الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

تجارة الأدوية .. ومصاصي الدماء في غياب الرقابة

نشر بتاريخ: 08/02/2014 ( آخر تحديث: 08/02/2014 الساعة: 15:06 )
غزة - معا- تحقيق أمجد ياغي- ربما يدفع المال لارتكاب الكثير من الأخطاء والتي تدفع صاحبها أن يطيح بأخلاقيات مهنته، فتصبح المهنة عبارة عن مهنة اكتساب المال على حساب الآخرين وربما تكون على حساب صحتهم، المهم في الأمر أن يجني المال .. فما هي المهنة التي تحول صاحبها إلى مصاص دماء؟؟
" كان يبيع لي حقنة مخدر خطيرة جعلتني أدمن عليها وكان مصدرها من المستشفى ".

جلس المواطن مدحت . م البالغ من العمر 55 عاماً على عتبةِ بيته مستعيناُ بعكازه القديم الذي يسانده أينما ذهب، يمسك بيده ليمسح عرقه من شدة تعبه، ليبدأ يروي عن قصتِه مع الطبيب الذي كان يحضرُ لهُ العلاج لبيته ويأخذ مقابُله المادي منه، ويقول " كنت أعاني من مشاكل عديدة في جهازي الهضمي وبالتحديد في منطقة جهاز الإثنى عشر، الذي هو شبه معطل عن عمله، ويصاحبني مغض مرارة شديد يومياً، الأمر الذي دفعني أن ألجأ لعيادة الطبيب أ.ن، الذي بدوره كتب لي عدة أنواع علاجات، ومن ضمنها الترامادول ذالك ليسكن الآلام، وأيضاً قام بإخباري أنه سيتكفل بعلاجي، من ثم أصبح يأتي للبيت ويكشف علي، ويعطني حقنة سائل يأخذها فارغة بعد حقني ويحتفظ بها، لكن تعودت أن أخذها من بعدها أجد أن الآلام قد خفت.

وإضافة أيضاً : في الفترة من بعدها أصبحت معتاد على هذه الحقنة بشدة أي لا استطيع تحمل الآلام إلا أن آخذها، حتى أنا لا أعرف اسمها، لأني لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ومن بعدها شك أولادي في الطبيب وكانوا يحذروني منه، حتى أن أتت فترة ولم يأتي لي الطبيب ليعالجني ويشتد فيه الألم أكثر وأكثر حتى أن اتصلت به ليحضر لي العلاج لعدم تحملي الألم، فأخبرني أن أتي له على المستشفى لأنه بدوامه ويعطيني الحقنة.

هنا لم يكن همُ مدحت شيء غير كيف تخفف ألامُه الحادة، ويقول " عند قدومي على باب المستشفى أتاني اتصال منه يقول لي أن أحضر أي هدية وكأني في زيارة لمريض معين، حينها لم يخطر في بالي شيء غير كيف سأسكت ألمي الحاد، صعدت له ودخلت غرفة غيار الأطباء وإذا به يخرج الحقنتين مع السرنجات لها ويضعهم في كيس الذي به موز ويأخذ مني 100 شيكل، رجعت للبيت وبعد أن حقنت بالإبرة من ولدي تحدثت لأولادي عن ما حصل معي وذهابي للطبيب للمستشفى، فغضبوا جميهم وأقنعوني بأنه يستغلني ومثل هذه الطرق هي غير شرعية ويجب أن نحضر لك بطبيب باختيارنا ليشرف على حالتك.

وبالفعل أحضروا أبنائه له طبيب ليشرف على حالته التي كانت تسوء ولا تتحسن، لكن عند بدأ الطبيب بتشخيص حالته أكتشف حينها أن الحقنة التي كان يحضرها له وبشدة تسمى" البيثيدين " وهي حقنة خطيرة جداً لاحتوائها على مواد مخدرة وهي أخطر من الترامادول، وجعلت من جسم مدحت مدمن عليها كما هو كلام الطبيب، فكان رد مدحت على هذا الكلام برد واحد وهو " حسبي الله ونعم الوكيل ".

" أخذ الطبيب مني ثمن الحقنة الشرجية لتسريع الولادة وهي تصرف بالمستشفى شبه مجاني "
هادي له قصة مختلفة مع طبيب نساء وولادة في أحد المستشفيات في قطاع غزة، حيث قام بدفع 150 شيكل للطبيب ثمن حقنة شرجية تساعد المرأة على تسريع الولادة على أنه هو من يشتريها له من الصيدلية خارج المستشفى، وحصل على المبلغ عن طريق الإستدانه من أخوه، لكنه صعق حين عرف في الوقت الذي أنجبت زوجته الولد كانت الحقنة الشرجية موجودة بالمستشفى وتصرف للمرضى شبه مجاناً، وأن يدفع فقط تذكرة ويحصل عليها من مخزن الدواء في القسم.

