الكتاب العرب في العريش: عدم السماح للهزيمة بالانتصار.. تدشين حديقة للقدس في سيناء
نشر بتاريخ: 10/06/2007 ( آخر تحديث: 10/06/2007 الساعة: 20:55 )
بيت لحم- معا- افتتح في مدينة العريش الاسبوع الماضي مؤتمر "الكاتب العربي وحوار الثقافات" المصاحب لاجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، والذي يستضيفه لأول مرة اتحاد كتاب مصر بعد عودة مقر الأمانة العامة للقاهرة وانتخاب الكاتب محمد سلماوي أميناً عاماً، خلفاً للدكتور علي عقلة عرسان.
وقد عقدت جلسة الافتتاح بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة سيناء وشارك فيها الى جانب الوفود العربية الشاعر د.المتوكل طه رئيس اتحاد الادباء والكتاب الفلسطينيين، اضافة لامين عام المؤتمر ورئيس جامعة سيناء ومحافظ شمال سيناء ورؤساء الاتحادات العربية.
وقد القى د. المتوكل طه رئيس الوفد الفلسطيني كلمة بعنوان "اربعون عاماً على الاحتلال"، قال فيها:
السادة الحضور:
تعلو على الجسر المُشرف على القناة، فترى مسرباً أزرق يشقّ الرمل الممتدّ؛ وتهبط الى الضفة الشرقية، فتنفرد سيناءُ التي حررّها العبورُ والدمُ الذي غالته اسبارطة، بطوطم الوَهم والفرن الذرّي والنابالم، وبالجنود الذين لم يتعلموا إلاّ كيف يقتلون. لكنها، الآن سيناء التي تنكشف أمامك بنخيلها واستعدادها الأكيد لتكون جنّة نخيل ومنتجعات وقصور نحل .. وفقط، بقليلٍ من الجهد والماء والحلم.
أربع ساعات في حافلة مكيفة وطريق لاحبة وماء بارد استغرقت رحلتنا من القاهرة الى العريش، قطعنا فيها تاريخاً مزدحماً وجغرافياً مربكة، لم يكن فيها ذلك الفرعون القديم ساذجاً عندما اجتاز هذه الصحراء ليصل الى مجيدو في قلب فلسطين ليقطع على بلاد "فارس" أطماعها.
ولم يكن قطز أو عز الدين آيبك أو إقطاي شبانا طائشين عندما قرروا الذهاب على عين جالوت لملاقاة الفرنجة وهزيمتهم، وكذلك فعل الفاطميون في مواجهتهم لأعدائهم وخصومهم في اجتياز هذه الصحراء.
هكذا كان منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، لا بد من قطع هذه الصحراء ليس لحماية مصر فحسب بل لحماية المنطقة، لا يمكن تجاوز التاريخ او القفز على الجغرافيا حتى في عالم "الهاي تك" والصواريخ "البالستية".
وأضاف المتوكل طه قائلاً "إن ضرورة اجتياز هذه الصحراء واعتبار العريش بوابة للنصر والهزيمة هي قاعدة ثابتة، ما تزال تلح علينا حتى في ظل قوانين العولمة التي تُضَّيق عوالم واحلام الشعوب المقهورة والمغدورة، وتُوسَّع من آفاق وأرباح الكارتلات الإمبريالية التي تتوحّش يوماً بعد يوم".
وأشار المتوكل طه الى أنه "في القرن الثاني عشر عبر آموري الأول، الملك الصليبي المتعطش للدم هذه المدينة ليحاصر "بلبيس" ويهزم "شاور". وفي القرن العشرين عبر الصهيوني هذه المدينة أيضاً، ليكللنا بهزيمة ما تزال تتعمق فينا يوماً بعد يوم".
وقال "أرأيتم كيف يتغير المشهد عندما نتخلى عن اجتياز المسافة ما بين العريش والقاهرة. أرأيتم عندما يعبر هذه المدينة الآخرون من الجهة الشرقية، وفي ظل هزيمة تتُوَّج ويُروَّج لها، فإن المقاومة توحد الناس. وإن تغوّلَ أعدائنا، وتبلور أصولياتهم الدينية والعلمانية على حد سواء، وفرضها علينا بالقوة، ليدفعنا جميعاً شعوباً وأنظمة إلى إعادة تبصر وتقييم ونقد جديد".
