الخميس: 14/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شخصيات فلسطينية تناقش أشكال النضال في الداخل ضمن مشروع وطني جمعي

نشر بتاريخ: 11/03/2014 ( آخر تحديث: 11/03/2014 الساعة: 17:26 )
رام الله - معا - أكدت شخصيات سياسية وأكاديمية وفعاليات مجتمعية من أراضي 1984، أن مواجهة واقع التجزئة الذي فرض على الشعب الفلسطيني منذ النكبة بفعل تقدم المشروع "الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي"، تتطلب صياغة مشروع وطني جماعي للشعب الفلسطيني يركز على الحقوق التاريخية والطبيعية للفلسطينيين أينما كانوا، دون أن يتجاهل ضرورة التكامل بين الكفاح الجماعي لتحقيق الأهداف الإستراتيجية المشتركة، وأشكال النضال الأكثر مواءمة لتحقيق الأهداف والبرامج الخاصة بكل من التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات.

وحذروا من التكيف مع نتائج الأمر الواقع الذي يسعى لتكريسه المشروع الاحتلالي عبر مخططات التهويد والأسرلة والتجزئة والتهجير القسري، وإنتاج آليات سيطرة متباينة في أشكالها المطبقة في كل من التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48، لكنها تشترك في سعيها لإدامة النظام الاحتلالي الاستيطاني.

وشددوا في هذا السياق على أن الفلسطينيين الذين صمدوا على أراضي 48 منذ النكبة، هم جزء أساسي وطليعي من الشعب الفلسطيني في التمسك بالحقوق التاريخية، والهوية الوطنية، وفي النضال ضد المشروع الاحتلالي، والسياسات الإسرائيلية القائمة على مبدأ "الدولة اليهودية"، بالرغم من النتائج التي ترتبت على توقيع اتفاق أوسلو لجهة إقصائهم وتهميشهم ضمن التمثيل السياسي الفلسطيني والمشاركة في صنع القرار الوطني، والتعامل معهم كأنهم شأن إسرائيلي داخلي.

جاء ذلك خلال لقاء فكري بعنوان "أهداف وأشكال النضال في أراضي 48 ضمن مشروع وطني جمعي"، نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات بالتعاون المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة - مدى الكرمل، في مقر الأخير بمدينة حيفا، وذلك في سياق التحضيرات للمؤتمر السنوي الثالث لمركز مسارات المزمع عقده تحت عنوان "إستراتيجيات المقاومة" يومي 4 و5 نيسان القادم.

وافتتح اللقاء إمطانس شحادة، منسق مشروع دراسات إسرائيل في مركز مدى الكرمل، الذي نوه إلى أهمية مثل هذه اللقاءات في تبادل المعرفة حول أوضاع وظروف مختلف التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، لا سيما في ظل الحاجة المتزايدة لإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، وتحقيق التكامل في أدوار الفلسطينيين جميعا في مختلف التجمعات لتحقيق أهدافه الإستراتيجية.

وقال شحادة إن هناك أربعة مشاريع تؤطر أهداف وأشكال العمل الفلسطيني؛ الأول هو مشروع الأسرلة الذي يقع أصلا خارج نطاق نضال الشعب الفلسطيني، والثاني ينطلق من إطار "حل الدولتين" الذي لم يعد يجيب عن الأسئلة ذات العلاقة بالحقوق التاريخية للفلسطينيين جميعا في وطنهم والمشروع الوطنى التحرري، والثالث يقوم على فكرة تحويل إسرائيل إلى دولة ديمقراطية كسبيل لإنهاء دورها كدولة محتلة وعنصرية، لكن هذا المشروع لا يندرج ضمن مشروع وطني فلسطيني أوسع، والرابع هو مشروع إنهاء منظومة السيطرة الكولونيالية الاستيطانية العنصرية التي أنشأها المشروع الصهيوني، بحيث يندرج ذلك ضمن مشروع وطني فلسطيني جماعي.

بدوره، شكر هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، "مدى الكرمل" على استضافته اللقاء في سياق دوره البحثي الرائد. وقال إن اللقاء هو عبارة عن حلقة نقاش مفتوحة حول أهداف وأشكال النضال الفلسطيني في أراضي 48 ضمن المشروع الوطني الجمعي، الذي يعد واحدا من أبرز المحاور التي سوف يتناولها المؤتمر السنوي الثالث لمركز مسارات.

