السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمة وزير الخارجية الاردني امام مجلس النواب

نشر بتاريخ: 10/02/2014 ( آخر تحديث: 10/02/2014 الساعة: 15:33 )
بيت لحم- معا- القى وزير الخارجية الاردني ناصر جودة كلمة امام مجلس النواب الاردني تطرق فيها لمعظم القضايا المصيرية لا سيما المتعلقة بعملية السلام.

وهذا النص الكامل للكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين و على آله و صحبه أجمعين

سعادة رئيس مجلس النواب الاكرم،
اصحاب المعالي والسعادة اعضاء مجلس النواب الموقر،

استهل هذا العرض بتقديم الشكر الجزيل لمجلس النواب الموقر- ممثل الامة- على عقد هذه الجلسة الهامة للتداول، وفي اطار الشراكة الكاملة والحقيقية، بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حول الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الامريكية حاليا على مسار دفع المفاوضات قدما بهدف الوصول الى حل نهائي للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي حيث تشكل القضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي الإسرائيلي.

و لقد كثر الحديث و التحليل حول هذه الجهود الأمريكية الأخيرة، مع انها ليست المرة الأولى التي ينخرط فيها الجانب الأمريكي في جهود إحلال السلام تاريخيا و لكنها قد تكون الأكثر تركيزا و كثافة من حيث الوقت و الجهد. و من حق المواطن ان يسأل و يتساءل كما هو حق دستوري لممثل المواطن مجلس النواب الموقر أن يسائل و كل هذا نابع من حرص مشترك على مصلحة الوطن و أمنه. و الحكومة تلتزم بواجبها الدستوري بالإجابة حول عملنا و جهودنا في هذا الموضوع الهام و المصيري.

و يتعين علي الإشارة الى ان هذا المسعى الامريكي الجاري حاليا بدأ بإعلان السيد جون كيري وزير الخارجية الامريكي عن استئناف المفاوضات المباشرة ما بين الاطراف المعنية من هنا -من عمان- في شهر تموز من العام الفائت- في دلالة لا يجوز ان تخطئها العين على مركزية دور الاردن ومكانته. و هذا المسعى هو مسعى جاد، بدلالة قيام وزير الخارجية الامريكي بزيارة المنطقة اكثر من عشر مرات منذ توليه لموقعه مع تولي الرئيس باراك اوباما ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة الامريكية. وكل هذه الزيارات تتم بالتنسيق و التشاور مع الاطراف المعنية و معنا أيضا في الأردن و ذلك مرة أخرى بسبب دورنا الرئيس في هذا المجال.

وهذا المسعى الامريكي الحالي يختلف عن المساعي التي سبقت لانه يحاول ان يحكم المفاوضات واتمامها بسقف زمني محدد وواضح، بخلاف جهود سبقت لم تحدد بسقف زمني و بقيت بسقف مفتوح و إما فشلت او حققت نجاحات محدودة، مثلما انه يطرح هذه المرة كل قضايا الحل النهائي على مائدة المفاوضات ليتم التفاوض بشأنها كلها بشكل فوري دون اي تأجيل لقضايا مركزية او تقديم لأخرى، ولعل منهجية المسعى الحالي القاضية بعدم التفاوض عبر وسائل الاعلام وابقاء المفاوضات داخل غرف التفاوض والتزام طرفي التفاوض بذلك- وهي منهجية تحمل دلالة اضافية على الجدية-قد ادت الى تكهنات واستنتاجات غير دقيقة حول ماهية المطروح.
ولا بد لي ان ابين بأن السيد جون كيري كان له على الدوام دور والتزام ملموسين بتحقيق السلام في الشرق الاوسط من خلال عمله الطويل و الهام كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي على مر سنوات عديدة سبقت تعيينه وزيرا للخارجية. واهتمام والتزام السيد كيري الشخصي بهدف تحقيق السلام العادل، كان في جانب كبير منه نتاجا لتأثير الاردن ومولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله و رعاه من خلال التواصل الدائم معه عبر السنين.

