندما هجم الإعصار الهمجي من جنود الاحتلال الصهيوني مقتحما منزله وعاث فيه فسادا و انتزع فؤاد في تلك الليلة القارسة البرد و العاصفة والأمطار يوم (31/1/1981) .
و تصل المفاجأة لكل من يعرف فؤاد ذروتها عندما يصل لعلمهم قائمة الشرف التي تذرعت بها سلطات الاحتلال لاعتقاله و إخضاعه لتحقيق مرير قاس و مؤلم و شديد يستمر أربعة أشهر متواصلة دون رحمة. فؤاد ابن الاثنين و العشرين ربيعا تعرض لموجات شرسة من التعذيب الوحشي وصل به إلى حالة صحية سيئة لانتزاع المعلومات منه و لكنه بشجاعة نادرة يقف كالصخرة متحديا جلاديه و لا يصدر عنه رغم كل الممارسات إلا مجموعة من الاعترافات المضللة و التي تضاربت مع اعترافات المجموعة التي أسسها و ضمت سبع أفراد هو زعيمها دون تحديد إطار فئوي معين في حينه بل كان الهدف الأول والأخير العمل الجهادي ومقاومة الاحتلال .
و في محاولة للضغط النفسي عليه يعتقل والد ووالدة فواز و يتعرضوا لمضايقات جعلتهم يدخلون المشفى فور إطلاق سراحهم، إذ جعلوا في غرفة تطلق هواء ساخنا و خانقا و رغم طرقاتهم المتواصلة على الباب لم يسمح لهم بالمغادرة إلا في الساعة الرابعة فجرا بعد أن فقدت الوالدة الوعي و أصيب الوالد بنوبات من الغثيان و القيء المستمر لساعات ليضطر الوالد و الوالدة على الرغم من المرض الذي اجتاحهما إلى أن يسيرا على اقدامهما أربع ساعات ليصلوا للبيت. و يرفض فؤاد الإدلاء بأي اعتراف يشفي غليلهم و غيظهم.
فيلجأوا إلى اعتقال شقيقته نبيلة "أم نضال" و هي والدة لطفلين حين ذاك مع والدته بالقوة . و إيهام فؤاد بالاعتداء عليهما لزيادة الضغط النفسي عليه، و تروي أم نضال تفاصيل زيارتها لفؤاد في ذلك الحين فتقول: "لم يكن الجالس و الشاحب و المتعب أمامنا هو أخي فؤاد بل شبحه لم يقوَ على الحديث إلينا كان جلده جاف و عيونه حمراء غائرة و كأن الزمن قد قطع معه شوطا كبيرا يتنفس بصعوبة و يلقى رأسه على صدره بإرهاق بين الحين و الآخر" و أضافت : "رغم معرفتي أن كل حديثنا سيسجل إلا أنني اقتربت منه و صحت فيه: "كلنا فداء الوطن، فؤاد لست الأول و لن تكون الأخير اصبر و اصمد و نحن معك بإذن الله"
و لم يكد يرتد صدى صوتها حتى هجمت كلاب المخابرات لتلقيها مع والدتها في غرفة مظلمة لاثنتي عشرة ساعة دون طعام أو شراب و خلال فترة وجودهما تنطلق صرخات كاذبة لإيهام فؤاد بالاعتداء عليهما .
و يأتي يوم المحاكمة لإصدار الحكم بعد 36 جلسة سابقة من الأخذ والرد واستجواب شهود ادعاء ضده بلغ عددهم 130 شخص في 9/6/1982 هذا اليوم سمح للوالدة فقط بالحضور و بقي أفراد أسرة فؤاد خارج مبنى المحكمة بانتظار إصدار الحكم و بشجاعة نادرة يتحدى فؤاد القاضي الذي كان مسلحا و يلبس بزة عسكرية و بعد النطق بالحكم الجائر القاضي بسجن فؤاد الرازم لثلاث مؤبدات و احد عشر عاما بتهم قتل جنود صهاينة و عملاء و حرق سيارات السماسرة و باعة الأراضي في القدس و تحضير العبوات الناسفة و التحريض و تجنيد الشباب في خليته فيهجم على القاضي مع احد زملائه و يحاول انتزاع سلاحه و لكن الحراس يرشونه بالغاز المسيل للدموع و يوسعونه ضربا حتى يفقد وعيه داخل المحكمة و يقيد و ينقل إلى سجن الرملة.
ويواصل الرازم كفاحه ضد الاحتلال حتى من خلف القضبان ليصبح عميد معتقلي حركة الجهاد الإسلامي في السجون الذي انتمى له من خلف القضبان أيضا في عام 1988و أصبح راعيا و محاضرا لفكره هناك لأنه رأى فيه تتويجا لفكره و موازاة لأهدافه النضالية و الجهادية و الدعوية ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم .
