العيد في النقب: الأطفال فرحون والكبار ينتظرون الفرج والانتخابات
نشر بتاريخ: 16/10/2013 ( آخر تحديث: 16/10/2013 الساعة: 20:51 )
بئر السبع- تقرير خاص معا - ينظر أحمد إلى أترابه في شارع ابن خلدون في بلدة حورة في النقب، وهو يحمل بندقية بلاستيكية ويلبس "كسوة" العيد الجديدة ونظارة شمسية، ويستعد كالجندي في ساحة الوغى، وكأنه يقول إنّه الأقوى والأسعد ببندقيته الطويلة أو كما يقول بدو النقب "البارودة"...
ولا يعلم أحمد كيف استطاع والده تدبير أمور الكسوة والخروف والبندقية البلاستيكية، في وضع اقتصادي سيء للغاية يعاني منه الكثير من فلسطينيي النقب في ظل بطالة وفقر، وظل سياسة تمييزية وخوف من مستقبل مجهول، حيث يعبر الكثير منهم عن قلقه من سياسة تهجير من قراهم وأراضيهم وينتظرون كيف سينتهي بالآلاف منهم في القرى غير المعترف بها قانون "برافر" التهجيري... وعلاوة على ذلك قام صاحب السيجار الفاخر والأموال المكدسة، وزير مالية نتنياهو، يائير لابيد، بخفض مخصصات الأطفال التي كان ينتظرها الآلاف من عرب النقب من أجل اكمال شهرهم...
|245842|
وبالرغم من ذلك، فإن مجموعة الأطفال التي تلعب وتمرح في شوارع البلدات في النقب، سعيدة بالعيد الكبير وبالمشاوي، حيث تتصاعد الأدخنة من المنازل في ساعات الظهر، ليقول صاحب البيت للجميع إنّني "ضحيت هذا العام"...
ويقول إبراهيم الحسنات، مدير جمعية كفى، في حديث لمراسل معا في النقب، إنّ الوضع قابل للانفجار في كل لحظة، "ولكننا لا نستطيع تحديد الزمان ولا المكان الذي سيحصل فيه الانفجار.
|245840|
ويضيف ابن مدينة رهط: "لقد قدمنا طرودا غذائية لـ370 عائلة وقدمنا كذلك 22 أضحية، وفي أول أيام العيد وزعنا اللحوم على 65 عائلة. الوضع الاقتصادي سيء للغاية، وما زاد الطين بلّة التخفيضات في مخصصات التأمين الوطني وبالتالي في هذا العام أصبح الأمر أكثر سوءا في النقب.
وعرب النقب معتادون على أن يقوموا بالذبح في عيد الأضحى، ومعتادون على شراء الملابس الجديدة لأولادهم. وتقول أم موسى التي التقيناها في السوق البلدي لمدينة بئر السبع يوم وقفة العيد: "الحقيقة أن الوضع الاقتصادي سيء، ولكن لا نستطيع النظر إلى عيون أولادنا ونقول لهم إننا لا نستطيع شراء كسوة العيد، في حين جميع أولاد الجيران يلبسون الجديد في العيد".
|245841|
والسوق البلدي في بئر السبع هو أكثر الأماكن رخصا في اسعار الملابس الجديدة، ليس كالمولات والمتاجر الكبيرة التي تصل الأسعار فيها إلى المئات. ويفضل الكثير من أهل النقب السفر إلى الظاهرية أو الخليل لشراء "كسوة العيد"، وذلك بسبب الأسعار المريحة نسبيا، حيث تجد المئات منهم عشية العيد يجتابون الأسواق في جبل الخليل، منهم من أجل المساعدة في الاقتصاد الفلسطيني للتجار المحليين على أساس ايديولوجي، ومنهم بسبب الأسعار.
ويسمع المتجول في أرض النقب أنّ الكثير من المحليين يقولون إنهم اشتروا الضحية "على الدين". ويشهد على ذلك تاجر المواشي، محمد الحواجرة، الذي يقول: "أنا أعي تماما الوضع الاقتصادي للسكان، وبما أنّ عرب النقب معتادون على شراء الأضحية في كل عام، فهناك البعض من الثقة الذين يأخذون الضحية ويدفعون على أقساط أو يؤجلون الدفع". ويبلغ متوسط سعر الأضحية في النقب 1700 شيقل وهو مبلغ يفوق قدرات الكثيرين من سكان المنطقة.
|245839|
الوضع يسوء كل عام
ويقول الأستاذ صالح أبو سعد، رئيس مؤسسة النقب، في حديث لمراسلنا إنّه تم هذا العام توزيع طرود غذائية ولحوم ومبلغ 500 شيقل لكسوة العيد على 250 عائلة مستورة في النقب، عدا العائلات في الضفة الغربية وقطاع غزة التي تدعمها المؤسسة. ويردف قائلا إنّ المؤسسة تقدم المساعدات لـ170 عائلة بصورة شهرية، بينها عائلات تعاني من البطالة أو الفقر المدقع، مشيرا إلى أنّ هذا العام "أسوأ من كل عام مضى، حيث الأزمة الاقتصادية التي تضرب جميع المناطق تظهر بصورة جليّة في النقب، خاصة في القرى غير المعترف بها، وذلك بعد أن تم خصم المئات من الشواقل على العائلات كثيرة الأولاد من قبل المؤسسة الإسرائيلية".
