ورشة لمسارات برام الله- بلورة رؤية مشتركة للنهوض بدور الشباب
نشر بتاريخ: 12/01/2014 ( آخر تحديث: 12/01/2014 الساعة: 18:19 )
رام الله -معا- أكد عشرات الشباب الفلسطيني على ضرورة توفير عوامل النجاح في توافق المجموعات الشبابيّة الناشطة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة وأراضي 48 والشتات على رؤية موحدة لكيفيّة تفعيل دورها في النهوض بالكفاح الوطني الفلسطيني على قاعدة مشروع وطني جمعي، وانطلاقا من كون الشباب مكونًا من تركيبة مجتمعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وتاريخيّة، وقضاياهم جزء من قضايا المجتمع.
ودعوا إلى تطوير خطاب الحراكات الشبابيّة، وعدم الاكتفاء برفع شعارات ذات طابع سلبي، أو الدوران في دائرة ردة الفعل بدلًا من المبادرة للفعل. وهو ما يستدعي تحول المجموعات الشبابيّة أولًا إلى حركات قادرة على الفعل والتأثير خارج محيطها المحلي الضيق، وبما يخدم تحولها إلى حركات مدعومة شعبيًا.
وشددوا على الحاجة إلى امتلاك الوعي السياسي والاجتماعي والفكري، وعنصر التنظيم الذي يوفر القدرة على توليد وإدامة وتوسيع الصلات بين أفراد كل مجموعة، وتواصلهم وتوليد الروابط بين المجموعة والمجموعات الشبابيّة الأخرى، والشباب بشكل عام، وصولًا إلى تشييد علاقة متسعة مع الجمهور الأوسع بعيدًا عن النزعة التعليميّة والنخبويّة.
وكان عشرات الشبان والشابات من الضفة الغربيّة وأراضي 48 وقطاع غزة، شاركوا في ورشة عمل نظمها المركز الفلسطينيّ لأبحاث السّياسات والدّراسات الإستراتيجيّة- مسارات عبر نظام "الفيديو كونفرنس" في مقرّه بالبيرة، وفندق "الكومودور" في غزة، لمناقشة نتائج المشروع البحثي الذي أشرف عليه وقدم له الباحث وعالم الاجتماع جميل هلال، وأصدره مركز "مسارات" حديثًا، في كتاب بعنوان "رؤية نقديّة استشرافيّة.. الحراكات الشبابيّة الفلسطينيّة"، بالتعاون مع مؤسسة "هينرش بل" الألمانيّة، وتضمن خمس أوراق بحثيّة حول تجربة وآفاق عدد من الحراكات الشبابيّة في تجمعات فلسطينيّة رئيسيّة في الوطن والشتات، وأعدها خمسة باحثين وباحثات شباب مواكبين لهذه التجارب، حيث قدم أربعة منهم استعراضًا لأوراقهم، فيما لم تتمكن الباحثة عايدة الشهابي من المشاركة باستعراض نتائج ورقتها حول الحراك الشبابي الفلسطيني في لبنان لتواجدها خارج لبنان.
وأدار الورشة في البيرة منسق المشروع البحثي سلطان ياسين، الذي تحدث عن أهداف المشروع من حيث المساهمة في تحفيز الجهد المشترك بين مختلف المجموعات الشبابيّة في سبيل مراجعة تجربتها، والعمل على بلورة رؤية مشتركة لأهدافها وشعاراتها وآليات عملها، على قاعدة ما يجمع الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم دون إجحاف بالأولويات التي تعكس اهتمامات واحتياجات كل من التجمعات الفلسطينيّة، فيما أدار الورشة في غزة الباحث الشبابي إبراهيم الشطلي.
وافتُتِحت الورشة بكلمة قدمها خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، الذي أشار إلى تزامن تنظيم الورشة مع الحراك المتنامي الضاغط من أجل رفع الحصار عن مخيم اليرموك في سوريا في عدد من التجمعات الفلسطينيّة في الوطن والشتات، مما يؤكد القدرة على التوافق على أهداف مشتركة تعمل المجموعات الشبابيّة على تحقيقها من جهة، وأهميّة الربط من جهة أخرى بين الأهداف الوطنيّة الجمعيّة ومعالجة الأولويات والاحتياجات الخاصة بكل من التجمعات الفلسطينيّة. كما قدم استعراضًا لبرامج مركز مسارات الأخرى، مؤكدا حرص المركز على القيام بدور الميسّر في برامجه الخاصة بالشباب الذين يقومون بالدور الرئيسي في تحديد أهداف هذه البرامج ومضامينها وآلياتها.
