الضفة الغربية بين "المقاومة الشعبية والانتفاضة الناعمة"
نشر بتاريخ: 24/12/2013 ( آخر تحديث: 24/12/2013 الساعة: 11:41 )
بيت لحم- معا - "الفلسطينيون لا يريدون انتفاضة لكنهم قد يحصلون عليها" مقولة أدلى بها مصدر امني إسرائيلي وشكلت في اليوم التالي بداية استهلالية افتتح بها المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" رون بن يشاي" مقالته المطولة التي تناول فيها توصيف الأوضاع الميدانية السائدة في الضفة الغربية.
فقال المحلل العسكري في مستهل مقالته "لا يمكن حتى الان على الأقل اعتبار محاولة تفجير الحافلة يوم أمس في مدينة "بت يام " كطلقة الانطلاق للانتفاضة الثالثة كما كان الحال في الانتفاضة الثانية لكنها بكل تأكيد إشارة واضحة تؤشر لعملية عنيفة تهدد الوضع وتزداد قوة تحت وفوق السطح في الشارع الفلسطيني".
وتطلق السلطة الفلسطينية على ما يجري من احداث صفة "المقاومة الشعبية" فيما تفضل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تسميتها بـ "الانتفاضة الناعمة" ويبدو أن التوصيفين الفلسطيني والإسرائيلي يستندان إلى قصور في تقيم مدى خطورة الظاهرة ونتيجة لهذا القصور لا تجد المسؤولين الإسرائيليين وكذلك الوسطاء الأمريكان متشددين بما يكفي أو كما يجب بمطالبتهم السلطة الفلسطينية وقف التحريض ضد إسرائيل عبر وسائل الإعلام، فيما تسمح السلطة وبوعي تام لدرجة معينة من العنف في الشارع الفلسطيني وصولا إلى التشجيع على المساس ماديا برموز الاحتلال، مثل المستوطنات والجدار الأمني والطرق الالتفافية ومقاطعة منتجات المستوطنات، كما ان السلطة لا تفعل شيئا لوقف عمليات إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة التي تعتبر شرعية في سياقات المقاومة الشعبية.
وجاء في المقال ايضا، يبدو أن ابو مازن ومستشاريه على اعتقاد بقدرتهم على السيطرة والتحكم بالمقاومة الشعبية وتوجيهها نحو مستوى عنف متدني لكنها تكفي لدفع المصالح السياسية لابو مازن إلى الأمام لكن دون ان يخاطر بالمفاوضات مع إسرائيل ودون ان يعرض عملية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين للخطر.
"السلطة الفلسطينية معنية جدا بحضور الصحافة ووسائل الإعلام الدولية لتغطية ما يجري في منطقة "يهودا والسامرة" على أمل أن يوجهه هذا السوط ليس فقط الإسرائيليين بل أيضا وزير الخارجية الأمريكية "كيري" ويحثهم على الاستجابة للمطالب الفلسطينية لذلك يعتقدون بان كل من هو ليس "ارهابا" حقيقيا أي "استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات من قبل الفلسطينيين سيقابل في رام الله بالتسامح والتغاضي" حسب تعبير المحلل العسكري للصحيفة العبرية.
لكن ابو مازن وكعادته والحديث للمحلل العسكري الإسرائيلي لا يأخذ بحسبانه حقيقة أن الشارع الفلسطيني ليس بالحيوان الأليف الذي يستجيب لأوامره وان الأشخاص في الميدان والشارع لا يفسرون الإشارات نصف الحربية التي يطلقها ابو مازن ورجاله عبر تصريحاتهم المختلفة بشكل صحيح لذلك هناك مجموعات معينة في الشارع الفلسطيني تنتقل وبسهولة كبيرة من حالة إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة إلى وضع إطلاق النار واستخدام المتفجرات والعبوات الناسفة رغم ان الرئيس لا يفضل ذلك.
وقال المحلل روني بن يشاي "إن ابو مازن لا يسيطر بشكل كامل على الشارع الفلسطيني ورصدت المؤسسة الأمنية قبل ستة أشهر تقريبا أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تواجه صعوبة في فرض إرادتهم مثلا على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وهناك مجموعات مسلحة من أبناء هذه المخيمات بمن فيهم من تنظيم فتح يقومون بكل ما يحلو لهم داخل المخيمات وصولا إلى تهديدهم بشكل مباشر كبار قادة السلطة الذين لا يستجيبون لمطالبهم، كما يمكن ملاحظة عدم الانضباط الداخلي حتى داخل أوساط فتح السياسية، كما حدث قبل ايام بين عضو المجلس لتشريعي جمال ابو الرب وجبريل الرجوب حيث وجه عضو المجلس لكمات للواء الرجوب ما خلق وضعا محرجا يشكك بالصورة التي تحاول السلطة بها خارجيا حول قدرتها على تطبيق صلاحياتها".
