الجمعة: 18/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

رئيس الوزراء في ذكرى النكبة:العودة حق والحق هو العودة.. اليوم تنهض الذكريات من مرقدها وتتحرك أوجاع التغريبة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 15/05/2007 ( آخر تحديث: 15/05/2007 الساعة: 20:01 )
غزة- معا- لم يتمكن رئيس الوزراء اسماعيل هنية من القاء كلمة له في الذكرى 59 على النكبة الفلسطينية بسبب الاوضاع المتدهورة في غزة وقام بتوزيعها على وسائل الاعلام.

وتضمنت الكلمة استعراض لما حل بالفلسطينيين من نكبة عام 48 على يد الاحتلال الاسرائيلي وتهجيرهم من وطنهم, والتنكر الاسرائيلي لحق عودتهم رغم القرارات الدولية التي تدعو لذلك.

وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة دولة رئيس الوزراء بمناسبة الذكرى ألـ 59 ليوم النكبة
15 مايو 2007
العودة حق والحق هو العودة

يا جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم

إليكم جميعا في المنافي والشتات وتحت الاحتلال نوجه التحية والسلام... فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في مثل هذا اليوم من كل عام تنهض الذكريات من مرقدها، وتتحرك أوجاع التغريبة الفلسطينية الممتدة على مساحات واسعة من الزمان والمكان..

تسعٌ وخمسون عامًا وشعبنا يعاني من ويلات التشريد والاحتلال، تسعٌ وخمسون عامًا وشعبنا ينتظر نظرةَ عطفٍ جادة تُعيد الحقَ لأصحابه، تسعٌ وخمسون عامًا كبر الصغار فيها وسط مشاهد القتل والدم والخراب، تسعٌ وخمسون عامًا ونحن نتصدى لجبروت آلة الحرب الإسرائيلية، ونواصل التحدي بالتظاهرة والمسيرة وبالحجر والمقلاع، وأحيانًا بالطلقة وأجساد الشهداء، ونغرس سنابل الأمل في عيون أطفالنا ونهتف: "عائدون.. عائدون.. إننا لعائدون".

في مثل هذا اليوم من عام 1948 وقعت النكبة، حيث تعرض حوالي 750 ألف فلسطيني للطرد والترحيل عن أرضهم وديارهم وأملاكهم، كما عملت جرّافات الصهاينة على هدم وتدمير 531 قرية، كانت تُزهر بساكنيها على سفوح الجبال وفي المروج وعلى امتداد الساحل من رأس الناقورة وحتى عسقلان، في عملية اجتياح استيطانية استعمارية ممنهجة، هدفت إلى تفريغ الأرض من أهلها، لجلب الصهاينة إليها من كل البلاد، للاستيلاء عليها واستيطانها بالقوة المسلحة تحت ذريعة العودة إلى أرض الميعاد.

في مثل هذا الشهر من عام 1948، أعلنت العصابات الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية المهدمة، وذلك بعد أن قامت بأكبر عملية سطو وانتهاك للحقوق الإنسانية لشعبنا في التاريخ الحديث.. إن شعبنا الفلسطيني قد تم اقتلاع أكثر من ثلثيه من أراضيهم ونهب أملاكهم، وقد سبق ذلك حملات دهمٍ قامت من خلالها العصابات اليهودية بارتكاب أكثر من 35 مجزرة دامية في العديد من المدن والبلدات ربما كان أشهرها في اللد والرملة وفي دير ياسين والطنطورة.

بين عشية وضحاها تحول أكثر من 85% من أبناء شعبنا إلى لاجئين داخل الوطن وخارجه، يعيش اليوم قرابة ثلثهم في مخيمات متواضعة، حيث يواجهون أصعب الظروف وأحلكها..... وبالرغم من عمليات التشريد مازال 88% منهم يعيشون على أرض فلسطين التاريخية ومحيط دول الطوق في مخيمات البقعة والوحدات والحسين وشنلر بالأردن، وفي مخيمات اليرموك والنيرب وحندرات في سوريا، وفي مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا والمية مية وعين الحلوة والرشيدية ونهر البارد والبص ومار إلياس والبداوي في لبنان.. إن هناك الآن 46% منهم يقطنون الضفة الغربية وقطاع غزة وفي داخل الخط الأخضر، إضافة إلى 12% يتوزعون على باقي الدول العربية ووسط الجاليات الإسلامية في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة وكندا ودول أمريكا اللاتينية.

أيها الأخوة والأخوات من أبناء شعبنا العظيم

في مثل هذا اليوم نقف أمام العجز الدولي، ونتذكر أن هناك قرارًا دوليًا يمنح الفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم وتعويضهم جراء العدوان الذي وقع عليهم، والذي أكدت فيه الأمم المتحدة أن العودة حق من الحقوق غير القابلة للتصرف، بل وحثت الدول التابعة لها على تقديم الدعم لشعبنا للحصول على هذه الحقوق، التي لا يمكن التنازل عنها باعتبارها حقوقًا فردية لكل لاجئ وغير قابلة للتصرف والتفاوض بشأنها، إلا أننا مازلنا في اللجوء والأسر وتحت الاحتلال والحصار، والعالم صاحب القرارات والحامي لمظلة العدل يبدو عاجزًا مشلولا أمام التعنت الإسرائيلي الرافض لهذه القرارات.