كلمة من اليرموك
واستهلت أعمال الورشة بكلمة قدمها الناشط السياسي والمجتمعي عبد الله الخطيب من مخيم اليرموك، عبر "السكايب"، حيث استعرض جوانب المعاناة التي يتعرض إليها أبناء الشعب الفلسطيني في المخيم، وخطر التزايد اليومي في أعداد ضحايا الجوع جراء الحصار المفروض على المخيم منذ ما يزيد عن ستة أشهر، وقال إن أبناء المخيم بالكاد يحصلون على أعشاب يقومون بغليها للبقاء على قيد الحياة أطول فترة ممكنة، ما يهدد بتزايد أعداد الشهداء، لا سيما من الاطفال والمسنين جرّاء الجوع والجفاف وسوء التغذية.
وانتقد الخطيب التقصير الرسمي الفلسطيني في معالجة قضيّة المخيم قبل وصولها إلى مرحلة الكارثة الإنسانيّة، وأشاد بالحملات التي تنظم في الوطن والشتات لإيصال المساعدات إلى المخيم، مؤكدًا أن الحل يكمن في تكثيف الجهود لضمان رفع الحصار عن المخيم بما يكفل حريّة حركة الأفراد والمواد التموينيّة من وإلى المخيم، وعودة أبنائه النازحين إلى منازلهم بشكل آمن ونهائي.
أراضي 48
وبدأت الورشة بالورقة البحثيّة الخاصة بتجربة الحراكات الشبابيّة في أراضي 48، بعنوان "الشباب الفلسطيني في إسرائيل: بين العمل الحزبي والحراك المستقل (تجارب من العمل الشبابي)"، التي أعدتها نجمة علي، الحاصلة على ماجستير في العلوم السياسيّة من الجامعة العبريّة في القدس، حيث قالت إن الورقة تهدف إلى إضاءة ظاهرة الحراكات الشبابيّة بين فلسطينيي الأراضي المحتلة العام 1948، ومساعي بناء أطر مستقلة خارجة عن الأحزاب السياسيّة التقليديّة التي مثلت حتى الآن الفلسطينيين في إسرائيل، ومختلف الفئات التي تشكل المجتمع الفلسطيني، ومن ضمنهم الفئة الشبابيّة.
وأضافت: لا يمكن تفسير ظاهرة أي حراك سياسي مستقل لدى الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل دون التطرق إلى أزمة الثقة لدى فئة الشباب بالأطر الحزبيّة التقليديّة الفاعلة على الساحة السياسيّة، موضحة أن "العديد من الشباب المنخرطين في العمل السياسي يتنقلون ما بين الحراك الحزبي وبين الحراك المستقل حسب أهداف النشاط أو الفعاليّة. وهذه نقطة مهمة تشير إلى التداخل والمرونة في المواقع؛ فالكثير من المنتمين حزبيًا يشاركون في أنشطة وطنيّة غير حزبيّة تقوم بها، على سبيل المثال، مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل اليوم عاملًا مهمًا في صياغة المشهد السياسي والثقافي لدى الأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل، إضافة إلى كونها مصدر عمل مهمًا للشباب".
وتطرقت إلى تجربة الحراكات الشبابييّة في مواجهة مخطط "برافر" في النقب، وقالت: في هذه الحراكات دور شبابي واضح في قيادة المظاهرات والحضور الميداني، ولأول مرة تقوم فئات شبابيّة بالتخطيط لحدث كهذا دون وجود هيمنة حزبيّة. تقريبًا لا وجود للأحزاب في هذا النضال سوى بحضور عدد قليل منهم في هذه المظاهرات، وهو أمر سلبي.