وأضاف المتوكل طه "إن سياسات التفتيت والتذرير والعرقنة والطائفية والإثنية، لن تنجح إلا إذا قبلنا أو سوغنا أو بررنا أو أيقظنا أو صدقنا هذه الأكاذيب والمفتريات والضلالات. وإن الاستعاضة عن حروب التحرير بحروب الاقتتال الداخلي وصراعات الهوية لهو جزء من تعميق الهزيمة الجارفة والحارقة".
وأكد أن "الأنخراط في اصطفافات، وخلق أجندات وأولويات غير حقيقية أو مفيدة، ولا مصلحة فيها، لهو إنجاح لخطط أعدائنا الذين لا يحتلوننا بقوة الحديد والنار فقط، وإنما بفرض الرؤية والمنهج، وحتى الاستخلاصات النهائية.
وقال "هنا في هذه المدينة، العريش، التي أقيمت يوماً لتقي الجيوش والمسافرين حرارة الشمس وهجير الصحراء، لتعيدنا الى قراءة ما مضى من أيام، والى استعارة القوانين الثابتة مرة أخرى".
وأضاف "هذه مدينة تُعْبرَ من جهة واحدة فقط، وهي بوابة لتغيير المشهد برمته. ومن يقرأ تاريخ أمتنا الماضي فإنه سيعرف بالتأكيد أن العريش ورفح ودير البلح، إنما هي مدن أقامها رجال لم تكن أمامهم خرائط كثيرة، بل كانت في قلوبهم إرادات ورؤى، عرفوا من خلالها أنّ القاهرة لن تكون آمنة إن لم تكن القدس كذلك، وأن مصر كلها لن تنعم بالسلام إن لم تكن الشام آمنة.
وأشار إلى أن هذا "مبدأ استراتيجي عرفه الفراعنة وثبته صلاح الدين وطبّقه محمد علي وعرفه عبد الناصر".
وشدَّد المتوكل طه على أن "الجغرافيا عُقدة وعقيدة"، وأن "هناك أمكنة تفرض على أصحابها الإرتقاء إلى ذراها، وليس العيش عليها فحسب".
وأشار المتوكل طه إلى أن اجتماع الأدباء والكتاب العرب في العريش يجيء في الذكرى الأربعين لاحتلال الأراضي العربية قائلاً: "وفي هذه المناسبة، وفي هذا المكان، وبعد أربعين عاماً من سقوط القدس، فإننا في فلسطين، ونحن ننظر الى هذا الحضور؛ المثقفين والكتاب العرب الحاضرين وغير الحاضرين؛ فإننا نرفع الصوت عالياً والقلب والضمير والوجدان والجهد والعمل والكلمة النظيفة غير المأجورة أو المُغرَّبة : أننا لن نقبل الهزيمة، ولن نسمح لها بالانتصار، مهما طال الوقت وتبدلت المواقع، وتداخل الاعداء والخصوم".
الكتاب العرب يقفون دقيقة صمت في رفح الحدودية
وقد توجه عدد كبير من الكتاب المصريين والعرب الذين شاركوا في المؤتمر الى مدينة رفح الحدودية وحملوا اللافتات وأعلام فلسطين ووقفوا دقيقة صمت احتجاجاً على استمرار إسرائيل في احتلال الاراضي العربية في الخامس من يونيو/حزيران 1967، وقرأوا الفاتحة على أرواح الشهداء الأبرار.
ويأتي ذلك تضامناً مع نداء أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى للوقوف دقيقة صمت في الذكرى الاربعين لاحتلال الاراضي العربية التي تحرر بعضها ولا يزال البعض الآخر تحت الاحتلال.
الكتاب العرب يزرعون حديقة القدس في سيناء
وقد اختتمت فعاليات المؤتمر بإصدار البيان الختامي لاجتماع المكتب وتوصيات المؤتمر، وفيما يلي نصّه:-
يشكر المجتمعون اتحاد كتاب مصر الذي استضاف هذه الدورة بعد أن تعذرت استضافتها في الجزائر، كما يشكرون له كرم الضيافة، واختياره العريش المحررة بدم الشهداء مكاناً للاجتماع، والخامس من يونيو نهاية لفعالياته، تأكيداً لمعنى غال، هو أن الإرادة تفعل المعجزات، وأن الأمل باق طالما آمن العرب بالوحدة، وبالسعي لامتلاك عوامل النصر، وعلى رأسها المقاومة المسلحة والوقوف في وجه التطبيع والاستلاب.
