الأربعاء: 22/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

بحث مستقبل النظام السياسي بعد الدولة المراقبة وسبل توحيد الاتحادات

نشر بتاريخ: 26/11/2013 ( آخر تحديث: 26/11/2013 الساعة: 13:55 )
رام الله- غزة- معا- بحثت شخصيات سياسية وأكاديمية ونقابية فلسطينية مستقبل النظام السياسي والسلطة الفلسطينية، بعد رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة "مراقب"، وفي ضوء السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء الفترة المحددة للمفاوضات الثنائية.

وأكدوا أهمية التوافق على الإستراتيجيات المطلوبة لتعزيز خيار الخروج من مسار "أوسلو" الذي دخل فيه المشروع الوطني الفلسطيني في نفق مظلم، وذلك من خلال تحديد سياسات للتعامل مع شكل ودور ووظائف السلطة الفلسطينية في سياق إعادة بناء التمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير.

كما شددوا على ضرورة العمل الجاد من أجل إعادة بناء وتوحيد الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية في الضفة الغربية وقطاع وغزة والتجمعات الفلسطينية في الشتات، حتى في ظل حالة الانقسام السياسي الداخلي، بحيث تسهم المبادرات ومحاولات إعادة البناء والتوحيد للاتحادات والنقابات في تهيئة أجواء إيجابية داعمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

جاء ذلك خلال ورشي عمل نظمهما المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات في مقره بمدينة البيرة، وفي فندق "الكومودور" في غزة، عبر نظام الربط "الفيديو كونفرنس".

مستقبل النظام السياسي:
وفي الورشة الصباحية الأولى التي افتتحها وأدارها هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، عرض من غزة الدكتور إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، ورقة عن مستقبل السلطة الفلسطينية والنظام السياسي، أعدت ضمن جهود مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة الفلسطينية، التي سبق أن طرحت للنقاش العام وثيقة أخرى حول إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير. وقال إنه كان المأمول أن الذهاب إلى الأمم المتحدة والاعتراف بفلسطين دولة غير عضو سينهي السلطة بصفتها سلطة حكم ذاتي مرجعيتها اتفاق أوسلو، إلا أن مجريات الواقع تقول بأن الآمال التي بُنيت على الذهاب للأمم المتحدة لم تكن في محلها، حيث عاد المفاوض الفلسطيني لطاولة المفاوضات الثنائية دون التزام إسرائيل بشرط وقف الاستيطان، وخط الرابع من حزيران 67 كمرجعية لبحث قضية الحدود.

وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية لم تقم بداية بفعل إرادة فلسطينية حرة بل نتيجة تسوية واتفاق أوسلو الذي لم يحظى برضا جزء كبير من الشعب، ولم ينص على قيام دولة فلسطينية، بل ترك لمفاوضات الوضع النهائي تقرير مصير الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن مستقبل السلطة غير منقطع الصلة باشتراطات واتفاقات تأسيسها التي ما زالت تشكل الأساس للمفاوضات التي تجددت في واشنطن في تموز 2013.

وتناول أبراش في ورقته مسألة تهيئة المؤسسات والمرجعيات التي ستملأ فراغ انهيار أو حل السلطة في حال التفكير الجاد بحلها، وذلك حتى لا يكون بديل السلطة الفوضى أو حكم الميليشيات المسلحة أو كانتونات تديرها إسرائيل عن بُعد، وبالتالي فإن المطلوب ليس قرارا مرتجلا بحل السلطة، بل المطلوب إعادة النظر بوظائف السلطة ومرجعيتها وقيادتها، وخصوصا بعد القرار الأممي بالاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب.

وقال إنه في ضوء مستقبل سلطة الحكم الذاتي بعد الاعتراف بالدولة بصفة "مراقب"، يجب الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات المترتبة على الاعتراف بفلسطين "دولة"، ومحاولة المزاوجة بين العمل من أجل المصالحة والعمل من أجل تحويل قرار "الدولة" إلى ممارسة على الأرض. وهذا الأمر يحتاج إلى تفاهمات فلسطينية جديدة أو إبداع سياسي، بحيث لا يحدث تعارض بين متطلبات إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كإطار وطني جامع يتجاوز الضفة والقطاع واستحقاقات السلطة ودورها في نطاق ولايتها الجغرافية، وبين إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وبين استحقاقات "الدولة" كنتاج للشرعية الدولية، بما يفترض تجاوز مرحلة الحكم الذاتي المحدود و"اتفاقية أوسلو" و"خطة خارطة الطريق" و"خطة كيري" للسلام الاقتصادي.

