الأربعاء: 06/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحذير من يهودية الدولة ومؤتمر هرتسليا في تحديد السياسة الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 04/02/2014 ( آخر تحديث: 04/02/2014 الساعة: 17:07 )
البيرة - معا - حذرت شخصيات سياسية وأكاديمية من الدولة اليهودية التي باتت مطلبًا أميركيا وإسرائيليا وأحد العناصر الأساسية في "اتفاق الإطار" الذي يحاول كيري إنجازه بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأحد المطالب الرئيسة لتوقيع أي اتفاق سلام يعقب العملية التفاوضية.

وتوقفوا أمام الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث والتفكير الإسرائيلية لجهة التأثير على السياسات التي تتبناها الحكومات الإسرائيلية، مؤكدين على أهمية التصدي، فلسطينيًّا، لما تنتجه هذه المراكز من أفكار وتصورات تتحول من مستوى التمرين الذهني إلى مستوى السياسات التي تُطبق رسميًا على أرض الواقع.

وأشاروا إلى أن فكرة الدولة اليهودية تحوّلت في "مؤتمر هرتسليا" إلى ركن أساسي في السياسة الإسرائيلية تطرح على طاولة المفاوضات، كما تتجلى تطبيقاتها عبر السياسات والإجراءات الاحتلالية في توسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي والترانسفير وبناء الجدار وهدم المنازل في أراضي 67 كما في أراضي 48، وصولًا إلى المطالبة بتبادل الأراضي والسكان.

جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بالبيرة، حول نتائج دراسة إستراتيجيّة أعدّها الأستاذ أنطوان شُلحت، مدير وحدة المشهد الإسرائيلي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، بعنوان: إرهاصات التفكير بـ "الدولة اليهودية" كمنأى من الخطر الديمغرافي، وذلك بحضور عشرات الشخصيات السياسيّة والأكاديميّة والناشطة.

وأدار الجلسة خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، الذي نوه إلى أن هذه الدراسة الإستراتيجية هي مسودة خضعت للمراجعة والتحكيم، وسيتم تطويرها أيضًا في ضوء توصيات حلقة النقاش، حيث ستصدر ضمن سلسلة الدراسات الإستراتيجية التي يصدرها مركز مسارات.

وقال إن موضوع هذه الدراسة يكتسب أهمية متزايدة في هذه المرحلة، حيث تضغط الولايات المتحدة وحكومة نتنياهو على الجانب الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية كأحد أبرز النقاط في "اتفاق الإطار" الذي يسعى جون كيري جاهدًا لإنجازه.

واستعرض شلحت دراسته التي أوضحت الدور الكبير الذي أدّاه مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل منذ تأسيسه في العام 2000 في تحديد اتجاهات السياسة الإسرائيلية العامة، حيث تركزت على كل عناصر تلك السياسة المتعلقة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والتغيرات الإقليمية والرابطة الجدلية بينهما، وإبراز الجوهر الرئيسي لهذا الدور، الذي تمثل أساسًا في تأجيج خطاب "الدولة اليهودية"، سواء إزاء عملية المفاوضات، أو إزاء الفلسطينيين في الداخل، وتحديدًا إلى ناحية توكيد أن تكريس هذه الدولة سينأى بها عن "الخطر الديمغرافي"، وسيؤدي إلى تلاشي "خطر الدولة ثنائية القومية"، وإلى نزع فتيل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وأضاف: تثبت وقائع كثيرة مرت منذ انهيار العملية السياسية في العام 2000، وهو الانهيار الذي تزامن مع تأسيس "مؤتمر هرتسليا"، أن إسرائيل لا تفكّر أبعد من غاية الحفاظ على "الدولة اليهودية"، مدفوعة بعوامل كثيرة ازدادت عليها ولا تزال عوامل أخرى مرتبطة بآخر تطورات "الربيع العربي"، وتقف في صلبها عوامل كان لهذا المؤتمر يد طولى في طرحها وجعلها تتصدر جدول الأعمال الإسرائيلي العام.

وقال شلحت إنه بعد المؤتمر الأول الذي عقد في كانون الأول/ ديسمبر 2000، بلور منظموه الأفكار التي طرحوها فيه في نطاق وثيقة تأسيسية، تشمل أيضًا توصيات في مجالات متعددة، وأشار إلى أن أول مبدأ من المبادئ العامة من هذه الوثيقة هو أن "إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي"، وأن "مشكلات الدولة الإثنية وحاجتها إلى مناعة قومية ناجمتان عن النزاع اليهودي- العربي الذي يرافق الحركة الصهيونية منذ بدايتها".

وجاء أيضًا في الوثيقة: "إن مصطلحات مثل "مناعة قومية" و"وحدة الهدف" و"الذاكرة الجماعية" و"المسؤولية المتبادلة" تتطرّق إلى مجتمع الأغلبية اليهودية في إسرائيل وليس بالضرورة إلى الدولة بمجملها، وثمة ضرورة من وجهة نظر توطيد الأمن والمناعة القومية لإكساب قيم الصهيونية والذاكرة الجماعية اليهودية والصهيونية ضمن أطر التعليم الرسمية، وللتعبير عنها في الرموز الرسمية".

