السبت: 05/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

بحث متطلبات التحول نحو إستراتيجية جديدة للتحرر الوطني

نشر بتاريخ: 04/12/2013 ( آخر تحديث: 04/12/2013 الساعة: 23:36 )
رام الله - معا - بحثت مجموعة التفكير الإستراتيجي الفلسطيني مسودة وثيقة حول متطلبات إعادة تشكيل التوجه الفلسطيني الإستراتيجي الأساسي، بشكل تدريجي، خلال فترة متوسطة المدى، بهدف الوصول إلى نقطة التحول باتجاه صياغة إستراتيجية جديدة للتحرر الوطني قادرة على تحقيق هدف ممارسة حق تقرير المصير بصفته حقا جمعيا للفلسطينيين أينما وجدوا، دون أن ينتقص منه عدم تحقيق الاستقلال في دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67.

وأكد أعضاء المجموعة على ضرورة تبني إستراتيجية جديدة للفلسطينيين في هذه الفترة، خصوصًا في ظل فشل العملية التفاوضية الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة، وبعد المتغيرات والتحولات العربية والإقليمية في المنطقة، وتحديدًا لجهة التطورات الحاصلة في مصر وسوريا، وبعد التقارب الأميركي الإيراني وتفعيل الدور الروسي في المنطقة.

وشددوا على أهمية القيام بتسوية تاريخية بين مختلف الأطر والقوى الفلسطينية، بما يشمل إعادة تعريف المشروع الوطني وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس وشراكة سياسية حقيقية، وبما يؤدي إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، ليكون الصف الفلسطيني موحدًا في المطالبة بحقوقه ومطالبه، لا سيما إقامة الدولة، ولمنع فرض أي من الحلول الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

وبينوا أن هناك فرصًا تساعد الفلسطينيين على تبني خيارات إستراتيجية بديلة تمنع بقاء الوضع الراهن على حاله، في مقدمتها الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية، واستمرار الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال والاستيطان، وصموده في قطاع غزة في مواجهة الحصار والعدوان، ونضاله اليومي ضد سياسات التمييز والمصادرة والتهجير القسري في أراضي 48، وتصاعد دور الحراكات الشبابية ولجان مواجهة الاستيطان والجدار ولجان المقاطعة والعودة، إضافة إلى المكتسبات التي تحققت لصالح القضية الفلسطينية على المستويين العربي والدولي التي تجسدت بحصول فلسطين على دولة "مراقب".

جاء ذلك خلال اجتماع نظمته مجموعة التفكير الإستراتيجي في مقر مركز مسارات بالبيرة، وفي فندق "الكومودور" في غزة عبر نظام الربط "الفيديو كونفرنس"، لمناقشة مسودة الوثيقة الإستراتيجية الثالثة للمجموعة، حيث أدار اللقاء في البيرة حسام زملط، عضو سكرتاريا مجموعة التفكير الإستراتيجي، فيما أدارته في غزة زينب الغنيمي، مديرة مركز بحوث المرأة القانونية والاستشارات.

وقدم زملط تعريفا بمجموعة التفكير التي تعد منتدى مفتوحا وتعدديا للحوار والنقاش الإستراتيجي، يقوم من خلاله الفلسطينيون من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية بالتحليل الإستراتيجي لبيئة الصراع مع إسرائيل، لتقوية وتوجيه المشروع الفلسطيني نحو التحرر والاستقلال. وقال إن المجموعة أصدرت وثيقتين، الأولى في العام 2008 حول استعادة زمام المبادرة والبحث في الخيارات الإستراتيجية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والثانية في العام 2011 وتناولت إستراتيجيّات جديدة للتحرر الوطني الفلسطيني، وخيارات لتحقيق الغايات الإستراتيجية الفلسطينية في ظل انهيار المفاوضات الثنائية، في حين تستعد لإصدار الوثيقة الثالثة المطروحة للنقاش خلال الاجتماع.

وتناول أوليفر رامسبوثم، رئيس مجموعة أكسفورد للأبحاث، سيناريوهات انتقال الفلسطينيين نحو إستراتيجية تقرير المصير سواء بالاستناد إلى فكرة "الدولة" أو بدونها، مؤكدا أنه يتوجب على الفلسطينيين إنجاز الوحدة الوطنية، والتركيز على خطاب الحقوق الفلسطينية. كما أشاد بالوثيقة الإستراتيجية الثالثة لمجموعة التفكير، معتبرا أنها تحتوي على أفكار إبداعية وخلاقة في تحفيز التفكير الإستراتيجي الفلسطيني بشأن كيفية الانتقال من الوضع القائم إلى تبني خيارات إستراتيجية قادرة على شق مسار جديد للتحرر الوطني.

وقدم هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، عرضًا للفلسفة والمنهجية اللتين تعتمدهما الوثيقة الإستراتيجية الثالثة المعنونة بــ" نقطة تحوّل .. متطلّبات التّحوّلِ الانتقاليّ نحوَ إستراتيجيّةٍ جديدةٍ للتّحررِ الوطنيِّ"، وبين فيه مبررات اللجوء إلى إستراتيجية تحولية تدريجية من حيث الأهداف والمهمات التراكمية التي تسعى لتحقيقها، منوها إلى أن هذه المبررات تكمن سمات الوضع الفلسطيني القائم حاليًا، ومنها الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل، وبسبب الوقائع والشروط السياسية والاقتصادية والقانونية التي تبلورت بعد أكثر من عشرين عامًا على اتفاق أوسلو، وفي ظل حالة الضعف والانقسام الفلسطيني وغياب الرؤية الواضحة والإستراتيجييات الكفيلة باستنهاض الحقوق والأهداف الفلسطينية، إضافة إلى التأثيرات السلبية للمتغيرات العربية على القضية الفلسطينية، وفي ظل عدم طرح القوى والفصائل القائمة، سواء داخل منظمة التحرير أو خارجها (وطنية وإسلامية) إستراتيجيات كفيلة بتجاوز المأزق الراهن، وعدم ظهور قوى وحركات جديدة قادرة على التقدم على طريق تحقيق الأهداف الوطنية.

وأوضح المصري أن الإستراتيجية الانتقالية تستند إلى خيارات يشمل كل منها مقاربات ووسائل تنفيذ تتسم بالتدرج الانتقالي في تطبيق كل منها، بما يضمن فعالية التأثير باتجاه تغيير المسار الإستراتيجي. وقال أن هذه الإستراتيجية تعكس الخطط المحددة لتحقيق هدف معين على المدى البعيد في ضوء الإمكانيات المتاحة أو التي يمكن الحصول عليها، أي أنها تسعى للإجابة عن ثلاثة أسئلة: أين نقف الآن؟ وإلى أين نريد أن نصل؟ وكيف سوف نصل؟ وهي أسئلة تربط الإجابة عنها بين نقطة البداية، أي الوضع الراهن غير المرغوب في الحالة الفلسطينية من جهة، ونقطة النهاية التي تمثل الوضع المرغوب، من جهة أخرى.

وأوضح أن هذه الإستراتيجية تتضمن الخيارات التالية: وقف وإنهاء خيار التفاوض الثنائي برعاية أميركية انفرادية أولا، وإعادة بناء الوحدة الوطنية انطلاقا من إعادة بناء التمثيل الوطني، والخروج التدريجي من مسار "أوسلو"، بما في ذلك إعادة النظر في شكل ودور ووظائف والتزامات السلطة الفلسطينية، إضافة إلى تطوير وتوسيع المقاومة الوطنية الشاملة بمختلف أشكالها، واعتماد إستراتيجية تشتمل على سيناريوهات ومقاربات للانضمام التدريجي إلى الاتفاقات الدولية والوكالات الأممية، وللتعامل مع المتغيرات العربية والدولية بما يخدم استعادة مكانة القضية الفلسطينية، وتوظيف المتغيرات الإيجابية على المستويات العربية والإقليمية والدولية لتحقيق هذه الغاية، وأخيرًا اعتماد آليات للتأثير في مواقف الرأي العام في أوساط اليهود في إسرائيل والعالم، بالاستناد إلى خطاب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وجوهر القيم الإنسانية في الصراع ضد الاحتلال والعنصرية، ومواجهة خطاب "الدولة اليهودية".

واستكمل خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، عرض الوثيقة، بالتركيز على المتطلبات والسيناريوهات والخيارات المتاحة للوصول إلى نقطة التحول الإستراتيجي، التي تعني تبني إستراتيجية جديدة لا تستند بالضرورة إلى فكرة إقامة "الدولة". وأول هذه المتطلبات وقف المفاوضات الثنائية برعابة أميركية جراء وصولها إلى طريق مسدود، ووضعت الوثيقة عدة سيناريوهات للعملية التفاوضية، تمثلت في استمرار الوضع القائم باستمرار المفاوضات الثنائية وفي ظل انحياز أميركي متزايد لصالح إسرائيل، حتى نهاية الفترة "الافتراضية" المحددة بتسعة شهور، أو بتقدم المفاوضات عبر الاتفاق على خطوات، مثل عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 18 أيلول 2000، أو انهيارها وانتظار نجاح جهود جديدة لاستئنافها.

وأوضح شاهين أنه من المتطلبات الأخرى التي تناولتها الوثيقة أيضًا إعادة بناء التمثيل الوطني من خلال التوافق فلسطينيًا على أسس التسوية التاريخية التي تشكل ناظما للشراكة السياسية بين التيارات الوطنية والديمقراطية والإسلامية؛ والخروج من نفق أوسلو عبر التحلل من القيود والالتزامات المتبقية منه وملحقاته، في سياق عملية متدرجة لإعادة تعريف دور السلطة كإطار مؤسساتي خدماتي معني بإدارة شؤون المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال؛ واستخدام المقاومة المثمرة بأشكالها المختلفة عبر خيارات متعددة، مثل حملات مقاطعة إسرائيل (BDS) وملاحقتها في أروقة القضاء الدولي، وفرض عقوبات عليها؛ والتحرك السياسي في الأمم المتحدة من خلال الانضمام للمعاهدات والاتفاقات والوكالات الأممية، تبعا لمستوى تطور الصراع ومستوى الجاهزية الفلسطينية والعوامل الإقليمية والدولية ذات العلاقة، إضافة إلى توظيف المتغيرات العربية لاستعادة مكانة القضية؛ ومواجهة خطاب "الدولة اليهودية" والانزياح اليميني في إسرائيل.

كما نوه إلى أن مسودة الوثيقة الثالثة أعدت بالاستفادة من ست أوراق مرجعية أعدها خبراء فلسطينيون، في مجالات الخيارات الإستراتيجية المتعلقة بالمفاوضات، وإعادة بناء الكيان التمثيلي الوطني، والخروج من مسار أوسلو، وتوسيع وتفعيل المقاومة الوطنية، والتوجه نحو الأمم المتحدة، فضلا عن كيفية التعامل مع المتغيرات على المستوى العربي، ومن ثم جرى تطويرها بعد نقاشات في ورشات لمجموعات بؤرية متخصصة.

وتناولت الوثيقة سمات الوضع القائم بما ينطوي عليه من مشكلات وعقبات وسيناريوهات غير مرغوبة، وبما يطرحه أيضا من فرص تساعد على شق مسار التغيير. ومن تلك السمات: تعمق سيطرة النظام الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الإحلالي العنصري على الأرض الفلسطينية؛ واستمرار الرهان على خيار التفاوض الثنائي؛ وتعمق الانقسام الفلسطيني واستعصاء إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتراجع دور ومكانة منظمة التحرير، والافتقار إلى وحدة القيادة والبرنامج المشترك؛ إضافة إلى استمرار القيود والالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية الناجمة عن اتفاق أوسلو وملحقاته؛ وعدم تبلور وبروز قوى فلسطينية جديدة تطرح خيارات وبدائل قادرة على شق مسار إستراتيجي جديد.

ومن سمات الوضع الحالي كذلك انتقال تداعيات المأزق الذي يعانيه الإسلام السياسي، وبخاصة بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، إلى عامل مؤثر في الوضع الفلسطيني الداخلي، في ضوء ارتباط حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين، وعدم حفاظها على مسافة واضحة بين كونها جزءا من حركة التحرر الوطني الفلسطينية وانخراطها ضمن مشروع الإسلام السياسي بقيادة جماعة "الإخوان"، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية وتهميشها في ضوء المتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة العربية.

وأكدت الوثيقة أن توفير متطلبات الانتقال باتجاه إستراتيجية جديدة للتحرر الوطني سوف يمر في مراحل متداخلة ومترابطة تفرض اعتماد مقاربات لإعادة انتزاع زمام المبادرة في إدارة الصراع، وتنطوي هذه المقاربات على مزيج من السيناريوهات والخيارات والمهمات في عدد من المجالات، التي تراعي ضرورة توفر حساب دقيق لميزان القوى والوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف المتوخاة، وذلك من خلال الحد من سلبيات الوضع الراهن باتجاه تغييره، واعتماد مقاربات متدرجة في بناء المتطلبات الإستراتيجية ذات العلاقة بتحقيق إعادة بناء الوحدة في إطار منظمة التحرير، ووقف المفاوضات الثنائية، وتوسيع وتطوير المقاومة، والتوجه نحو الأمم المتحدة، وصولا إلى اعتماد مقاربات شاملة في بناء متطلبات التحول الإستراتيجي باعتماد سيناريو تفجير الوضع مع إسرائيل، وتبني إستراتيجية جديدة للتحرر الوطني، تقوم على تعريف هدف تقرير المصير بشكل مختلف، ودون أن يشمل بالضرورة إقامة الدولة المستقلة، وعلى قاعدة النضال من أجل هزيمة وتفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني الإحلالي العنصري.

وعقدت مجموعة التفكير الإستراتيجي ورشة عمل في مدينة الناصرة لنقاش الوثيقة، حيث أدار الورشة أمل جمال، مدير مركز إعلام، الذي استضاف الورشة في فندق العين، مؤكدًا على أهمية التحول باتجاه إستراتيجية جديدة للتحرر الوطني تستند إلى حق تقرير المصير من دون فكرة الدولة القائمة على مبدأ تقسيم الأرض، كما تطرق إلى نضال الفلسطينيين ضد سياسة التمييز العنصري الممارسة بحقهم. كما عقدت ورشة أخرى مشابهة لها في مدينة البيرة.
|253805|
وخلصت مجموعة التفكير في الورشتين إلى أن البيئة الحالية للصراع في ظل معطيات الوضع القائم، لا تسمح بالانتقال دفعة واحدة إلى تبني الإستراتيجية الجديدة للتحرر الوطني، وأن نقطة البداية في مسار التغيير المنشود تقتضي أن ينصب الجهد الوطني الفلسطيني كأولوية أولى على وقف المفاوضات الثنائية بالترافق مع وضع إستراتيجيات بديلة، وفي حالة استمرار هذه المفاوضات خلافا للنداءات الموجهة للقيادة الفلسطينية من قوى ونخب الشعب الفلسطيني للانسحاب منها، فإن مزيدا من الجهد الوطني يجدر أن يتركز على الحد من الأضرار الناجمة عن هذه المفاوضات عبر تعامل القيادة الفلسطينية معها كخيار تكتيكي اضطراري يترافق مع الجمع ما بينها وبين استكمال التوجه إلى الأمم المتحدة، وتفعيل المقاومة الشعبية والمقاطعة، وإعطاء الأولوية لتحقيق الوحدة الوطنية، والحفاظ على المكتسبات الوطنية ووقف نزيف التدهور في مكانة القضية الفلسطينية، وتمكين الموقف الفلسطيني بعناصر القوة الكفيلة بوقف وإنهاء خيار التفاوض الثنائي في أقرب فرصة، كما هو مفصل في سياق هذه الوثيقة.

يذكر أن مجموعة التفكير الإستراتيجي تعكف على صياغة الوثيقة الثالثة بشكلها النهائي في ضوء الملاحظات والاقتراحات التي قدمت خلال مجمل هذه النقاشات، تمهيدا لإصدارها وطرحها للنقاش العام في مختلف الأوساط الفلسطينية.