الخميس: 14/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القاضي احمد المبيض لـ "معا": حالة الطوارئ شرعية في حالة وجود تهديد للامن القومي

نشر بتاريخ: 22/06/2007 ( آخر تحديث: 22/06/2007 الساعة: 10:22 )
بيت لحم- معا- اكد القاضي احمد المبيض من قضاة فلسطين ان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة طوارئ شرعية حسب الدستور الفلسطيني في المواد 110-114 من الباب السابع من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، واطلق القاضي موقعه الالكتروني على شبكة الانترنت بعنوان" بوابة فلسطين القانونية الإلكترونية" على الرابط pal-lp.org، استكمالا لسعيه الحثيث في بناء ونشر الوعي القانوني لدى شرائح الشعب الفلسطيني، وتعزيزا لمبدأ سيادة القانون كحل جذري لما شهدته وتشهده الساحة الفلسطينية من كبوات وصلت إلى حدود لا يمكن التغاضي عنها.

ومن الجدير ذكره ان القاضي احمد المبيض من قضاة فلسطين المتميزين بخبرة قضائية وفقهية تمتع بها طوال سنين خدمته القضائية، فقد اجرى محرر وكالة معا حوارا مع القاضي احمد المبيض حول موقف القانون والفقه الدستوري من إعلان حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس،وفيما يلي نص الحوار:

س: ما هي حالة الطوارئ، وهل يعطي القانون حق إعلانها إلى الرئيس ؟
ج: بداية أتمنى لشعبي الصابر المرابط الجريح أن يمن الله عليه بالوحدة والتئام الصف الوطني، والخروج معافى مما هو فيه من بلاء.

حالة الطوارئ، أوردها المشرع الفلسطيني في المواد 110-114 من الباب السابع من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، والتي جاءت أحكامها كالتالي:

*عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما، ويجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه، ويجب أن ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوضوح على الهدف والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية، ويحق للمجلس التشريعي أن يراجع الإجراءات والتدابير كلها أو بعضها التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ وذلك لدى أول اجتماع عند المجلس عقب إعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد أيهما اسبق وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.

أما المادة 111التالية، فقد نصت على عدم جواز فرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية إلا بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن في مرسوم إعلان حالة الطوارئ، بينما اشترطت المادة 112 أن يخضع أي اعتقال ينتج عن إعلان حالة الطوارئ لمتطلبات دنيا تتمثل في تدخل ومراجعته من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ التوقيف، كما يحق للموقوف أن يوكل محاميا يختاره بنفسه.

أما المادتان، 113و114، فقد أوردتا قيودا على السلطة التنفيذية، بان حظرت حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام حالة الطوارئ، وأخيرا، إلغاء جميع الأحكام التي تنظم حالات الطوارئ المعمول بها في فلسطين قبل نفاذ القانون الأساسي المعدل، بما في ذلك أحكام أنظمة الدفاع ( الطوارئ ) الانتدابية لعام 1945م.

س: هل يمكنك تعريف حالة الطوارئ للقراء، والنتائج التي يمكن أن تؤدي إليها؟
ج: حالة الطوارئ هي نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر المحيط بالكيان الوطني، أو تدبير قانوني مخصص لحماية كل أو بعض أجزاء البلاد ضد الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي، أو عصيان مسلح، يؤدي إلى نقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية".

أما مفهوم حالة الطوارئ من حيث أنواعها، فهي نوعان :
النوع الأول هو حالة الطوارئ الحقيقية: وتسمى بـ"حالة الأحكام العرفية" أو "حالة الأحكام العرفية العسكرية" وتعلن هذه الحالة نتيجة لقيام حرب بين دولتين، أو لاجتياح العدو بعض أراضى الدولة، أما النوع الثاني، فهو حالة الطوارئ السياسية أو الصورية: وتسمى بـ "حالة الطوارئ السياسية"أو "حالة الأحكام العرفية السياسية" وتعلن عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية،وهو ما نصت عليه صراحة المادة (110) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل.

وتعلن هذه الحالة كذلك عند قيام خطر داهم، يهدد بوقوع حرب، أو بقيام اضطرابات داخلية كحالة التمرد أو العصيان، أو بوقوع كارثة عامة أو انتشار وباء أو جائحة.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الاصطلاح الدستوري السائد اليوم، في أكثر دول العالم، هو اصطلاح "حالة الطوارئ".