وأوضح أن تفعيل القرار الأممي بالاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب، وإعطاءه قيمة عملية، يتطلب نقل مركز الثقل والتوجيه في العمل السياسي الفلسطيني إلى "الدولة" من خلال ممارسات على الأرض، تعكس وتعبر عن الحالة الجديدة، أو بمعنى آخر "دولنة" كل مؤسسات السلطة من خلال تحريرها من التزامات "اتفاق أوسلو" وتوابعه.

ونوه أبراش إلى أهمية مراعاة تداعيات ما يجري في المنطقة، وخصوصا في سوريا ومصر ولبنان من أحداث، وتأثيرها على الوضع الفلسطيني الداخلي، وعلى التوجهات السياسية الإسرائيلية. ومع عودة المفاوضات بدون وقف الاستيطان في تزامن مع الأحداث في مصر، فإن الحالة الفلسطينية مؤهلة للدخول مجددا في متاهات تفاوضية وارتهان لمجريات الأحداث في مصر أو غيرها.

وأثار المشاركون في الورشة عددا من القضايا ذات الصلة بمستقبل النظام السياسي، مؤكدين أهمية التوافق على رؤية موحدة للمشروع الوطني، والبرنامج السياسي، بما يمكن من بناء وحدة إستراتيجية وقيادة موحدة، وتحديد العلاقة بين كل من منظمة التحرير، والدولة بصفة مراقب، والسلطة، لاسيما في ظل استمرار حالة الانقسام ووجود سلطتين على أرض الواقع.

كما أكدوا أهمية دراسة تأثير السيناريوهات المحتملة مع نهاية فترة المفاوضات الجارية حاليا على مستقبل النظام السياسي، وبخاصة على مستوى السلطة، سواء من حيث إمكانية انهيار المفاوضات، وتبني القيادة الفلسطينية خيارات جديدة من بينها التوجه نحو الأمم المتحدة، أو إقدام إسرائيل على خطوات أحادية الجانب، أو بقاء الوضع على حاله مع بعض التحسينات في شروط الحياة تحت الاحتلال، أو التوصل إلى حل نهائي، أو تسوية انتقالية لإقامة دولة ضمن حدود مؤقتة، سواء كانت مغطاة بإعلان مبادئ أو بدونه.

الاتحادات والنقابات:
وفي الورشة المسائية الثانية، عرض خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، مسودة ورقة حول "إعادة بناء وتوحيد الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية الفلسطينية". وطرحت الورقة تصورات وآليات حول إعادة بناء الاتحادات والنقابات في مختلف التجمعات الفلسطينية كمدخل لإعادة بنائها وتوحيدها، بالاستناد إلى ورقة إطار عام نوقشت في ورشة خاصة نظمت بالقاهرة لمجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة، ومجموعة من الأوراق المرجعية التي أعدتها نخبة من الخبراء النقابيين الناشطين في ثمانية اتحادات ونقابات لشرائح اجتماعية وفئات مهنية مختلفة، شملت الكتاب والصحافيين والأطباء والمحامين والمهندسين والعمال والمرأة والطلبة، وطرحت فيها تصورات حول إعادة بناء وتوحيد هذه الأجسام النقابية بما يعزز دورها الوطني والتمثيلي في التعبير عن حقوق ومصالح وتطلعات الشرائح الاجتماعية والفئات المهنية التي تمثلها.

وأشارت الورقة إلى أن النقابات عانت من مشكلات أدت إلى تراجع دورها سواء النقابي التمثيلي المهني أو الوطني السياسي في ظل استمرارية آلية "الكوتا" الفصائلية، وانفصال الشريحة البيروقراطية القيادية لبعض من تلك النقابات عن قاعدتها الاجتماعية، واقتسام بعض النقابات جغرافيا وسياسيا (واحدة في الضفة والثانية في غزة، واحدة تتبع حركة "فتح" والثانية تتبع حركة "حماس" كما هو الحال في نقابة الصحافيين).