|245844|
وفي هذا الكم الهائلة من العوز والحاجة، يظهر أهل الخير الذين لا يترددون للحظة في مساعدة العائلات المستورة. ويروي أبو سعد، وهو من بلدة اللقية، قصة أرملة تعيل أولادها وهي من بين العائلات الـ170 التي تتلقى المساعدات الشهرية، حيث يقول: "اتصلت بي الحاجة قبل يوم من العيد وطلبت مني ان أحضر لآخذ خروفا ربته لتقديمه لعائلة محتاجة. وحين قلت لها إنّها هي محتاجة أيضا وفي أمس الحاجة لخروف العيد، قالت لي هذا عن روح زوجي ولن أتراجع في قراري".
|245838|
40% من عرب النقب تحت خط الفقر
أما د. إبراهيم العمور، رئيس الجمعية الإسلامية لإغاثة الأيتام والمحتاجين، فيرجّح أن 40% من عرب النقب تحت خط الفقر في إسرائيل، وهم بحاجة إلى مساعدات من أجل إكمال الشهر. ويضيف: "غالبية هؤلاء يعيشون إما من البطالة أو الشؤون الاجتماعية التي لا تكفي لتقضي حاجيات الأسر الكبيرة ونفقات ومتطلبات الحياة اليومية"، مشيرا إلى أنه "حتى الفقراء في النقب يحرجون من المساعدة، ولا يقبلون بأن نأتيهم باللحوم بسبب الإحراج".
ويضيف العمور: "الحقيقة أنني لا استطيع أن أسد الحاجة للجميع، لأن الغالبية يخجلون من البقاء بدون أضحية للعيد من جهة، ومن جهة أخرى لا يستطيعون القيام بشراء الأضحية. وحين نقترح عليهم أن نمدهم نحن باللحوم يرفضون ذلك ويقولون إنهم لا يريدون أن يرى الجيران أنهم في عوز وحاجة. قمنا في اليوم الأول لعيد الأضحى بتوزيع 150 ذبيحة في كافة القرى العربية في النقب، مع العلم أن المشاكل والفقر أكبر في القرى غير المعترف بها، حيث تجد أناسا لا يوجد معهم حتى شيقلا واحدا، فتخرج من جيبك حتى الخمسين شيقل الأخيرة وتعطيها له".
|245835|
ويؤكد رئيس الجمعية الإسلامية، وهو من بلدة كسيفة: "لا شك أنّ سياسة إسرائيل الاقتصادية المتزمتة التي تشمل غلاء الأسعار وتخفيض مخصصات التأمين الوطني أدت إلى انهيار الكثير من الأسر، وإضافة الكثير منها إلى دائرة الفقر، علما بأن الأسر اليهودية الفقيرة تجد لها مؤسسات يهودية مدعومة حكوميا لتقف إلى جانبها في مأزقها الاقتصادي، وتبقى الشرائح الفقيرة من عرب النقب ما لها بعد الله إلا أهل الخير والإحسان".
|245837|
أجواء انتخابات ورئيس يسلخ خروفه بنفسه
ومن المعلوم أنه ستجرى يوم الثلاثاء القادم، 22 أكتوبر، الانتخابات للسلطات المحلية، تشمل أيضا البلدات البدوية في النقب ومدينة رهط. وبالرغم من أن عامر العبرة، من مدينة رهط، يقول إنّ الحملة الانتخابية توقفت في أيام العيد، إلا أنه يردف قائلا إنّه "كالعادة في كل مجلس معايدة يتحدث الحاضرون عن الانتخابات وكل يدلي بدلوه علّه يصيب بالنسبة حول أسم المرشحين الذين سينتقلون إلى الجولة الانتخابية الثانية للرئاسة في مدينة رهط".
|245836|
ورغم أنّ غالبية المرشحين "لا يهتمون بالانتخابات" احتراما لقدسية العيد، ويؤجلون العمل إلى ما بعد أيام العيد، إلا أن الناشطين لا يتأخرون عن نشر "نشاطاتهم" في المعايدة على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، حيث برزت صورة لمرشح الرئاسة في رهط والرئيس السابق طلال القريناوي يصافح المصلين في مسجد الحي، وصورة أخرى تم تحويلها عبر "الواتس-أب" وتناقلها الناشطون والمؤيدون عبر أجهزتهم لرئيس بلدية رهط الشيخ فايز أبو صهيبان، وهو مرشح الحركة الإسلامية الجنوبية، يقوم بواجبه الشرعي بسلخ خروف العيد... وهما المرشحان الأوفر حظا للانتقال للجولة الثانية في الانتخابات لرئاسة بلدية رهط.