ويقول : عندما أتى لي الطبيب وتحدث معي أن زوجتي تحتاج حقنة شرجية ثمنها 150 شيكل، قمت بالاستدانة من أخي لأني اعمل سائق وفي فترتها كانت ظروفي صعبة وعندما أحضرت المال طلب مني الطبيب أن أعطيه المال لأنه من سيحضرها ولم أرضى في البداية إلا انه الطبيب تحدث لي انه هو من سيحضرها لما له علاقة جيدة بالصيدلية القريبة وانها مساعدة شخصية منه، لكن اندهشت من أمور أدخلت الشك في ذهني عندما علمت الممرضة بأن الطبيب هو من اشترى لي الحقنة الشرجية بمالي، وبدأت ملامحها تتغير لما قلت لها ذالك لأنها بدت مفاجأة باستفسارها مستغربة انه لم يحضرها لك من مخزن القسم من تحت، من غير أن تتحدث لي هل أن الحقنة موجود أو ليست موجودة.

لم يترك هادي الشك بداخله، بل أخرجه عندما سأل طبيبة روسية الأصل متخصصة بالنساء والولادة أيضاً، فقام بسؤالها بوجود هذا الحقنة بالمستشفى الحكومي أم يتم شرائها من الخارج، والتي بدورها قامت بالاتصال بأحد زميلاتها وأخبرتها أنها تصرف في المستشفى وهي متوافرة لجميع حالات الولادة.
بعدما علم هادي كل هذه الأمور التي اتضحت له بعد سؤاله وسعيه لمعرفة الحقيقة، جلس ليتحدث ما باليد حيلة لأنه سبق له أن تقدم بشكوى على ممرضة لم تقدم العناية الكاملة لزوجته وكان ردها الممرضة كانت تتابع أكثر من حالة صعبة وطارئة.

" الصيدلي استغل حاجتي للمال ليشتري مني الأدوية النفسية التي تحتوي على مواد مخدرة "

قد تبدو قصة عبد السلام .ج مختلف تماماً عن مدحت وهادي لكن تتشابه بشيء واحد وهي الأدوية ذات المصدر الغير شرعي، عبد السلام أب لولدين يعانون أمراض نفسية عديدة، تتطلب علاج خاص بالمرضى النفسيين، ويتلقى علاج من مستشفى الصحة النفسية بنظام نصف شهري لعدة أنواع، الأمر الذي جعل من صيدلي قريب من منزله يعرض عليه أن يشتري أدوية معينة من التي يتلقاها مقابل مبلغ معين لكل شريط.

ويقول " كان إثنين من الصيادلة يستغلون حاجتي للمال مقابل أن أعطيهم أدوية معينة من التي أتلقاها من وزارة الصحة، وهي التي تكون غالية الثمن، ويشترونها مني بخمس أو عشر الثمن، وأسماء هذه الأدوية هي " رسبيريدال " و"رتالين" و"لوبينكس" " والأسوفال "، وطبعاُ هم يبيعوها بالسعر الذي يريدوه، وهذا الشيء يحدث لسوء ظروفي المادية ، وكانوا يعلمون أن أخر الشهر لا املك المال لذالك كانوا يعرضون علي بشراء الدواء، غير ذالك فكان صيدلي أخر يشتري مني ومن غيري أدوية تصرف من الوكالة أو الحكومة وهي رخيصة الثمن لكنه كان من باب أن مقابلها مبلغ لا يذكر "

وشدد عبد السلام في حديثه على أنهم أيضا كانوا يأخذون منه حبوب " أسوفال " الذي هو بالأصل حسب التسعيرة الحكومية هو رخيص لكنهم كانوا يبيعونه لأشخاص مدمنيه بأضعاف سعره.

المواطن أحمد محمود إسم مستعار لمواطن رفض كشف اسمه، له تجربة مع صيدلي كان يبيعه الدواء من غير وصفة طيبة وبأضعاف الثمن، تحدث أنه كان يعاني من ألاماً في المفاصل حادة جدا، وكان يتلقى في بداية علاجه " الترامادول " عن طريق مكتوب موقع من الطبيب مرتين، لكن الصيدلي قد عرض عليه أن يعطيه إياه من غير وصفة طبية لكن أن يدفع ضعف المبلغ، بداعي أنه يوفر عليه مبلغ كشف الطبيب والوقت.

قال أحمد: في فترتها كان الألم يزيد بي وبشدة وأصبح حاجتي لل"ترامادول" مثل حاجتي للماء إلى أن وصلت بي الحالة لأن أصبحت أستدين من الأصدقاء وغيرهم لأغطي ثمنه وأذهب الى الصيدلي وأعطيه المال ليعطيني إياه بطريقة الإذلال، لحين أن وصلت بي الأوضاع لأسواء من ذالك،حتى وضعت نفسي في سيارة متوجها إلى مركز علاج الإدمان الذي قضيت به أكثر من شهرين صعبان لكن بفضل الله شفيت ولو أني أعاني من الام خفيفة لغاية الان.
مازن السقا طبيب أخصائي التغذية العلاجية والعقاقير الطبية وحاصل على دكتوراه في نفس تخصصه، تم عرض جميع القصص عليه، فكان له ردود لكل قصة.