وأضاف" نتيجة لكل ذلك تتقلص سيطرة ابو مازن وأجهزة الأمن الفلسطينية على ما يجري داخل مخيمات اللاجئين وما يحدث داخل صفوف فتح الأمر الذي تستغله حماس والجهاد الإسلامي العاملة انطلاقا من قطاع غزة تلك المنظمتان اللتان تمتلكان مصلحة سياسية عاجلة ومصالحة إيديولوجية لتعزيز وتصعيد الأعمال "الإرهابية" في الضفة الغربية، لهذا تمتنع هذه المنظمات من إطلاق الصواريخ او تنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة؛ لان الحكم العسكري الجديد في مصر حكم عليهم بضرورة التحلي بضبط النفس فيما يتعلق بالكفاح المسلحة انطلاقا من غزة، لهذا تحاول المنظمات تعبئة الفراغ عبر توجيه وتنظيم عمليات "إرهابية" انطلاقا من الضفة يقوم بتنفيذها أشخاص منفردين وخلايا محلية صغيرة ومن هنا أتى مصطلح "الإرهاب الفردي" الذي تكثر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من استخدامه خلال الفترة الأخيرة.
هناك إشارات كثير تدلل على أن تفجير "بت يام" نفذته خلية صغيرة محلية عملت في منطقة الضفة الغربية بإيحاء وتوجيه نشطاء "إرهاب" في قطاع غزة وكلمة "إيحاء" هنا هامة جدا؛ لأنها تفسر غياب أي إنذار مسبق لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية تتعلق بتنظيم تجمع يخطط لتنفيذ عملية في "بت يام".
"يمكن أن تكون الصعوبة بتعقب من وضع الحقيبة داخل الحافلة ومن ساعده في إنتاج العبوة الناسفة ونقلها إلى إسرائيل تنبع أساسا من حقيقة أن الحديث يدور عن عملية تمت "إيحاء" جهات أعطت المنفذين توجيهات عامة دون أن تشرف بشكل حقيقي على العملية.
يجب ان تشكل عملية "بت يام" إشارة تحذيرا ليس لإسرائيل فقط بل لابو مازن أيضا الذي يتوجب عليه ان يكون شديد الانتباه بان المقاومة الشعبية التي بادر إليها تخرج عن سيطرته ويمكنها أيضا ان تشكل خطرا إمكانية وقدرة السلطة على البقاء".
مصادر أمنية إسرائيلية تتحدث في جلساتها الخاصة ويبدو أنها قالت أيضا للأمريكيين بأنه إذا لم يوقف ابو مازن والمتحدثين باسمه التحريض عبر وسائل الإعلام وإذا لم تعمل أجهزته الأمنية بقوة ضد مجموعات المسلحين في مخيمات اللاجئين سيؤدي بهذا وبشكل غير مباشر إلى انهيار المفاوضات قبل حلول نيسان القادم وان يخسر الدفعة الرابعة من الأسرى المنوي تحريرهم.
واختتم المحلل العسكري مقالته بالقول "ما يحبط الجيش والشاباك حاليا هو محدودية قدرتهم على تهدئة الأوضاع الميدانية حاليا وكل تصعيد او زيادة في العمليات الإسرائيلية أكثر مما يجري حاليا سيؤدي إلى زيادة في عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين ما قد يؤدي إلى تصعيد العنف الفلسطيني لتعود الأمور إلى ما كنت عليه سابقا لا سمح الله ولم يبق تقريبا سوى شيئا واحد يمكن لإسرائيل أن تقوم به لتهدئة الميدان ويتمثل بامتناع المستوى السياسي في إسرائيل بما في ذلك رئيس الوزراء نتنياهو والوزراء عن إعلان عن زيادة وتصعيد البناء في المستوطنات أو أية أعمال استعراضية أخرى لأنها تشبه في هذا الوضع زرع إصبع في عيون الفلسطينيين.
وأخيرا فان ابو مازن لن يدرك بأنه يلعب بالنار التي قد تحرقه طالما واصل نتنياهو والوزير "اوري ارئيل" إذكاء هذه النار لهذا قد نشهد الكثير من العنف الجماعي قبل ان يصل قطار المفاوضات محطته الاخيرة في الربيع القادم، على حد تعبير المحلل.