تحت ضغط المتابعة الاخبارية في صالة التحرير ... "معا" .. صورة عن قرب
نشر بتاريخ: 20/06/2007 ( آخر تحديث: 20/06/2007 الساعة: 22:11 )
بيت لحم -معا- فؤاد اللحام- بدت غرفة التحرير في وكالة معا الاخبارية صبيحة يوم الاربعاء 13/6/2007 عادية جدا وسار العمل فيها برتابته المعروفه ، وكعادتهم حاول الزملاء الاتصال بمكتب الوكالة في غزة لمعرفة اخر الاخبار والتطورات دون ان يخطر ببالهم بان حادثة اغتيال قائد شهداء الاقصى في شمال غزة جمال ابو الجديان على ايدي مسلحين من حركة حماس ستشكل مفترقا رئيسيا في الحياة السياسية الفلسطينية وتشكل رافعة لما تلاها من احداث وقتال .
دماء ابو الجديان .. النقطة التي افاضت الكأس!
وتعامل الزملاء في بيت لحم وغزة على حد السواء مع قضية ابو الجديان كعملية اغتيال اضافية تضاف الى قائمة الاغتيالات المتبادلة التي سبقتها واستعدوا لتلقي سيلا من بيانات الاستنكار والشجب والاتهامات والتهديدات كعادة الاطراف الفلسطينية المتقاتلة في قطاع غزة دون ان ندرك في غرفة التحرير باننا امام حرب حقيقية او انقلاب عسكري كما يحلو للبعض تسميته سيتركنا عاجزين عن متابعة ما اعتدنا عليه او حتى التواصل مع مكتبنا في غزة ، ببساطة لقد وجدنا انفسنا وسط حرب وقتال شرس ودعايات تناقض بعضها الاخر لم تترك لنا مجالا لالتقاط الحقيقة كما هي .
ليلة القبض على غزة !
صبيحة يوم الخميس 14/6 شعر الزملاء في غرفة التحرير بحجم الحدث وادركوا بان الجولة الحالية من القتل ليست كسابقاتها من الجولات وصحونا على واقع جديد وشيئا فشيئا بتنا نتعامل مع سيد جديد في غزة اخذ يوسع مساحة امارته مع كل معركة يخوضها وكل موقع رسمي يسقط في يده وتلاحقت الاحداث بشكل جنوني وبالكاد استطعنا متابعتها وبدات مشاكل الاتصال والتواصل مع مكتبنا في غزة الذي يقع لسوء او حسن حظنا في عمارة سكنية متعددة الطوابق مما يجعلها هدفا للمسلحين و يحرم زملاءنا من حرية العمل ويجعلهم فريسه للخوف والرعب الذي ساد كافة مناطق القطاع بشكل مفاجيء من حيث مدى اتساع وانتشار القتال بحيث تحولت شوارع غزة الى مصيدة لجميع المراسلين الصحفيين خاصة في ظل اختفاء المراسلين الاجانب .
وبدات يوم الخميس تظهر مشاكل الاتصال مع مراسلي الوكالة المنتشرين في مدن القطاع ومع اتساع دائرة القتال وسقوط المناطق الواحدة تلو الاخرى بيد قوات حماس اخذت دائرة عملنا تتقلص وترتبك الى حد كبير وبات من المتعذر تقريبا اجراء اتصالات هاتفية مع مكتبنا في غزة وحتى لو نجحنا فلن نجد ما نبحث عنه هناك وذلك لتضارب المصادر واختلاف الروايات حول الاحداث وفقا لاختلاف الجهة التي قد تتصل بنا وشعرنا بان الاطراف المتقاتلة تحاول استخدام وكالة معا للدعاية ونشر الانباء والاتهامات المغرضة عن الطرف الاخر خدمة لمصالحها الاعلامية وتعمق هذا الشعور لدى الزملاء في غرفة التحرير مع غياب المصادر الرسمية او اختلاف مسمياتها فقد اصبح المصدر الامني الفلسطيني في لحظة يعني القوة التنفيذية وكتائب القسام التي سيطرت على المقار الرسمية وطردت الاجهزة الامنية منها اضافة الى اختفاء اي مصدر رسمي او معروف لدينا يمكنه التحدث باسم قوات الرئيس عباس او حتى حركة فتح التي ذاب معظم الناطقين بلسانها ولم نعد قادرين على الاتصال باي واحد منهم والغريب انه وفي كثير من الاحيان كانت مقاطعة رام الله تتصل بنا لمعرفة اخر التطورات الميدانية مما حملنا مسؤولية لم نكن مستعدين لحملها او توليها وجعل من غرفة تحرير معا ما يشبه القيادة الميدانية المتقدمة وان كانت في حقيقة الامر بعيدة جدا عن ميدان القتال الحقيقي واصبح لكل كلمة تصدر منها معنى خاصا وقد يستقبله طرف معين بعين الرضى فيما يستشيط الطرف الاخر غضبا وهو غضب قد يتحول في لحظة ما الى تهديد حقيقي لمراسلي الوكالة في الميدان .
" تسونامي" الاخبار في غرفة التحرير !
مع استمرار القتال وارتفاع عدد الضحايا وتعقد شروط الميدان ازدادت مشاكل غرفة التحرير التي يتوجب عليها استقبال كافة الاخبار والتقارير وفحصها والتأكد من صحة ما ورد فيها ونشرها فبات من المتعذر علينا في كثير من الاحيان التأكد من صحة الاخبار التي اصبحت فجأة تصلنا من مصادر عديدة ومتنوعه بعضها يتصل بنا لاول مرة واصبح من الواجب علينا ان نبحث عن مصطلحات جديدة ومسميات جديدة قد تكون مقبولة لدى طرفي القتال حتى لا نحمل مراسلي الوكالة وزر خطأ قاتل قد نرتكبه في غفلة منا ونحن البعيدون عن تعقيدات الساحة وقد يكلفهم حياتهم دون ان نتنازل عن استقلاليتنا وموضوعيتنا او نحرم الناس حق معرفة الحقيقة في جو من الحملات الاعلامية غير المسبوقة بين تلفزيون فلسطين وفضائية الاقصى التابعة لحماس .
مراسلون على خطوط النار .
ان الحفاظ على الموضوعية والاستقلالية لم يكن بالامر السهل خاصة واننا في غرفة التحرير قد فقدنا الكثير من الادوات التي قد تساعدنا على استجلاء الحقيقة نتيجة سوء الاتصالات الهاتفية مع غزة وانقطاع التيار الكهربائي في الكثير من المناطق اضافة الى خطورة تنقل المراسلين بين جبهات القتالة غير الثابته والمتدحرجة بسرعة شديدة فخوفنا على حياة مراسلينا دفعنا في الكثير من المرات الى الامتناع عن الاتصال بهم لعدم احراجهم وتطوعنا لتحمل المسؤولية عن معظم الانباء ذات الطابع الخلافي الواردة من غزة خشية ان يحمل طرف معين مسؤولية ما نشر لاحد مراسلينا في الميدان ما قد يشكل خطرا جديا على حياته في ظل الجنون الذي ساد شوارع القطاع وانفلات زمام الامور وعدم يقيننا من الجهة المسؤولة الواجب التحدث معها .
جلبة التحرير !
سادت اجواء التوتر شيئا فشيئا غرفة التحرير واصبحت لا تسمع سوى اصوات الزملاء بعضهم يرد على الهاتف الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن الرنين واخر يذهب الى جهاز الفاكس ليحضر بيانا او تصريحا واخر يرفع صوت التلفاز لدرجة الاستفزاز في محاولة منه لسماع ما تتناقله الفضائيات ومحطات الاخبار المختلفة واخر يصيح بصوت مرتفع معلنا نجاحه وبعد عدة محاولات في الاتصال بزميل له في غزة ....نصمت جميعا في انتظار ما يأتي عبر الهاتف او جهاز الارسال ونسمع صوت زميلنا الخافت والضعيف وكأنه يخشى ان يسمعه احد من اصحاب اجهزة التنصت او لجم الخوف والرعب والغضب صوته فبات غير مسموع بشكل واضح لكننا مع كل ذلك كنا نسعد لدرجة الضحك حين نسمع صوت واحد من الزملاء في غزة لان القلق عليهم بات يأكل قلب كل واحد فينا وان امتنعنا عن الحديث عن هذا الموضوع خشية رفع مستوى القلق .