في قضية المواطن مدحت تحدث الدكتور السقا أن التشخيص لحالته مشاكل في الجهاز الهضمي والإثنى عشر كان خاطئ لأنه لا يعطى "الترامادول" في حالته إطلاقاً، وحتى لو كان من باب التعاطف مع المريض وانه يعاني من ألام شديدة، أما بخصوص تناوله حقنة " البثيدين " فهذه تأخذ بداخل المستشفى وليس بخارجها وتأخذها غالباً للحالات التي تندرج منها حالات العمليات الكبرى لتخفيف حدة الألم، لأنها من الأفيونات كما هو حال "الترامادول" التي تؤدي كلها للإدمان.

ويضيف: إذا كانت القضية بها استغلال فهي بعيدة عن أخلاقيات المهنة إطلاقاً، وخرج عن إطار ما يسمى بالطبيب، وإذا كان هنالك تعاطف مع المريض نتيجة ألامه فهو خطأ ويجب أن يعطى تحت حرص شديد داخل المستشفى.

أما في قضية الأدوية في الصيدليات، قال: هذه الأدوية التي تم بيعها للصيدلي من الأدوية النفسية يوجد منها مهدئ ومنوم، ويجب أن تعطى ضمن ضوابط مشددة لأنها في النهاية تؤدي إلى التعود ومن ثم إلى الاعتماد الجسدي والنفسي حتى يصل للإدمان، وهنالك ضوابط للصيدلي وهي ورقة الوصفة الطبية التي يجب أن تحتوي على التشخيص واسم العلاج وحجم الجرعات اللازمة له، لكنه في بداية أن ينعكس المسار وان يشتري الصيدلي من المريض العلاج فينتزع منه صفة الصيدلي لأنه لو كان صيدلي بحق لا تسمح له نفسه أن يشتري من مريض أو المواطن العلاج، فما بنيه على باطل فهو باطل.
ويشدد السقا على أن الصيدلي إذا كان سيأخذ هذا الدواء الذي اشتراه سيؤديه باتجاه صحيح للجأ للمستودعات وشركات الأدوية، لكن طالما بدأ بمسار خطأ فهناك مسارات خاطئة عديدة وكثيرة وهذا لا يعتبر من الأخلاقيات.

وتحدث أيضاً في قضية المواطن هادي أنه لا يمكن للطبيب أخذ مبلغ من المال لشراء داء معين للمريض، وفي هذه الحالة يوضع نفسه في دائرة الشك، وهذا الطبيب إذا اخذ المال لنفسه فهو ابتعد عن أخلاقيات المهنة إطلاقاً.

وزارة الصحة كان لها الرد على هذه الحالات بعد عرض القصص عليها، فقامت بتحويل الردود للمستشار القانوني الذي أحالة الأوراق لغيره وبقى الرد من جانب واحد وهو مدير دائرة الإجازة والتراخيص ، والذي بدوره الدكتور ماجد حمادة مدير الدائرة من وزارة الصحة كان له ردود على جميع الحالات.

بخصوص موضوع الأدوية في الصيدليات الموجودة بطريقة غير شرعية وتجارة الأدوية المخدرة من قبل الصيدليين، قال : الصنف الذي يباع للحكومة في غزة وضع له كود معين من قبل الشركات ويتم التعرف على هذه الأدوية بشكل سريع، ونحن عندنا فريق للرقابة والتفتيش على جميع الصيدليات بدون موعد مسبق، والقانون لا يسمح بتداول أدوية الصحة أو الأدوية المصروفة من التبرعات أو أدوية الوكالة بمعنى الأدوية المجانية يجب أن تصرف مجاناً، وإذا تم إثبات على الصيدلي انه يخالف هذه القوانين يتم محاسبته بالتأكيد واتخاذ إجراء بحقه، الموضوع يجب أن يوضع بمساقه " المخطأ يجب أن يحاسب ".

أما قصة المواطن هادي، قال: ليس من مهام الطبيب أن يذهب ليشتري الدواء للمريض وإن حدث فهذا خطأ من الطبيب والمريض لأن المريض يعلم تماماً أن الطبيب لا يشتري الأدوية للمريض، المريض يجب أن يكون واعي لأن الخداع من الممكن أن يحصل معه في أي مكان.

قضية المواطن مدحت كان له رد إضافي، فقد كرر الدكتور حمادة كلامه مرة أخرى، عندما تحدث عن مهمة الطبيب ليس شراء الأدوية إطلاقاً، وأن الصيدلي هو من يبيع الدواء، ونوه في حديثه أن حقنة " البثدين " لا تستخدم خارج المستشفى إطلاقاً وتستخدم فقط في المستشفى وهي من الأدوية المراقبة التي يستلمها الطبيب بالتوقيع عليها، وإذا تم الإثبات على الطبيب الذي يعمل لدى الصحة بما تحدث به المواطن مدحت فبالتأكيد سيتم محاسبته.

وأختتم الحديث مشدداً وموجها الكلام للمواطنين في قطاع غزة جميعاً أن أبواب وزارة الصحة مفتوحة لكل المواطنين والحق لكل مواطن أن يتقدم بأي شكوى في قضية يراها أنه ظلم فيها، ويؤكد أن كل شكوى تتلقاها وزارة الصحة يتم إحالتها إلى جهات الاختصاص بها ويتم الردود عليها.