س: كيف يمكن تبرير لجوء الرئيس محمود عباس إلى إصدار قرارات إعلان حالة الطوارئ، وما هي بنظرك الأسس والمبررات التي استند إليها، وهل هي مبررات قانونية؟

ج: حالة الطوارئ هي بالأساس نتاج مشروع لحالة الظروف الاستثنائية التي يمكن أن تعصف بالكيان المادي للدول، أو الكيانات السياسية، وهناك أساسان لا ثالث لهما للظروف الاستثنائية :

الأول: أساس فلسفي، يتمثل برخصة "الضرورة" الممنوحة للسلطة التنفيذية، والثاني:أساس تشريعي، وهو القانون الأساسي (الدستور) والقانون، علما بان تحديد الأساس الفلسفي للظروف الاستثنائية يعود تاريخيا إلى مجلس الدولة الفرنسي، عندما قرر إبان نشوب الحرب العالمية الأولى، بان الضرورة المستمدة من ظروف الحرب تسمح للسلطة الإدارية باتخاذ قرارات مخالفة للقانون الذي ينظم الظروف العادية، وذلك قبل أن يصوغ "نظرية عامة للظروف الاستثنائية"، المؤسسة على "فكرة الضرورة" والتي قرر بمقتضاها انه يحق للإدارة في هذه الظروف أن تتخذ بعض التدابير الاستثنائية (التي تعتبر غير مشروعة بمعيار القواعد العامة التي تحكم الظروف العادية) متى ثبت أن اتخاذها يعتبر أمرا لازما لحماية النظام العام وتامين سير المرافق العامة في فرنسا.

أما الأساس الثاني والأخير للظروف الاستثنائية، فهو الأساس التشريعي، والذي استعرضناه في السطور السابقة عبر مواد القانون الأساسي الفلسطيني المعدل.
س: لاحظنا في الأيام التي تلت إعلان حالة الطوارئ قيام العديد من نشطاء حقوق الإنسان بالتحذير من تبعات هذه الحالة على حقوق المواطن الفلسطيني، فهل لك أن تعطينا باختصار مبرراتهم في هذه التحذيرات؟

ج: قبل الإجابة عن هذا السؤال الهام، أرى أن من واجبي وضع القارئ في صورة السمات المميزة لإعلان حالة الطوارئ في فلسطين، من حيث شروط إعلانها، ومن حيث القيود المفروضة بموجبها على المواطنين؛ فمن حيث شروط إعلانها، فهي:
حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها، وحالة تعرض الأمن أو النظام العام في الدولة أو في جزء منها للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية، أو وقوع كوارث عامة، أو انتشار وباء، وهي تعلن بمرسوم (أو بقرار) من رئيس الجمهورية أو الملك، أو مجلس الوزراء (حسب الدولة).

وتشترط بعض دساتير وقوانين الدول العربية أن يفرض مرسوم إعلان حالة الطوارئ على المجلس التشريعي (مجلس النواب، أو مجلس الشعب ، أو مجلس الأمة..) في أول اجتماع له، على أن يتضمن مرسوم إعلان حالة الطوارئ ما يأتي:
بيان الحالة التي أعلنت بسببها، و تحديد المنطقة التي تشملها، وتاريخ بدء سريانها.

أما من حيث القيود المفروضة على الأشخاص والأشياء أثناء تطبيقها، فهي:
- لرئيس الدولة (رئيس الجمهورية) أو (الملك) أو الحاكم العرفي أو نائبه.متى أعلنت حالة الطوارئ، أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير آلاتية:

1.وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن، دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجزائية، وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.

2. مراقبة الرسائل والمخابرات أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.
3.تحديد مواعيد فتح المحال والأماكن العامة وإغلاقها.

4.الاستيلاء على أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات ، وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما تستولي عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة.

5. سحب التراخيص بالأسلحة والذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة
6.إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

أخيرا، فان إعلان حالة الطوارئ" وما تفرضه من قيود صارمة على الحريات العامة والخاصة، فهي ظاهرة شائعة، وسبيل مطروق في معظم الدول، اقرها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م في المادة الرابعة منه، كما أقرتها الدساتير والنظم الأساسية في دول العالم، ومنها الدول العربية.

فاعلان حالة الطوارئ "شر لا بد منه" تقضي به "حالة الضرورة" الناجمة عن تعرض الأمن والنظام العام في إقليم الدولة للخطر، نتيجة لوقوع حرب، أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات داخلية، أو عصيان مسلح، أو كوارث عامة، أو انتشار وباء.

فالسلطة التنفيذية في مثل هذه الظروف القاهرة تقع تحت وطأة تحديات جسيمة قاهرة، تهدد كيان الدولة ووجودها بذاته، لما لذلك من إخلال بالدعائم الأساسية للكيان المادي للدولة، الأمر الذي يحتم عليها مواجهة هذه التحديات بسلطات استثنائية، تمارسها بموجب القانون الأساسي والدستور، وبغير ذلك، قد تعجز السلطة عن الإمساك بزمام الأمور، وتجاوز "المحنة الوطنية" التي تعصف بالبلاد، والتواني عن قيادة الشعب إلى بر السلامة والاستقرار.

ورغم التسليم بأحكام القاعدة الفقهية التي تقضي بان الضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة لا يجب الأخذ بها على إطلاقها، دونما التفات إلى أحكام القاعدة اللصيقة بها، والتي تقضي بان الضرورات تقدر بقدرها، أي أن تقدر "الضرورة التي تقود إلى إعلان حالة الطوارئ وفقا لحجم التهديدات التي تعصف بالكيان المادي للدولة، وان لا تكون الظروف الاستثنائية سندا مشروعا لتسلط السلطة التنفيذية على رقاب المواطنين، والعدوان على حقوقهم وحرياتهم المكفولة دستوريا.