ونوه إلى أن المؤتمر يسعى إلى تحفيز التفكير الإستراتيجي الفلسطيني على البحث في إعادة تعريف المشروع الوطني وأهدافه الإستراتيجية، وإستراتيجيات المقاومة الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف وفق ظروف كل من التجمعات الفلسطينية، وبخاصة في ضوء المأزق الذي تعانيه القضية الفلسطينية والحركة الوطنية، وتراجع المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير، وواقع الانقسام والتجزئة، والمتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة العربية، والعوامل الدولية غير المواتية. الأمر الذي شجع الإدارة الأميركية على بذل جهود سياسية مكثفة يقودها وزير خارجيتها جون كيري، في لحظة ترى أنها تنطوي على فرصة لا تعوض بالنسبة لإسرائيل للتوصل إلى اتفاق تصفوي للحقوق الفلسطينية.

واستعرض المصري أبرز المخاطر التي تنطوي عليها الأفكار التي تضغط الإدارة الأميركية لتمريرها ضمن "اتفاق الإطار"، لا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل كدولة "يهودية"، والانتقاص من السيادة الفلسطينية على القدس والأغوار، والمس بحق اللاجئين في العودة، وعدم ضمان إزالة المستوطنات وما تسمى "الكتل الاستيطانية"، مقابل صيغ عامة فضفاضة، لا تضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، مؤكدا أن الرد على كل ذلك يتمثل برفض الاستمرار في إطار المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية، وإعطاء الأولوية لبلورة إستراتيجية وطنية موحدة، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس وطني ديمقراطي وشراكة سياسية حقيقية، بما يعزز وحدة الشعب الفلسطيني وقدرته على مواجهة التحديات والمخاطر.

من جانبه، تطرق خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، إلى أهمية الترابط والتكامل في أهداف وأشكال النضال في كل من التجمعات الفلسطينية من جهة، والنضال الجماعي للشعب الفلسطيني من أجل التحرر والعودة وتقرير المصير من جهة أخرى. وقال إن المؤتمر الثالث لمركز مسارات سوف يخصص حيزا واسعا لهذا الموضوع عبر اقتراح سياسات محددة تركز على توفير متطلبات الصمود في كل من التجمعات الفلسطينية والتحرر من القيود السياسية والاقتصادية والمعيشية التي تعرقل توظيف مصادر قوتها في الانخراط الفعال في تحقيق الأهداف الإستراتيجية المشتركة للمشروع الوطني.

وأضاف شاهين أن تشابه السياسات التي تطبقها إسرائيل في النقب والجليل والمثلث والقدس والأغوار وجنوب الضفة الغربية وغيرها، إنما يؤكد أن الشعب الفلسطيني في سائر أنحاء الوطن يواجه نفس النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري، بالرغم من تباين منظومة آليات السيطرة والتحكم التي ينتجها هذا النظام في ضوء اختلاف التصنيف الإسرائيلي لمكانة الفلسطيني حسب التجمع الذي يقيم فيه، وهو ما يفرض ضرورة التوحد في مواجهة المشروع الصهيوني على قاعدة التمسك بالحقوق الفلسطينية التاريخية وحق تقرير المصير وعودة اللاجئين.

وشدد المشاركون في اللقاء على أهمية إثارة نقاش وطني حول موقع ودور فلسطينيي أراضي 48 في إطار مشروع وطني جمعي يعيد في المقابل تعريف إسرائيل نفسها كنظام كولونيالي استيطاني عنصري، منوهين إلى أن مجمل التطورات خلال الفترة الماضية، بما في ذلك توقيع اتفاق أوسلو، ومن ثم الانقسام الفلسطيني الداخلي، وصولا إلى المتغيرات في المنطقة العربية، أثرت ولا تزال على الفلسطينيين في أراضي 48، وبنية وأشكال تعبيراتهم السياسية، دون أن تطمس الحقيقة التاريخية التي تؤكد هويتهم وثقافتهم كجزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