وأكدت الورقة على أهمية العمل على إعادة توحيدها وبنائها على أسس وطنية وديمقراطية وتمثيلية ومهنية، حيث أن هذه الوحدة والبناء، سواء للاتحادات أو النقابات، باتت ضرورة في مواجهة سياسة التجزئة الممارسة من قبل الاحتلال، والتغلب على العوامل التي تمد الانقسام الداخلي بأسباب استمراره، ولتحقيق الروابط الجمعية للفلسطينيين، في سياق إعادة بناء وتفعيل وإحياء دور منظمة التحرير ومكانتها التمثيلية.

وبينت أنه بالرغم من هذا الواقع الصعب، يكتسب طرح تصورات وآليات تتعلق بإعادة بناء وتوحيد وتطوير عمل الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، وعبر التشبيك مع الأطر الشعبية والمهنية الخاصة بالفلسطينيين في أراضي 48؛ أهمية كبيرة باعتبار هذه العملية أحد المرتكزات الأساسية في سياق إعادة بناء وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير على قاعدة ديمقراطية وتمثيلية، وبالاستناد إلى مبادئ العمل النقابي، ومبدأ التمثيل النسبي الذي يضمن مشاركة كافة القوى والفعاليات فيها بصفتها الكيان المؤسساتي التمثيلي الموحد لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.

واقترحت الورقة عددًا من الأسس الموجهة لعملية إعادء بناء وتوحيد النقابات والاتحادات، ويتثمل الأساس الأول في إعادة رسم الحدود والعلاقة بين الفصائل ومنظمة التحرير وبين الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، على قاعدة وقف الاستخدام المتبادل ذي النزعات والأغراض الشكلية والظرفية والشخصية الضيقة؛ واحترام مبادئ ومعايير الحقوق والحريات النقابية ومبادئ العمل النقابي؛ والعمل على إقرار مشروع قانون التنظيم النقابي؛ والبناء على التراث الإيجابي للحركة الوطنية المعاصرة ومنظمة التحرير ومنظماتها الشعبية؛ والعمل على مراعاة تباين واقع البنية الهيكلية ومجالات العمل والأهداف الخاصة بكل من الاتحادات والمنظمات الشعبية القائمة على أساس تمثيل مصالح شرائح وفئات اجتماعية ومهنية؛ وتحييد العمل النقابي عن النزاع الحزبي.

كما اقترحت اعتماد آليات تساعد على إعادة بناء وتوحيد الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، من خلال تشكيل لجنة من ممثلي منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية وعدد من الشخصيات السياسية والنقابية والمستقلة في الضفة والقطاع والشتات، مع الاستعانة بخبراء، لدراسة حالة كل من الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية؛ والعمل على إجراء حوار بين الكتل النقابية المتنافسة حول التصورات والآليات التي تقترحها؛ وتشكيل لجان تضم خبراء ونقابيين لمراجعة الأنظمة الداخلية للاتحادات والنقابات؛ ولجان إشراف وعضوية مستقلة لإعادة تدقيق وفرز العضوية؛ ولجان تحضيرية لإجراء انتخابات موحدة؛ إضافة إلى إعداد مشروع قانون التنظيم النقابي وقانون يحدد معايير تنظيم الموارد المالية للاتحادات والنقابات المهنية.

وفي هذا السياق، تضمنت الورقة ملحقا حول تصورات وآليات مقترحة تأمل مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة أن تشكل أساسا صالحا لإطلاق حوار يهدف إلى بلورة وإطلاق مبادرات لإعادة توحيد وبناء بعض الاتحادات والنقابات (الكتاب والصحافيون كنموذج)، وبشكل يمكن تعميمه على عدد أكبر من هذه الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية.

وقدم المشاركون في الورشة عددا من الملاحظات والاقتراحات لتطوير الورقة، لا سيما من حيث الأسس والآليات المقترحة من أجل تحفيز الجهود لإعادة بناء وتوحيد الاتحادات والنقابات، مؤكدين أن ما تقترحه الورقة من تصورات عملية، وبخاصة فيما يتعلق بإعادة بناء وتوحيد الجسم النقابي للكتاب والأدباء من جهة، وللصحافيين من جهة أخرى، يمكن أن يشكل أساسا لإطلاق مبادرات تشمل عددا من الاتحادات والنقابات.