الأحد: 10/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شخصيات مقدسية تطالب بإستراتيجية وخطط لدعم القدس

نشر بتاريخ: 08/03/2014 ( آخر تحديث: 08/03/2014 الساعة: 21:12 )
شخصيات مقدسية تطالب بإستراتيجية وخطط لدعم القدس
رام الله- معا - حذرت عشرات الشخصيات المقدسية من النتائج الخطيرة المترتبة على تصاعد السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تقليص الحيز الفلسطيني الجغرافي والديمغرافي في مدينة القدس، لا سيما مع اشتداد محاولات عزل المدينة عن امتدادها الفلسطيني منذ استئناف المفاوضات الثنائية. كما وجهوا انتقادات للجهات الرسمية والوطنية والأهلية بسبب التقصير في بلورة إستراتيجية شاملة للدفاع عن مدينة القدس في مواجهة سياسات الضم والاستيطان وهدم المنازل وتهويد الطابع، العربي الإسلامي المسيحي، للمدينة المقدسة.

وطالب هؤلاء بوضع خطط عمل قطاعية في مختلف المجالات وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها، بدءا من دعم صمود المقدسيين في مواجهة السياسات الرامية لإجبارهم على الرحيل إلى خارج المدينة، لا سيما الفئات الأكثر تضررا من سياسات التضييق الاقتصادي وجباية الضرائب، وأصحاب المنازل المهددة بالهدم، وتوفير المقومات اللازمة لمقاومة مخططات الاحتلال، مرورا بدعم قطاعات التعليم والصحة ومخططات التنظيم والبناء الفلسطينية، وتوفير الدعم للمؤسسات الوطنية في المدينة وتحفيز تلك التي انتقلت خارجها على استئناف العمل داخلها، وبخاصة مع المجتمعات المحلية في الأحياء والمناطق المستهدفة، وتشجيع الاستثمار بهدف تحقيق التنمية في مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدماتية، وليس انتهاء بالتركيز على برامج التوعية ونشر الثقافة الوطنية وتعزيز الذاكرة التاريخية.

كما نوهوا إلى أهمية التحرك الفلسطيني لدعم القدس على المستويات العربية والإسلامية والدولية، بما في ذلك البناء على خطوة رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة "مراقب" في الأمم المتحدة، من أجل حماية عاصمة هذه الدولة، والاستفادة مما يوفره القانون الدولي من وسائل وأدوات لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وسياسة فرض الوقائع على الأرض، وكذلك حشد الدعم السياسي والمادي لتعزيز صمودة المقدسيين وإحباط مخططات التهويد والاستيطان والمصادرة.

جاء ذلك خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية/ مسارات، بالتعاون مع الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية/ باسيا، في فندق "الليجيسي" في القدس، تحت عنوان "قضايا القدس: رؤيا مستقبلية"؛ بهدف إثارة نقاش موسع حول السياسات المطلوبة لمواجهة مخططات استهداف المدينة المقدسة والوجود الفلسطيني فيها، وذلك في سياق التحضيرات الجارية للمؤتمر السنوي الثالث لمركز مسارات المزمع عقده تحت عنوان "إستراتيجيات المقاومة" في 4 و5 نيسان القادم.

وافتتح اللقاء، الذي شاركت فيه عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والناشطة في مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية بالقدس، د. مهدي عبد الهادي رئيس مؤسسة باسيا، حيث قدم شرحا مدعما بعرض شرائح حول التغييرات التي فرضتها سلطات الاحتلال داخل المدينة وفي محيطها، جغرافيا وديمغرافيا، منذ احتلالها في حزيران 1967، ومخاطر مخططات الاستيطان والضم والمصادرة ضمن مشروع "القدس الكبرى"، لمحاصرة وتقليص الوجود الفلسطيني داخل المدينة وفي محيطها.

واستعرض نتائج السياسات الممنهجة التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية وبلدية الاحتلال في المدينة للتضييق على المقدسيين ودفعهم للهجرة القسرية منها، بما في ذلك رفض منح تراخيص البناء وهدم المنازل وفرض الضرائب الباهظة، وسحب بطاقات الهوية، وسياسة الإفقار المتعمدة، وإغلاق المؤسسات الوطنية، إلى جانب توسيع الاستيطان وبناء الجدار الفاصل، وغير ذلك من سياسات لتحويل الفلسطينيين إلى أقلية، منوها إلى أن جزءا من هذه السياسات، لا سيما بناء الجدار، أدى إلى تشجيع المقدسيين على الانتقال للسكن في داخل حدود المدينة بالرغم من الأزمة السكنية الخانقة على عكس ما خططت له سلطات الاحتلال.

كما تطرق عبد الهادي إلى الانتهاكات المتزايدة لحرية الوصول إلى أماكن العبادة، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتراجع في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في المدينة بسبب السياسات الإسرائيلية من جهة، وغياب خطط فلسطينية داعمة لصمود وتنمية المؤسسات المختلفة من جهة أخرى، وبخاصة في قطاعات التعليم المدرسي والجامعي، بما في ذلك محاولات فرض المناهج الإسرائيلية في عدد من المدارس، إلى جانب الضعف في قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات.

بدوره، تحدث الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، عن أهمية التوافق الوطني على إعادة تعريف المشروع الوطني وأهدافه الإستراتيجية في سياق إعادة بناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها الوطني الموحد، لا سيما أن ذلك يعتبر شرطا حاسما لمواجهة سياسة التجزئة والشرذمة ضد الشعب الفلسطيني التي يقوم عليها المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، بما في ذلك تركيزه على استهداف مدينة القدس بالتهويد والاستيطان وخنق الوجود الفلسطيني فيها وعزلها عن تواصلها مع امتدادها الفلسطيني في باقي الأراضي المحتلة منذ العام 67.

