نشطاء فلسطينيون يبحثون تجربة المقاومة الشعبيّة
نشر بتاريخ: 16/01/2014 ( آخر تحديث: 16/01/2014 الساعة: 16:52 )
رام الله -معا- بحثت عشرات الشخصيّات السياسيّة والناشطة في مجال المقاومة الشعبيّة تجربةَ المقاومة الشعبيّة خلال السنوات العشر الماضية، ودعوا إلى استخلاص الدروس والعبر منها، والعمل على اقتراح أشكال عمل مناسبة لتطويرها، بحيث تكون جزءًا من رؤية إستراتيجيّة شاملة تضمن التكامل في ممارسة أشكال المقاومة كافة، وتكون قادرة على تحقيق الأهداف والمصالح الفلسطينيّة.
وتناول الحضور التحديات والمعيقات التي تحول دون تحوّل المقاومة الشعبيّة من عمل موقعي نخبوي إلى عمل شعبيّ يشارك فيه مختلف أفراد ومكونات الشعب الفلسطيني، وكذلك أسباب العزوف عن المشاركة الواسعة في المقاومة الشعبيّة، ودور القوى السياسيّة والحركة الطلابيّة والشباب. وتطرقوا إلى أشكال المقاومة الشعبيّة المناسبة، سواء السلميّة أو العنيفة، وضرورة عدم الخلط بينها وبين ما يسمى "المقاومة اللاعنفيّة"، ومدى تأثير اتفاق "أوسلو" والتزاماته عليها، خصوصًا في ظل استمرار الرهان على المفاوضات، ومع استمرار الانقسام، ومحاولات احتواء المقاومة الشعبيّة.
كما أشادوا بدور فعاليات المقاومة الشعبيّة ضد الاستيطان والجدار وحملات المقاطعة خلال السنوات الماضية، لا سيما أنّها تشكل امتدادًا لتجارب سابقة وإن كانت غير متماثلة معها بالضرورة، وبخاصة تجربة الانتفاضة الأولى، مؤكدين أهميّة المراجعة النقديّة والبحث في سبل ومقومات الانتقال من مرحلة الفعاليّات الاحتجاجيّة لتحقيق مطالب محددة على المستويات المحليّة إلى توسيع المقاومة الشعبيّة إلى مستوى المجابهة الشاملة مع الاحتلال على الصعيد الوطني، من حيث مستوى امتداد الرقعة الجغرافيّة وانخراط القوى السياسيّة والقطاعات المختلفة.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدّراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بمدينة البيرة، لورقة بحثيّة أعدّها الدكتور عبد الرحمن التميمي، مدير عام جمعيّة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، بعنوان "المقاومة الشعبيّة بين الترييف والتدويل"، وذلك في سياق التحضيرات للمؤتمر السنوي الثالث للمركز.
وأدار اللقاء خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، الذي أشاد – بدوره بفعاليّات المقاومة الشعبيّة المتواصلة، وإلى الإبداعات التي يبتدعها النشطاء، وضرورة تبني مفهوم المقاومة الشعبيّة الشاملة التي تركز على الصراع على الجغرافيا، من أرض وموارد، وتنتقل من مواقع رد الفعل على الفعل الإسرائيلي إلى مواقع المبادرة في صناعة الفعل المقاوم، مع الاهتمام بتوسيع امتلاك الفلسطينيين للحيز العام، عبر فعاليات تهدف إلى خلق أمر واقع فلسطيني في مواجهة سياسة فرض الوقائع الاحتلاليّة والاستيطانيّة على الأرض، منوها في هذا السياق إلى تجارب مهمة مثل قرى "باب الشمس" و"باب الكرامة" و"كنعان" و"حي المناطير"، إلى جانب تجارب إعادة بناء قرية العراقيب والتصدي لمخطط "برافر" في النقب.
واستهل التميمي عرض ورقته بالحديث عن الملامح الأساسيّة للمقاومات غير العنيفة (السلميّة) من تجارب عالميّة في الهند وجنوب أفريقيا والنرويج، حيث بيّن كيفيّة مقاومة تلك البلاد للمستعمر بالطرق السلميّة وباستخدام المقاطعة على كل المستويات، السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة.