وقالت: لا نستطيع إنكار دور الأحزاب في قوة الحشد، وبخاصة أنها ما زالت المراكز السياسيّة الأساسيّة التي يتم من خلالها العمل الجماعي. ومع هذا، فإن التكتل الشبابي خارج الأحزاب يحمل الأمل نحو التغيير واستغلال الطاقات المكبوتة والمهمّشة، إلا في حال استفاقت القيادات التقليديّة التي ما زالت في غيبوبة عما يجري من تحوّلات في العالم العربي، ومن ثورات ضد أنظمة الاستبداد التي همشت الشباب وطمست الحريّة، ووسعت من دائرة الفقر والبطالة، وزادت من غنى الغني وفقر الفقير.
الحراك الشبابي في قطاع غزة
ومن غزة، استعرض إبراهيم الشطلي، الناشط في العديد من المؤسسات الأهليّة الفلسطينيّة في قطاع غزة، أبرز استخلاصات ورقته البحثيّة بعنوان "الحراك الشباب الفلسطيني في قطاع غزة: ثورة لم تنضج بعد". وقال: الحراك الشبابي الفلسطيني، توجهه بوصلة مشوشة، ويعيش تجربة جنينيّة، وما زال بحاجة لبوصلة واضحة الأهداف، والأولويات، وإستراتيجيات العمل.
وأضاف: على الرغم من التجربة القاسية، يرى الشباب أنهم قادرون على الاستمرار بالعمل، والمحاولة مرة أخرى، وبخاصة أن عددًا كبيرًا منهم كان صغيرًا في السن وقليل التجربة حين خاضوا وشاركوا في تجربة 15 آذار 2011. والآن، وفي سياق قياس رؤيتهم نحو مستقبل دورهم، يعتبر الشباب الفلسطيني إنهاء الانقسام خطوة على طريق إنهاء الاحتلال، وبخاصة بعد الثورات العربيّة التي كان لفلسطين نصيب من الحضور في ميادينها وبياناتها.
ونوه الشطلي إلى أن "إنشاء جسم أو إطار شبابي سوف يعزز من فرص التواصل مع الشباب الفلسطيني في مناطق الشتات، وهذا أمر ممكن التحقيق. وقال: الفرصة ما زالت قائمة لإحداث تغيير على المستوى التنظيمي، وقياس الأثر الناجم عن جميع التحركات التي يمكن أن تخدم القضيّة برمتها.
وأضاف أن الشباب الفلسطيني يرى أن عدم وجود ترابط جغرافي يجمع الشباب، هو من أهم العقبات التي تواجه الحراكات الشبابيّة (الضفة الغربيّة، بما فيها القدس، غزة، مناطق 48، الشتات)، إضافة إلى الانقسام السياسي والتشرذم الذي تشهده الساحة الفلسطينيّة، وكذلك استخدام القوة القمعيّة تجاه الشباب في مختلف التجمعات الفلسطينيّة.
خصوصيّة القدس
وقدمت هنادي قواسمي، الصحافيّة من القدس، وطالبة الماجستير في العلوم السياسيّة، استعراضا لورقتها البحثيّة بعنوان "مراجعة أوليّة لتجربة الحراك الشبابيّ الفلسطينيّ في القدس"، وقالت إن "هذه الخصوصيّة لمدينة القدس، كونها ذات رمزيّة عالية في القضيّة الفلسطينيّة، وكونها حيز احتكاك مباشر مع المحتل، شكلت عامل قوة للحراكات الشبابيّة في القدس، وساعدت الشباب في بعض الأحيان على تجاوز بعض الخلافات فيما بينهم واحتوائها، لصالح الهمّ الأول وهو القدس".
وأضافت: إن للحراك الشبابي في مدينة القدس دورًا مهمًا يكتسب صبغته من العزلة التي فرضت على المدينة، كونها مدينة محاصرة بالحواجز والجدار الأمني والمستوطنات، والطرق الاستيطانيّة، ولا يسمح بدخولها إلا لعدد قليل من الفلسطينيين الذين ينجحون في استصدار التصاريح اللازمة لذلك. كما أنها مدينة تغيب عنها "القيادة" الفلسطينيّة، ولا يوجد فيها تمثيل رسميّ فلسطيني يكتسب حضورًا قويًا بين الناس.
وتابعت قواسمي: بعد الحديث المطول مع بعض النشطاء الفاعلين في مجموعات شبابيّة خفت نجمها مؤخرًا في القدس، لا بدّ من السؤال عن المستقبل، ماذا بعد؟ هل هناك حاجة إلى مجموعات شبابيّة جديدة في القدس؟ وهل من محاولات لإعادة بناء المجموعات التي تفرقت؟ وما مستقبل الحراك الشبابي في المدينة المحتلة؟ تصعب الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال، فالقول إننا بحاجة إلى مجموعات جديدة يعني – بطريقة أو أخرى– أنه لا توجد في القدس مجموعات فعّالة بالشكل الكافي، وهو أمر لا يمكن الجزم به بسهولة، وبخاصة أن "المجموعات" لا تتخذ تعريفًا محددًا ولا شكلًا واحدًا للعمل، وليست كلها تتبع طريقة واحدة في الإعلان عن نفسها، والتواصل مع محيطها.
وأردفت: لكن من الواضح جدًا أن هناك حالة مختلفة تسود القدس عما كان الأمر عليه قبل عامين من الآن، ونقلت عن أحد الناشطين قوله "هذه الحالة التي تغلي على نار هادئة، ربما هي إحدى إنجازات الحراك الشبابي في القدس، فهو إن لم ينجح في خلق جماهيريّة واسعة له، فإنه نجح أحيانًا في تأجيج القضايا المطروحة على الساحة، والتفاعل معها من خلال الشارع، وهو أقل الإيمان في مدينة محاصرة جغرافيًا واقتصاديًا وفقيرة سياسيًا"، بمعنى ضعف النشاط السياسي وغياب القيادة الفلسطينيّة الفعالة.
تعبير عن أزمة وليس عافية
ثم استعرض الصحافي والباحث طارق خميس، طالب ماجستير الدراسات العربيّة المعاصرة في جامعة بيرزيت، ورقته البحثيّة بعنوان "في الإجابة عن سؤال ما الذي حدث للربيع الفلسطيني؟ الحراك الشبابيّ الفلسطيني في الضفة الغربيّة"، وقال: اختفت المجموعات الشبابيّة جميعها بعد فترة من الزمن لم تتجاوز السنة، إلا أن النشطاء الموجودين فيها ما زالوا يثابرون على المشاركة في النشاطات والمسيرات المختلفة، ليظهروا فيما بعد موحدين تحت اسم "فلسطينيون من أجل الكرامة"، وبذلك أصبحت هذه المجموعة تضم خليطًا من التوجهات الشبابيّة، جزء منها منحدر من أصول يساريّة، وجزء آخر ذو خلفيات ليبراليّة، وجزء لا يحمل خلفيّة محددة، وإنما يتفق مع الشعارات التي ثابر التجمع الجديد على رفعها.
وأضاف: تكمن خصوصيّة الوضع الفلسطيني مقارنة ببلدان "الربيع العربي"، في فرادة الحالة السياسيّة السلطويّة قياسًا بالأنظمة العربيّة. هناك غياب للنظام فلسطينيًا بمعناه المؤسساتي والبنيوي المتصل عمليًا بنشأة الدولة الحديثة، الذي خرجت الجماهير تطالب بإسقاطه عربيًا، فليس ثمة نظام يمايز نفسه عن دولة مستقلة، وأصبح بالإمكان إسقاطه ليحل نظام آخر مكانه، دون أن يمس ذلك بقاء الدولة ذاتها، بل هناك شبه نظام يعمل بمعزل عن دولة كونها غير قائمة.. هذا كله يجعل خصوصيّة الحراكات الاحتجاجيّة فلسطينيًا تتمثل في كونها تواجه جسمًا غير مكتمل، تنقصه مقومات النظام حتى نحكم عليه بالتشوه، ليصبح بالإمكان إسقاطه في ما بعد.
وتابع خميس: السمة "الشبابيّة" لم تخدم هذه الحراكات لاحقًا، حيث ستحولها من وصف للروح الفاعلة إلى فئة محصورة، حيث جرى تصوير فئة شبابيّة لها صفات معينة منعزلة عن فئات المجتمع الأخرى، وقادرة على أن تتحدث عن مشاكل مجتمع خارجها، وكأنها ليست جزءًا منه، وأن لها (أي للفئة الشبابيّة) دورًا رسوليًا ما لإنقاذ هذا المجتمع، ولكن دون التغلغل فيه. ولم تتوانَ الفئة الشبابيّة عن إنتاج خطاب يعزل نفسه عن محيطه.