ويتعين علي ان اوضح ايضا بان المسعى الامريكي الراهن يرتكز على مبدأ تجسيد حل الدولتين ويهدف الى انجاز هذا الحل وفقا للتأكيدات الامريكية التي تقدم لنا وفقا للمعلومات التي نتبادلها بشكل مكثف و متواصل و دوري مع الإخوة في السلطة الوطنية الفلسطينية.

و في هذا السياق أؤكد على انه لا توجد لغاية الان اية صيغ او وثائق مكتوبة تتعلق بالطروحات الامريكية التي يتم إنضاجها، إلا اننا مطلعون كباقي الاطراف على التفكير الامريكي العام حول هذا الموضوع، مثلما ان الاطراف كافة تقوم بإطلاعنا بشكل منتظم على مختلف المقاربات والأفكار والصيغ المقترحة التي يتم تطويرها، والأطراف كافة تعرف - بشكل واضح وموثق ورسمي- بأننا نحتفظ لأنفسنا بحق التصرف قبولا ورفضا وتحفظا لأية صيغ تتعارض مع مصالحنا العليا ومع ثوابتنا الوطنية فيما لم نكن نعلم عنها.

و إن المبدأ الذي يرتكز عليه وزير الخارجية الامريكي في جهوده الحالية هو مبدأ إنهاء الاحتلال كليا و هو موقفنا و إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضيها و هو موقفنا استنادا لخطوط الرابع من حزيران 1967 و هو موقفنا و حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين وفق الشرعية الدولية و مبادرة السلام العربية و هو موقفنا.
و اؤكد في هذا السياق بأننا لا نتفاوض بالنيابة عن الإخوة في السلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أننا طرف مركزي ومحوري و أساسي في العملية التفاوضية برمتها ومعنيون بمضامين القضايا الجوهرية التي تعالجها، وبنتائجها كذلك وبالطروحات الخاصة بسبل حلها، لأن قضايا التفاوض كلها هي قضايا لها مساس مباشر بمصالح اردنية عليا و حيوية يجب ان تصان بشكل كامل. ويتعين على الإخوة في السلطة الوطنية الفلسطينية وحدهم، تبعا لذلك، اتخاذ القرارات التي ستكون بطبيعة الحال تاريخية، وكدأبنا في الاردن دوما فإننا سنساند الإخوة في هذه المرحلة الهامة من نضالهم لتجسيد حل الدولتين ونيل حقوقهم المشروعة. الا اننا لن نقبل بأي مخرجات او نتائج لا تلبي بالكامل مصالحنا الوطنية العليا.

أما بالنسبة لقضية اللاجئين، فأؤكد أنه عندما يتم الاتفاق على المبادئ المنسجمة مع قرارات الشرعية الدولية و مبادرة السلام العربية فإن المملكة الأردنية الهاشمية هي المسؤول المباشر عن التفاوض فيما يتعلق باللاجئين من مواطنيها و لن تقبل بأي حل لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة و حقوقها و حقوق مواطنيها.

سعادة رئيس مجلس النواب الاكرم،
اصحاب المعالي والسعادة اعضاء مجلس النواب الموقر،

إن الجهود الامريكية الراهنة تستند في جوهرها الى مساع سابقة استمرت لسنوات والى صيغ تم التداول والتباحث المكثف بشأنها في السابق وباتت بمجملها تشكل ما نسميه اليوم "مرجعيات عملية السلام". و اسمحوا لي أن أذكر بعض المحطات التاريخية في هذا الشأن: حيث أن الجهد الحالي يبني على جهود الرئيس الامريكي باراك اوباما خلال فترة رئاسته الاولى للولايات المتحدة الامريكية، والتي استهلها بمقاربة جادة هدفت الى دفع جهود السلام قدما. وتذكرون أنه و وزيرة خارجيته آنذاك هيلاري كلينتون قام فور توليه الرئاسة بتعيين السناتور جورج ميتشيل كمبعوث خاص لهذه الغاية، وكان لمولاي حضرة صاحب الجلالة دورا طليعيا ومحوريا في دفع الرئيس اوباما وادارته باتجاه الانخراط المبكر والجاد في هذا الأمر، حيث كان جلالته أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الامريكي في واشنطن في نيسان من العام 2009، وفي قيام الإدارة الامريكية بربط انجاز حل الدولتين بالمصالح العليا الامريكية من خلال الإعلان ان تجسيد حل الدولتين واحلال السلام يمثل مصلحة عليا امريكية. و هو الموقف الذي شكل نقطة تحول هامة في السياسة الخارجية الامريكية. لكن هذه الجهود الامريكية اصطدمت في وقتها بعقبة استمرار الاستيطان الاسرائيلي المدان في الضفة الغربية المحتلة والتي ظلت تمثل وتشكل العقبة الأساسية أمام إحراز التقدم المنشود، ثم وقعت تطورات واحداث اخرى كبيرة في منطقتنا منذ نهاية العام 2010 فرضت على الاطراف الاقليمية المختلفة وعلى الإدارة الامريكية والقوى الدولية الفاعلة الاخرى نقل مساحة كبيرة من تركيزها للتعامل معها على حساب مساعي وجهود إحلال السلام.

وترتكز الجهود الامريكية الجارية ايضا إلى طروحات الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون التي كان قد قدمها مع نهاية ولايته الرئاسية الثانية في مسعى منه للوصول الى حل شامل بعد فشل مباحثات كامب ديفيد التي انخرط فيها واستضافها شخصيا، ومحاولة استدراك هذا الفشل في المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية التي جرت في طابا بعدها مباشرة والتي أحرزت تقدما ملموسا إلا أنها لم تترجم الى فعل مادي بسبب انتهاء ولاية كلينتون من جهة وبسبب التغيير الذي اصاب القيادة السياسية في اسرائيل في الانتخابات التي جرت في حينها من جهة اخرى. وطروحات كلينتون هذه و التي سميت (Clinton parameters) تضمنت خطوطا عريضة واقتراحات عامة ازاء القضايا الجوهرية واستندت الى مبدأ حل الدولتين ايضا، حيث تضمنت تلك الطروحات الإشارة الى ان عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة ستكون في القدس الشرقية، مثلما تضمنت اقتراحات خاصة بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين تقضي بعودة قسم من اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم الأصلية وعودة القدر الاكبر منهم الى الدولة الفلسطينية وابقاء قسم منهم في الدول المتواجدين فيها في حال قبلت واستطاعت تلك الدول و بترتيبات معها، واستيعاب قسم آخر في دول ثالثة وفقا لقدرتها واستعدادها، و انشاء آلية تعويض أيضا للاجئين، علاوة على طروحات أخرى متعلقة بالقضايا الجوهرية الاخرى. و هذه هي نفس المبادئ التي يسعى الجانب الأمريكي إلى بلورتها و البناء عليها الآن.

ثم وقعت هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الامريكية و من بعدها حرب افغانستان واصاب الجمود جهود إحلال السلام في الشرق الاوسط الى ان قام القادة العرب في قمة بيروت عام 2002 بتبني مبادرة السلام العربية التي تبنتها بعد ذلك منظمة التعاون الاسلامي ايضا، وهذه المبادرة الهامة والمستمرة طرحت التصور العربي للحل حيث شددت على ان إحلال السلام الشامل يتأتى من خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي لكل الاراضي العربية التي احتلت في حرب 1967، وحل قضية اللاجئين حلا عادلا و متفقا عليه في إطار تفاوضي يستند الى قرار الجمعية العامة لمنظمة الامم المتحدة رقم 194، وإنهاء الصراع والمطالب المتعلقة به.

وبالرغم من ان هذه المبادرة الهامة والفارقة لم يتم التعامل معها بجدية ومقبولية واضحة من قبل الحكومات الاسرائيلية إلا انها حظيت وما تزال بقبول واهتمام المجتمع الدولي بأسره بما فيه مجلس الامن الذي أشار الى اهمية هذه المبادرة في مناسبات متعددة، حتى باتت المبادرة بدورها تشكل أحد المرجعيات الأساسية لعملية السلام. وتحركت جهود السلام المهملة مرة اخرى حين قام الرئيس الامريكي وقتها جورج بوش بالإعلان في خطاب له في حزيران 2002 عن خطة خارطة الطريق التي أكدت على اهمية مبادرة السلام العربية وطرحت تصورا للحل يفضي الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحلول عام 2005 عبر بوابة مراحل خطة خارطة الطريق تلك. لكن مياها جرت في المنطقة لم تقدر لهذا المسعى بأن يحظى بزخم حقيقي حيث وقعت حرب العراق وما تلاها وكان اهتمام القوى الدولية المؤثرة بما فيها الولايات المتحدة الامريكية منصبا بجله على قضايا اخرى، الامر الذي افضى الى جمود كبير وطويل اصاب مساعي إحلال السلام، وتوقفت المفاوضات تماما لسنوات الى ان قام مولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم أعز الله ملكه إنطلاقا من إيمانه الراسخ بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في منطقتنا بإلقاء خطابه الهام و التاريخي امام الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الامريكي في السابع من اذار عام 2007 والذي اعاد فيه جلالته ومن خلاله جهود إحلال السلام الى دائرة الاهتمام الامريكي والدولي الامر الذي افضى الى عقد مؤتمر انابوليس الدولي في 27 تشرين الثاني 2007 والذي تمخض عنه اعادة اطلاق المفاوضات ما بين الجانب الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس والحكومة الاسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء في اسرائيل انذاك ايهود اولمرت، وفي تلك المفاوضات جرى بحث معمق لقضايا أساسية ايضا وطرح موضوع تبادل الاراضي ما بين الفلسطينيين واسرائيل في سياق فكرة التبادل المتساوي مساحة ونوعا، أو بالقيمة و المثل مثلما تطرقت تلك المفاوضات الى قضية اللاجئين الفلسطينيين وسبل حلها، والقضايا الامنية، وقضايا الحدود والاستيطان، والمياه، والقدس. إلا ان تلك المفاوضات لم تتوج باتفاق رسمي وانتهت مع انتهاء ولاية اولمرت كرئيس للوزراء في اسرائيل، لكنها في كل الاحوال شهدت انخراطا مباشرا وللمرة الاولى في مفاوضات حول القضايا الجوهرية بات يشكل في جانب منه اساسا للجهود اللاحقة التي حاولت وتحاول الآن إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما البناء عليها الى جانب مبادرة السلام العربية ومرجعيات مدريد بما فيها قراري مجلس الامن الدولي 242 و338. و لطالما طالب المجتمع الدولي و الدول العربية و نحن هنا في الأردن بالقيادة الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية لعملية السلام كونها الجهة التي تستطيع فعليا الضغط على إسرائيل و بأن تلعب أمريكا دور المبلور و المقدم للأفكار و الطروحات بدلا من اختصار هذا الدور بأن تكون أمريكا ناقلا للأفكار بين الاطراف فقط.

سعادة رئيس مجلس النواب الاكرم،
اصحاب المعالي والسعادة اعضاء مجلس النواب الموقر،

وكما اسلفت، واؤكد مرة اخرى، فإنه لم يتم تقديم أية أطر أو طروحات او تصورات مكتوبة من الولايات المتحدة الامريكية لأي طرف لغاية الآن، إلا أن ما يقوم به وزير الخارجية الامريكي هو محاولة لصياغة إطار للمفاوضات وليس اتفاقية إطارية او مرحلية كما يتداول، مبني على المساعي والمرتكزات السابقة التي عرضتها عليكم و غيرها، ومحكوم بسقف زمني محدد، يفضي مع نهاية هذا السقف الزمني الى تجسيد حل الدولتين الذي ستقوم بمقتضاه الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على أساس خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وحل القضايا الجوهرية كلها طبقا للمرجعيات المعتمدة لعملية السلام بما فيها مبادرة السلام العربية و إنهاء الاحتلال.