منذ أيار 1949، والقرارات الخاصة بحق العودة تتوالى من قبل الأمم المتحدة، ولكنها للأسف ما تزال حبرًا على ورق، فيما معاناة شعبنا تتفاقم وتتعاظم سنة بعد سنة.

في مثل هذا اليوم وقبل تسعٍ وخمسين عامًا تتوارد الخواطر والذكريات التي ورثناها رواياتٍ وحكايا على ألسنة الآباء والأجداد.. فهذه الذكرى ليست فقط حنينا إلى عبق الماضي، بكل ما تمثله صفحاته من صور الأرض والمجد والشهداء ، بل هي العنوان الشاخص والحاضر دائما لتجديد العهد وتوارث ذلك (المفتاح العتيق) الذي يجسد لأجيالنا كلمة " لن ننسى" بكل نبض معانيها، وسنبقى ـ إن شاء الله ـ على العهد نطلب حقًا كفلته لنا الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية.

في مثل هذا اليوم تتجلى قناعات شعبنا في أوضح صورها، وتتأكد رؤيته وقراره بأنه لا عودة عن حق العودة.. فالعودةُ حقٌ، والحقُ هو العودة.

لقد راهن القادة الإسرائيليون على مقولة: "كبارهم يموتون، وصغارهم ينسون"، وهاهي السنوات تترى متجاوزة نصف قرن، ولكنَّ الصغار الذي ولدوا على وقع النكبة والتحفوا خيامها البالية أو تكاثروا وسط هدير دبابات الاحتلال وأزيز طائراته لم يأخذهم النسيان، فهم اليوم جنود المقاومة وقادة الميدان، يتوارثون مخزون الذاكرة الجماعية التي اكتنزتها عظام الآباء والأجداد... فالانتفاضة التي قادها أطفال الحجارة هي أبلغ تعبير على أن الذاكرةَ حيّةٌ لم تمت ولن تموت، وأن هذه الأرض المباركة لن تخذل أهلها، و سنشهد كلَّ يومٍ ميلادًا جديدًا لقدرات هذا الشعب العظيم.

فنحن شعبٌ لن يرضخَ للحصار، ولن يركعَ لشبح الجوع والخوف.. لن تنكسر منا الإرادة مهما طالت يد البغي والظلم والعدوان، ولن تسقط القلاع ولن تخترق الحصون ولن يسرقوا منا المواقف، فنحن على درب الإيمان سائرون يحدونا قولُ ربنا عزَّ وجل: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".. سنبقى نقاوم، ونواجه الاحتلال بالحرائب والحراب، سنعطي للسياسة وقتها، ولكننا لن نلق السلاح، حتى يخرج المحتل من أرضنا ويسود العدل والأمن والسلام.

أيها الأخوة والأخوات من أبناء شعبنا العظيم

في مثل هذا اليوم نتذكر طول المسيرة ومواكب الشهداء من الشيخ عز الدين القسام والقائد عبد القادر الحسيني وأحمد عبد العزيز إلى مصطفى حافظ والرئيس الراحل ياسر عرفات والشيخ الإمام أحمد ياسين وأبو جهاد والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور فتحي الشقاقي وأبو على مصطفى، وجمال أبو سمهدانه وجهاد جبريل.. هذه القافلة العامرة بأسماء الآلاف من القيادات والكوادر الإسلامية والوطنية التي عطرت صفحات تاريخنا المجيد.

إن القضية الفلسطينية ومنذ الانتفاضة الجهادية المباركة وهي تتقدم وتأخذ لها مكانة عربية وإسلامية ودولية مميزة، وحتى ساحاتنا الداخلية تشهد تقاربات وتفاهمات غير مسبوقة، حيث تتقارب خطوط الرؤية أكثر وأكثر، وتتحرك القناعات متسارعة نحو تشكيل إجماع وطني بين الفصائل والتنظيمات كافة، يحمي مشروعنا الوطني بأبعاده الدينية والقومية والتاريخية.

إن الوحدة الوطنية هي القاطرة التي سنقطع بها ـ واثقين ـ كلَّ الدروب إلى هدفنا المنشود، ونحو غايتنا الكبرى في الحرية والعودة والاستقلال، بالرغم من وعورة الطريق ومسافاته المتباعدة.. إن أحلامنا في هذا اليوم كبيرة، والحلمُ جنين الواقع.. إن بشائر الفجر تلوح رغم ضبابية أفق الحصار والاحتلال، ولكنَّ الشمس عودتنا أن تسطع بعد حلكة ليل طويل.