أما السجون التي تنقل فيها خلال خمسة و عشرون عاما فهي الرملة و عسقلان و بئر السبع و نفحة و شطة و عودة إلى بئر السبع مرة أخرى. فيستمر في عملية التعبئة و فضح جرائم العدو ضد أبناء شعبه في خطب الجمعة التي يلقيها فيكون عقابه قاسيا مريرا في عزله لشهور و منعه من الزيارات و التضييق على أهله.
خمسة و عشرون عاما قضاها فؤاد خلف القضبان لم تفت في عضده و لم تزعزع معنوياته بل ظلت محلقة في السماء صافعة غطرسة المحتل صباح مساء و كل يوم يشتد إصرارا بان الحق سينتصر و يوصي أهله في كل زيارة بكلمات رنانة قوية تنبع من إرادة فولاذية صلبة : " لا تتوسلوا لأحد بل الجأوا لرب العالمين فهو نصيرنا وهو مغيثنا و الفرج قريب بإذن الله لا بإرادة المحتل و الصبح قريب فاصبروا فاني صابر و محتسب "
والده الثمانيني و بصلابة لو وزعت على الحضور لفاضت عنهم في حفل أقامته حركة الجهاد الإسلامي في إقليم القدس بمناسبة مرور 23 عاما على اعتقال الرازم قال :" ان فؤاد وغيره ممن امضوا هذه السنوات الطويلة في السجون هم رمز وعنوان قضية الأسرى جميعا.. هم عنوان لهذا الملف المنسي المغيب.. وهؤلاء لا يمثلون فقط معاناة الأسرى في السجون، بل معاناة الآلاف من الأسر والعائلات في السجن الكبير ".وأضاف والده " المشكلة وما يؤلم حقا انه لم يتم التعامل مع قضية الأسرى منذ بدايتها بما تستحق من اهتمام وعزم.. ولو أن القيادة الفلسطينية اعتبرتها قضية مركزية لا تهاون فيها، لما كانت نتائج الأمور الآن بهذا المستوى من الألم والمعاناة.. وما كنا لنشاهد أسرى ما زالت رطوبة السجن تنخر في أجسادهم رغم أنهم امضوا أكثر من عشرين عاما ".،وتشير عائلة الرازم " إلى أن ما وصلت إليه قضية الأسرى أصبح صعبا وخطيرا.. حيث تستفرد سلطات الاحتلال بهم وتقوم بعمليات تنكيل واستفزاز يومي بحقهم.. وقال والده الكهل : " إيماننا بالله كبير.. لكن الألم أيضا كبير والحزن يغمرنا في ظل انعدام أي أمل أو فرصة بخروجهم.. فإذا كانت اتفاقيات السلام قد خذلتهم.. ولم تستطع عمليات الإفراج في التبادل إخراجهم.. فأين هو الأمل إذا ؟!
والجدير ذكره ان فؤاد أقدم سجين من حركة الجهاد الإسلامي يقضي حكما مؤبدا في سجون الاحتلال الصهيوني والمستثنى كبقية المقدسيين والفلسطينيين من أهلنا في عرب الداخل من أي فرصة للإفراج عنهم ضمن صفقات التسوية وتبادلات الأسرى . يعاني من مشاكل صحية أبرزها مشاكل في العيون و ضعف في النظر و ترفض إدارة السجن مساعدته صحيا و تقديم العلاج له، و رغم تكرار مطالبته بزيارة أخيرة لوالدته المقعدة ليدفن رأسه في حضنها للمرة الأخيرة في حياتها التي باتت مهددة بأية لحظة لتردي حالتها الصحية يوما عن يوم و لكن دون جدوى . إنها حرب شعواء تشنها سلطات الغول الصهيوني الحاقد على كل معاني الإنسانية في حياة فؤاد ووالدته وذويه وحرمانهما من لحظة لقاء أخيرة قبل أن يغيب الزمن احدهما فلا يعود قادرا على رؤية الآخر. ست سنوات تمر دون أن يتمكن فؤاد من رؤية والدته المريضة المقعدة والعاجزة وتستمر المعاناة يوما عن يوما ولا أمل يلوح في الأفق لتحقيق رغبة إنسان يحتضر.
و نحن إذ نرفع رأسنا عاليا لوجود نموذج مشرف كفؤاد الرازم في مقدمة صفوف حركة الجهاد الإسلامي جعلت من التضحية و العطاء نبراسا لحياتها نضم صوتنا لصوته و نداءنا لنداءات أهله و نتقدم لكل الجهات الإنسانية والدولية التدخل من أجل السماح بزيارة لوالدته المقعدة للمرة الأخيرة ربما قبل فوات الأوان.