وحذروا من خطورة الاستمرار في تجاهل نقاط القوة الكامنة لدى مختلف التجمعات الفلسطينية بالرغم من اختلاف ظروفها، لا سيما لدى الشعب الفلسطيني في أراضي 48، مشيرين في هذا السياق إلى القلق الإسرائيلي المتصاعد من المبادرات الكفاحية المشتركة التي توحد حولها الفلسطينيون في الوطن والشتات، ومنها: مسيرات عودة اللاجئين إلى الوطن عبر الحدود اللبنانية والسورية والأردنية في أيار 2011، والتنسيق بين حراكات المجموعات الشبابية في مختلف التجمعات الفلسطينية، والتضامن مع قضية الأسرى، والرباط في المسجد الأقصى المبارك، والفعاليات المتنوعة لرفع الحصار عن مخيم اليرموك، والتصدي لمخطط "برافر" في النقب، ولمخططات الاستيطان والمصادرة في الضفة الغربية، وضد العدوان والحصار المفروض على قطاع غزة، إضافة إلى العمل المشترك ضمن فعاليات المقاطعة.

وأكد عدد من المشاركين أن خوض مثل هذه المعارك المشتركة يؤكد أن ما يوحد الفلسطينيين أكثر بكثير مما يفرقهم، إلى جانب حيوية الهوية الوطنية والتمسك بالحقوق التاريخية والرواية المشتركة، غير أن غياب القيادة الموحدة والبرنامج الوطني الواحد يفتح المجال أمام الصراعات الثانوية المحلية والعشائرية، والتنافس الفئوي، والانقسامات في الجبهة الداخلية. وهي حالة لم يكن الفلسطينيون في أراضي 48 بمنأى عنها في ظل تزايد الانشغال بالأزمات والمشكلات الداخلية التي تغذيها السياسات الإسرائيلية، كأزمة السكن وتصاعد العنف والجريمة وانتشار السلاح، وتدني مستويات المعيشية والخدمات في مجالات التعليم والصحة، الأمر الذي يعزز الانفصال بين اهتمامات الجمهور وخطاب القوى السياسية، فضلا عن الانفصال بين مجمل أولويات وهموم الفلسطينيين في أراضي 48، كما في تجمعات الشتات، والبرامج التي تطرحها مجمل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية في ظل غياب القيادة الواحدة والمشروع الوطني الجمعي وإستراتيجيات النضال الموحدة.

وتناول المشاركون أشكال النضال السياسي والجماهيري ضد سياسات التمييز والتهجير القسري وهدم المنازل ومصادرة الأراضي التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد فلسطينيي أراضي 48، ودفاعا عن الهوية والثقافة الوطنية، انطلاقا من شروط الواقع الذي يفرضه عليهم المشروع الصهيوني الكولونيالي العنصري. وأوضحوا أن أشكال المقاومة الشعبية الواسعة ضد النظام الاستعماري الاستيطاني تفسح المجال أمام انخراط أوسع القطاعات في مختلف التجمعات الفلسطينية في النضال المشترك لتحقيق أهداف محددة، كما هو الحال في حملات المقاطعة، والتصدي لمخططات المصادرة والتطهير العرقي والتهجير القسري في مختلف المدن والبدات والقرى الفلسطينية.

وأكدوا أن نقطة البداية في تعزيز النضال الموحد تكمن في صياغة مشروع وطني تحرري موحد، وإعادة بناء التمثيل الوطني الموحد وفق آليات تراعي خصائص وظروف مختلف التجمعات الفلسطينية، وتعزز دورها في صنع القرار، مشيرين إلى أنه بالرغم من واقع التجزئة بفعل السياسات الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يبرر التقاعس عن بناء حركة شعبية موحدة بدءا من العمل المشترك من أجل إعادة بناء عدد من الاتحادات والأجسام التي تعبر من مصالح أعضائها في القطاعات المتماثلة، مثل بناء اتحادات موحدة للطلبة والكتاب والمرأة وغيرها، لا سيما أن مثل هذه المبادرات قد يشكل انطلاقة تحفز على شق طريق جديدة نحو مشروع تحرري متكامل للشعب الفلسطيني أينما وجد.