وانطلاقاً من هذه المعاني التي يثيرها في النفس هذا المكان وهذه الذكرى الأربعون للاحتلال، نقف لنلقي نظرة على واقعنا العربي.
إذ يحيي المجتمعون صمود الشعب الفلسطيني في وجه المحتل، برغم القتل اليومي والحصار والتشريد والتجويع، فإنهم يدينون أي اقتتال بين الاشقاء الفلسطينيين، مناشدين إياهم ان تظل البندقية موجهة لصدر العدو وحده، مؤكدين حق الفلسطينيين في العودة الى أرضهم وعدم جرهم الى أي معارك جانبية.
ويشيد المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بالمقاومة العراقية ضد المحتل الامريكي وحلفائه وأعوانه، ويناشد الأخوة في العراق نبذ الطائفية، وترك النزاعات العرقية، سعياً لعراق موحد حر.
ويدين المجتمعون ممارسات المحتل في إزهاق الأرواح العراقية البريئة وتشجيع الاقتتال المذهبي ونهب الثروات وإشاعة الفوضى لضمان وجوده وسيطرته على هذه الارض.
إن المجتمعين إذ يحيون المقاومة اللبنانية لتصديها للعدو الصهيوني وتحقيق نصر يرفع هامة هذه الأمة، فإنهم ينبهون الى خطورة المشاريع المعدة سلفاً لضرب الوحدة اللبنانية، ويدعون جميع اللبنانيين الى ضرورة اليقظة الى هذه المحاولات الرامية الى تفتيت لبنان والعمل على نبذ الفرقة والصراعات من أجل لبنان واحد فاعل في محيطه العربي.
وينظر المجتمعون بالقلق البالغ لما يحاك للسودان من مؤامرات، حيث تتخذ قوى الهيمنة العالمية والاستعمار الجديد من دارفور مدخلاً لها ويرون أن حل هذه المشكلة ينبغي أن يكون سودانياً/سودانياً في إطاره العربي الافريقي دون تدخل من القوى الاجنبية.
ويدين المجتمعون الضغوط الخارجية التي تمارس على سوريا الشقيقة للنيل من مواقفها القومية والوطنية، ويعلنون تأييدهم لاسترجاع الجولان المحتل كاملاً، يقفون ضد محاولات عزل سوريا عن أمتها العربية.
وإزاء ما يحدث في الصومال يدين المجتمعون تدخل القوى الخارجية في شؤونه، حيث لا يغيب عن البال المطامع الخارجية في القرن الافريقي، ويؤكدون على أن المقاومة بكل اشكالها حق مشروع للشعوب في الدفاع عن حقها في الحياة الحرة الكريمة، والاستقلال والسيادة.
ولأن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب هو المدافع الأول عن الحرية، إذ لا إبداع ولا تغيير ولا نهضة ولا مستقبل لهذه الأمة من دون حرية، فإنهم يعبرون عن انشغالهم البالغ وقلقهم العميق تجاه ما تحياه الحريات العامة والفردية وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير من انتهاك ومصادرة ورقابة مسبقة أو لاحقة.
ويؤكدون تضامنهم المطلق مع ضحايا هذه الانتهاكات ويطالبون الانظمة العربية بالكف عن التضييق على الحريات وبالغاء القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، وبإطلاق سراح كل المعتقلين لآرائهم وإبداعهم في الوطن العربي، ورفع المنع عن كل ما تمت مصادرته من اعمال فنية وفكرية".
بعد ذلك توجه الكتاب المشاركون في المؤتمر الى قطعة ارض خالية في مدخل جامعة سيناء بالعريش، ووضع كل منهم بذرة أو شتلة شجرة زيتون، فأصبح لكل كاتب من الكتاب المصريين والعرب المشاركين في هذا المؤتمر شجرة زيتون في سيناء، من حقه أن يرعاها حتى تنمو وتترعرع وتكبر وتطرح زيتونها على أرض سيناء المحررة، وقد اقترح د. المتوكل طه ان يتم تسميتها "بحديقة القدس" وقد وافق المشاركون وتم اعتماد هذا الاسم، فيما ألقت المناضلة المصرية المعروفة الكاتبة فتحية العسال كلمة أكدت فيها على مواجهة التطبيع ووحدة الأرض العربية ومساندة الشعوب المقاومة.