وأوضح التميمي أن عدم اشتراك المجتمع المحلي في نشاطات المقاومة الشعبيّة ليس عيبًا في المقاومة فحسب، بل أيضًا بسبب عدم استخدام أدوات التحريض على المشاركة والتحفيز على تبني مشروع المقاومة الشعبيّة، وهذا ناتج من التركيز على المتضامنين من جهة، وعلى التباين في النسيج المجتمعي داخل هذه القرى وانعكاس السلبيّة العشائريّة والعلاقات الاجتماعيّة على حجم المشاركة في الفعاليات من جهة أخرى.
وبيّن أن استحضار المجتمع لتاريخ الانتفاضة الأولى يظهر المقاومة الشعبيّة بأنها حالة انفعاليّة غير منظمة، وفي أحسن حالتها فعل شريف من دون جدوى على المستوى الوطني العام، وأن المقاومة الشعبيّة لم تنجح حتى الآن في محاولات إقناع الجمهور الفلسطيني بتبنيها، بسبب أسباب عدة، من أهمها عدم الشعور بأهميّة وجود حاضنة اجتماعيّة.
وتناول أهميّة المقاومة الشعبيّة كأحد روافد العمل الوطني الفلسطيني، مع تحليل عدد من العوامل ذات العلاقة بالبيئة التي تنشط فيها المقاومة الشعبيّة، والتي ساهمت في تكريس توطين العديد من الفعاليات على المستويات المحليّة (الريف). وقال إن هناك غيابًا ملحوظًا للحاضنة الحزبيّة والاجتماعيّة للمقاومة الشعبيّة لأسباب منها: عدم رغبة القيادات الحزبيّة التقليديّة ببروز قيادات جديدة تستقطب الشارع ولديها الديناميكيّة العالية للتأثير، وشبك علاقات عالميّة أكثر بكثير من القيادات التقليديّة؛ وأنّ الحاضنة الاجتماعيّة تنظر أحيانًا بكثير من الشك والريبة للمقاومة الشعبيّة والنشطاء، إما بسبب حملات التشويه، أو الأحداث غير المقبولة اجتماعيًا، أو الخروقات السياسيّة من المتضامنين؛ إضافة إلى أن الأحزاب لم تحسم أمرها من الكفاح المسلح؛ وأن المقاومة الشعبيّة متعددة الرؤى لا تستند إلى سياق برنامج وطني وإستراتيجيّة كفاحيّة.
واستعرض التميمي ثلاثة سيناريوهات مستقبليّة للمقاومة الشعبيّة، يتمثل الأول باستمرار الحال على ما هو عليه، وهو اعتبار المقاومة الشعبيّة حالة يوميّة بنشاطات نمطيّة روتينيّة، ومصدرًا لتمويل النشاطات وإبراز قيادات محليّة، وهذا السيناريو هو المحتمل في المستقبل القريب (سنة - سنتان)، مع بروز كثير من العوامل السلبيّة واستنفاد الفرص منها من قبل القوى المحرّضة أو الاختراقات، فيما يتمحور السيناريو الثاني حول الوصول الى اتفاق سلام فلسطيني – إسرائيلي، سواء كان الاتفاق مرحليًا أو دائمًا، وسيكون أحد شروط هذا الاتفاق وقف كامل أعمال "العنف" والتحريض وغير ذلك. أما السيناريو الثالث فيتمثل بمحاولة إسرائيل خلق قيادات وتلميع شخصيات وتمويلها بطرق شتى في محاولة لخلق قيادة شعبيّة تتصارع مع قيادات القوى الوطنيّة والإسلاميّة، وبالتالي ستزيد حالة الاستقطاب الفلسطيني؛ الأمر الذي قد يطوّر الأمر إلى صراع داخلي.
وحذر التميمي من أن غيابَ مشروعٍ وطنيٍ وضعف الدولة المركزيّة وغياب الحاضنة المجتمعيّة وعدم وجود رؤيا وتعدد الآليات والمرجعيات؛ سيجعل هذه المقاومة وفق آلياتها ومنسوبها الحالي ظاهرة تسجل في التاريخ الفلسطيني من الماضي في القريب العاجل، الأمر الذي يتطلب بلورة إستراتيجيّة وطنيّة تعالج هذه القضايا بما يمكن من توفير مقومات النهوض بالمقاومة الشعبيّة وبرامجها وآلياتها ومستوى التفاف مختلف الفئات حولها كحاضنة شعبيّة ترسخ شرعيّة واستدامة هذا النمط من النضال.