اجهزة الاتصال في غرفة التحرير لم تتوقف وتم شحن بطارياتها اكثر من مرة خلال اليوم الواحد واصبحنا في بحر متلاطم الامواج من الاخبار المتناقضة والتي يصعب التأكد من صحتها وما زاد الامور سواء عجز زملائنا في غزة عن مساعدتنا في هذا المجال فقد تجاوزت خطوط القتال مكتب الوكالة وامتنع الكثيرون في شخصيات القطاع عن التصريح او التلميح مما جعل مراسلينا في حيرة لا تقل عن السائدة في غرة التحرير في بيت لحم لكن مراسلينا لم يستسلموا للخوف والرعب وحاولوا جاهدين ان يتميزوا بعملهم ,سعوا الى معرفة حقيقة ما يجري مخاطرين بحياتهم في احيان كثيرة فمنهم من هو صاحب لحية قد يشكل هدفا لطرف معين واخر دون لحية قد يكون هدفا سهلا لقناص من طرف اخر ورغم كل ذلك حافظوا على الاتصال معنا وعملوا على تزويدنا بالاخبار قدر ما استطاعوا الى ذلك سبيلا .
تبريد الاخبار الساخنة!
في الايام الاخيرة للقتال المجنون اصبح الوضع لا يطاق والتهديدات على حياة المراسلين لا يمكن تجاهلها فرجونا زملاءنا ترك المكتب والذهاب الى منازلهم لرعاية اطفالهم واسرهم راجين منهم اصطحاب اجهزة الجوال حتى نتمكن من الاتصال بهم وقت الضرورة مما زاد من تعقيد مهمة غرفة التحرير التي لم تهدأ لحظة واحدة على مدار الساعه دون توقف واصبح الكثيرون من سكان غزة ينظرون للشريط الاخباري كمصدر يوجههم الى الاماكن الامنة التي ابتعدت عنها خطوط القتال الوهمية مما حملنا مسؤولية اضافية وعشنا شعورا بان حياة الكثيرين قد تكون مرتبطة بما ننشره واتبع رئيس التحرير سياسة تبريد الاخبار العاجلة وعدم نشرها فور وصولها تحريا للدقة والامانة وحفاظا على الوكالة من خطر السقوط فريسة الحملات الدعائية للاطراف المتقاتلة التي فقدت رشدها في الكثير من الاحيان واخذت ترسل لنا الاخبار الكاذبة والموجهه لتستغل المصداقية التي نتمتع بها في الشارع الفلسطيني لتمرير روايتها بعيدا عن وسائل الاعلام المحسوبة عليها مما عقد من مهمة غرفة التحرير واصبح من شبه المستحيل التأكد من هذا الخبر او ذاك وبات الانتظار والترقب سيد الموقف في الغرفة التي اصرت على الحفاظ على نزاهتها في ظل الجنون .
ان سياسة تبريد الاخبار الساخنة منعتنا في كثير من الاحيان من الوقوع في شرك الاخبار الكاذبة وجعلت الاطراف المختلفة تحسب الكثير قبل ان تزودنا باخبار من هذا النوع لادراكها باننا لن ننشر شيئا قبل ان نتأكد منه حتى لو فقدنا السبق الصحفي .
وحين وضعت الحرب اوزارها ساد جو من الفوضى والارتباك قطاع غزة ولم يعد مراسلونا يعرفون الجهة الواجب التوجه اليها بالسؤال او من هو الطرف المسؤول عن وسائل الاعلام التي هاجم مسلحون الكثير منها مثل فضائية فلسطين المحسوبة على ابو مازن وراديو الشباب وساد شعور لدى الجميع بان كل وسيلة اعلامية ليست متعاطفه مع سيد غزة الجديد فهي مستهدفه ما زاد خوف مراسلينا على خوفهم وجعلهم يحسبون الف حساب قبل ان يرسلوا خبرا وحين طلبت من مراسلنا اعداد تقرير عن يوميات مراسل صحفي في جحيم غزة واكدت عليه الانتهاء منه قبل يوم السبت قال لي عبارة لا يمكن ان انساها هي " اذا كتبت لنا الحياة حتى ذلك الحين ".