وقال إن الهدف من هذا اللقاء هو الاستماع مباشرة من المقدسيين أنفسهم حول مشاكلهم واحتياجاتهم والسياسات المطلوبة لتعزيز صمودهم، كأفراد ومؤسسات، وتمكينهم من مقاومة مخططات الاحتلال، في إطار مشروع وطني تحرري جماعي وإستراتيجية شاملة لتحقيق أهدافه. ونوه إلى ضرورة مراعاة واقع وظروف وخصوصية كل من التجمعات الفلسطينية في الأماكن التي فرضت عليها، بما في ذلك برامج نضالها على المستويات الوطنية والمعيشية، تحت سقف برنامج وطني موحد تقود عملية تحقيق أهدافه المؤسسة الوطنية الجامعة والقيادة الموحدة. وهو ما يضمن الترابط والتكامل في الكفاح من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة والأهداف التي تعكس أولويات كل من التجمعات الفلسطينية.

ونوه المصري إلى أن هذا الترابط والتكامل في أهداف وأشكال النضال في كل من التجمعات الفلسطينية من جهة، والنضال الجماعي للشعب الفلسطيني من أجل التحرر والعودة وتقرير المصير من جهة أخرى، هو أحد أهم المحاور التي يسعى المؤتمر السنوي الثالث لمركز مسارات لتناولها عبر اقتراح سياسات محددة تركز على توفير متطلبات الصمود في كل من التجمعات الفلسطينية والتحرر من القيود السياسية والاقتصادية والمعيشية التي تعرقل توظيف مصادر قوتها في الانخراط الفعال في تحقيق الأهداف المشتركة للمشروع الوطني، وفي مقدمة كل ذلك يأتي الاهتمام بمدينة القدس وصمود أهلها وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم وتعزيز النضال الفردي والجماعي والمؤسسي في مواجهة مخططات الاحتلال.

وقدم المشاركون في اللقاء مجموعة من الاقتراحات التي يمكن أن تشكل أساسا لبلورة إستراتيجية وطنية خاصة بمدينة القدس، تنبثق عنها خطط عمل في المجالات الكفاحية الوطنية، ودعم المجتمعات المحلية والفئات الأكثر تضررا من سياسات الاحتلال، وبخاصة في الأحياء المستهدفة بالتهويد والاستيطان وهدم المنازل، وتنمية القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدماتية، وتطوير بنية نظام التعليم ومحتواه بمختلف مراحله، والصحة، والتخطيط والتنظيم والبناء، وبرامج الإسكان، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية والمواقع الأثرية والتاريخية، وتوفير الدعم للمؤسسات المقدسية الناشطة في مختلف المجالات، وتشجيع عودة المقدسيين والمؤسسات إلى المدينة، واستخدام وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لفضح الانتهاكات الإسرائيلية، وإطلاق مبادرات مجتمعية حول قضايا محددة، وتنمية دور الشباب وحراكاتهم متنوعة الأهداف، إضافة إلى وضع خطط عمل للتحرك وحشد الدعم السياسي والاقتصادي والمالي والقانوني على المستويات العربية والإسلامية والدولية.

واعتبر عدد من المشاركين أن هناك تقصيرا في استخدام الوسائل والأدوات المتاحة لمجابهة الإجراءات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي، فضلا عن المجالات الواسعة التي يفتحها الانضمام إلى الاتفاقات الدولية والوكالات التابعة للأمم المتحدة؛ من أجل مواجهة الاستيطان والتهويد وهدم المنازل وغيرها من جرائم يمكن ملاحقة ومعاقبة دولة الاحتلال على ارتكابها بشكل يومي في القدس.

ودعا المتحدثون إلى وضع خطة عملية لتأمين الموارد المالية وتشجيع الاستثمار في القدس، تشمل تجنيد الموارد لصالح صندوق خاص بدعم مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك مشاريع الإسكان والبناء، والتعليم المدرسي والمهني والمناهج والتعليم الجامعي، وتنمية الأسواق الشعبية، وبخاصة داخل البلدة القديمة، وغير ذلك.

وقدمت اقتراحات مهمة خلال اللقاء، منها وضع خطة في مجال التخطيط ودعم البناء تنطلق من تحدي إجراءات الاحتلال وفرض الأمر الواقع الفلسطيني في المدينة، وعلى أطرافها، وتوفير التمويل اللازم لذلك، وإطلاق مبادرات جماعية رافضة للإجراءات الإسرائيلية الرسمية أو مخططات بلدية الاحتلال في المدينة، مثل الامتناع الجماعي عن دفع الضرائب، وبخاصة "الأرنونا"، كما حدث خلال الانتفاضة الأولى، وتعزيز التكافل الاجتماعي وبرامج العمل الطوعي.

كما توقف المشاركون أمام ظاهرة هجرة ورحيل المقدسيين المسيحيين عن المدينة، وتراجع عددهم إلى أقل من 8 آلاف نسمة فقط، وطالبوا بوضع خطة كفيلة بتعزيز الوجود المسيحي، البشري والمؤسسي، ودعم ورعاية المقدسات المسيحية في المدينة.

واقتُرح أن تتم صياغة عريضة تقدم إلى قداسة البابا أثناء زيارته المقبلة، ويوقع عليها أكبر عدد من المقدسيين المسلمين والمسيحيين والمؤسسات الناشطة في المدينة حول انتهاكات الاحتلال للحريات الدينية والقيود المفروضة على الوصول إلى أماكن العبادة والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية وسياسات التهويد التي تستهدفها، إلى جانب تسليط الضوء على المخاطر التي تهدد الوجود المسيحي الأصيل في الحفاظ على طابع المدينة، العربي الفلسطيني الإسلامي المسيحي.