وأوضح أن وثيقة مؤتمر هرتسليا الأول أولت اهتمامًا لما أسمته "التهديد الديمغرافي على إسرائيل اليهودية"، من جانب الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن جانب العرب في إسرائيل، كما أوصت أيضًا بدراسة منح العرب في إسرائيل إمكان الاختيار بين المواطنة الكاملة في دولة إسرائيل وبين المواطنة في الدولة الفلسطينية، مع حقوق "مقيم دائم في البلد"، كما أشارت إلى أن استمرار الاتجاهات الديمغرافية السالفة يضع تحديًا أمام إمكان استمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية، وأن المطلوب الآن هو هندسة تصميم جديدة لتنسيق عمليات التفاوض المستقبلية.

وقال شلحت إنه برأي عدد من الباحثين الإسرائيليين الآن فإن هناك أسبابًا كثيرة للاعتقاد بأن مطلب الاعتراف بالدولة اليهودية بات، بالنسبة إلى إسرائيل، بمثابة قضية خامسة متقدمة في لائحة القضايا الجوهرية المدرجة في جدول أعمال مفاوضات "الوضع النهائي"، فضلًا عن القضايا الجوهرية الأربع الأخرى وهي: الحدود والمستوطنات؛ القدس؛ اللاجئون؛ الترتيبات الأمنية. ومع ذلك فإن نتنياهو دفع بقضية الدولة اليهودية إلى صدارة القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات، بل وشرطًا للتوصل إلى "اتفاق إطار" مع الجانب الفلسطيني.

وأضاف: في الدورة السادسة لمؤتمر هرتسليا العام 2006، أكدت الوثيقة التأسيسية للمؤتمر أن "وقائع النزاع اليهودي- العربي بحاجة إلى مخططات تقسيم لأرض إسرائيل (فلسطين) بموجب مفتاح ديمغرافي- استيطاني"، وتطوّر هذا الموقف في وقت لاحق إلى تأييد قيام "دولة" فلسطينية. وبينت الوثيقة أن المعضلة أو الإشكالية القائمة بين المقاربة الثنائية الجانب والمقاربة الأحادية الجانب تقابلها إشكالية تنبع من التناقض بين متطلبات الهدفين المركزيين لدولة إسرائيل وهما: ضرورة ضمان الوجود المادي (الجسدي) لليهود في "أرض إسرائيل"؛ وثانيًا، الرغبة في إقامة دولة يهودية وديمقراطية، التي تنبع منها ضرورة توفر أغلبية يهودية والتنازل عن أجزاء من أرض إسرائيل وإقامة دولة قومية للفلسطينيين.

وأشار إلى أن الوثيقة تناولت موضوعي "الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة"، والاعتبارات التي يجب أخذها لدى رسم الحدود، وأن أحد التوجهات لرسم الحدود يتمثل في التوجه الجغرافي عبر تبادل مناطق غير مأهولة وتبادل مناطق مأهولة بمقتضى اعتبارات ديمغرافية، كما أضاف أن هناك ثمة توجه آخر لرسم الحدود الدائمة لا يتجاهل الاعتبارات الديمغرافية والسياسية والتاريخية، لكنه يؤكد ضرورة وضع "الحدود القابلة للدفاع عنها" كهدف لإسرائيل.
توصيات المؤتمر الأخير

ونوه شلحت إلى أن تقويم مؤتمر هرتسليا الأخير في العام 2013 أشار إلى أن الطريق المسدودة التي تقف أمامها عملية التسوية السياسية يمكنها أن تؤدي إلى ازدياد التأييد الدولي والفلسطيني لفكرة "حل الدولة الواحدة" الذي يقوّض الكيان الصهيوني، وإلى أنه لا بد من التأكيد أن أزلية "حل الدولتين" ليست مسألة بديهية مفروغًا منها، وأن الهزة التي شهدها الشرق الأوسط منذ سنة 2011 ("الربيع العربي") وما تبعها من تغيير في ميزان القوى والمصالح في العالم، أوجدا تحديات إستراتيجية جديدة أمام إسرائيل.

وقال إنه منذ أن تأسس "مؤتمر هرتسليا" وموضوع العرب في الداخل يقف في صلب الموضوعات التي يتم التداول فيها خلاله، حيث بين في دراسته أن الجهود الإسرائيلية لقمع تطلعات الأقلية العربية "متعددة الجبهات ويتم التعبير عنها من خلال مبادرات سن قوانين وإجراء تغييرات في جهاز التعليم وأنشطة رمزية وخطوات دبلوماسية تهدف إلى تحصين هوية إسرائيل اليهودية"، وفي المقابل تتم مطالبة الأقلية العربية بالتنازل عن مطلبها بالحصول على ديمقراطية وعلى مساواة أكثر مع المواطنين اليهود، ووضعهم في قارب واحد مع "القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية".