نشر بتاريخ: 04/03/2014 ( آخر تحديث: 04/03/2014 الساعة: 13:59 )
تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء في خمسة أجزاء، مسيرة عمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للفترة ما بين 19/5/2009 وحتى منتصف 2013، بتحليل 770 خبر ومقال و77 خبر عن خطب وزير الأوقاف، و50 خطبة عممتها الوزارة على مديرياتها منذ عام 2012 وحتى شباط 2013، وهيكلية واستراتيجية الوزارة وموقعها الإلكتروني، والمعلومات التي طلبتها من الوزارة وأبدت تعاوناً مميزاً في توفيرها، كما فعلتُ مع وزارات المرأة والثقافة والإعلام.
الوزراء الذين مروا على الأوقاف
تناوب على الوزارة خلال فترة البحث وزيراً واحداً هو الدكتور محمود الهباش من مخيم النصيرات (غزة) والذي كان لوقت طويل منتمياً لحركة حماس حتى عام 1994 قبل أن يصبح مستقلاً، ويرحل من القطاع مع بدايات انقلاب حماس، ثم يعين وزيراً في الحكومة الثانية عشرة (تموز 2007) بحقيبتي الزراعة والشؤون الاجتماعية، ومن ثم وزيراً للأوقاف منذ عام 2009 وحتى اليوم لتتفق عليه أربع حكومات ومصادقة الرئاسة طبعاً.
علاقة رجل الدين بالحاكم والدولة
قد لا يخفى على أحد العلاقة المميزة التي تربط الوزير بالمستوى الرئاسي لاسيما ما أشيع عنه من أنه ساهم بإنقاذ حياة الرئيس محمود عباس بكشف مخطط لمحاولة قتله في الوقت الذي طرحت فيه فكرة ذهاب الرئيس إلى غزة منتصف عام 2010، وهو ما لم ينفه مكتب الرئيس بل وقد أكده بعض الاعلاميين ومنهم الكاتب والموظف في وزارة الأوقاف برهان السعدي، ولعل هذا هو سر العلاقة بين الوزير والرئيس والتي تخطت حدوداً كثيرة كان من الصعب اجتيازها بهذه السرعة، فإخوة النضال والأصدقاء والعمر هي عناصر تحكم كل العلاقات حول الرئيس وليس من السهل أن يسقط من الصورة أحد حتى لو سقطت أو تراجعت شعبية هذا القائد أو ذاك. لقد اخترق الهباش (50 عاماً) وبفارق نضال وخبرة طويلة عن الرئيس (88 عاماً) حدود الزمن. بل وكان أفضل محاجج برأي السلطة للرد على الرواية "الحمساوية" وبالرأي الديني.. كيف لا وهو كان منهم؟
إن الحديث عن هذه العلاقة هو من باب مهني للبحث في أبعادها السياسية وتأثيرها على آداء الوزارة، وهذا ما قادتني إليه النصوص التي قرأتها، فالقرب من الحاكم يعني الاقتراب من نمط تفكيره والرؤيا الدينية وشكل النظام السياسي. وهو تناولته الدراسات التاريخية والسياسية والدينية عن رجل الدين والحاكم، لاسيما ما تتصف به العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية من جدلية. علماً أن علاقات مميزة أخرى لوزراء آخرين مع الرئاسة لم يكن لها تأثيراً أو دوراً مشابهاً في المشاركة بصناعة القرار السياسي، لأن عنصر الدين يعد عاملاً هاماً في الاستفادة من غضب الشعوب العربية المطالبة بالتغيير، لذا حصدت الجماعات الإسلامية نتائج الثورات العربية لصالحها، كما حصدت حركة حماس نجاحها في الانتخابات لاسيما مع تراجع حركة فتح في الشارع الفلسطيني.
لقد أشار التاريخ المسيحي والأوروبي إلى وجود سلطة الله وسلطة القيصر أو سلطة الدين (الكنيسة) واللتين قد تكونان على انفصال أو اتفاق، أو يطغى أحدهما على الآخر. وسلطة الله هي السلطة الدينية أما القيصر فيمثل السلطة السياسية المحكومة بالزمن.
ويقول العلماء أن السلطة الدينية وجدت في التاريخ الاسلامي زمن النبي (ص) والخلافة فهي مشرع لها دينياً، وأنها غير قائمة حالياً، والموجود اليوم هو سلطة الدولة الاسلامية أو الدولة المدنية، وقد أشار الملوك ومنهم الملك الفارسي أردشير إلى أن العلاقة بين الملك والدين علاقة التوأم بل إن الملك "صار حارس الدين فلابد للملك من أساسه ولابد للدين من حارسه لأن ما لا حارس له ضائع". ويقول الباحثون أن اشكالية العلاقة بين الدين والسياسة وصلت إلى حد الفصل بين السلطة المدنية السياسية من جهة والسلطة الدينية من جهة أخرى وأن التجاذب بين السلطتين أدى في زمننا هذا إلى لجوء الحكام الحاليين للاستقواء بالدين في تمرير الأفكار التي يريدونها وبالتالي تثبيت حكمهم وشرعيتهم.
إن صفات السلطة السياسية تشوبها المصالح بينما السلطة الدينية والمتمثلة برجل الدين فتتعلق بالمباديء، وهذا ما فعلته حماس وحركة الاخوان المسلمين حين استخدمت الدين لتتلاعب بأحلام الناس الدينية والدنيوية، لكن حين ارتبط الدين بالحكم تغاضت (حماس) عن مواقفها وآرائها المعادية للسلطة وأوسلو والتنسيقات الأمنية وسارت تحت مظلة كل هذا.. ببساطة لأن السياسة لا دين لها!
كل هذا وانتخاب الشعب لحماس ومن ثم انقلابها، كان له وقع كبير على القيادة الفلسطينية، والالتفات لدور الدين الكبير في مجتمع يهزه لفظ الجلالة "الله" الذي استخدمته حماس في شعاراتها الانتخابية ونجحت. إنه الاسلام السياسي الذي يشير إلى الحركات الدينية المتشددة التي اتخذت من الدين غطاءً ايديولوجيا للوصول إلى سدة الحكم. لذا كان وزير الأوقاف ربما رجل الدين المطلوب والموجود في فترة ما بعد الانقلاب، مما ساهم في انجاح وتثبيت العلاقة بينه وبين مؤسسة الرئاسة بعد أن كان وزراء الأوقاف السابقين يتمتعون بصوت "شكلي" في صناعة القرار السياسي يتمثل بالاحترام لعماماتهم فقط.
هل نتجه لنعيش في كنف دولة مدنية تشبه حكم الغرب من علمانية وفصل الدين عن الدولة، أم دولة اسلامية تتضمن تقارب في بعض قيم الدولة المدنية مثل المواطنة وحقوق الانسان والمحاسبة والرقابة وتعارض في قيم مثل الحرية، أم أننا نتجه إلى دولة "مشوهة ومضطربة" تعتمد على ما يماهي أهوائها في الدين فتأخذ منه ما يخدم مصالحها تارة، وتوافق تارة أخرى على بعض القيم العلمانية فتأخذ ما يوافقها من اتفاقات ودعم دولي؟ علماً أن موقف الأوقاف مماثل لموقف مؤسسة الرئاسة حين لم تغير واقع القوانين التي تخالف الشريعة الاسلامية. فأين دور الوزارة في إعلاء كلمة الدين قانوناً وفعلاً وليس فقط كلاماً وخطباً؟
في الجزء القادم: وزير الأوقاف هل هو خطيب مفوه أم موجه؟ وعن ثالوث "الأوقاف" الخطير... وتصريحات الوزارة التي بدأت متأججة.. فهل "أفلست" وصارت بحاجة إلى سند خطباء آخرين؟
لمتابعة اليوميات انضموا إلى صفحة الفيسبوك
https://www.facebook.com/wzaratna?ref=hlللتواصل أيضاً
[email protected]