الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

رحل "الطبيب" باسم وبقي كأس الحليب!

نشر بتاريخ: 20/11/2013 ( آخر تحديث: 21/11/2013 الساعة: 00:41 )
جنين - معا - استجمعت فاطمة محمود صوافطة حكاية رحيل ابنها باسم، مطلع انتفاضة الحجارة، وروت خلال الحلقة السادسة من برنامج" كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في طوباس اللقاء الأخير الذي جمعها بولدها.

تقول برواية تفوح حسرة: كانت رجل باسم مكسورة، وطلب مني قبل العصر بوقت قصير، كاسة حليب، فسخنتها له، ووضعتها على الطاولة، وقبل أن يشربها سمع باقتحام جيش الاحتلال للبلدة القديمة في طوباس، فأراد الخروج لمكان المواجهات إلا أنني منعته ووالده، وقلنا له: أنت مكسور، ولا تستطيع المشي، فهرب من باب البيت الخلفي، وعندما رأيته من بعيد، لحقت به، لكنه رفض العودة.

تتابع: أخفيت عن والده خبر هروبه من المنزل، وبعد نصف ساعة، جاء ابن الجيران، محمد عبد الفتاح، وكانت كل ملابسه تغرق بالدم، ليخبرنا بأن باسم أصيب، هو وصديقه نازك صوافطة، فاستغرب والده، وقال: يا عمي باسم في غرفته!

هرعت الأم إلى مستشفى الاتحاد بنابلس، وبدأت تفتش عن ابنها الجريح، لكن الممرض، صديق العائلة، تدرج في إخبارها بأن باسم صعد إلى السماء، بعد إصابة قاتلة في الرأس.
|251284|
تستذكر: نقلوا ابني الشهيد إلى بيتنا، وأخفيناه خشية سرقة جنود الاحتلال لجثمانه، وجلست بجانبه طوال الليل، كانت كل ملابسه تسبح في دمه، وبعد أن أحضروا جثمان صديقه نازك، دفناه في جنازة شاركت فيها كل البلاد.

من الروايات التي تسكن فؤاد أم باسم، كيف أن صغيرها فارع الطول، وأسمر البشرة، ومربوع الوجه، كان يُسرع إلى أخوته الأقل عمراً، ويطلب أن يكشف عنهم، باعتباره الطبيب الذي يداوي الناس، ويعالجهم بالحقن. ويقول لهم: لا تخافوا، الإبر ما بتوجّع. وبعدها سكنت في عقله أحلام دراسة الطب، غير أن الرصاص بدد خطة باسم، الذي جاء إلى الدنيا في الأول من نيسان عام 1970، وتوقف قلبه عن العزف.

تواصل الأم بث أحزانها: كان شجعاً، ولا يخاف من أي شيء، وقوي الجسم، ولا أنسى طلبه الأخير لي بأن أطبخ له المنسف في أيام الجمع. وفي كل مناسبة أسرع إلى خزانته، أشم رائحة ملابسه، وأحتفظ بصورته في محفظتي، ولا يغادر قلبي، ولا أنسى كيف أنه كان يحمل شقيقه الصغير( حمادة) على رقبته، ومن يوم غيابه حرّمت الحليب، الذي لم يشربه، على نفسي.

تقول: رزق الله ابني مالك بولد، فأسميناه باسم، واليوم عمره 21 سنة، وصار يشبه أبني الشهيد، لكنه أبيض منه. ولو بقي أبني بيننا لكان اليوم (أبو أولاد) و( أولاده طوله).
|251285|
تعرض باسم للاعتقال ستة أشهر قبل استشهاده بسنوات، حين لاحقه جيش الاحتلال داخل المدرسة، بدعوى حيازته لسكين. وبعد وقت قصير اشتعلت انتفاضة الحجارة، وتبخرت أحلام باسم بمواصلة الدراسة والطب.

تواصل الأم وهي تحضن صورة ابنها: قبل سنتين، جاءت جارتنا أم نضال وقالت لي إن باسم زارها في المنام، وطلب منها أن أتوقف عن البكاء عليه، وأن لا أذهب لزيارة قبره؛ لأنه يريدني أن أظل مبتسمة، فلبيت له أحلامه، ولم أزر قبره، لكن الدموع ليست بيدي لأمنعها.

تنهي: اليوم كل شيء تغّير، والشهيد راح عزه، والناس بطلت تتأثر. يمكن هذا صار من كثرة الدم والقتل والذبح!

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن "كواكب لا تغيب" يحرص، بالشراكة مع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، على توثيق الروايات الشفوية لأمهات الشهداء، ويُعيد رسم قصصهم الإنسانية، ويتتبع القهر الذي يستقر في أفئدة أمهاتهم، ويؤكد أنهم ليسوا مجرد أرقام صماء.
|251286|