وإذا كان شعبنا اليوم يعاني ويتألم لأن أمريكا تريد أن تعاقبنا على خياراتنا الديمقراطية، وإسرائيل تستبيح دماءنا، وأمتنا موطن الأمل والرجاء يدها تبدو قصيرة، فإن الحقيقة تقول إنهم ليسوا بأحسن حالٍ منا، وينطبق عليهم قول ربنا عزّ وجل: " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون"، ولكننا ـ والحمد لله ـ نرجو من الله ما لا يرجون.

أيها الأخوة والأخوات من أبناء شعبنا العظيم

إن حالة المعاناة والألم مازالت مستمرة، ولكنّ شعبنا عودنا على الصبر والثبات، وهو يملك إرادةً قويةً على التحمل وعزمٍ أكيدٍ على المضي قُدمًا في نضالاته السياسية والجهادية حتى تتحرر الأرض وتعود إلى أهلها الشرعيين.. من هنا، وفي يوم الذكرى نوجه التحية إلى شعبنا المرابط داخل الخط الأخضر محافظًا على هويته الفلسطينية، ومدافعًا عن انتمائه العربي والإسلامي، ومتصديًا لكل محاولات تدنيس المسجد الأقصى وتهويد بيت المقدس، كلُّ التحية للشيخ رائد صلاح الذي وضع روحه على راحته متحديًا جيش الاحتلال، لأن حُرمات القدس في العيون و"الأقصى في خطر".. وكلُّ التحية للأخ المناضل الدكتور عزمي بشارة الذي تستهدفه اليوم أجهزة الأمن الإسرائيلية لأنه تجرأ على كشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية، وفضح عنصريتها السافرة (الأبرتهايد).

وعن معاناة أهلنا في لبنان، فإننا نتوجه لإخواننا في الحكومة اللبنانية لبذل كل الجهود للتخفيف من حجم المضايقات والصعوبات التي يتعرضون لها، فلبنان كان دائمًا شريان الحياة ومعقل الأمل لشعبنا، وكانت ساحات الجنوب مواطن عزٍّ لنا ولهم في الدفاع عن الأرض اللبنانية في وجه الغزاة الصهاينة.

ولأهلنا في القدس المرابطين على الثغر المقدس، والذين يتعرضون لكل صنوف الأذى والمضايقات لدفعهم للرحيل عن مدينتهم، وإعطاء الذريعة لاستيلاء غلاة المستوطنين عليها، نقول لهم: صبرٌ جميل فإن الفرج لهمّكم قريب.

إن القرارات الإسرائيلية الأخيرة باعتماد ملايين الدولارات لتكثيف الحضور اليهودي داخل المدينة، وتوسيع الكتل الاستيطانية المحاصرة لها، يثبت لنا المرة بعد الألف بأن الاحتلال غير معني بأي تهدئة، وليست لديه أي توجهات نحو تحقيق الاستقرار والأمن والسلام بالمنطقة، وإن هذه المخططات التي يحاولون فرضها بالقوة المسلحة وبتشريعات الاحتلال مآلها الفشل ودار البوار.

ولشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولإخواننا في كل الفصائل والتنظيمات المدنية والعسكرية، أقول: لقد صنعتم لنا تاريخًا حين أجبرتم شارون على الرحيل من غزة، وحين توصلتم عبر التفاهم والحوار إلى وثيقة الوفاق الوطني كمرجعية نعتمدها لحماية ثوابتنا الفلسطينية، وكمنطلقٍ لرؤيتنا وحراكنا السياسي، كما أنها كانت بحق القوة الدافعة وراء نجاح تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والتي هي مناط فخر واعتزاز لنا جميعًا.. أتمنى أن نعمل جميعًا على حمايتها رغم لأواء الحصار وقهر الاحتلال، فعلى معالم طريقها سنرسم ـ إن شاء الله ـ أول ملامح الانتصار.

أيها الأخوة والأخوات من أبناء شعبنا العظيم

في مثل هذا اليوم لن ننسى شهداء مصر على أرض فلسطين الطهور، ولن ننسى شهداء الأردن والعراق وسوريا والجزائر وليبيا والسودان ولبنان والجزيرة العربية الذين قدّموا حياتهم دفاعًا عن المسجد الأقصى وأكناف بيت المقدس.. لن ننسى دماءهم وتضحياتهم وبطولاتهم في كل المعارك والحروب ردًّا لكيد الغزاة المعتدين، لن ننساهم ولن تغفوا عن ذكراهم العيون وحشايا القلوب، فهذه الأرض المباركة لنا ولهم، فهم منا ونحن منهم، وهذا وطننا ووطنهم، إليه تشد الرحال وتُطلب على أرضه الشهادة وتزكية الدماء.

وفي الختام.. نقول لأهلنا جميعًا في المهاجر والمنافي والشتات: تمضي الذكرى ولكن لا تموتُ الذاكرة، فالعودةُ حقٌُ والحقُ هو العودة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته