مطالبات باعتماد مسار جديد بديل من خيار المفاوضات الثنائية
نشر بتاريخ: 17/11/2013 ( آخر تحديث: 17/11/2013 الساعة: 14:27 )
رام الله- غزة- معا- طالبت شخصيات سياسية وأكاديمية فلسطينية بمراجعة مسار "أوسلو" والتزاماته، بما في ذلك المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية.
وأوصوا باعتماد مسار جديد قادر على تحقيق الأهداف الوطنية التي فشل خيار المفاوضات الثنائية برعاية أميركية والخيارات المعتمدة سابقا في تحقيقها، مع ضرورة التوافق على إستراتيجية وطنية تأخذ بعين الاعتبار السيناريوهات المحتملة في اليوم التالي لانتهاء المفاوضات، سواء ببقاء الوضع القائم على حاله، أو انهيار المفاوضات، أو التوصل إلى حل نهائي أو انتقالي مغطى أو غير مغطى بإعلان مبادئ.
وأكدوا أن كلا من هذه السيناريوهات ستكون له تأثيراته على الخيارات الفلسطينية ذات العلاقة بإعادة بناء الوحدة الوطنية، ومستقبل السلطة، وأهداف البرنامج الوطني وطبيعة الخطاب السياسي الفلسطيني، والمقاومة بأشكالها المختلفة، والتوجه إلى الأمم المتحدة، منوهين إلى أهمية التوافق على الإستراتيجيات المطلوبة لتعزيز خيار الخروج من المسار السابق الذي دخل فيه المشروع الوطني الفلسطيني منذ توقيع اتفاق "أوسلو"، من خلال تحديد سياسات للتعامل مع شكل ودور السلطة الفلسطينية في سياق إعادة بناء التمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير، والسعي الجاد لإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية من خلال تسوية تاريخية شاملة بين مختلف القوى والتيارات الفلسطينية.
جاء ذلك خلال مؤتمر عقده المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات في مقره بمدينة البيرة، وفي مركز الميزان بقطاع غزة، عبر نظام الربط "الفيديو كونفرنس"، تحت عنوان "ما العمل بعد عشرين عاما على اتفاق أوسلو؟"، بحضور عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والشبابية.
وتوزعت أعمال المؤتمر على ثلاث جلسات، افتتح الجلسة الأولى الدكتور ممدوح العكر، رئيس مجلس أمناء مركز مسارات، الذي أكد على أنه هناك إجماع على إعادة بناء منظمة التحرير الوطنية يفتقد إلى خطوات جدية وأدوات عمل لإعادة البناء، وبيّن دور مركز "مسارات" في الحوار الذي دار على مدار عامين متواصلين لإعادة بناء الحركة الوطنية ومنظمة التحرير.
وتحدث خلال الجلسة الباحث وعالم الاجتماع جميل هلال، الذي قدم مداخلة بعنوان "أسئلة من وحي الواقع الراهن"، استهلها بطرح سؤالين: الأول حول مدى نجاعة الندوات والمؤتمرات التي عقدت بمناسبة مرور عشرين عامًا على "اتفاق أوسلو"، وهل يستحق ذلك كل الجهد مقابل المكتسبات التي حصل عليها الفلسطينيون بالمقابل، وهل تركت أثرًا على المجتمع السياسي أم تحولت إلى مجرد نشاط حلقي معزول؟ أما السؤال الثاني، فدار حول إمكانية قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة.
وبين هلال أن الظروف الموضوعية مهيأة لحصول انتفاضة ثالثة، فالاستيطان في الضفة الغربية مستمر بوتيرة كبيرة، والمستوطنون مستمرون في اعتداءاتهم، وقطاع غزة لا يزال يعاني من الحصار، إضافة إلى ازدياد نسبة الفقر والبطالة.. أما الظروف الذاتية للفلسطينيين فهي غير مهيأة لحصولها، عكس ما كان في الانتفاضتين الأولى والثانية، فهناك غياب لمركز سياسي فلسطيني موحد لقيادة الانتفاضة بسبب الانقسام الجغرافي والسياسي، وفي ظل تولي الفصيلين الكبيرين "فتح" و"حماس" إدارة سلطة حكم ذاتي في الضفة والقطاع، وهذا الأمر أضعف من القدرة التعبوية لكلا الفصيلين، إضافة إلى أن الطبقة الوسطى متعددة الانتماءات السياسية والفكرية وغير موحدة، مع استفحال الفجوات في الثروة والدخل في ظل السياسة الاقتصادية النيوليبرالية.
وقال إن هنالك شروطًا لحصول الانتفاضة تتمثل في إنجاز تسوية تاريخية بين مختلف القوى والتيارات السياسية، وفي توليد روابط اجتماعية أفقية مثل الاتحادات والنقابات والحراكات الاجتماعية من أجل مواجهة التفتت الذي يفرضه السوق النيوليبرالي في الضفة والقطاع، والتوجه إلى الحقل الثقافي، إضافة إلى تخلص الطبقة السياسية الفلسطينية من وهم حل الدولتين والهروب من مواجهة الواقع.
وفي الجلسة الثانية، التي أدارها الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات؛ تحدث من غزة الدكتور إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، الذي قدم ورقة بعنوان: "مستقبل السلطة الوطنية بعد الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب"، تناول فيها مسألة تهيئة المؤسسات والمرجعيات التي ستملأ فراغ انهيار أو حل السلطة في حال التفكير الجاد بحلها، وذلك حتى لا يكون بديل السلطة الفوضى أو حكم الميليشيات المسلحة أو كانتونات تديرها إسرائيل عن بُعد، وبالتالي فإن المطلوب ليس قرارا مرتجلا بحل السلطة، بل المطلوب إعادة النظر بوظائف السلطة ومرجعيتها وقيادتها، وخصوصا بعد القرار الأممي بالاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب.
وفي ضوء مستقبل سلطة الحكم الذاتي بعد الاعتراف بالدولة بصفة مراقب، قال إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات المترتبة على الاعتراف بفلسطين "دولة"، ومحاولة المزاوجة بين العمل من أجل المصالحة والعمل من أجل تحويل قرار الدولة إلى ممارسة على الأرض، وهذا الأمر يحتاج إلى تفاهمات فلسطينية جديدة أو إبداع سياسي، بحيث لا يحدث تعارض بين متطلبات إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كإطار وطني جامع يتجاوز الضفة والقطاع واستحقاقات السلطة، وبين إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وبين استحقاقات الدولة كنتاج للشرعية الدولية، بما يفترض تجاوز مرحلة الحكم الذاتي المحدود و"اتفاقية أوسلو" و"خطة خارطة الطريق" و"خطة كيري" للسلام الاقتصادي.
وأوضح أبراش أن تفعيل القرار الأممي بالاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب، وإعطاءه قيمة عملية، يتطلب نقل مركز الثقل والتوجيه في العمل السياسي الفلسطيني إلى الدولة من خلال ممارسات على الأرض، تعكس وتعبر عن الحالة الجديدة، أو بمعنى آخر "دولنة" كل مؤسسات السلطة من خلال تحريرها من التزامات "اتفاق أوسلو" وتوابعه.
وأشار إلى أهمية مراعاة تداعيات ما يجري في المنطقة، وخصوصا في سوريا ومصر ولبنان من أحداث، وتأثيرها على الوضع الفلسطيني الداخلي، وعلى التوجهات السياسية الإسرائيلية. ومع عودة المفاوضات من بدون وقف الاستيطان في تزامن مع الأحداث في مصر، فإن الحالة الفلسطينية مؤهلة للدخول مجددا في متاهات تفاوضية وارتهان لمجريات الأحداث في مصر أو غيرها.
كما قدم في الجلسة ذاتها الدكتور أحمد جميل عزم، رئيس برنامج الدراسات العربية والفلسطينية في جامعة بيرزيت، ورقة حول بدائل وشروط المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، استعرضت فيها نتائج مفاوضات أوسلو من حيث انعكاسها على العملية التفاوضية وأسسها، وشروطها. وهل المفاوضات هي الخيار الإستراتيجي؟ وهل يدور السؤال حول خيار المفاوضات ذاته أم حول شروط التفاوض؟ مع فرضية مفادها أنّ التفاوض ووقفه، بدون إستراتيجيات جديدة، قد يؤديان أحيانا إلى نتيجة واحدة تعطي الطرف الإسرائيلي الفرصة لكسب الكثير من الوقت وفرض حقائق على أرض الواقع، إضافة إلى مناقشة الورقة للأهداف التفاوضية وأهداف حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وضرورة عدم حصرها في الدولة الفلسطينية، كما تطرقت إلى إطار التفاوض والأطراف ذات العلاقة وسير العملية التفاوضية والبدائل الممكنة للمفاوضات.
وأوضح عزم أنّ الذهاب إلى الأمم المتحدة يمكن أن يكون استراتيجية لخلط أوراق العملية السياسية، ورفض المعادلة التي حكمت العقدين السابقين، حيث هناك إطار تفاوضي مباشر أو غير مباشر إسرائيلي فلسطيني، برعاية أميركية تقتصر على دور التيسير، ولا تصل حد التدخل كطرف ثالث يفرض أو يضغط للتوصل لحل ما. بل حرص الراعي الأميركي على ضمان استمرار التفاوض، وأن لا يلجأ الطرف الفلسطيني لبدائل سوى التفاوض، وأن يكون التفاوض دون أوراق قوة داعمة حقيقية.
ووضع عزم عددًا من النقاط المهمة التي يمكن أن تشكل أجندة عمل في المرحلة المقبلة، ومنها: التوافق الوطني حول خيار المفاوضات؛ وإعادة تعريف المفاوض الفلسطيني وأهدافه التفاوضية؛ وتدويل وتعريب القضية والعملية التفاوضية؛ واتباع مجموعة من الأشكال التفاوضية، مثل فرض مقايضات ضمنية، بفرض أمر واقع على الأرض وبالتحرك الدولي والشعبي الفاعلين، ما يفرض تراجعا في مخططات الاحتلال، وفي حلحلة ملفات سياسية مختلفة.
وبين أهمية التوافق على إستراتيجية وطنية واضحة لبلورة أوراق قوة جديدة، عبر المقاومة الشعبية، ومؤسسات العمل الوطني الموحدة والفاعلة والممثلة لكل الشعب الفلسطيني، وعبر الحراك الدولي الفاعل والرافض للاستسلام لمعادلات تؤدي إلى إذابة القضية الفلسطينية.
وفي الجلسة الثالثة التي أدارها خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، استعرض الباحث سامر ارشيد ورقته حول "اتفاق أوسلو وهياكل النظام السياسي الفلسطيني"، التي تناولت التأثير الإستراتيجي لمتغيرات الوضع الراهن في ظل التزامات "اتفاق أوسلو" على النظام السياسي الفلسطيني، بما في ذلك هياكل هذا النظام ومؤسساته المختلفة، في ضوء قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة، وكذلك العوامل والخلفيات والمتغيرات الأخرى.
وتطرق ارشيد إلى مجموعة من الخيارات خلال المرحلة المقبلة في ظل سيناريوهات مختلفة لتطور الأوضاع، مثل خيار الانتظار بحدود مناورة ضيقة، أي المراوحة بالمكان وإبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، أو مفاوضات متوقفة بانتظار تدخل خارجي، مع مناورة ضيقة في حدود التهديد باستخدام محافل ومؤسسات الأمم المتحدة، أو تأزيم الوضع مع الاحتلال الإسرائيلي بالتدريج، على أن تكون خطواته مدروسة بعناية فائقة، حيث من المفترض أن يخدم مرحلة طويلة الأمد طالما أن التحرر من الاحتلال والاستقلال والدولة العتيدة ليست على الأبواب، والعمل ضمن هذا الخيار يؤدي إلى إعاقة تقدم المشروع الإسرائيلي في فلسطين، والتحلل التدريجي من بعض قيود والتزامات اتفاق أوسلو، وتحقيق تغير في ميزان القوى لصالح الشعب الفسطيني، أو تفجير الوضع مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال الإعلان عن فشل المفاوضات وعدم العودة لها بأي حال، والتخلي العلني عن "اتفاق أوسلو" كمرجع للعلاقة مع الإسرائيليين، ورفض الولايات المتحدة كراعٍ وحيد لأي عملية سلام لاحقة، ووقف التنسيق الأمني، والبدء باستخدام القانون الدولي، وربما انتهاء بحل السلطة وطلب الوصاية الدولية أو "تسليم مفاتيح السلطة" إلى الاحتلال، كما يطالب البعض، الأمر الذي يعني فتح حالة الصراع على مصراعيها والدخول في مجابهة مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال "طالما أنه من المرجح أن المرحلة المقبلة لن تكون مرحلة مفاوضات جادة ولا مرحلة إنجاز قضايا الحل النهائي والدولة، فإن إنتاج وتبني وتطبيق إستراتيجية صمود فلسطينية يجب أن يكون الوجهة الأساسية لكل الفلسطينيين، دون التقليل طبعا من أية مسارات أخرى يراها الفلسطينيون في هذه المرحلة في خدمة الأهداف الوطنية العليا، مع أخذ بعض الاعتبارات، ومنها أن مكونات النظام السياسي الفلسطيني، خصوصًا السلطة الفلسطينية هي من نواتج اتفاق ومرحلة أوسلو، مع الإشارة إلى محدودية المصادر الاقتصادية الفلسطينية، والعمل على بناء وتطوير شبكة تكافل اجتماعي تضمن كرامة أفراد الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، إضافة إلى إيلاء دور كبير للشباب والمجتمع، والعمل على وحدة الشعب الفلسطيني وإعادة إحياء مؤسسته الأم، منظمة التحرير الفلسطينية".
وتنوعت مداخلات الحضور، وركزت اهتمامها على استنهاض الحركة الوطنية والبحث في تغيير شكل السلطة أو وظائفها، والعمل على تجنب حرف المواجهة القادمة مع الاحتلال لئلا تكون بين الفلسطينيين أنفسهم، أو تجر نحو الفوضى والفلتان الأمني. كما طالبوا بتوليد حركة اجتماعية سياسية ضاغطة لإعادة ترتيب الأوضاع في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل، وإيلاء أهمية كبيرة لدور الشباب في المرحلة القادمة. وركزوا على أهمية إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، واستخدام أوراق المقاومة الشعبية والمقاطعة ومناهضة التطبيع، والتدويل، واستكمال التوجه نحو الأمم المتحدة، في سياق الضغط على إسرائيل وليس كأدوات تفاوضية، إضافة إلى إيجاد شبكة أمان عربية داعمة للخيارات الإستراتيجية الفلسطينية.