عودة اللاجئين على طاولة البحث في اضخم مؤتمر بتل ابيب
نشر بتاريخ: 06/10/2013 ( آخر تحديث: 06/10/2013 الساعة: 19:25 )
تل أبيب - معا - بعض القضايا تؤرق العامة في إسرائيل أكثر من حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتفكير في إمكانية تطبيق هذا الحق على أرض الواقع. أما المؤرخون الإسرائيليون الجدد فأصبحوا يعترفون أكثر فأكثر بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان نتيجة مباشرة لعملية تطهير عرقي ممنهجة تمخض عنها تهجير 800,000 فلسطيني من 530 قرية فلسطينية.
ومع ذلك لا يزال هناك إجماع غير معلن وعلى نطاق واسع في المجتمع الإسرائيلي بأن حق العودة للسكان الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم وأصبحت بعد ذلك تسمى إسرائيل، هو مسألة لا ينبغي أن تطرح للنقاش. وتفيد الإحصائيات أن عدد اللاجئين وذرياتهم يقارب 4.5 مليون نسمة منتشرون في بقاع الأرض.
|242723|
خلال مؤتمر حول حق العودة أقيم في مدينة تل أبيب الأحد الماضي أشار كاتب الأعمدة الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي إلى أن "تنظيم مؤتمر حول حق العودة يعتبره معظم الإسرائيليون من المحظورات، لكننا لا ينبغي أن نخشى ذلك...ودعوني أذكر الجميع بأنه في ماضينا كانت لدينا هواجس وكانت تخيفنا بالقدر ذاته، لكنها تلاشت عبر السنين...والآن وبعد أن تخلصنا من الهواجس القديمة، لم يبق لدينا سوى هذا الهاجس الذي لا يتطرق إليه أحد ألا وهو حق العودة."
|242684|
لهذه الغاية تحديدا كان المؤتمر الذي أقامته منظمة "ذاكرات" الإسرائيلية في متحف أرض إسرائيل في مدينة تل أبيب يومي 29 و 30 أيلول أمرا غير مسبوق.
تحت عنوان "من الحقيقة إلى التصحيح: عودة اللاجئين الفلسطينيين" كان المؤتمر الذي يعد من أكبر المؤتمرات التي أقيمت داخل إسرائيل وتطرقت إلى حق العودة الفلسطيني.
|242683|
لم تقتصر أهداف المؤتمر على التأكيد على شرعية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، بل جرى البحث في الطرق العملية لكيفية إنجاز هذه العودة. ولأن إسرائيل ترفض الاعتراف بهذا الحق، انحصر الخطاب الفلسطيني كثيرا ولا يزال حتى الآونة الأخيرة في التركيز على مجرد التأكيد على أن العودة مسألة شرعية وضرورية.
بيد أننا إذا سلمنا بشرعية حق العودة، يبرز أمامنا عدد كبير من الأسئلة العملية: فأين سيسكن اللاجئون؟ وما نوع الدولة التي ستنشأ؟ وكيف سيعاود المجتمع الفلسطيني في المنفى الانخراط في الوطن؟ وأخيرا كيف سيتقبل المجتمع اليهودي الإسرائيلي وضعه الجديد في دولة لا يكون اليهود هم العرق السائد والمسيطر؟
|242685|
يأتي المؤتمر استكمالا للزخم المتزايد داخل إسرائيل بقيادة نشطاء فلسطينيين يعملون بلا كلل على تجسيد حق العودة. يقيم في إسرائيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين هجروا من قراهم عام 1948 غير أنهم ظلوا مقيمين داخل حدود الدولة الجديدة. والعديد من هؤلاء أصبحوا في نهاية المطاف لاجئين رغم أنهم لا يبعدون سوى بضعة أميال عن قراهم الأصلية، ولكن دولة إسرائيل حالت دون عودتهم إلى تلك القرى.
في صيف عام 2012 عاد شبان وشابات فلسطينيون إلى قريتهم الأصلية المدمرة إقرت وأقاموا مساكن دائمة هناك، ما دفع فلسطينيون من قرى أخرى إلى البدء بالعودة إلى قراهم. ورغم الضغوطات الشديدة التي مارستها عليهم دولة إسرائيل، إلاّ أنهم ظلوا صامدين رافضين أن يهجروا من أراضي أجدادهم مرة أخرى.
|242682|
وكما قالت خلود بدوي إحدى الناشطات الفلسطينيات، "علينا أن ننقل تجربة إقرت لمناطق أخرى، وينبغي أن نعزز الوعي بالقول إننا لا يمكن أن نكتفي بالحديث عن حق العودة عالميا ما لم نطبق حق العودة داخل إسرائيل، علما أنه لا يزال هنا فلسطينيون مهجرون داخل إسرائيل."