واستطرد: عجزت الحراكات الشبابيّة عن تطوير خطابها عموديًا، وعلى مد جسمها أفقيًا، فقد اكتفت في بعض الأحيان برفع شعارات ذات طابع سلبي "لا للمفاوضات"، "لا للانقسام"، وفي الأحيان التي طرحت فيها شعارًا إيجابيًا كشعار "إجراء انتخابات مجلس وطني"، لم يحمل الشعار أدوات رافعة له ولا برنامجًا يعززه؛ أي لم تكن للشعار آليات جديّة تعزز كونه برنامج عمل. كما أن خطابها العمودي غالبًا ما امتاز بردة الفعل لا بالمبادرة للفعل، فقضايا كالأسرى والعودة للمفاوضات والاعتقال السياسي، كلها تندرج ضمن مراقبة الفعل السياسي والرد عليه باحتجاج مضاد، دون أن يبلغ هذا الاحتجاج درجة تطوير خطاب مضاد متجاوز لشرط إنتاجه.
وقال إن ورقته حاولت أن تحكي قصة الحراك الشبابي مستخلصة أسباب تعثره من داخله ومن خارجه أيضًا، ولكنها أجلت السؤال الرئيسي لانتمائه لمساحة مختلفة عما سبق، وهو هل أن بنية العمل السلمي تحمل داخلها بذور فنائها في ظل استعمار كولونيالي استيطاني؟ وأضاف: لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون استنفاد المحاولات لذاتها، واستخلاص دروسها من نفسها، إلا أنه من المهم التنبه إلى أن بنية النظام الاستعماري المهيمنة على جغرافيا فلسطين التاريخيّة، قد صممت نفسها بشكل عنيف على ضبط السكان داخلها. وأدى هذا الضبط، مع تواطؤ الوسيط المحلي، إلى تأزيم المقاومة المسلحة، إن لم يكن تفكيكها. لقد جمعت الشعوب في تجارب تحررها بين أنماط مختلفة من النضال. هذا صحيح، ولكن الاستنتاج بأن المقاومة السلميّة هي الخيار المتاح بعد تأزيم/تفكيك المقاومة المسلحة هي مسألة لا تنتمي لذاك التنوّع الخلاق بقدر ما تنتمي لانعدام الخيارات الذي جاء نتيجة سياسة إخضاع مارسها المستعمِر على السكان المستعمَرين.
وختم حديثه بالقول: ضمن هذا السياق، يمكن اعتبار أن الحراكات الشبابيّة في الضفة والقطاع، تعبير عن أزمة من البداية وليس عن عافية، وهو ما يجعل تحميلها الآمال الكبيرة تحميلًا مبالغًا فيه، يقيسها بما حولها دون فهم خصوصيّة السياق الذي تعمل ضمنه/ضده.
مراجعات تتسم بالجرأة
وقدم عدد من المشاركين في الورشة مداخلات وملاحظات حول مضمون الأوراق البحثيّة، قبل أن تختتم الورشة بتعقيب قدمه الباحث جميل هلال، الذي قال: ليس موضوع هذا الكراس البحثي الشباب بشكل مجرد، ولا لمجموعات شبابيّة فلسطينيّة بعينها، ولا هو حول "مشكلات" أو "هموم" الشباب الفلسطيني في هذا التجمع أو ذاك. الموضوع يتحدد بمراجعة لمجموعات شبابيّة سعت إلى التغيير في عدد من المواقع بعد تفجر انتفاضات تونس ومصر وفي بلدان عربيّة أخرى، من قبل شباب وشابات سعوا إلى الدخول المباشر إلى مجال الفعل السياسي والاجتماعي، وما واجهوه من صعوبات وعثرات ومشكلات. وهي مراجعات تتسم بالجرأة والنفس النقدي للذات قبل الغير، والرغبة في التعلم. بتعبير آخر، ينطلق هذا الكراس البحثي من التعاطي مع "الشباب" كذات وليس كموضوع.
