نور.. تحبس في زنزانة ظلم الأقارب والمجتمع
نشر بتاريخ: 20/02/2014 ( آخر تحديث: 20/02/2014 الساعة: 13:44 )
سلفيت- تقرير معا - عندما يغيب الضمير... تنقلب موازين العدل وتقسو القلوب لتتحول إلى حجارة... بل تكون أشد قسوة من الحجارة... هنا تنتزع الرحمة من قلوب البشر ليتحول الانسان الى أشبه ما يكون بوحش كاسر... ليبقى الضعيف الذي لا يملك شيئا يجول الطرقات بحثا عن امل مفقود عله يجده..
قدمت روحها وصرختها قرابين لتكسر الإهمال.. لتصطدم "نور" من محافظة سلفيت "بواقع أليم" فتحكم عليها قسوة البشر بأن تبقى محبوسة خلف القضبان.. وأية قضبان تلك...؟
هدوء وصمت يخيم على المكان .طرقنا الباب فاستقبلتنا بترحاب امرأة بوجها الشاحب .. وكلما دخلنا الى الداخل اتضحت لنا صورة الواقع الذي تعيشه اسرة "نور"، فعلى الجهة اليمنى وقع نظرنا على غرفة بابها شبيه بأبواب الزنازين، ساقتني قدماي اليها بدون شعور، نظرت الى الداخل، فيها كنبة ممزقة، ولها نافذتان بحراسة بدون شبابيك، وحمام في داخلها، لتجيبني أم "نور" هذه غرفة نور التي خصصناها لها.
فتحت الباب الحديدي تجولنا فيها، وبدون توجيه اي سؤال لها دقائق بدأت الام بلهفة بسرد واقعها الاسري الذي تعيشه قائلة "توفي زوجي وأصبحنا نعيش انا وابنائي الاربعة حياة صعبة، وبنبرة صوتها المليء بالهموم تواصل حديثها قائلة": كانت نور لا تعاني من اي شيء وهي الابنة الاكبر، الى ان وصل عمرها عشر سنوات ليتوقف حلمها بتكملة تعليمها وتفقد براءتها، اصبحت تعاني من وضع نفسي سيء، وكانت حالتها المرضية تسوء كل يوم الى أن وصل عمرها 15 عاما لتتعرض لحادثة، لجأت الى مديرية الشؤون الاجتماعية في سلفيت، وبعد دراسة حالتها قاموا بتحويلها الى مستشفى للأمراض العقلية في بيت لحم، مع أنني على يقين أن ابنتي ليست مريضة الى هذا الحد، تكمل": مكثت"نور" في المستشفى ثلاثة أعوام ، قضت منها عام دون زيارتنا، والعامين الآخرين كانت تأتي لزيارتنا كل فترة، وبعد أن تأكد الطبيب المشرف على وضعها الصحي انها تحسنت، قرر بخروجها من المستشفى لتعيش معنا، لأن مكانها ليس هناك، وكانت تشرف على حالتها باحثة اجتماعية من الشؤون،تأتي لزيارتها كل فترة.
حبسناها داخل زنزانة
عندما تموت المشاعر اتجاه فلذات اكبادنا.. تزداد مساحات الفراغ . وتزدحم العبرات في مختنق ضيق... لتخرج كلمات والدة نور بصعوبة خجلى قائلة": الأربع سنوات بعد خروجها من المستشفى كانت حياة "نور" ما بين الصحوة والسكرة، اول عام كانت طبيعية، كانت تشاركنا في أعمال المنزل، وعملت لفترة في الخياطة،وفي البلدية، وبعد فترة أصبحت نفسيتها تتغير تدريجيا الى الاسوأ، فانقلبت حياتنا رأسا على عقب ونحن نعيش المعاناة والألم، بسبب وضعها الصحي الذي كان يسوء كل يوم وما من مجيب، كانت تسبب الايذاء لكل من حولها ،شتم ، ضرب، ايذاء، تكسير، وانا اقف حائرة، خائفة عليها، ذهبت الى الشؤون عدة مرات لإيجاد حل لها وكانت الاجابة "انتو اهلها وأولى فيها، ولازم تتحملوها، مين يعني بده يتحملها" وما بيدنا حيلة الى أن أصبح وضعها الصحي لا يطاق، حتى الجيران أصبحوا يخافوا على انفسهم منها،لا ادري ما العمل،" صمتت والدة "نور" عن مواصلة حديثها فجأة..
فعندما نعجز عن وصف شيء ربما خجلا من أنفسنا أولا يكون الهروب عنواننا، الى ان نستجمع كل مشاعرنا حتى يكون بمقدورنا التحدث لتخرج الكلمات عاجزة متقطعة لتعود والدة "نور"تكملة حديثها": لم نترك بابا الا وطرقناه من أجل مساعدتنا في حل مشكلة نور وما من مجيب، فكان قرار الاقرباء ان يتم وضعها بغرفة شبيهة بالزنزانة حتى لا تؤذي احدا، بابها من حديد، مكثت فيها ثلاثة شهور".
تواصل": واثناء وجودها داخل الغرفة جاءت باحثة اجتماعية لزيارتنا، ورأتها وهي في الداخل، فقلت لها اترين هذا وضع نور، وهذا الحل الذي قمنا به، ليكون جواب الباحثة "اذا راحتكم بهذا الحل أتركوها كما هي في الداخل، أنتم اولى فيها، ديروا بالكم عليها" وبعد ثلاثة شهور من مكوثها جاءت الباحثة المسؤولة مباشرة عن حالة نور وقامت بتحريرها، وتم تحويلها الى مستشفى الامراض العقلية".
وبحسرة الضمير الموجوع تنهي والدة نور حديثها قائلة" أحس بتأنيب الضمير ولا أرضى بحبس ابنتي داخل زنزانة، ولكن ما باليد حيلة، أحمل المسؤولية أولا للشؤون الاجتماعية التي لم تستجب الى رجائي في مساعدتي وحل مشكلة نور، ذهبت عدة مرات ولم يعطوا أي إهتمام"
الشؤون.. نعترف بالتقصير من ناحيتنا
توجهنا الى مديرية الشؤون الاجتماعية في سلفيت التقينا ب "الفت يوسف" الباحثة الاجتماعية المسؤولة عن حالة نور لتحدثنا قائلة": منذ أن تعرضت نور لحادثة أصبحت تحت إشرافنا ، فكانت تعاني من إضطرابات نفسية فتم تحويلها الى مستشفى الامراض العقلية، وأثبت التقرير الطبي الذي وصلنا قبل ايام، انها تعاني من إضطرابات سلوكية ، وصدمة ما بعد الحادث ، وأنها تعيش في بيئة غير مؤهلة "تخلف بيئي"، علاوة على ذلك انه تم إعطاؤها دواء ليس لحالتها المرضية، تلقت العلاج لمدة ثلاث سنوات وبعدها خرجت من المستشفى من اجل ادماجها في المجتمع، تم التنسيق مع الصحة النفسية في سلفيت لمتابعة صحتها، وتدخلنا مع البلدية من اجل تشغيلها في برنامج تصنيع المواد الغذائية ،وكان وضعها النفسي مستقر.
وجهنا سؤالا عن عدم الاستجابة لوالدة نور من قبلهم فكانت اجابة يوسف أنه خلال الثلاثة شهور وهي داخل السجن قامت باحثة بزيارتها لمرة واحدة، ولم نعرف ان اهلها اتخذوا اجراء بحبسها، وفور معرفتنا قمنا بتحريرها، بالرغم ان امها كانت تتوجه لنا من أجل مساعدتها وكان ردي لها انهم اهلها وهم اولى الناس بها ، وعليهم مساعدتها في وضعها، لان المستشفى غير قادر على إستقبالها مدى الحياة"، وتكمل انه سيكون هناك خطة مستقبلية من أجل مساعدة نور واسرتها.
وتضيف "يوسف" ومع هذا نحن نعترف بالتقصير من ناحيتنا اتجاه نور وأسرتها، كذلك هناك تقصير من قبل المحافظة ومن قبل الصحة النفسية، الكل يتحمل مسؤولية نور، وبالرغم من كل هذا هل يحق لأي شخص أن يحتجز حرية أي انسان؟
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه. هل سيعاقب القانون من تسبب في حبس ومصادرة حرية "نور" ام ستبقى مجرد حالة ويتم اغلاق ملفها؟