حالة الطوارئ إذا يجب أن تبقى مرهونة بظروف إعلانها، وهذه الظروف هي نوع من المتغيرات التي تطرأ على الحياة العادية للمجتمع، ولا بد من أن تواجه بالأساليب والوسائل الملائمة لمعالجتها تمهيدا للعودة بالحياة إلى مجراها الطبيعي السابق لقيام الحالة الاستثنائية.

بناء لما تقدم بيانه، ومن باب الحرص على حسن التطبيق الواعي والملتزم بأحكام القانون الأساسي المعدل، والحدود الدنيا لنصوص منظومة حقوق الإنسان العالمية، فلا بد من إحاطة نظام الطوارئ وإعلانه بالقيود والضمانات التالية:

1. على السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمدة الزمنية التي حددتها المادة (110) من القانون الأساسي المعدل، فلا تزيد عن ثلاثين يوما بأي حال من الأحوال، إلا إذا لجأت إلى تمديدها لمدة ثلاثين يوما أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه.

2.فرض المجلس التشريعي لرقابته الكاملة على إعلان حالة الطوارئ، وعلى مدتها وعلى جميع الأوامر التي تصدر أثناء قيام هذه الحالة، ومراجعة الإجراءات والتدابير التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ، كلها أو بعضها، وذلك لدى أول اجتماع يعقده المجلس عقب إعلان حالة الطوارئ، أو في جلسة التمديد أيهما اسبق، وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.

3. عدم تحصين الأحكام الصادرة عن المحاكم الاستثنائية أثناء إعلان حالة الطوارئ، من رقابة القضاء العادي.

4. أن لا تقدم السلطة التنفيذية على اتخاذ أي إجراء أو تدبير أثناء قيام حالة الطوارئ إلا بما تمليه الضرورات العملية فقط، لمواجهة الظروف الاستثنائية التي دعت إلى إعلان حالة الطوارئ، وان لا تبالغ في حجمها على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم المكفولة دستوريا في الأوقات العادية.

5. أن تراعي السلطة التنفيذية أثناء تأديتها لمهامها عدم التفريط بمبدأ الشرعية المستمد من "مبدأ سيادة القانون" أثناء قيام حالة الطوارئ، وهي أن فعلت ذلك، فإنما تنتهك منظومة الحريات والحقوق العامة والخاصة .

6. يتحتم على السلطة التنفيذية وضع "مبدأ قرينة البراءة" فوق كل الاعتبارات الأخرى، كون هذا المبدأ يتجاوز كل الظروف الاستثنائية القاهرة، لان إهداره هو إيذان بإصدار رخص الفتك بالحريات، ومدخل واسع لمرحلة مظلمة من تحكم وطغيان السلطة التنفيذية على ما عداها من السلطات.

7. يجب أن يخضع أي اعتقال ينتج عن إعلان حالة الطوارئ للمتطلبات الدنيا التالية:
أي توقيف يتم بمقتضى مرسوم إعلان حالة الطوارئ يراجع من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ التوقيف، مع تمكين الموقوف من توكيل محام يختاره، وهو ما يملي تكريسا عمليا لحماية الأفراد ضد الاعتقال ألتحكمي ولمدة طويلة، وأن يكون أمر الاعتقال مبررا ، مع إبلاغ المعتقل بأسباب الاعتقال.

8. حظر المقابلات المتلفزة والمكتوبة وكافة التصريحات والندوات التي من شأنها إذكاء الفرقة والانقسام بين صفوف وشرائح المجتمع الفلسطيني، وصولا إلى إعادة اللحمة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، بعيدا عن تأليب المواطنين ضد بعضهم البعض، وتبني منطق التوفيق بدل التفريق، وإصدار قانون المصالحة الوطنية في اقرب وقت ممكن، وفاءا لشلال دمنا الذي آن الأوان له أن يتوقف، قبل أن تضيع معالم مشروعنا الوطني في إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة وعاصمتها القدس الشريف على مذبح الفرقة والاقتتال البغيض.

س: في نهاية هذا اللقاء الهام مع حضرتكم، كيف بمكن للمهتمين من رجال القانون والدستور الاطلاع تفصيلا على هذا الموضوع القانوني الحساس والمهم؟

ج: يمكن لقراء وكالة معا الاطلاع على البحث الدستوري الخاص بإعلان حالة الطوارئ في فلسطين، على موقع بوابة فلسطين القانونية، وعلى الرابط pal-lp.org حيث قمت بجمع كافة المراسيم الرئاسية الصادرة بذات الموضوع، إضافة إلى ما صدر وما سيصدر من مراسيم وقرارات عن حكومة الطوارئ، في محاولة لتوثيق وتأريخ لهذا الحدث الدستوري الاستثنائي في وطننا الغالي فلسطين.