الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

آمنة أبو هنية تعيد رسم "شحمة" المُدمرة بأدق التفاصيل!

نشر بتاريخ: 24/11/2013 ( آخر تحديث: 24/11/2013 الساعة: 17:06 )
جنين - معا - أعادت آمنة يوسف حسن أبو هنية ( 86 عاماً) رسم تفاصيل قريتها شحمة، التي دمرتها "العصابات الصهيونية" عام 1948. واستجمعت خلال الحلقة الثامنة عشرة من برنامج "ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، تضاريس القرية الواقعة على بعد 16 كيلومتراً جنوب غرب الرملة.

تقول: كانت تحيط بنا قرى المغار، وقطرة، وبشييت، والمسمية، ويبنة، وبنت بريطانيا مطاراً عسكرياً شمال القرية، عُرف باسم مطار عاقر، فوق أرض كانت تدعى أرض أحمد جابر. وأقامت معسكر شحمة فوق أراض كانت تعرف باسم القشّة ونجيلة.

ووفق مصادر الجغرافيا، فقد أنشئت القرية في السهل الساحلي، على ارتفاع 55 متراً فوق سطح البحر. فيما يمر وادي الصرار بجنوبها وجنوبها الغربي على بعد يقل عن الكيلومتر، ويلتقي الوادي برافديه وادي المولاوية ووادي المقنع في القسم الجنوبي منها. وتخلو القرية والأراضي التابعة لها من الينابيع، ولكن تكثر فيها الآبار.

تتابع الحاجة آمنة: كانت أرضنا رملية، وكان أبي يزرع الكرسنة والعدس والسمسم والخضروات، ولا أنسى الخيول والجمال التي انتشرت في شحمة، ومواسم البيادر، حيث كانت الدواب تجر ألواح الدراس الخشبية لتنظيف القمح والشعير من القش.

خيول وبرتقال
وبحسب الراوية، فقد تنافس الأهالي على اقتناء الخيول الأصيلة، وكانوا لا يستخدمونها إلا للتنقل، وللاستعراض في حفلات الزفاف. بينما انتشرت بيارات البرتقال والحمضيات، وحرص الأهالي على بناء( البايكة) لإيواء الجمال والدواب والخيول.

تسترد: كان سيدي حسن أول مختار للبلد، ثم انتقلت المخترة لحسن شاهين وعبد الله محمود معاً، ومن العائلات في شحمة: حسن, والقريناوي, وعوض، وخضر, وكتكت, والمذكر, وشاهين, وأبو هنية, والمحشي, والحتاوي, واليخري, والراعي.

تضيف: كنا نلبس الأثواب الفلسطينية المطرزة بالأبيض والأسود وأحياناً الأزرق والأحمر والأخضر، ونضع الغُدقة والعصبة على الرأس( مثل الحجاب). أما الرجال فكانوا يلبسون الدماية والسروال. وكان مهر العروس خمس جنيهات، أو ليرة ذهب واحدة، وفي وقت الفرح، كانت تطارد الخيل أمام الناس، وتأتي النوريات للرقص على الحبال( استعراض يشبه السيرك) ونغني 7 أيام بلياليهن، وأذكر أن عائلة محمود عبد الله غنت لابنها 30 يوماً.

مما يلتصق بأبو هنية من أغنيات للعرس: ( ع العلندة العلندة/ كله من شانك يا علي انته/ وهي يا زين الحلا وقف تشوف/ في بلدنا تعليلة وزفة عروس/ وهي زين الحلا يا أبو الغزلان/ في بلدنا تعلية وزفة صبيان). تقول: كنا أيضاً نحتفل بطهور الصبيان، ونذبح الذبائح، ونغني، ونفرح.

غير أن الرواية تستذكر الكثير من العادات غير اللطيفة، التي كانت ترافق الأهالي، فحين يتوفى الله أحدهم، كانت النساء تجتمع في حلقات للردح، فيمزقن ملابسهن، ويمزعن شعورهن، وينشدن أغنيات حزينة.
|251851|

أرض ملونة
تقول: كانت الأمطار غزيرة دائما، وكان الشتاء جخة( في وضع ممتاز)، ونجمع في الربيع السنيارة، والزعمطوط، واللسينة، والخبيزة، والسلك، والزعتر، والشومر، والميرمية. ومن أراضينا بالتسمية الشعبية: النينة( ويرتبط بها مثل أنات نينية ما بخلي غعريب يجينا)، ووادي أبو غوري، أما وادي قطرة فكان يمشي( يجري بالماء والفيضانات) أيام المطر.

تتابع: كنا نطبخ المناسف، ونخبز الشراك بالسمن على الصاج، وانتشرت بقريتنا عادة تخزين الكشك( وهو القمح المجروش المنقوع باللبن سبعة أيام، والمجفف بالشمس قبل تخزينه، والذي يضاف إلى الأرز في مواسم الشتاء).

ولا تنسى أبو هنية مواسم العيد، حين كان الأهالي يتوجهون إلى البحر، فيركّبون الأطفال والنساء على الجمال، ويخيّمون على الشاطئ عدة أيام، يأكلون ويفرحون ويلعبون بالماء والرمل.

لحظات قاسية
تقول: كان زوجي يعمل مزارعاً، وعنده بئر ماء، وحين قررنا الرحيل بعد هجوم اليهود، عاد لإطفاء الماتور، وقال: هي يوم أو يوم ونعود. ثم واصلنا، وكانت الناس حافية، وطلعت في ملابسها، وكان صوت البارود خلفنا، وسمعنا عن نساء حملن المخدات بدل أولادهن من شدة الخوف. وأخفت أمي الكواشين والذهب والمصاري في العقود( مبانٍ عالية الارتفاع وسميكة الجدران). وركبت أنا وأختي صبحية على الحمار، وركب أخوتي وأبي على الخيل. وشاهدنا امرأة مقتولة على جانب الطريق. ورأينا عجوزاً رفضت مغادرة منزلها، بعد أن حرقها اليهود داخل بيتها.

فرت العائلة وأهالي شحمة نحو خربة (مغلس)، ثم إلى بيت جبرين، فعجور، ثم وصلنا بني نعيم ( بمحافظة الخليل)، وسكنا فترة في المغر، وأثلجت الدنيا علينا وكسرت الزيتون من قوته، وكان جارنا شاكر عوض محاصراً في المغارة، وصار يطلق بالفرد النار ليفتح الطريق بالثلج.
|251853|
توثيق
ووفق موسوعة (بلادنا فلسطيني) للمؤرخ مصطفى مراد الدباغ، فشَحْمَة قرية عربية قد يكون اسمها نابع من تحريف لكلمة "شحيما" الآرامية السريانية وتعني: أسود وأغبر والبسيط العادي. وكان الامتداد العام للقرية من الشرق إلى لغرب. وفي عام 1931 كان فيها 34 مسكناً. وفي عام 1945 بلغت مساحة القرية 11 دونماً، ومساحة الأراضي التابعة لها 6,875 دونماً. وكان فيها 87 نسمة في عام 1922، ارتفع عددهم إلى 150 عام 1931، وإلى 280 قبل النكبة بثلاث سنوات. وشرد الصهيونيون سكان القرية، ودمروها عام 1948. وفي عام 1949 وأسس المهاجرون من يوغسلافيا مستوطنة زراعية باسم "قدرون" على بعد كيلومتر جنوب شرقها.

بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف أن "ذاكرة لا تصدأ" وثقت منذ عام ونصف أكثر من خمسين شهادة شفهية لرجال ونساء تجرعوا مرارة النكبة، وعاشوا مرارة الاقتلاع من أرضهم. ونقلتها لوسائل الإعلام المختلفة. وأضاف: إن البرنامج سيفرد مساحة لإعادة بناء القرى المدمرة بأدق التفاصيل، في سباق مع الزمن، في ظل تغيب الموت للكثيرين من حراس الذاكرة.

وقال ممثل اللجنة الشعبية نافز جوابرة إن الروايات التي قدمها شهود العيان على النكبة، نُقلت أيضاً إلى الأجيال التالية من أبناء وأحفاد، في مهمة الحفاظ على الذاكرة، والتأكيد على حق العودة، الذي أقرته الشرائع الدولية.