وأضاف: ما يسترعي الانتباه في قراءة هذه المراجعات هو قصور معظم المجموعات الشبابيّة عن التحول أولًا إلى حركات شبابيّة خارج محيطها المحلي الضيق، وقصورها ثانيًا عن التحول إلى حركات مدعومة شعبيًا. لقد فشل معظمها في الحفاظ على زخم انطلاقته وتواصلها، وبقى محاصرًا في الموقع المحلي، ومسكون بالتردد في أغلب الأحيان، في تحديد ما يريده من حراكه، وفي كيفيّة مخاطبة الجمهور الأوسع بدلًا من التركيز على الذات. وهي، في معظم الحالات، لم تعمل على تطوير وتنويع أشكال حراكها (كما كان في الحراك الشبابي المصري حيث التنوع الشديد)، وأظهرت قصورًا فاضحًا في القدرة على بناء جسور مع بعضها البعض، وميل معظمها إلى الانسحاب من ساحة الفعل المنفتح إلى دائرة العمل الحلقي والروح الشلليّة.
وأردف: لا يعود كل هذا إلى ضعف الهمة والاستعداد عند معظم هذه المجموعات الشبابيّة، فهذان توفرا بكثرة، بل يعود جزء مهم من القصور (وليس جميعه) إلى الشروط الموضوعيّة التي أحاطت بهذه الحراكات، ولموجبات الشرط الفلسطيني في كل تجمع. ما يبرز من هذه المراجعات هو الحاجة إلى امتلاك الوعي السياسي والاجتماعي والفكري، وعنصر التنظيم الذي يوفر القدرة على توليد وإدامة وتوسيع الصلات بين أفراد المجموعة وتواصلهم وتوليد الروابط بين المجموعة والمجوعات الشبابيّة الأخرى، والشباب بشكل عام، وصولًا إلى تشييد علاقة متسعة مع الجمهور الأوسع بعيدًا عن النزعة التعليميّة والنخبويّة.
وأكد هلال أنه "من الخطأ التعامل مع الشباب كشريحة متخارجة عن مجتمعاتها، فالشباب مكون من تركيبة مجتمعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وتاريخيّة، وقضاياهم جزء من قضايا المجتمع، والعكس، إلى درجة كبيرة، صحيح أيضًا.. ما ينبغي أن يسترعي الانتباه هو المشكلات التي تواجه قطاعات من الشباب وحاجتهم إلى سياسات تعالج هذه المشكلات.. وهناك مشكلات تتصل بإشراك الشبان والشابات في مواقع صنع القرار في المؤسسات المختلفة في المجتمع، بما في ذلك في الهيئات القياديّة في الأحزاب والمنظمات الأهليّة والنقابات المهنيّة والاتحادات القطاعيّة، كالعمال والمرأة".
وقال: من الواضح أن المأزق الفلسطيني بتعبيراته المختلفة، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتعليميّة والثقافيّة، مأزق وطني عام. ومن الصحيح القول إن تعبيرات هذا المأزق العام تتضح في أوضاع وقضايا وتحديات تتباين وفق واقع كل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخيّة وخارجها. كما أن هذه الأوضاع والقضايا والتحديات، على الرغم مما هو مشترك بينها، تتباين وفق الفئات الاجتماعيّة والسكنيّة والعمريّة. وفي الشرط الفلسطيني، يصعب جدًا تجاهل تأثير الحقول السياسيّة الدولانيّة (من الدولة) المتعددة التي تقيم في مجال تأثيرها المباشر التجمعات الفلسطينيّة المختلفة، على مقدرة هذه التجمعات على التعبير بحريّة كاملة ودون تبعات عن قضاياها وطموحاتها وتطلعاتها الوطنيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وقدرتها على التنظيم دفاعًا عن حقوقها ومن أجل تطلعاتها، كما تؤثر على المساحة المتاحة لها لتنشئة أجيال جديدة على قيم وطنيّة ديمقراطيّة، بالمفهوم العميق للديمقراطيّة كتجسيد وقيم وممارسات التحرر والمساواة والحريّة والعدالة الاجتماعيّة، وعلى مدى قدرتها واستعدادها لمناهضة القهر والظلم والاستغلال والسيطرة الخارجيّة والداخليّة.