وشددت بدوي على أن الفلسطينيين المهجرين داخل إسرائيل يجب أن يستغلوا الفرص المتاحة لهم وعلى رأسها حقوق المواطنة ومقدرتهم على العودة إلى قراهم التي هجروا منها، ليكونوا بذلك في الطليعة ويبينوا للإسرائيليين، وللفلسطينيين، وللعالم بأسره أن العودة ممكنة على أرض الواقع. وعلى حد تعبير بدوي "لا يمكننا تطبيق حق العودة على المستوى العالمي ما لم نطبق حق العودة لأولئك المهجرين داخل إسرائيل."
|242686|
بدورها قالت مديرة منظمة "ذاكرات" لئات روزنبرغ أمام الحضور "إن العودة عملية طويلة متواصلة متعددة المظاهر لا تقتصر على العودة بمفهومها المادي الملموس، بل تتعدى ذلك إلى تأسيس مجتمع واقعي. وهذه العملية تبدأ قبل قدومهم بمدة طويلة وستستمر طويلا بعد ذلك." بالتالي لم تقتصر المداولات خلال المؤتمر على كيفية حدوث العودة، بل تم التطرق إلى كيفية تقبل المجتمع اليهودي الإسرائيلي لذلك."
منظمة "ذاكرات" التزمت منذ مدة طويلة بمجابهة الفراغ في ذاكرة العديد من اليهود الإسرائيليين و تعمدهم تجاهل ما جرى عام 1948. وقد عمد منظمو المؤتمر إلى تذكير الحضور بأن متحف أرض إسرائيل الذي يقام فيه المؤتمر هو أصلا مقام على أنقاض القرية الفلسطينية المدمرة الشيخ مونس، وذلك في إطار السعي المستمر من قبل منظمة "ذاكرات" لانتزاع اعتراف رسمي بذلك. وفي الوقت ذاته أشار العديد من المتحدثين خلال الندوات إلى أن المجتمع اليهودي الإسرائيلي بحاجة إلى أن يدرك أن عودة الفلسطينيين وإنهاء الاستعمار لا يترتب عليه تطهير عرقي ضد اليهود.
كما وضع المؤتمر الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء أمام تحد لأفكارهم المتعلقة بالعودة مقدما العديد من التصورات الممكنة للعودة والتي نادرا ما يتم التطرق إليها أو حتى تخيلها. وعلى حد تعبير بعض المتحدثين فإن كل لاجئ فلسطيني يفهم معنى "العودة" بطريقة مختلفة عن غيره، فالبعض قد يرغب بالعودة فيزيائيا إلى بيوتهم التي هجروا منها، فيما يرغب آخرون بأن يتمكنوا من العيش في أي مكان آخر من وطنهم على أن يتحرروا من التمييز الإسرائيلي. وثمة آخرون يتوقون إلى مجرد الاعتراف تاريخيا بالجرائم التي اقترفت بحقهم.
المهندس والناشط الفلسطيني شادي حبيب الله أكد بدوره أن كثيرين من بين اللاجئين الفلسطينيين يرغبون بالفعل بالعودة إلى قراهم، مشيرا إلى أن التخطيط الجغرافي لتلك العودة ضرورة ملحة. وقد عرض مخططات معمارية لمركز قرية اللجون مقدما تصورا ملموسا للعودة إليها من شأنه أن "يراعي المشاعر" موضحا من خلاله كيفية استخدام تصميم تقليدي لقرية فلسطينية، مع مراعاة أفكار الحياة التعاونية. وفي الوقت ذاته قدمت القرية تصورا عصريا لا يتشبث بعودتها إلى سابق عهدها، بل يلمح إلى مستقبل أكثر إشراقا.
والأفكار حول العودة كثيرة تتماشى مع التنوع في أفكار اللاجئين الفلسطينيين، كما أوضح مرارا المشاركون في المؤتمر الذي امتاز بالمرونة. فإنهاء الاستعمار للحيز الإسرائيلي عبر تخيل عودة الفلسطينيين لا يعني عودة الأمور لما كانت عليه، بل الاستعاضة عن ذلك ببناء مستقبل يقوم على التشارك في الحيز الجغرافي. وربما لم يكن المؤتمر الذي استمر يومين كافيا لكسر حاجز المحظور الإسرائيلي بشكل نهائي عبر التطرق بالنقاش لحق العودة الفلسطيني، إلاّ أن مجرد انعقاد المؤتمر يعتبر بارقة أمل للمستقبل.
وكما أشار الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي أمام الحضور، فإن "التعامل مع العودة على أنها مسألة لا ينبغي التطرق إليها لا يزيد المعضلة إلاّ تفاقما...والطريقة الوحيدة لمعالجتها تكون أولا وقبل كل شيء بالتحدث عنها."