وإطار التفاوض هذا الذي يعمل وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية على إنضاجه وتقديمه لتمضي المفاوضات المباشرة قدما تأسيسا عليه، سيعبر عن وجهة نظر الإدارة الامريكية الخاصة بالحل. وقبوله او رفضه او التحفظ عليه أو أي من بنوده هو امر يخص الطرفين المتفاوضين.

و يعرف الجميع بأننا في الاردن ولارتباط كل القضايا الجوهرية بمصالح عليا لنا في مجالات لها مساس بأمننا القومي فإن لنا رأي أساسي وقول فاصل في كل ما يطرح، مثلما يعرفون بشكل موثق ورسمي بأن لنا موقف واضح من كل مساعي السلام، منطلق من ثوابتنا الوطنية. و هناك كتب مودعة لدى الجانب الأمريكي و محاضر اجتماعات موثقة مع كل الاطراف و لديها تعبر بمجملها عن الموقف الأردني الثابت في مختلف القضايا. وهذا الموقف المعروف والثابت والموثق رسميا يتلخص في النقاط التالية:

اولا: إن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية يمثل مصلحة عليا للدولة الاردنية، مثلما ان إحلال السلام الشامل والعادل والدائم يشكل خيارا استراتيجا للعرب وللاردن. و لذلك فإننا نساند الجهود الجادة التي يبذلها الوزير الامريكي بانخراط مباشر من قبل الرئيس اوباما لانجاز حل الدولتين خلال مدة زمنية واضحة، انطلاقا من الحقيقة الثابتة والمستقرة.
ثانيا: إن أي حل نهائي يجب أن يعالج القضايا الجوهرية كافة وفقا للشرعية الدولية و لمرجعيات عملية السلام المعتمدة وخصوصا مبادرة السلام العربية بعناصرها كافة.
ثالثا: إن كل القضايا الجوهرية وهي قضايا اللاجئين، والقدس، والامن، والحدود، والمستوطنات، والمياه هي قضايا لها مساس مباشر بمصالح حيوية عليا للدولة الاردنية، وأن حلها يجب ان يراعي بالكامل هذه المصالح العليا الاردنية وان يلبيها ويتسق معها ويحققها.
رابعا: إن الاردن لن يقبل بأية ترتيبات او أطر لا تصون وتلبي بشكل كامل مصالحه العليا المتعلقة بالقضايا الجوهرية كلها وخصوصا قضايا القدس واللاجئين و الأمن او اية ترتيبات تمس أمنه أو أمن أبنائه و بناته او سلامة أراضيه أو تؤثر عليها بأي شكل من الأشكال من قريب او بعيد او اي تصور ينتقص من حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف بتقرير مصيره من خلال إقامة دولته المستقلة وذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
خامسا: إن الاردن لن يقبل المساس بحقوق مواطنيه من اللاجئين الفلسطينيين بأي صورة كانت و خاصة حق العودة والتعويض وفق قرارات الامم المتحدة، و سيقوم بتنفيذ مسؤولياته في استحصال هذه الحقوق وحمايتها، مثلما أن الاردن له حقوق واستحقاقات لكونه الدولة المضيفة الأكبر للاجئين الفلسطينيين يجب أن تؤدى اليه.
سادسا: إن موقف الأردن الثابت هو أن القدس الشرقية هي أرض محتلة يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، و لذلك فلن يقبل بأية صيغة أو صيغ تؤدي الى تغيير وضع القدس الشرقية كمدينة محتلة ينبغي إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لها اسوة بكل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. اما بالنسبة للمقدسات الإسلامية و المسيحية و من منطلق الرعاية و الولاية الهاشمية التي يضطلع بها و يتولاها مولاي حضرة صاحب الجلالة، فسيواصل هذا الواجب بالرعاية والحماية والصيانة وسيتصدى لكل الانتهاكات التي تستهدف القدس الشرقية ومقدساتها وأهلها. و أشير في هذا الإطار للاتفاقية التاريخية التي وقعها جلالته مع فخامة الرئيس محمود عباس في شهر آذار للعام 2013.
سابعا: أما ما يشاع بالنسبة للطروحات المتعلقة بالدولة اليهودية فموقف الأردن الثابت و المنسجم في هذا الإطار مع الموقف الفلسطيني بأن هذه الصيغة و هذا الطرح غير مقبول و على أي ترتيبات في هذا الإطار أن تأخذ بعين الاعتبار و بشكل واضح و صريح السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية على أراضيها و الحقوق الكاملة و المتساوية للمواطنين العرب المسيحيين و المسلمين في إسرائيل.
سعادة رئيس مجلس النواب الاكرم،
اصحاب المعالي والسعادة اعضاء مجلس النواب الموقر،

لقد أكد مولاي صاحب الجلالة الهاشمية في خطب العرش السامية أمام هذا المجلس الموقر و في محافل أخرى محلية و دولية وفي أكثر من مناسبة و في أكثر من خطاب بأن من يظن أن الاردن الأبي والعزيز بهمة قيادته وشعبه قد يكون وطنا بديلا لأحد فهو واهم، فهذا لن يكون ابدا. كما شدد جلالته حفظه الله بأن الاردن لن يقبل بأي حل او طرح او حتى افكار من أي كان لحل القضية الفلسطينية او القضايا التفاوضية الجوهرية على حسابه او على حساب مصالحه او مصالح مواطنيه، فهذا ايضا خط احمر بالنسبة لقيادتنا ولشعبنا ولسلطاتنا الدستورية كلها في موقف مبدئي نتوحد فيه كلنا في العناوين العامة وفي أدق التفاصيل ايضا.

ولقد اشرت الى هذا الموقف الاردني الثابت بوضوح خلال خطابي في الجلسة العلنية الدورية لمجلس الامن الخاصة بالحالة في الشرق الاوسط التي عقدت بتاريخ 20 كانون الأول الماضي برئاسة الاردن.

وهذا الموقف وهذه الثوابت قدمت ايضا بشكل رسمي ومبدئي للاطراف كافة وتم توثيقها، وعندما يحين الوقت لمناقشة التفاصيل المعمقة حول القضايا الجوهرية فإننا سنتقدم بطبيعة الحال بمطالعات مستفيضة قانونية وسياسية وتاريخية تتعلق بحقوقنا وحقوق مواطنينا واختصاصاتنا ومصالحنا الحيوية.

سعادة رئيس مجلس النواب الاكرم،
اصحاب المعالي والسعادة اعضاء مجلس النواب الموقر،

إننا في الاردن وبحمد الله، و بفضل حكمة قيادتنا الرشيدة والمستنيرة والثقة المتبادلة ما بين القيادة والشعب، والتعاون المثمر والبناء والتوازن المنتج ما بين السلطات الدستورية والشراكة الحقيقية بينها في أداء المسؤولية الوطنية، لا نتبنى سوى خطابا واحدا وموقفا واحدا في كل الأحوال، ولا ننتهج سوى منهج المصارحة مع شعبنا ومع العالم بأسره، وهذا كان موقفنا وسيبقى بإذن الله وهو محط تقدير العالم بأسره. وثوابتنا باقية والتزامنا بالسلام العادل والشامل والدائم هو التزام ثابت وفقا للثوابت والمرتكزات التي أشرت إليها.

وأتقدم إليكم بالشكر الموفور والصادق على إتاحة الفرصة لنا اليوم لبيان واقع الحال وما نعرفه عن الجهود الامريكية الجارية وموقفنا منها وثوابتنا المعروفة للعالم بأسره. وأعبر لكم عن الاستعداد الدائم والتطلع الصادق للتفاعل المستمر والشفاف مع مجلس الامة في كل ما يخص جهودنا لتحقيق مصالحنا و متابعة قضايانا واهتماماتنا الدولية، شاكرا وممتنا لكم على كرم الاصغاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته